الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الناصر ... والشيوعيين .

أحمد فاروق عباس

2023 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


بدأت علاقة جمال عبد الناصر بالتيارات الماركسية بسوء التفاهم ، فقد اعتبرت تلك التيارات - فى أغلبها - أن ما حدث في ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وراءه الامريكان ، أى بتعبير جلال كشك فيما بعد أن ثورة يوليو ... أمريكية !!

وكان تحليل الماركسيين أن أمريكا رتبت انقلابا عسكريا في مصر خوفا من احتمالات الثورة الحقيقية التى - طبقا لهم - سيقودها الماركسيين !!

وكانت جوانب الخطأ في هذا التحليل كالآتي :

١ - أن أعداد وقوة الشيوعيين في مصر وقتها - وكانوا بضع آلاف فى شعب زاد عن ٢٥ مليون إنسان - لم تكن تسمح لهم بترتيب ثورة شعبية يصلون بها إلى الحكم ..

٢ - أن البديل للنظام الملكى القائم كان على الأرجح تنظيم الإخوان المسلمين ، وهو تنظيم انشأته بريطانيا فى العشرينات ، وبعد ضربه وبعثرته فى أواخر الأربعينات أعاد الامريكان هذه المرة - طبقا لروايات غربية موثوقة - بناءه أعوام ١٩٥٠ - ١٩٥١ أى أن بديل النظام الملكى كان متاحا أمام الغرب فى نظام دينى يكافح الأفكار الشيوعية بقوة ..

( وبعد قيام الثورة التقى الرئيس الأمريكى دوايت ايزنهاور شخصيا فى البيت الأبيض مع سعيد رمضان قائد الإخوان المسلمين لترتيب قيام جبهة إسلامية لمكافحة الشيوعية في العالم الإسلامى يقودها الإخوان المسلمين ) ..

٣ - أن تنظيم الضباط الأحرار نفسه كان يضم العديد من الماركسيين مثل خالد محى الدين ويوسف صديق منصور واخرين متعاطفين مع أفكار العدل الاجتماعى وقريبين فكريا من اليسار ..

وبعد قيام الثورة وحدوث سوء الفهم بين الماركسيين ومجلس قيادة الثورة حدث التصادم ..

كان بداية الصدام مع إعدام العاملين فى شركة نسيج فى كفر الدوار خميس والبقرى فى أغسطس ١٩٥٢ ، وقد اصر مجلس القيادة على اعدامهما لكى لا يظهر بمظهر الضعف الذى قد يغرى الآخرين بتحديه ..

الغريب أن عبد الناصر - وطبقا لما قاله أعضاء مجلس القيادة في مذكراتهم فيما بعد - كان معترضا بشدة على إعدام عمال كفر الدوار ..

وحدث الصدام الثانى عندما تحالف الشيوعيين مع الإخوان المسلمين - بعد صدامهم هم أيضا مع جمال عبد الناصر - فى عام ١٩٥٤ وكانت النتيجة أن وجد قادة الشيوعيون أنفسهم في السجون ..
وبعد سنتين اخرجوا منها ..

وحدث الصدام الثالث - والأكبر - أواخر عام ١٩٥٨ ..

كانت تغييرات قد حدثت في العراق في صيف ذلك العام ، وأنهار النظام الملكى صديق البريطانيين والأمريكان المهم ، وجاء بدلا منه ضباط أغلبهم من القوميين العرب يقودهم عبد الكريم قاسم ..

أعلن جمال عبد الناصر تأييده لثورة العراق فور حدوثها ووضع قوة مصر تحت خدمة العراق ، وكانت الخطط الغربية تجرى على قدم وساق لإنزال قوات أمريكية فى لبنان ، وتجهيز القوات البريطانية فى الأردن للتدخل ..

وانتهت الأمور باستقرار الثورة فى العراق ونجاحها ..

كان القائد الجديد عبد الكريم قاسم متخوفا من التيارات القومية في العراق فتحالف مع الشيوعيين ، وقاد الاثنان حربا شعواء ضد مصر وجمال عبد الناصر ، الذى كان أول وأهم من ساعدهم في أيامهم الصعبة ..

زاد الأمر سوءا أن الشيوعيين في سوريا كانوا معترضين على الوحدة السورية المصرية تحت قيادة عبد الناصر ، واتخذ قائدهم - خالد بكداش - من بيروت مقرا يقود منه حربا دعائية ضد جمال عبد الناصر ونظامه في مصر وسوريا ..

رفض الحزب الشيوعي السورى الوحدة العربية ، وقاد رئيسه خالد بكداش حربا دعائية قوية ضد الوحدة وضد جمال عبد الناصر ، ونفس ما فعله الحزب الشيوعي السورى فعله الحزب الشيوعي العراقى ، الذى رفض أى خطوة نحو وحدة العرب ، ثم قاد المذابح والاغتيالات ضد القوميين العرب - الناصريون والبعثيون - فى كركوك والموصل عام ١٩٥٨ ..
وظل الخلاف والصدام بين جمال عبد الناصر والأحزاب الشيوعية العربية حتى وفاته ..

اما الشيوعيون في مصر .. فقد تشجع الشيوعيين المصريين آنذاك - وكان وراءهم قوة الاتحاد السوفيتي - وعلا صوتهم في مقاومة جمال عبد الناصر ، فكانت النتيجة أن وجد مئات الشيوعيين المصريين أنفسهم في السجون صبيحة اول يوم من سنة ١٩٥٩ ..

مكث الشيوعيون في السجون حتى تم الإفراج عنهم بداية عام ١٩٦٤ ..

الغريب أن ألة الدعاية الغربية لم تتهم عبد الناصر آنذاك - فى نهاية الخمسينات - بالاستبداد والديكتاتورية ، بل اظهرته بمظهر الزعيم القوى الحازم !!
وكان على تلك الاتهامات أن تنتظر حتى منتصف الستينات !!

فقط عندما ظهر أن مشروع جمال عبد الناصر التحديثى في مصر يمثل خطرا على مصالح الغرب فى المنطقة ، وخصوصا مع زيادة تقاربه مع الكتلة الشرقية أخرجت قصة الديكتاتور المستبد المجرم الدموى .... إلى آخر تلك الاسطوانة ..

.. كانت الظروف قد تغيرت بشدة مع اقتراب منتصف الستينات عن عام ١٩٥٨ ..

تقارب جمال عبد الناصر بقوة مع الاتحاد السوفيتي ، بعد تمويلهم للجزء الأكبر من السد العالي ومساعدتهم لمصر بالمال والخبرة في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المصرية الأولى ١٩٦٠ - ١٩٦٥ ..

وزار نيكيتا خروشوف زعيم الاتحاد السوفيتي مصر فى مايو ١٩٦٤ لافتتاح المرحلة الأولى من السد العالي ومكث بها أكثر من أسبوع ..

كانت خطة التصنيع المصرية قائمة على قدم وساق ، وأعلنت مصر - ردا على إسرائيل - أنها ستدخل العصر النووى ، وكانت هناك خطة تصنيع حربى طموحة في مصر ..

ودقت أجراس الخطر بشدة في واشنطن ..

وطلبت من القاهرة التالى :

- إبطاء حركة التصنيع فى مصر .
- وقف برامج انتاح السلاح المصرية .
- وقف وتجميد البرنامج النووى المصرى .
- ابتعاد مصر عن الاتحاد السوفيتي .

رفض جمال عبد الناصر الشروط الأمريكية ، وزاد عليها أن الماركسيين المصريين - الذين كانوا من شهور فى السجون - وضعوا فى مناصب مهمة فى التنظيم السياسى القائم آنذاك - الاتحاد الاشتراكي - وفى الصحافة والجهاز الاعلامى ..

ردت أمريكا - أولا - بالحرب الاقتصادية ، فأوقفت تصدير القمح لمصر بشروط ميسرة طبقا لاتفاق معين بين البلدين تم فى وقت كينيدى ..

وردت - ثانيا - بترتيب محاولة للتخلص من جمال عبد الناصر يقودها الإخوان المسلمين ، وقد اكتشفت المحاولة وحوكم قادتها ، وسجن اغلبهم واعدم بعضهم مثل سيد قطب ..

وردت أمريكا - ثالثا - بتسليح إسرائيل بأحدث ما فى ترسانة الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي من سلاح ، ولمدة سنتين - من ١٩٦٥ الى ١٩٦٧ تدفق على إسرائيل أحدث ما انتجه الغرب من سلاح .. وكانت حرب ١٩٦٧ .

وانهزم جمال عبد الناصر فى صدامه مع الولايات المتحدة ..

وكان الماركسيون المصريين مازالوا في مواقعهم المهمة فى بنية السلطة فى مصر ، وظلوا فيها حتى وفاة عبد الناصر فى ١٩٧٠ ..

بعد وفاة جمال عبد الناصر انقسم الشيوعيون في مصر والعالم العربي ..

فمنهم من تعاطف مع تجربة الرجل ، ووضعها في مقدمة تجارب العالم الثالث فى التنمية المستقلة والاعتماد على الذات ، والوقوف بقوة أمام الاستعمار القديم - بريطانيا وفرنسا - والاستعمار الجديد الذى تمثله الولايات المتحدة الأمريكية ..

ومنهم - وهم الغالبية - من رجع إلى الأفكار الماركسية القديمة عن ثورة يوليو الأمريكية ، التى اجهضت الثورة الحقيقية في مصر !!

وأن ما حدث في مصر أيام عبد الناصر لم يكن يمثل الاشتراكية بأى صورة ، بل هو نوع من رأسمالية الدولة !!

ومع تغير تفكير واتجاهات الماركسيين ، وظهور الماركسيين الجدد - على غرار الليبراليين الجدد - أصبح الماركسيون من دعاة الديموقراطية على النمط الغربى .. وهم الذين - فى الزمن القديم - طالما انتقدوها !!
وأصبح عبد الناصر - فى رأيهم - ديكتاتور دمويا !!

ومع مجئ عهد الثورات فى العالم العربي عام ٢٠١١ وما بعده تحالف بعض اجنحة الماركسيين - خاصة الاشتراكيين الثوريين - مع التيارات الإسلامية المختلفة ، من الإخوان وحتى داعش !!
وكتاباتهم متاحة لمن يريد المزيد من الفهم ..

وأصبح جزءا لا يستهان به من الماركسيين فى العالم العربي - وغير العالم العربي - أشبه بجناح يسارى للعولمة والقيادة الأمريكية !!

وأصبح الماركسيون - أو الجزء الغالب منهم - الفصيل الرابع فى حالة العداء مع جمال عبد الناصر ..

وكان الغريب والملفت للنظر أن عداء جمال عبد الناصر جمع بين النقيضين ، وبين الأضداد كلها :

كبار الرأسماليين .. وكبار الشيوعيين !!
أهل الإيمان ... وأهل الإلحاد !!
أنصار حرية السوق .. وأنصار التخطيط !!
أنصار الديموقراطية الليبرالية .. وأنصار ديكتاتورية البروليتاريا !!

وبعد ٥٣ سنة من وفاة الرجل وذهابه إلى رحاب ربه .. مازالت الحرب عليه كما كانت ... وأكثر !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟