الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة-متعجلة-في قصيدة..-أنا العاشقة- للشاعرة التونسية القديرة أ-نعيمة المديوني

محمد المحسن
كاتب

2023 / 10 / 5
الادب والفن


تصدير: ليس الشعر أن تقول كل شيء،بل أن تحلم النفس بكل شيء -سانت بوف-

القصيدة تطرح أسئلتها،وتنفتح عند تفاصيل الدهشة حيث النص يخترق الذاكرة،ويلملم الحلم والغياب في مشهد يتشكل كلوحة يتوغل فيها السحر والمعنى والاحتفال..هذه القصيدة (أنا العاشقة) تفتح نوافذ الشاعرة التونسية الشابة (أ-نعيمة المديوني) على مساحات سرية تقفل رؤيا الشاعرة على قراءة الرمز والحلم بين تراكيب لغوية مكثفة يتشيأ فيها (النص) أحيانا كوحدات قلقة..يفتض عوالمه المشبعة بالحلم والاتساع..أو بين (تهويمات) غنائية،تسعى فيها الشاعرة إلى استبطان الداخل اللغوي المشبع بسرد انتقائي،تحاول أن تتنفذ منه الى حيز آخر،يحيل فيه النص الى علاقة وصفية / رؤيوية..تمزج بين اتساع الحلم ومحدودية اللغة.
في قصيدتها (أنا العاشقة) تتمثل إلى هذه المحاولة القلقة القائمة على مساحة من التأمل والانفعال باللغة والمعنى..واغواءات الحلم،حيث تحتال بالانفعال في تتبع لغة تخرج من ثقوب ذاكرة غائمة متعبة،أثقلتها الخيبات والمواجع،كي تكتب فاتحة الرؤيا للحلم الذي يملك سر الكلمة والبراءة..
إن مسعى الشاعرة إلى اقتفاء تضاريس النص،هو محاولة إيقاف حركة زمنها الشعري عبر محاولة استقراء حلمها،في رؤيا تستبطن كشوفاتها،وتشكل تواصلا مضادا إزاء زمنها المجهض المغمور بالغرابة والتماس المعنى الشمولي عبر وعي اشكالي يمكنها ان تكشف جوهر هذا الزمن بكل ما يحمله من اضطراب وغياب..وحنين وعشق..
انه زمن خام...قلق..غير مبرر احيانا تتوخى فيه الشاعرة فكرة الجوهري / الشعري المشرع على احتمالات التأويل والمبني على (الهمس والتلمس والحس) وهذا الزمن الذي تحاول قراءته الشاعر يحيل حتما الى محاولة كشف استبطانات اللغة التي تعتبر الشعر ضرورة كما يقول جان كوكتو في استحضار الحلم والرؤيا والعشق والاحتفال...
تقول الشاعرة التونسية القديرة أ-نعيمة المديوني:

واذا ناديتك يا تائه في جنان بلا شذى
تعال هنا نجدد بنود الهوى
نسقي حدائقا سكنها البوم ونعق بها
نزرعها حبّا ووفاء
تعال اني بدونك ضائعة
ذبلت أزهاري وجفّ نبعها
فأضحت خالية من الحياة
لا تغري بالقبل ولا النّقر على الجمر
إن تعال هنا نزرع الحبّ في كلّ مكان
نبني لنا وطنا أركانه عُمدا
تعال
نشيّد صُروخا للأمل
نعلّي أسوار المدائن
تحضن أبناء الوطن
تحميهم من غدر الزّمن
تقيهم من شر أنفسهم
أنا العاشقة لك
أدقّ أجراس مدينتك
أهمس داخل روحك
تعال هنا
نبني لنا مسكنا
تحت سنابل القمح في البيدر
على أغصان الشّجر
مسكن يضمّنا والهوى رفيق لنا
مسكن صغير صغير بحجم السّماء
نأوي إليه كلّ مساء
باقة سندسن يفوح شذى مسكها
تعطّر الفضاء وتلهب الجوى
نجتمع هنا…على بساط الحنان
نشرب ما طاب لنا من أقداح المُدام
نثمل..ننشد مقاطع الهوى
تأثّث شهرزاد ليالينا بمواويل الجوى
السّاهرُ بسحر الكلام يفتن قلوبنا
ألثم الحبّ من قلب هوى
والهوى بين أحضانك جنة ومبتغى
أسكنك
تسكنني
تناديني صبحا ومساء
أنيري دربي وعلّقي قناديل الجوى
ففي غيابك غاب القمر واكفهرّت السّماء
افتقدت البسمة والفرحة
يسمع السّعيد النّداء
يخفق طربا
أجيئك عروسا في ليلة دخلتها
أرتمي في أحضانك
أنهل من غرامك ما طاب لنا
أترشّف من كأسك شهدا زلالا خالص الصّفاء
أدفن أحزاني بين ذراعيك وانسى من انا
انا العاشقة لقلب
متيّة به لحد الفنا
يطول سكوني في حضنه فيخيّل إليّ
أنّ نبضي توقّف
أنّ رمسي منّي اقترب
آه من قلب سكنه الغرام فأضحى به مُبتلى
عشقت الليل
عشقت السّماء
عشقت الهوى
لأنّه الليل اذا استوى
لانّه المطر اذا تكرّم وسخا
روى الأراضي العطشى فتفتّحت أزهارها
هو أنا اذا جثم السّكون وولجت عالم الهناء

..انه عشق بل قل شوق أنثوي تقيم الدهشة والغرابة طقوسه التي تحيل اللغة احتفالا له طابع هلامي يتوغل احيانا عبر الذاكرة المفزوعة بالخراب والفوضى وتمرّد الأنثى على الطقوس القبلية البالية..
إن قصيدة«أنا العاشقة»لا تذهب بعيدا عن محاولة إعارة النص بعض التفاصيل التي تشبع الرغبة الأنثوية بسرد انتقائي..
"أجيئك عروسا في ليلة دخلتها
أرتمي في أحضانك
أنهل من غرامك ما طاب لنا
أترشّف من كأسك شهدا زلالا خالص الصّفاء
أدفن أحزاني بين ذراعيك وانسى من انا"
تلتمس تفاصيله الشاعرة عبر شبكة من العلاقات اللغوية / الصورية التي تستبطن (معنى) قائما سلفا،حيث تلج المرأة تضاعيف المسكوت عنه..
وتمور نواميس الشبق في وجدان أنثى أرهقته الرغبة العاصفة..لتستمرئ الشاعرة لحظتئذ وقع -تمرده-على زمن ملغوم بالدهشة والغرابة والتابوهات..انه زمن (الخارج) الذي تهزم فيه..وتحاول عبر-عشقها السافر-إيغال الرؤيا في تفاصيل تجعل النص الشعري احتفالا ما، يبهج الشاعرة أو يؤلمها عند تخوم العطب...
ولصياغة فضائها الشعربي إزاء هذا التمرّد والعصيان تبدأ الشاعرة بالكشف عن تراكيب تندغم فيها الصور سريعة مقطوعة،بمساحات صورية أخرى..بطيئة تحتال باللغة وتتورط معها في استطرادات تثقل النص احيانا بالتجريد والتعمية المقصودة..
وهذه التراكيب الصورية التي تشكل فضاء النص تبرر الى حد ما وعي الشاعرة إزاء تركيبة النص الحداثي..فالنص المفتوح على الاحتمال والمعنى تكشف فيه الرؤيا عن عوالم متراكبة مأخوذة بالاستطراد كإشكال لغوي وبالتوالد كإشكال بنيوي...انها تأخذ في قصيدة (أنا العاشقة) مثلا إيقاعا شكليا متفاوتا يمزج بين (نثرية) المعنى والخطوط الحلم التي لا تفتأ أن تكون إيقاعا آخرا يتلجلج بشعريته وسط متون متفاوتة في شدها واتساعها،بحيث لا تخشى الشاعرة إزاءها فراغات النص...وبياضه..انها تقترح فضاءا مفتوحا ومبررا حيث تستحيل فيه اللغة الى حلم او خطاب يستبطن العشق في تجلياته العجائبية...
إن المناخ الشعري الذي تبرعمت في ظلاله أشعار أ-نعيمة المديوني-يتسم في مجمله بالتفاعل الخلاق مع الجانب الحداثوي وهذا ما أعطى قصائدها تحديثا شديد الألفة،من خلال لغتها التخييلية المشكلة تشكيلا عضويا ساعد على خلق معادل فني تلعب الذات دورا بارزا في أساسيات نموه وبالتالي تحوله الى وحدة تكوينية تجمع بين تشكيلاتها المتناهية الدقة كل ما هو متنافر ومتضاد حيث تؤدي هذه الأضداد وظيفتها في إنجاز الهيكلية الهندسية للصورة الشعرية المتوافقة مع إيقاع حركة الواقع والمتعارضة معه.عندما يحاول ذلك الواقع أن يفرض منطقا عقلانيا يتعارض والفضاء التخييلي للغة الشعر.
إن هذا البناء اللغوي،سوى في خاماته الأولية او المنتقاة لا ينسحب على القصيدة الحديثة فحسب،بل يتعداه الى التجارب التي اتخذت من قصيدة النثر وعاء تصب فيه ما يترشح من عملية التغطية التي تتعرض لها ذات الشاعر/الشاعرة..
ومن هناك فإن شعرية قصائد الشاعرة التونسية السامقة أ-نعيمة المديوني-،تمثل خطوة أخرى باتجاه قراءة النص الآخر الذي بدأ يشكل خطواته في مسار القصيدة العربية وهي تتململ اليوم بكل اختزاناتها وسحرها وقلقها للخروج الى برية الاتساع حيث الشكل يمسك لذة الحلم،وحيث الحلم يفور في مسارب المعنى..والشاعرة-نعيمة- تقيم طقوسها على تفاصيل الاشياء...حالمة او كاشفة او قائمة وسط حرائقها وحرائق الآخرين،تفتّش عن أشياء اخرى بلون الجمر او لون النساء او لون الحرية..
وهذه القصائد-التي قاربت معظمها-لا تخرج عن محاولات الشاعرة أ-نعيمة المديوني في التماس بنية نصها الحداثي المجبول على كشوفات الرؤيا الايقاع في تركيبة تزاوج بين شكل (تقطيع) وسردية حلمية تتكرر دائما
..ان قصيدة-العشق-تظل عصية...والشاعرة تظل قاسية مأخوذة ومقموعة بالنص تلم جسدها واحزانها وتسافر غاوية وسط ايقاعات يتداعى فيها كل شيء..تخرج من ذاكرة تكتب النص كتاريخ...
انها ذاكرة الآخر الذي مازال يقيم وسط الأشياء حادا وطاغيا..يكتب للآتين في موكب الآتي الجليل..ولعل هذه جدوى أخرى تضاف لقصائد أ-نعيمة المديوني التي تلتمس بصدق وجدية الخروج الى الجمال والحلم والاتساع والحرية..
على سبيل الخاتمة
إن الشاعرة أ-نعيمة المديوني-وهي تسابق الزمن في ركض محموم خلف الكلمة الشعرية المشبعة بالسحر والجلال،انما نراها تحاول من خلال تشكيل شعري يصل في كثير من تكويناته الى درجة من الشفافية والعفوية،أن تحقق القدرة على التوفيق بين أداته «اللغة داخل الشعر» وبين ترويض تلك الأصوات الضاجة في داخله الذي تمارس استمرارية طقس الاحتراق.
ومن هنا فهي تتموقع بين نزاعين يتطاحن فيهما الوعي واللاوعي،اليقظة والغياب،واختيارات لا حد لها،لعل من أشقها ان تختار المواصلة او النكوص،إلا ان «الدهشة الشعرية» تتغلب في الأخير على حوار المنطق العقلاني لتمسك بدفة القارب الشعري في محاولة للعبور نحو الضفاف المبتغاة..وهذا ما سيمهد السبيل الى أرض «معطاء» تليق ببذار القصيد القادم...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا