الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دوافع التمرد في قصيدة -صاعدا شجرا عاليا- جمال قاسم

رائد الحواري

2023 / 10 / 4
الادب والفن


ما يميز الشعراء أنهم يتأثرون بالواقع اكثر من غيريهم، فيمكن لأي شيء/فعل/حدث/قول/مشهد يقلب مزاجهم من الفرح إلى الحزن والعكس، من هنا تأتي مقدرتهم على تصوير الواقع، من خلال اللغة أدبية وصور الشعرية، ونحن الأشخاص (العاديين) نشعر ـ أحينا ـ بحاجتنا إلى (الفوضى) لأنها (بتفش الغل) وتجعلنا نحس بأننا فعلنا شيء يرد على الواقع البائس، في قصيدة "صاعدا شجرا عاليا" يُشعرنا "جمال قاسم" بأنه يكتب نيابة عنا، فهو يكتب ما نريد نحن أن نكتبه، ولكننا لا نقدر عليه لأننا لسنا شعراء، اللافت في هذه القصيدة أن الفكرة يمكن الوصول إليها من خلال المضمون ومن خلال الألفاظ المستخدمة ومن خلال (الفوضى) التي جاءت في فاتحتها:
"المدى قلقٌ
والسماءُ رقمْ
واحدٌ
سبعةٌ
مئةٌ
والعديدُ ازدحمْ
قدَّ طيفَكَ سيفُ سُدًى
شَجَّ قافيةً من ربابٍ ودمْ
وتناءَتْ ضبابةُ بِشرٍ
وغابتْ عن الوقتِ
خانتْكَ ألفُ نَعمْ"
نلاحظ أن القلق الممتد في المدى له أثر في طريقة العد التي استخدمها الشاعر، فنجدها تتجه نحو (الفوضى) ودون ضوابط منطقية، تبدأ بواحد وتصل إلى مئة دون أي مبرر سوى ال"قلق" إذن المفصل الرئيس في القصيدة هو قلق الشاعر، وبما انه أعطاه صفة الامتداد "المدى" فسنجده في: "والعديدُ ازدحام" نلاحظ أن المعنى يحمل فكرة الكثرة، وأن عدد الحروف التي يتكون منها هاذين اللفظين سبعة وستة حروف، وهذا يمثل أكبر الألفاظ في المقطع، وبهذا يكون المعنى وحجم الفظ يخدمان فكرة الكثرة، مما زيد الضغط على الشاعر، وإذا ما قارنا عدد حروف "والعديدُ ازدحام" مع بقية الألفاظ في المقطع، سنجدها قصيرة وتتكون من خمسة حروف أو أقل، حتى أننا نجد الغلبة للألفاظ القصيرة، ثلاثة حروف وأقل: "قلق (مكرر)، رقم، مئة، قد، شج، من، ودم، بشر، عن، ألف، نعم" وهذا له علاقة بطريقة (فوضى) العد التي بدأها، فمن خلال التوقف عند حجم الألفاظ يمكننا الوصول إلى "قلق" الشاعر واضطرابه، وما وجود مقطع: "قد طيفك سيف سدى/شج قافية سيف سدى" إلا انعكاسا لقلقه، فنلاحظ أن الفعل القاسي "قد/شج" جاءا بحرفين فقط، فبدا ألم/وجع الشاعر من خلال قلة الحروف التي يستخدمها عندما يتحدث عن فعل قاسي/مؤلم، وهذا ما أكدت الأسيرة "عائشة عودة" في روايتها "أحلام بالحرية" حينما قالت: "إن الحديث عن الألم ألم إضافي" ونلاحظ أن فعل "قد، شج" متعلقة بالجسد، بمعنى انه متعلق بالدم، وهذا يقودنا إلى أن "جمال قاسم" يكتب من خلال العقل الباطن، لهذا جاءت ألفاظ المقطع تعكس حالة القلق/الاضطراب/الفوضى التي يمر بها.
قبل أن نغادر المقطع نتوقف عند خاتمته والمتعلقة ب"نعم" "خانتك الف نعم" وهذا يأخذنا حجم ألم الشاعر الكامن في قول "نعم" فهو يتناقض تماما معها، لهذا سيكون هناك بديلا لها يتمثل ب "لا" وهذا ما جاء لاحقا:
"المدى قلقٌ
والوجودُ صدًى
وتباريحُ قلبٍ وفمْ
المدى قلقٌ
والسماء سماؤكَ
قُلْ ما تعودتَ؛ لا
ثم لا
ثم لا
في شَمَمْ
من محياكَ
يصعدُ غصنُ جهاتِك
يصعدُ بين يديكَ
لترتفِعا شجرًا
وقصائدَ من أملٍ وألمْ
من رمادك
تصعدُ أنفاسُكَ البكرُ
تجذبُ صوتَ حفيفِكَ
في الريح
في فُسحةٍ للتأمل
في لغةٍ من شعاعكَ
يُزجي الضياء
إلى جهةٍ من حُلُمْ"
نلاحظ تأكيد الشاعر على اتساع القلق وامتداده من خلال "المدى قلق" لكنه يوجد له نظير من خلال "الصدى، السماء" التي يريدها أن تمتلئ ب لا" وما جاء تكرارها ثلاث مرات إلا ليعطيها صفة الديمومة والاستمرار والقدسية، وما وجود ألفاظ لها علاقة بالسماء: "يصعد (مكرر ثلاث مرات)، شمم، لترتفعا، شعاعك، الضياء" إلا من باب الترغيب بقول "لا" فهي ستوصل قائلها إلى السماء/"يصعد" فرقم ثلاثة له معنى القدسية والاستمرار.
بما أن فكرة المقطع متعلقة بالقول/بكلمة "لا" فكان لا بد من وجود امتداد لها فنجده في: "فم، قل، قصائد، صوت، حفيفك، لغة" فكل هذه الألفاظ تخدم فكرة القول/الكلمة، وهذا يؤكد أهمية "لا" عند الشاعر، وما وجود هذه الألفاظ إلا نتيجة تخزين العقل الباطن لفكرة الرفض/التمرد التي يريد إيصالها لنا.
واللافت في المقطع أن لفظ "شمم" التي يتتابع ويتكرر فيها حرف الميم جاءت بعد "لا" مباشرة، وهذا يمثل تأكيدا لأهمية وضرورة قولها، وكما أن استخدمه ل"حفيف" التي تحمل معنى جمال صوت أوراق الشجر وخفتها جاءت متبوعة ب"الريح" وبهذا يكون الشاعر قد قدم كل محاسن وفضائل قول "لا" التي سيوصل صاحبها/قائلها إلى السماء، ونلاحظ وجود ألفاظ تمثل حالة الصعود/العلو مثل: "غصن، شجر" وهذا يمثل دعوة ـ غير مباشرة ـ للمتلقي ليكون كالأشجار/كالغصن" فلنردد إذن كلمة "لا" عالية محلقة في السماء.
قبل أن نغادر المقطع ننوه إلى (اتزان) الشاعر وتحرره من "قلق" جاء بعد أن قال "لا" فلم يعد يعاني وأصبح لديه فكرة عن طريقة تحرره من (قلقه/اضطربه) وبدأت فكرة التمرد تنضج عنده، ولم يعد يقدر على كتمانها، من هنا نجد يطرحها بصورة (واضحة ومباشرة):
"من رمادك قُمْ
واصعدِ الوقتَ قاوم وقُمْ
مثلَ عنقاءَ ضدَّ الهباءِ
تجدّدْ وَعُدْ
واصعدِ الوقتَ وانمُ
كساقِ صنوبرةٍ
كشعاعِ بنفسجةٍ
عند حافةِ إشراقةٍ
في مداكَ صباحًا
كَسِرّكَ تمتزجُ البتلاتُ
بكأس الحياةِ
ويعصرنَ خمرتهنَّ
تقول الفسيلةُ للشمس
أمي انتحتْ ريحَها الموسميةَ
حينَ نمتْ أُهبتي
لم أعدْ بعدُ من لغتي
كيْ أكونَ أنا
أو أكون الذي كانَ
يا شمسُ يا صحبتي
سأصيرُ غدًا ما أردتُ
سأنبتُ في ساقيَ المستقلّةِ
أنمو يدًا وندًى
وأنايَ التي في مياهي"
نلاحظ أن الشاعر أخر فعل الأمر "قم" وكأنه لا يريد أن (يصدم) المتلقي بهذا الخطاب المباشر، وهذا يشير إلى انه يحترم المخاطب.
بداية المقطع لها علاقة بالأسطورة، طائر الفينيق الذي ينهض من "الرماد" وهذا ما جعل مكونات المقطع تأتي ب: "رمادك، اصعد، عنقاء" ففكرة الصعود/النهوض حاضرة في أكثر من لفظ: "قم (مكررة، أصعد (مكررة)، كشعاع، إشراقة، للشمس (مكررة)" هذه على صهيد الألفاظ وما تحمله من معنى، لكن هناك (صدى) ل "قم" وأثر له نجده في العديد من الألفاظ مثل: "قاوم، عنقاء، كساق/ساقي، إشراقة، المستقلة" فكل هذه الألفاظ جاء حرف القاف فيها باثر من "قم" وإذا ما توقفنا عند ما تحمله من معنى سنجدها بمجملها تحمل فكرة العلو والفرح الذي سيكون ويأتي بعد القيام ب "قم"
ونلاحظ اهتمام الشاعر بالقول/بالكلمة أخذ يقل، وأصبح يعتمد أكثر على فعل الأمر الذي نجده في: "قم (مكرر)، وصعد (مكرر)، تجدد، قاوم، ونم" وهذا له علاقة بفاتحة المقطع وما يحمله من دعوة للتمرد/للثورة، فقد أصبحت عنده الرؤية كاملة وناضجة، لهذا هو (يحشد) المتلقين ليشاركوه ثورته التي ستحقق حلمه: "كي أكون، أكون الذي كان، سأصير ما أردت، سأنبت ساقي المستقلة" كل هذه الأفعال المضارعة تؤكد إيمانه بالنصر والخير والكرامة التي ستأتي بها الثورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب