الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللاعودة في انتفاضة السويداء

راتب شعبو

2023 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يطمئن نظام الأسد إلى أن لهيب السويداء لم يشعل المناطق السورية الأخرى كما جرى في 2011 حين كانت درعا شرارة ثورة شاملة. هذا الاطمئنان، إضافة إلى حساسية المنطقة الديموغرافية وحساسيتها الجغرافية بسبب قربها من الحدود الإسرائيلية، هو ما يفسر تحمل النظام لما يجري في السويداء، واكتفائه بالعمل المخابراتي الهادف إلى زرع الفوضى وتفكيك الموقف الجماعي للأهالي من الداخل، مع إطلاق ألسنته الجاهزة للتبخيس واختلاق شتى صنوف الاتهامات ضد انتفاضتها.
العوامل التي تعيق امتداد لهيب السويداء، تشمل الانقسام السوري المتعدد الطبقات، انقسام على مستوى السلطات الحاكمة على الأرض، وانقسام على مستوى شعبي بحسب مواقف الناس من هذه السلطات، هذا فضلاً عن التهاب الانقسامات التي تسير على خطوط مذهبية وقومية وعرقية ... الخ، والتي تغذت على الفشل العام الظاهر في عدم تبلور تمثيل سياسي سوري ذي بعد وطني ويتمتع بقدر معقول من المقبولية العامة.
رغم ذلك، يمكن النظر إلى انتفاضة السويداء على أنها إحياء لثورة 2011 التي خسرت نفسها في متاهات السلاح وضروب الإسلام السياسي. اليوم يستعيد متظاهرو السويداء تلك الروح التي تاهت، يستعيدونها بوجهها السلمي والوطني السوري. الظروف التي تمنع النظام من مواجهة انتفاضة السويداء بالرصاص، تحميها من الاضطرار إلى حمل السلاح وما يجر من طيش ومآس وارتهان للجهات الممولة والقادرة على تأمين المستلزمات. كما أن طبيعة التكوين السكاني للمنطقة تحمي السويداء من تغلغل الفكر السياسي التقسيمي المتمثل في الإسلام السياسي.
تعرض السويداء اليوم وجه الثورة السورية الذي يشبه حلم مطلقيها الأوائل. وإذا كان إبراز هذا الوجه والحفاظ عليه مكسباً سورياً، يحرم طغمة الأسد من أن تصدر إلى العالم صورة منفرة (العنف والإسلامية) قادرة على تشويش حقيقة الصراع، فإن الوجه الذي تعرضه ساحات مدن وقرى السويداء اليوم ينطوي أيضاً على قصور لا بد من الإشارة إليه.
ينبغي القول، إن قدرة السوريين في 2011 على مواجهة نظام الأسد الذي استخدم كل مقدرات الدولة وكل الوسائل السوداء لسحق ثورتهم، لم تكن ممكنة لولا السلاح والإسلاميين. السلاح الذي حد من قدرة عنف النظام على تصفية الخارجين عليه أو إخضاعهم، والإسلاميون القادرون على التنظيم والحشد وحقن جمهور الثورة بعزيمة وعصبية مكنتهم من الصمود. ولا ريب أنه إلى جانب ما قدم السلاح والإسلاميون للسوريين من قدرة على المواجهة، فإن كليهما جر على الناس بلاويه الخاصة التي انتهت بتحطيم الثورة.
تكشف النظرة الراجعة أن ما جعل السوريين يصمدون في وجه آلة البطش والقتل الأسدية، هو نفسه ما قاد ثورتهم إلى التعثر والضياع. وحين تكون انتفاضة السويداء محمية من السلاح ومن الإسلاميين، وهو ما يعطيها وجهاً ناصعاً، فإنها تبقى، بسبب ذلك، وبعد كل ما مر على رؤوس السوريين خلال أكثر من 12 سنة، عرضة للضعف والعزلة. فلا هي قادرة بذاتها على اقتلاع الأسد، ولا يبدو أننا سنشهد بروز تضامن سوري واسع معها، يهدد سيطرة نظام الأسد. بعبارة أخرى، إن ما يعطي انتفاضة السويداء وجهها الناصع الذي يحرج طغمة نظام الأسد، هو نفسه ما يجعلها عرضة للضعف. كما لو أن ما يستند إليه نظام الأسد، وأشباهه، من عنف وعصبوية وفساد وانعدام في الأخلاق وارتهان لجهات خارجية حامية، تصعب مواجهته بالنزاهة والسلمية والأخلاقية والحرص على الاستقلالية في وجه الخارج. يشكل هذا في رأينا، أحد جوانب تعقيد عملية التغيير السياسي في سوريا.
مثابرة أهل السويداء على الحركة، أمر يثير للإعجاب ويغذي الأمل، مع ذلك يبقى السؤال، هل يلعب الزمن في صالح أم ضد صالح الانتفاضة؟ ما هي الخطوة التالية في السويداء إذا استمرت في عزلتها دون أن يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى تحت سيطرة النظام؟
ما حققته انتفاضة السويداء اليوم هو أنها أظهرت للعالم أن نظام الأسد يواجه شعباً ذا مطالب سياسية، ولا يواجه، كما دأب أن يصدر إعلامه للعالم، إسلاميين مسلحين عدميين وإرهابيين. وإذا كنا نعتقد أن أصحاب القرار في العالم ليسوا مأخوذين بإعلام النظام، فإننا، في الوقت نفسه، نعتقد أن النظام وحلفاءه، استطاعوا مع الزمن، وبسبل شتى، دفع الصراع إلى المكان الذي يجعل العالم يقتنع برواية النظام.
اليوم تهاجم ألسنة النظام انتفاضة السويداء بأنها انفصالية، رغم دأب أهل الانتفاضة على إنكار هذه التهمة وتكرار رفضهم الإدارة الذاتية وتمسكهم بوطنهم وتركيزهم على وحدة سوريا وعلى المطالب السورية العامة مثل قضية المعتقلين وقضية بيع الأصول السورية وتطبيق القرار 2254 ... الخ. مع ذلك، حين يفكر المرء بالوجهة التي يفرضها النظام على تطور الصراع في السويداء، يجد أن المحافظة قد تجد نفسها مدفوعة إلى سلوك طريق الإدارة الذاتية بوصفه السبيل الوحيد للخلاص من تحكم طغمة الأسد بلقمة عيشهم وتربصه بهم لتفجير ساحة السويداء واستعادة السيطرة. هذا الطريق قد يجبر أهالي السويداء على فتح تواصل مع الأردن، وقد يضطرون إلى قبول مساندة من أطراف دولية منها أميركا، التي تواصل بعض كبار مسؤوليها مع رجال من الزعامة الروحية في المحافظة.
على هذا يبدو لنا أن المحافظة دخلت سبيلاً لا مجال للعودة عنه. كل من خرج صراحة على نظام الأسد منذ 2011، وجد نفسه مضطراً للعيش خارج سيطرة النظام. أكان في اللجوء خارج البلد، أو اللجوء إلى مناطق داخل البلد خارج سيطرة النظام مثل مناطق إدلب وريف حلب والجزيرة السورية. لا يمكن لأهالي السويداء بعد هذه الانتفاضة أن يعيدوا علاقتهم مع نظام الأسد تحت طائلة انتقامات وتصفية حسابات واسعة يدركها الجميع، الأمر الذي سيدفع أبناء المحافظة للبحث عن حماية بالخروج، بشكل ما، من دائرة سيطرة النظام.
سبق أن نجح نظام الأسد في دفع ثورة 2011 إلى مسار يحقق عبره "نبوءته" بأنها ليست ثورة بل حركة إسلامية سلفية، وحقق في "نجاحه" هذا المزيد من الخراب للبلاد. اليوم يتكرر ما يشبه ذلك، وهو دفع السويداء إلى نوع من الإدارة الذاتية التي تحميها من النظام، كي تتحقق "نبوءة" ألسنته، بأنها ليست انتفاضة ضد نظام سياسي، بل حركة انفصالية. في كل "نجاح" لطغمة الأسد، خراب جديد لسوريا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية