الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرجعيات العزوف عن الزواج في مغرب العصر المريني

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2023 / 10 / 4
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تستمر قراءة «الأسرة في مغرب العصر الوسيط»، كتاب الأستاذ محماد لطيف المتخصص في تدريس تاريخ العصر الوسيط بجامعة ابن زهر بأكادير، المغرب. وفي كل حصة يلزم التذكير بمجال الدراسة، من تلمسان إلى المحيط الأطلنتي، مع العروج إلى الدولة الحفصية بالمغرب الأدنى ودولة بني عبد الواد بالمغرب الأوسط. وأما المغرب الأقصى فلا يزال يحمل في وجهه التقليدي سمة المغرب المريني. ولقد سلفت الإشارة في الحصتين السابقتين، وكلتاهما مبثوث بموقع الحوار المتمدن الأغر، إلى إمكانية أخذ الأمثلة من الميدان مادامت الدولة المرينية هي التي رسمت الهوية الثقافية المغربية في الجانب الخاص بالمعتقد وفي مجال التعود. ولما كان الثبات سمة البنية التقليدية المغربية فالزمان آلي ارتدادي يسمح بالعودة إلى الوراء وإلى الأمام. هنالك يجد القارئ لكتاب الأستاذ محماد لطيف نفسه داخل نسق ثقافي تعرضت أركانه للمراجعة والتمحيص. صحيح أن الأستاذ محماد لطيف لم يشر بوضوح إلى أنه يجدد النسق الثقافي المريني، ولكن خطابه يبطن وعيا بلزوم مراجعة كل المرجعيات ذات الصلة بالهوية الثقافية المغربية، مادام التراث الثقافي، في الشق المتصل بالتعود، أحوج إلى متن ثابت مدون، مرجع ينهل منه المؤرخون والمهتمون بعلم الاجتماع في المجال المتصل بالمرأة والأسرة والجنس. ولقد حسُن ظني تجاه معنى الكتاب ومغزاه، وازداد حسنا لما اتصل بي بعض المهتمين بعلم اجتماع الأسرة يبحثون عن الكتاب، لأنه خير معين لهم.
والدراسة، وإن كان موضوعها همّا ثقيلا على عاتق الأستاذ محماد الطيف، ومغزاها الاعتناء بالهوية الثقافية من حيث أهم جوانبها، الجانب المتصل بالتعود، فقد صادفت سياقا مغربيا مناسبا. لقد مضى حوالي عقدان من الزمان على صدور مدونة الأسرة المغربية التي أعلنت انتقال شأن الأسرة من مدونة الأحوال الشخصية، النص الفقهي الثابت، الذي لا يقبل ميزا ولا تعديلا، إلى قانون وضعي قابل للمراجعة والتجديد. وإن تحرير شأن الأسرة من سلطة الفقيه معناه إعادة النظر في الوجه التقليدي للمغرب المريني، ومعناه ارتقاء الأسرة لتقتحم مجال التاريخ الاجتماعي والسوسيولوجيا ومجال الجمعيات النسائية ذات التوجه التنموي أو الديموقراطي.
سلف الوقوف في الحصتين الماضيتين عند «الزواج مفهومه وصورته ودوافعه» مع التركيز على مفهوم الزواج، المفهوم اللغوي، والمفهوم الفقهي، والمفهوم الاجتماعي، ثم نظرة المجتمع للزواج، ودوافع الزواج،. وكان إرجاء القول في «ظاهرة العزوف عن الزواج»، بما هو مبحث رابع ضمن الفصل الأول «الزواج مفهومه وصورته ودوافعه»، إلى الحصة الثالثة التي نحن بصدد معالجتها.
ولئن كانت النظرة إلى الزواج في مغرب العصر الوسيط إيجابية غاية، فإن العزوف عن الزواج وارد أيضا، إن لم يرتقِ إلى ظاهرة. لذلك خصص له الأستاذ محماد لطيف مبحثا كاملا. ولقد سلفت الإشارة في الحصة الثانية من قراءة الكتاب إلى أن العازف عن الزواج ولو زهدا، أو «مجاهدة وتزهدا» سمة «محظورة حظر الكراهية أو تزيد». ويستفاد من ذلك أن ظاهرة العزوف عن الزواج «ارتبطت في غالبها بالمتصوفة». والعصر المريني بداية عملية للتصوف الجمعي، المتسم وقتها برفض كل ما يتصل بالجسد، إسعاده، وإشباعه بما يحتاج إليه من لذه، وإرضاء ما تكمن به من غرائز، فكان الزهد في الأكل، وعم العزوف عن تلبية حاجات الفرج. والزهد لغة عدم الرغبة والتعبير عن العفة، والتصوف مجاهدة النفس ومكابدتها للقضاء على الرغبات الدفينة في النفس لتحقيق لا اللذات. ولما كان الزواج مندرجا «ضمن الملذات الدنيوية التي تثقل كاهل المقبل عليه بتبعات الأهل والعيال»، كما وصفه ابن عباد الرندي، ضمن الرسائل الصغرى، وهي سبع رسائل مستخرجة من الرسائل الكبرى، ومقتطفات من رسائل ابن العريف، فإن العزوف عن الدنيا يفيد الابتعاد عن ملذاتها زينتها بالمفهوم الفقهي، وهي الشهوات من النساء والبنين والمال والحرث. هنالك لم يتغافل ابن عباد الرندي في الرسائل المذكورة، وهي من تحقيق الأب بولس ثويا اليسوعي ونشره، في المطبعة الكاثوليكية، بيروت، الطبعة الجديدة، سنة 1974، من «نصح المريد بالتزام العفة والعزوبة مدة انعزاله وتزهدهن وذلك حتى يتسنى له التفرغ للعبادة». وهناك من قدر «الإقبال على الزواج، وعلى النساء» أنه فخ «لا يقع فيه إلا من اغتر به، وأن العزوبة والعفة تكسبان الاحترام».
وكلما ذكر التصوف في المغرب، يحضر ابن الزيات وكتابه «التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي»، ويحضر ضمنه، ما له صلة بكلامه نحو «الصورة التي عبر من خلالها أبو العباس أحمد السلالجي عن الراحة التي كان يتمتع بها، لتخليه عن النكاح». ولقد أدرج الأستاذ محماد لطيف كلام السلالجي ضمن خمسة أبيات شعرية أفصح في متنها أن ليس له كسوة يخاف عليها من معير، ولا مال له ولا مولود، ولم يحز منذ خلق عيالا. هنالك، عاش راضي البال وفي دعة، أي: الرأفة، ولا همّ يقلقه ولا الكمد. ومن المتصوفة من استشهد بالقول: «من تعود أفخاذ النساء لن يحيى منه شيء». وإن الاهتمام بالنساء معناه إهمال الآخرة حسب ما أورده ابن الوراق، في «مناقب الشيخ الكامل والقطب الجامع عبد السلام بن مشيش (مخطوط)». ويذهب ابن عرضون «أبعد من ذلك في عرضه لما سماه بالآفات التي توجب قطع الزواج»، نحو «العجز عن طلب الحلال من المعاش»، لأن النكاح مكلف، وطالما يدفع المقبل عليه على كسب غير المشروع. وما أكثر الذين أدينوا يومه لترويجهم المخدرات، أملا في ضمان متطلبات الحياة للمرأة، مطبخ إليكترونين تلفاز، أفرشة.
ويظهر أن «إقدام عدد هام من الرجال المتصوفة من الرجال المتصوفة على اختيار حياة العزوبة» إلى «التشدد الذي أظهروه في مقاومتهم للشهوات الجنسية وقمعها». ومنهم من قضى عمره كله صرورة، ممتنع عن ممارسة الجنس. وأورد الأستاذ محماد لطيف مجوعة من الأشخاص الصرورة نحو أبو موسى الرفروفي، ويوسف بن عبد الصمد بن فاسي، وأبو وجاج عفاف المطمطي، ومحمد البستئي، وأحمد بن محمد بن عاشر، ومحمد بن إبراهيم بن عباد الرندي.
والموقف من الزواج لم يقتصر على الرجال فحسب، بل شمل أيضا بعض النساء اللائي اخترن حياة التصوف. ولقد أورد ابن الزيات في التشوف أنه رأى «قبرا كان يتبرك به لامرأة انقطعت للعبادة إلى أن ماتت وهي بكر». ويغلب على الظن أن جل الأضرحة بصيغة المؤنث تحتضن جثث نساء توفين وهن بكر، نحو «إما حكا علي Imma Hagwa Ali»، بواد غريس، ولالة تفغولت قرب قرية السونتات بجبال الأطلس الكبير الشرقي، ولالة عائشة بقرية أوتربات بأعالي حوض زيز، وتافردوت بمرعى أجيج الصيفي التابع لقبيلة إملوان بواد أسيف ملول، وضريح لالة تيزليت نسبة لبحيرة تيزليت بإملشيل، ولالة بنت الله بأوفوس بإقليم الرشيدية، ولالة ستي بقرية أيتك طو بكلميمة، إقليم الرشيدية، ولا رقية تعلات بسوس، ولالة تافقيرت بامسمرير، حوض درعة.
وتكاد حياة العزوبة تشكل نهجا وقذوة في العصر المريني، وكل له مبررعزوفه عن الزواج، ويحق سرد بعضها كالتالي:
ـ العجز عن معاشرة الزوجة بالمعروف أو الخوف من عدم القدرة على ذلك.
ـ الرغبة عن النكاح للاشتغال بالعبادة.
ـ الرغبة في الوحدة.
ويجمع ابن خلدون مواصفات المتصوف أنها تتراءى في «قطع لعلائق كلها عن النفس بالزهد في كل شيء، والانفراد عن الخلق بالخلوة في مكان مظلم، أقلف الرأس في الجيب، أو التدثر بكساء أو إزار، ثم الصمت بترك الكلام جملة، ثم الجوع بمواصلة الصيام، ثم السهر بقيام الليل».
وتكاد الرباطات والزوايا تداني الكنائس إذ كان «مطلوبا في بعضها ضرورة التزام العفة طول فترة الإقامة فيها». ورغم كون العزوف عن الزواج اختيار قائم على الدين ومراد مرغوب فيه طوعا، فإن كل الذين توفوا لا ينزلون قبورهم إلا بصحبة زغاريد النساء، وذلك تعبيرا عن طقس الدخلة. ويستنتج من هذه الطقوس وقد حضرت بعضها معيانا مشاهد منها بجبال الأطلس الكبير الشرقي، أن الزواج قاعدة في الحياة والعزوف عنه استثناء. وحين تنزل دثة شخص أعزب القبر، أن كان ذكرا أو أنثى، فتلك فترة لزواج رمزي. ألا تعتبر زغردة النساء المصاحبة لنزول الجثة القبر ان العزف عن الزواج، ولو بوزع ديني أو صحي مخالف للطبيعة؟ ألم تنتصر الطبيعة على الثقافة؟ (يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جلال عمارة يختبر نارين بيوتي في تحدي الثقة ???? سوشي ولا مصا


.. شرطي إسرائيلي يتعرض لعملية طعن في القدس على يد تركي قُتل إثر




.. بلافتة تحمل اسم الطفلة هند.. شاهد كيف اخترق طلاب مبنى بجامعة


.. تعرّف إلى قصة مضيفة الطيران التي أصبحت رئيسة الخطوط الجوية ا




.. أسترازنيكا.. سبب للجلطات الدموية