الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة إغتيال طارق عزيز .. مسؤولية من كانت ؟

جعفر المظفر

2023 / 10 / 3
سيرة ذاتية


في الحلقتين السابقتين الخاصتين بمحاولة اغتيال طارق عزيز كثرت الأقاويل حول وجود علاقة بين صدام ومحاولة الإغتيال لذلك رأيتني وأنا الذي كنت في المركز من ذلك الحدث ولعلاقتي بأحداثه الساخنة, وجدتني أؤجل قناعاتي الشخصية, أو فلنقل افتراضاتي الشخصية, جانباً لكي استعرض كثيراً من الصفات التي ترجح احتمال أن يكون صدام هو الذي كان وراء ذلك الحدث, أو تلك التي ترجح براءته.
إن النظامين, البعثي في العراقي والإسلامي في إيران, كانا لا يهتمان بتقديم شروحات عما يفعلاه. لقد كان يكفي أن يقول صدام حسين ما يجعله يظن أن العراقيين سيصدقوه بدون أن يطالبوه بدليل, وأمر الخميني مع الإيرانيين كان هو نفسه, لذلك اصبحت مهمة الحصول على إجابات مقنعة حتى عن تلك التي تتعلق بالأحداث الجسام هي مهمة ذاتية بحتة تعتمد على تحليلات ذات طابع إستقصائي وتحليلي واستنتاجي, أي بما يؤسس له المنطق وليس بما تؤسس له الوثائقية الدامغة.
وفي الحلقتين السابقتين من هذا المشهد المفصلي الخاص بمحاول اغتيال طارق عزيز على بوابة المستنصرية حاولت أجيب عن افتراض يقول إن صدام هو الذي كان وراء الحادث, ولم أكن أملك على طريق تقديم الإجابة سوى عقلي وتجربتي وقلمي, فتحدثت عن الأسباب التي جعلت البعض يظنون أن صدام هو الذي فعلها, ومثل ذلك فقد تحدثت بحلقة مستقلة عن الأسباب التي دعت الناس إلى الظن بأن خميني هو الذي فعلها, أما في هذه الحلقة الختامية لهذا الفصل فسوف أقدم أسباباً أكثر دقة لظني أن صدام لم يكن هو الذي دبر محاولة الإغتيال :
1- صحيح أن عزت الدوري وطه الجزراوي كانا هما يد صدام الضاربة التي أعانته جيداً على التخلص من منافسيه داخل الحزب وتنصيبه واحداً أحدْ, إلا أن دور طارق عزيز الثقافي والإعلامي جعلا منه قائداً للأمة وإنجاباً تاريخياً, وكان عزيز قد قدم لقائده خدمة كبيرة حينما أعانه على أصدقائه الخمسة من أعضاء القيادة القطرية الذين كانوا بمثابة قطة ليلة دخلة صدام على الحزب ومن خلاله على العراق مثلما كان قد أعانه أيضاً على عبدالخالق السامرائي عضو القيادتين القومية والقطرية ورئيس المكتب الثقافي يوم وجد فيه البديل الوحيد القادر على معاونته في إدارة المكتب الذي طمح لتصدره وكان هذا الطموح واحداً من الأسباب التي جعلت صدام يتخلص من السامرائي.
2-كان طارق عزيز هو النجم الصحفي اللامع في حياة الحزب منذ أن تعين في الجهاز الإداري والاعلامي لصحيفة الجمهورية التي كان يصدرها الحزب عام 1958 برئاسة الدكتور سعدون حمادي مثلما شكل مع صدام حسين ثنائياً نشطاً في وجه ما سمي وقتها بالتيار اليساري في الحزب الذي تشكل من الخمسة الذين ترأسهم علي صالح السعدي بعد الانقلاب على عبدالكريم قاسم, وكان مع صدام من ضمن المجموعة المسلحة التي دخلت على قاعة المؤتمر القطري الإستثنائي في تشرين من عام 1963والتي أفلحت بإزاحة السعدي مع مجموعته من اليساريين الخمسة,وقد أختير عزيز وقتها عضواً في القيادة القطرية التي لم تعمر سوى لخمسة أعوام بعد أن قاد عبدالسلام عارف انقلابه المعروف في 18 تشرين من عام 1963.
3- كان من بين هداياه للتيار الإسلامي الصاعد بين جمهور (السنة) بعد التمرد الشيعي ضد سلطته في أعقاب حرب الكويت أن اقدم على (أسلمة) ميشيل عفلق بعد موته لغرض التخلص من الثلمة العلمانية للحزب التي كان يقف منها الإسلاميون موقف التحفظ وحتى التشكيك. بقاء طارق عزيز المسيحي عضواً في القيادتين ومسؤولاً كبيراً في الدولة يؤكد مدى حاجته إليه في كل المراحل.
4- طارق عزيز كان هو الوحيد الذي يتحدث الإنكليزية بطلاقة, لذلك كان حاجته له أوروبياً بسبب (ديانته) وكفاءته اللغوية والمهنية العالية, وخاصة في اثناء الحرب العراقية الإيرانية, هي حاجة ماسة, ولعل هذه النقطة لوحدها من دون الحاجة إلى النقاط الأخرى ترجح ميل صدام إلى عدم التضحية بطارق عزيز وتمني عدم تعرضه للأخطار. وقد ظهر واضحاً أن صدام كان مهتماً في أثناء الحرب مع إيران أن يمثله طارق عزيز المسيحي الذي جعلته هويته الدينية وكفاءته قادراً على نيل الإعجاب الأمريكي والأوروبي بشكل ملفت للنظر.
ولنتذكر أيضاً إصراره على أن يمثل طارق عزيز (المسيحي) العراق في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي إنعقد لبحث الحرب بين العراق وإيران في منتصف الثمانينات من القرن الماضي. لقد كان طارق عزيز مفاوضاً متمرساً والوحيد من بين أعضاء قيادته القادر على خلق الصلة بالعالم, و(المسيحي) الأقدر على حسم هوية العراق (العلمانية) في وجه هوية إيران الدينية الإسلامية, وهو أمر كان له موقعه الخاص في حسم مسألة التفوق المطلوبة أوروبياً وأمريكياً.
5- كان طارق عزيز العراقي بمثابة (فارس الخوري) السوري المسيحي الذي أصبح رئسياً للبرلمان في فترة الإنتداب الفرنسي ورئيساً للوزراء في فترة الإستقلال. ولم يصبح طارق عزيز رئيساً للوزراء لأن المرحلة لم تعد خورية بل تحولت تديجياً إلى إسلاموية. أما الخوري فمسيحي ضد فرنسا وأوروبا المسيحية في عهد التحرر من الإستعمار وبناء الدولة الوطنية المستقلة.
6- ضد إيران أراد صدام أن يشغل العامل القومي ضد العامل الديني. ولم يكن قد وِضع بعد في أجواء التحول الإسلاموي في مرحلة التسعينات. طارق عزيز يتوافق جداً ونظرية ذلك الصراع في الثمانينات.
8- من أهم العوامل التي جعلت لطارق عزيز أهمية مضاعفة لدى صدام وخاصة بعد حدثي 1973 (القضاء على عبالخالق السامرائي) أن عزيز هو الذي كان يدير له المكتب الثقافي الذي أصبح صدام مسؤوله وقد كان هذاشرط لإنتصار صدام الدكتاتور في الداخل العراقي يعادل دور الجيش في مجابهة إيران. كان العمل على تضخيم شخصية صدام حسين ك (ضرورة تاريخية) بحاجة إلى مٌنَظِر, ومن كان أجدر من عزيز لهذه الأمة. لقد استطاع أن يقدمها كوجبة سمك شهية (فيلَة) بدون عظام, أي بعيداً عن الدكتاتورية بشكلها التقليدي : الضرورة التاريخية وليس الدكتاتور, وكان صدام بحاجة إلى شخص مُنظِّر كطارق عزيز, وفي وقت محاولة الإغتيال كان عزيز ما زال في أول عملية طهي السمكة ولم يكن سهلاً التفكير بخسارته لأن ذلك كان سيشكل خسارة كبيرة لشخص مهم ومقتدر على كل المستويات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أدلة نظرية
Muwaffak Haddadinمم ( 2023 / 10 / 4 - 12:54 )
الدكتور المظفر المحترم
تحية طيبة
أرجو العلم أنني أتابع مقالاتك كلما وأينما ظهرت
Science Fiction أما هذه المقالة فهى أقرب إلى الخيال العلمي

Rule of Law لأنه يعوزها الدليل المادي الذي تقبل به المحكمة
موفق حدادين
عمان
2023 / 10 / 4

اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات