الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداول السلطة ومأزق الاصلاح الدستوري

يسري حسين

2006 / 11 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


على الرغم من وجود صحافة معارضة وضجيج سياسي هنا وهناك , لكن الديمقراطية بالتأكيد غائبة , نتيجة العجز عن تحقيق التغيير وتحسين احوال الشعب ووقف اهدار المال وانتشار الفساد بهذه الدرجة المرعبة .
إن واقع الحال ينفي التأثير الديمقراطي على الرغم من وجود البرلمان والأحزاب والصحافة المستقلة , لأن الحقيقة الواضحة هي الفشل في تغيير منهج الحكومة عبر الانتخابات وإحلال أخرى بديلة لها تعبر عن الشعب وآماله في حياة أفضل وتنمية أسلم .
إن الدول الديمقراطية تستطيع الدفاع عن مصالح شعوبها عبر قدرة الناخب على اسقاط الحكومة التي لا تفعل ذلك . كما أن هذا الناخب نفسه يستطيع دفع حكومة بديلة إلى السلطة تحقق أهدافه سواء في التنمية أو حماية المال العام ومحاربة الفساد وزيادة المشروعات التي تبني وتخلق ظروف العمل .
بصريح العبارة , ليست الديمقراطية أن تكتب في الصحف وتهاجم رئيس الدولة ونجله , طالما أن ذلك لا يؤدي في الحقيقة إلى اقناع السلطة بأهمية التغيير والإصلاح وتطبيق سياسات مختلفة تحمي الشعب من الغلاء وتضبط التعليم لصالح الفقراء وتتصدى للفساد وتمنع تدهور أحوال العباد .
إن النظام يترك الصحافة تتحدث , لكن من دون الاستجابة لمطلب واحد من مطالبها , وهو دائماً يتمسك بالعناد وتطبيق عكس ما تطالب به المعارضة . فالنظام يعتقد أن من حق المعارضة أن تقول في حدود معينة وشروط محددة , ومن حقه الكامل الحكم المُطلق من دون الالتفات للصحافة الحزبية أو المستقلة مع رفض نداءات التغيير التي تطرحها الأحزاب . وإذا كانت معركة التوريث قد تأججت فإن منطق النظام هو نفيها , لكن على الأرض والواقع كل شئ يؤكد على انتقال السلطة إلى الإبن , وإنه يتحرك بصفات رئاسية واضحة ويُعلن مبادرات وسياسات ليست له صلاحية القيام بها في بنود الدستور . ما يجري هو تطبيق منطق السلطة في ترسيخ التوريث على مراحل , حتى لا يجد الشعب المصري أمامه سوى القبول بالأمر الواقع وبإنتقال السلطة من الأب إلى الإبن .
وهذه الأمور ليست ديمقراطية ولا تقترب من أصولها أو من تقاليدها المعروفة , فبريطانيا مثلاً بكل تاريخها الطويل تعرف أن رئيس الوزراء الحالي توني بلير سيرحل في ربيع العام المقبل , وقد يضطر للخروج من الحكم هذا العام إذا اشتد الضغط السياسي عليه . لكن البلاد تعرف اجراءات اختيار البديل المطروحة وهي عبر انتخابات متوقعة داخل الحزب الحاكم نفسه , قد تقرر اختيار وزير المالية جوردن براون أو وزير الداخلية د . جون ريد , مع وجود زعماء في صفوف النعارضة , منهم الزعيم المحافظ ديفيد كاميرون والليبرالي السير مانزيس كامبل . ودولة بهذا الحجم لابد أن تكون واعية بمسار ومصير القيادة من اجراءات انتقال السلطة , أما دولة مثل مصر لها في العمق الحضاري آلاف السنين لا تعرف ماذا سيحدث وما هي معايير انتقال السلطة ؟ . وتزداد التعقيدات والغموض في ظل الحديث عن تعديلات لمواد دستورية تؤكد على تفصيل الشروط الملائمة لولاية الإبن بعد انتهاء مدة الأب الرئاسية .
ونحن منذ عام 1952 نعيش في هذه الأزمة وكانت في أيام الملكية الاجراءات واضحة ومتعلقة بتنازل الملك عن السلطة والشروط المحددة لهذه الخطوة سواء في حالة الوفاة أو التنحي الطوعي . ويذكر محمد حسنين هيكل في سرده التاريخي خلال حلقات جهود رجال القانون أمثال السنهوري وحافظ عفيفي وعلى ماهر في ضبط مسار المتغيرات التي جرت بسبب ثورة 1952 والهزة التي عاقبتها . وسعى هذا الجهد القانوني لربط الثورة بمواد الدستور وعمل المؤسسات لذلك تم وضع وثيقة التنازل عن العرش من فاروق لولي عهده الأمير أحمد فؤاد وجرى أيضاً تكوين مجلس الوصاية , حتى تم إلغاء الملكية بالكامل والتحول الدستوري الذي إنتهى بمصر إلى الضفة الجمهورية .
ويبدو أنه على الرغم من الدساتير التي جاءت بعد ذلك , فإن قضية انتقال السلطة لم يتم تقنينها بشكل راسخ , لأن المجتمع لم يبحث هذه القضية خلال الحكم الجمهوري , لأن الرئيس عبد الناصر توفى بشكل طبيعي وتولى بعده الرئيس السادات الذي كان نائبه ثم تعرض للاغتيال في السادس من أكتوبر عام 1981 .
ومنذ تولي الرئيس مبارك السلطة وهو يحكم بشكل مُطلق واستمر في حالة تكاد تكون فريدة في التاريخ المصري الحديث . والسبب الأزمة الحالية والغموض الراهن أنه لا توجد آليات واضحة ومعروفة بشأن قضية انتقال السلطة , والسؤال هل سيرشح الرئيس مبارك نفسه لفترة سادسة بعد عام 2011 أم أن نجله جمال سيتولى السلطة في نهاية مدته الحالية ؟ .
لا توجد أجوبة , والنظام غير مشغول بهذه الأطروحات , لأن المهموم بها هم فقط شريحة النخبة السياسية والمثقفة , أما عامة الشعب فهي محاطة ومشغولة بأسئلة الحياة اليومية وتلوث المياه وغلاء الأسعار وصعوبات تعليم الأبناء وتعقيدات الحياة . والطبقة الحاكمة واثقة بأن خطوات انتقال السلطة ستتم من دون عقبات لذلك لا تنفعل بالضجيج الحالي أو تهتم بالرد عليه .
ولم توفر الديمقراطية التي صنعها المصريون لأنفسهم فرصة لترسيخ الضوابط القانونية , لأن النظام المصري بعد ثورة 23 يوليو عام 1952 اعتمد على تفصيل القوانين وفقاً لمصلحة الحاكم وليس لحاجة الوطن وتأمين مستقبله .
لقد اخفقت ما يسمى بالديمقراطية المصرية في تأمين الشكل القانوني لتداول وانتقال السلطة , لأن المسار الذي استمر بعد ثورة 1919 في ترسيخ الدستور وضوابطه تعرض لهجمة قاسية من خلال التغيير الثوري الذي فكك النظام السابق , ولم يعرف كيفية اقامة البناء الجديد الذي يصلح لاستيعاب حركة المجتمع المصري التي تنطلق في وثبات , لكن الشكل السياسي في حالة تخلف مزري وركود والدوران في دائرة مفرغة , لذلك الناس تسأل هلى التوريث سيحدث ؟ وهي متأكدة لأنها غير قادرة على وقفه إذا أرادت بسبب عدم امتلاكها لأدوات ديمقراطية تفرض من خلالها التعبير عن مصالحها ورأيها .
إن المصريين عليهم أولاً الاهتمام بنظام قانوني دستوري يعمل لصالح مصر وليس لبقاء هذا الحاكم أو غيره في السلطة . وأنصار كتابة الدستور الجديد المعبر عن إرادة الأمة هم من تيار هذا الاتجاه المصري الأصيل . إن على مصر العمل لحماية أمنها باستقرار النظام القادر على افراز ديمقراطية حقيقية للشعب , تصون ماله وتدافع عن رخائه وترصف شارع المستقبل من أجل الأجيال القادمة , التي ليس أمامها من حل سوى العيش في مصر وليس الهجرة للبحث عن مهرب في الخارج على أمل حل الأزمات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية احتجاز مغاربة في تايلاندا وتشغيلهم من دون مقابل تصل إلى


.. معاناة نازحة مع عائلتها في مخيمات رفح




.. هل يستطيع نتنياهو تجاهل الضغوط الداخلية الداعية لإتمام صفقة


.. بعد 7 أشهر من الحرب.. تساؤلات إسرائيلية عن جدوى القتال في غز




.. لحظة استهداف الطائرات الإسرائيلية منزل صحفي بخان يونس جنوبي