الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هلوسة إختزال هوية الأرض المحتلة في اللغة الإستعمارية

كوسلا ابشن

2023 / 10 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


الرد على الإدعاء أن التسمية الإستعمارية " المغرب العربي", هي تسمية طبيعية للمنطقة لأن دول شمال إفريقيا لغتها الرسمية هي اللغة العربية, و أن الأمازيغ تكيفوا مع ما يسمى ب"الحضارة العربية الإسلامية".
عملية التحول من حالة الترحال و القنص و جمع الفواكه الى حالة الإستقرار في أماكن معينة, و مزاولة الفلاحة و الزراعة و تربية المواشي و ترويض الحيوانات, لعبت دورا في تكوين التجماعات البشرية الأولى و بروز الهويات الإثنية, الثقافية و اللغوية و بناء المجتمعات المتحضرة, و أن العملية إستغرقت فترة طويلة من الزمن, وحدثت قبل آلاف السنين, و ليست وليدة القرن العشرين.
عدا دولة إثيوبيا, نلاحظ هيمنة و رسمية اللغات الإستعمارية في باقي دول القارة الإفريقية, لكن لم تتحول هذه الدول من هوياتها الأصلية الى الهويات الإستعمارية سواء الفرنسية أو الإنجليزية أو البرتغالية أو الإسبانية. في نفس السياق يلاحظ رسمية اللغتين الإسبانية و البرتغالية فيما يعرف بأمريكا اللاتينية, و مع ذلك فهوية هذه المنطقة لم تربط برسمية اللغة الإستعمارية. عدا الإستعمار الإستطاني العروبي, الهادف الى الإستبدال الغير الطبيعي و الغير المنطقي لهوية بلاد الأمازيغ الأصلية الى الهوية الوهمية المرتبطة بالعروبة الإستعمارية لبلاد الحجاز. القرار السياسي لقادة الكولونيالية العروبية ورثاء الإمبريالية الفرنسية الذين إستجابوا لإستراتيجية فرنسا في صناعة دولة العروبة في تامازغا (بلاد الأمازيغ), في الشمال الإفريقي.
الهوية القومية للأمازيغ لا تحددها إجتماعات الشيوخ الإحتلال للأقطار الخمسة, و لا للإرادة الفردية لمنظري الإستعمار الإستطاني, و لا تحددها اللغات الأجنبية الإستعمارية و لا الأديان العرقية. نجاح السلطة الكولونيالية الفرنسية في التعريب المؤسساتي, قابله فشله في محو ذاكرة الشعب الأمازيغي و إماتة الإرث الثقافي و اللغوي و التاريخي. المهمة التي تحمل تنفيذها أسوء نظام كولونيالي عرقي عرفه التاريخ المعاصر. يقول المؤرخ الفرنسي إدموند دوته في كتابه:
"Enquête sur la dispersion de la langue berbère en Algérie"
"كان ضباط المستعمرات في المناطق الناطقة بالأمازيغية يديرون شؤون هذه المناطق باللغة العربية و يفرضون على الأهالي إستخدام اللغة العربية بالرغم من أن الكثيرون كانوا يجهلون بشكل تام اللغة العربية ويعرفون الأمازيغية فقط. أدت سياسة التعريب التدريجي, بالفرض القسري على الناس تعلم اللغة العربية وإعتمادها في حياتهم اليومية".
سياسة التعريب المؤسساتي التي نهجها الإستعمار الفرنسي في بلاد الأمازيغ تامازغا لصناعة دولة العروبة, قد إستكملها و رثته المرتزقة, خدام مصالح الإستعمار و الإمبريالية, بالإستبداد الوحشي و بإنتهاك حقوق الشعب الامازيغي, الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية و الثقافية و اللغوية. إن الإنتماء الهوياتي لأرض الأمازيغ لا يستبدل بجرة قلم و لا بالحروف المشرقية و لا بفرض هوية وهمية عابرة للزمكان, لأن هوية تامازغا (أرض الأمازيغ) هوية أصلية و أصيلة غير منقرضة, لها إمتداد في التاريخ و في الحاضر, تربطهما علاقة جدلية لا تفصلها الهويات المصطنعة الزائفة و لا اللغات الإجنبية الإستعمارية و لا الديانات العرقية. الهوية مرتبطة بالأرض و الأصل الإثني و الثقافي و اللغوي و بالتفاعل السوسيو-السيكولوجي المميز للأمازيغ في بلادهم الأصلية. هوية بلاد الأمازيغ لا تصنع بالعقل الإيديولوجي و السياسي للسلطة الإستعمارية في ظرف وجيز من 10 سنين أو سبعين سنة من السلطة الإستعمارية. هوية أرض الأمازيغ تشكلت بفعل تفاعل المكونات الهوياتية المحلية في صيرورتها التارخية الممتدة الى عشرات الألاف من السنين. الهوية الثقافية و اللغوية و الحضارية تختلف في نشأتها و تكوينها و تحديدها عن ظهور أنماط الإنتاج المتغيرة, التي ساهم الإستعمار المتقدم (الأوروبي) في تطوير بنيتها التحتية لكن بشكل نمط كولونيالي تبعي. القهر اللغوي و الإيديولوجي و السياسي للإحتلال يستطيع بقوة الإستبداد و سياسة الفصل العنصري, فرض الهوية الوهمية على البلاد المحتلة على مستوى الخطاب السلطوي و لفترة محدودة من الزمن الإستعماري و ليس الى الأبد, فتاريخ بلاد الأمازيغ حافل بالعبر, و النموذج الإستعمار الروماني و أرمنة المجتمع الأمازيغي لفترة خمسة قرون, و هي فترة طويلة بالمقارنة بالكولونيالية العروبية, لكن في الأخير سقط الحكم الروماني و رحلت معه ثقافة الأرمنة و اللغة اللاتينية, أمام صمود الشعب و ثقافته و لغته الأصليتين, كما طرد الغزاة الأعراب في القرن الثامن الميلادي, لكن للأسف ظلت الإيديولوجية الإسلامية, الفيروس القاتل يفتك بعقول الشعب.
إختزال هوية تامازغا (بلاد الأمازيغ) في الدين و اللغة الإستعماريين لشرعنة النظام الكولونيالي العروبي, هو تزييف للحقائق العلمية و خاصة علوم الأركيولوجية و الإنتروبولوجية و الإثنولوجية و اللغوية التي عرت أسطورة "المغرب العربي", و التاريخ حكم على بطلان التزييف الإيديولوجي الديني و اللغوي الإستعماريين في ربط تامازغا ( أرض الأمازيغ) بهوية أعراب الحجاز الأسيوي. صمود الشعب و ثقافته و لغته عبر كل هذه السنوات أمام الإستبداد الممنهج و الإضطهاد الإقتصادي و الإجتماعي و القهر الثقافي و اللغوي, أرغم في الأخير النظام الكولونيالي في نهج تكتيك جديد يعتمد على تغيير سياسة الآبادة الجماعية البيولوجية و الهوياتية للشعب الأمازيغي, بنهج سياسة مغايرة تعتمد على الإحتواء و الإغراء و الإعتراف الورقي بالهوية الثقافية و اللغوية الأمازيغيتين بعد فشله في إماتتهما. الحتمية التاريخية ستحكم على رجوع العروبة الإستعمارية الى هدوئها الحجازي, كما رحلت الأرمنة في زمانها المحتوم, و طرد الغزات الأمويون في القرن الثامن الميلادي. النضال الثوري سيحسم في معركة الوجود و إنهيار النظام الكولونيالي و إعادة سيادة الأرض الى أهلها الأمازيغ. الهويات الإصطناعية الزائفة تنقرض لأنها تقوم على الاوهام و الخرافات, و لا يبقى إلا الأصل و الأصيل في الأرض المحتلة.
الإستسلام لقوة ما يسمى بالحضارة العربية الإسلامية المزعومة, هو وهم من أوهام الحكواتيين العرب و أسطورة من أساطير الأولين. المعروف أن الحجاز لم تكن مؤهلة لتقديم ثقافة متطورة تمكنها من إنتاج حضارة, لأنها أرض قاحلة جرداء, تنعدم فيها المياه الوافرة, لم تعرف الفلاحة و الزراعة, المعطى المادي لإنتاج ثقافة متطورة و حضارة. الواقع المادي القاهر لهذه المنطقة لم يقدم سوى ثقافة النخلة و الخيمة و الناقة و وأد البنات, أنتج ثقافة متخلفة غير مؤهلة للتطوير الثقافي المادي و الفكري لإنتاج الحضارة. المعطيات المادية و الفكرية للواقع الحجازي مؤثر فيه و مستهلك للإنتاج الحضاري للشعوب المتقدمة منذ القدم الى يومنا هذا و ليس العكس. ما سمي بالحضارة العربية الإسلامية, هي أوهام نسجها العقل الفاشل للحكواتيين و الروائيين العرب. يقول ابن خلدون في المقدمة (الفصل الحادي والعشرون): " أن العرب أبعد الناس عن الصنائع والسبب في ذلك أنهم أعرق في البدو وأبعد عن العمران الحضري وما يدعو إليه من الصنائع وغيرها‏.‏ والعجم من أهل المشرق وأمم النصرانية عدوة البحر الرومي أقوم الناس عليها لأنهم أعرق في العمران الحضري و حتى إن الإبل التي أعانت العرب على التوحش في القفر والإعراق في البدو مفقودة لديهم بالجملة" و يضيف في نفس المرجع, الفصل الخامس و الثلاثون ( ص. 543):" من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية إلا في القليل النادر‏ وإن كان منهم العربي في نسبه فهو أعجمي في لغته ومرباه ومشيخته مع أن الملة عربية وصاحب شريعتها عربي‏ والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة" و يضيف:" أن الصنائع من منتحل الحضر وأن العرب أبعد الناس عنها فصارت العلوم لذلك حضرية وبعد العرب عنها وعن سوقها‏.‏ والحضر لذلك العهد هم العجم أو من في معناهم من الموالي وأهل الحواضر الذين هم يومئذ تبع للعجم في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحرف لإنهم أقوم على ذلك للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس فكان صاحب صناعة النحو سيبويه والفارسي من بعده والزجاج من بعدهما وكلهم عجم في أنسابهم‏.‏ وإنما ربوا في اللسان العربي فاكتسبوه بالمربى ومخالطة العرب وصيروه قوانين وفنا لمن بعدهم‏.‏ وكذا حملة الحديث الذين حفظوه على أهل الإسلام أكثرهم عجم وكان علماء أصول الفقه كلهم عجماً كما يعرف وكذا حملة علم الكلام وكذا أكثر المفسرين‏.‏ ولم يقم بحفظ العلم وتدوييه إلا الأعاجم... إستقر العلم كله صناعة بالعجم و تركتها العرب و إنصرفوا عن انتحالها فلم يحملها إلا المعربون من العجم" (ص 544-545), و يضيف:"عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتآليف والتدوين ولا دفعوا إليه ولا دعتهم إليه الحاجة‏".
‏في الفصل السادس و العشرون ( ص 149 و 150) يقول:" أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب, والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقا وجبلة وكان عندهم ملذوذا لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد للسياسة وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له فغاية الأحوال العادية كلها عندهم الرحلة والتغلب وذلك مناقض للسكون الذي به العمران ومناف له فالحجر مثلا إنما حاجتهم إليه لنصبه أثافي القدر فينقلونه من المباني ويخربونها عليه ويعدونه لذلك والخشب أيضا إنما حاجتهم إليه ليعمدوا به خيامهم ويتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم فيخربون السقف عليه لذلك فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران هذا في حالهم على العموم وأيضا فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس وأن رزقهم في ظلال رماحهم وليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون إليه بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه فإذا تم اقتدارهم على ذلك بالتغلب والملك بطلت السياسة في حفظ أموال الناس وخرب العمران وأيضا فلأنهم يكلفون على أهل الأعمال من الصنائع والحرف أعمالهم لا يرون لها قيمة ... و ما ملكوه وتغلبوا عليه من الأوطان من لدن الخليقة كيف تقوض عمرانه وأقفر ساكنه وبدلت الأرض فيه غير الأرض, فاليمن قرارهم خراب إلا قليلا من الأمصار وعراق العرب كذلك قد خرب عمرانه الذي كان للفرس أجمع والشام لهذا العهد كذلك وإفريقية والمغرب لما جاز إليها بنو هلال وبنو سليم منذ أول المائة الخامسة وتمرسوا بها لثلاثمائة وخمسين من السنين قد لحق بها وعادت بسائطه خرابا كلها بعد أن كان ما بين السودان والبحر الرومي كله عمرانا, تشهد بذلك آثار العمران فيه من المعالم وتماثيل البناء وشواهد القرى والمدر".
المؤرخ و السوسيولوجي ابن خلدون يكذب خرافة الحضارة العربية الإسلامية, التي إدعى العروبيون كذبا أن الأمازيغ إستسلموا لقوتها و غناها المزعومين, فمن لا يملك لا يقدم للأخرين إلا الصفر. غزا بدو الحجاز الأميون المتعطشون للدماء و نهب ما في ملكية الأخرين, بلدان الشعوب المتحضرة, و بإحتلالهم هذا ملكوا خيرات و ثروات الشعوب و إستمتعوا بنعمها و إستفادوا من ملكاتها و حضارتها, و تفاخروا بما ليس ملك لهم أمام الأمم و نسبوه الحكواتيون الى بدو الحجاز الجهلاء و الظلاميون. لم تكن دار الحكمة في بغداد إلا فارسية أرامية بترجمة علوم اليونان الى السريانية من ثم العربية و بالدراسة و التحليل تم التأليف و التدوين الفارسي. كما لم تكن حضارة تامازغا إلا حضارة أمازيغية بإنتاجها المادي و الفكري, فإذا كان لفارس السبويهية, كان لتامازغا الجزولية, كما كانت كذلك حضارة بلاد هيسبانيا إلا حضارة أهلها و منهم المستعربون و اليهود و الأمازيغ. و لم يكن مهام الأعراب إلا الغزو و نهب أرزاق الآخرين و تخريب الأمصار المتحضرة حتى أوصلوها الى الإنحدار و الإنهيار و التخلف الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي و طغيان إستبداد الحكام و هيمنة إيديولوجية التخلف و تنويم الشعوب بخرافات القدر الإلهي. كان للتخريب البدوي الحجازي لأوطان الشعوب المحتلة عواقب كارثية أرجعتها الى عصور ماقبل التاريخ, إستغلتها أوروبا النهضة في إستعمار هذه البلدان و نهب خيراتها الطبيعية و إستغلال شعوبها, و في الأخير أورثتها لعملائها المرتزقة من الموالي والمستعربون الذين أوقفوا زمنها التطوري.
لم يعرف التاريخ حضارة عربية, فحتى اللغة المعروفة باللغة العربية كانت صناعة "عجمية" فارسية و سريانية, بمساهمة أمازيغية. العرب لم يقدموا للأوطان المحتلة و للبشرية إلا النهب والخراب و القتل. و اليوم يقوم المستعربون أبناء العروبة بالتبني بإعادة التاريخ بشكل أكثر تخلفا و مأساوية و إضطهادا لشعوب الأوطان المحتلة و أكثر إستغلالا و نهبا لخيرات و ثروات هذه البلدان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح