الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحة تجارة مربحة

الطاهر المعز

2023 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


مَخاطر شركات الأدوية على صحة الإنسان

كيف تُحدّدُ المختبرات الأمريكية الأولويات وأهداف البحث؟ يتم تمويل أبحاث الطب الحيوي بشكل رئيسي، في الولايات المتحدة، من قبل المعاهد الوطنية للصحة (NIH) التي تُقَرِّرُ أولوياتها وفق القائمة المقدمة لها من قبل أعضاء الكونغرس الأمريكي، ومعظمهم من الأعيان الأثرياء ومن أصدقاء وشُرَكاء أصحاب الشركات، ومنها مراكز البحث والمختبرات الخاصة، ما يعني أن أولويات البحث الطبي مرتبطة بمصالح اقتصادية وسياسية لا علاقة لها بالمصالح الصحية الحقيقية للمواطنين الأمريكيين أو بقية سكان العالم، فضلا عن مسؤولية الصناعة الطبية والصيدلانية الأمريكية في تعميق مشكلة إدمان المواد المخدّرة (مثل الأفيون) الذي تم استخدام أحد مُشتقاته في البداية كَمُسَكِّنٍ للألم الذي يستلزم وصفة طبية، وقامت عائلة ساكلر التي تنتجه من خلال شركتها "بوردو فارما"، بحملة إشهارية ضخمة لترويجه في "السوق" تحت إسم (أوكسيكونتين )، سنة 1996، قدمته على أنه مُسَكِّن للآلام وغير ضار بصحة البشر، فارتفعت قيمة مبيعات هذا "الدّواء" من 300 مليون دولارا، سنة 1996 إلى 1,5 مليار دولارا سنة 2002، وتعتبر عائلة "ساكلر" (مالكة شركة "بوردو فارما") من أغنى العائلات في الولايات المتحدة، بحسب مجلة فوربس...
يموت 142 أمريكيًا كل يوم بسبب جرعة زائدة من المواد الأفيونية مثل الأوكسيكودون أو الفنتانيل أو الهيروين، وعلى سبيل المثال قتلت مُسكّنات الألم حوالي ستين ألف أمريكي، خلال سنة 2015 لوحدها، فضلا عن ارتفاع عدد الشباب العاجزين عن العمل أو عن العناية بأنفسهم بسبب استهلاك مسكنات الألم التي تحتوي على مواد مُخَدِّرة وتُقَدِّرُ مصادر مختلفة ( دراسات نُشرت بين سنتَيْ 2016 و 2019) حجم الأضرار الاقتصادية بنحو ثمانين مليار دولار سنويا، بالإضافة إلى انخفاض متوسط العمر المتوقع للأميركيين البيض بفعل استهلاك المواد (الأدوية) المُشتقة من الأفيون، وتم الإبلاغ عن ارتفاع الوفيات الناجمة عن جرعات زائدة من المخدرات، بالولايات المتحدة، سنة 2021، إلى مستويات قياسية، لتبلغ 108 آلاف، منها حوالي 70 ألف حالة وفاة بسبب جرعات زائدة من الفنتانيل...
تزامَنَ ارتفاع استهلاك مُسكّنات الألم المُسْتَخْلَصَة من الأفيون، مثل "أوكسيكونتين" مع الزيادة الكبيرة في عدد الوفيات المرتبطة بالمخدرات في الولايات المتحدة، وانخفاض متوسط العمر المتوقع منذ سنة 2015، لأول مرة منذ الحرب العالمية الأولى، وتمت محاكمة شركة بوردو فارما وثلاثة مديرين، سنة 2007، بتهمة "التسويق العدواني والمُضَلِّل" للأوكسيكونتين وتمت إدانتهم بغرامة قدرها 634,5 مليون دولار، وأدى ارتفاع وباء المواد الأفيونية في الولايات المتحدة إلى حد إعلان الرئيس دونالد ترامب (26 تشرين الأول/اكتوبر 2023) حالة الطوارئ الطبية، وفي ىب/أغسطس 2019، أدانة محكمة ولاية أوكلاهوما شركة الأدوية العملاقة جونسون آند جونسون وأمرت بدفع تعويض قدره 572 مليون دولار لنفس الاتهامات بالإعلانات المضللة للمواد الأفيونية التي تنتجها، وفي نفس العام 2019، اضطرت شركة الأدوية بوردو فارما إلى التّوصّل إلى تسوية مع المُدّعين الذين دفعت لهم 12 مليار دولار كتعويض عن عقارها أوكسيكونتين، وسبق اتّهام عائلة ساكلر (مالكة شركة بوردو فارما) بالتهرب من الضرائب وتهريب العائدات إلى المصارف السويسرية، وفق مكتب المدعي العام في نيويورك (عن رويترز 14 أيلول/سبتمبر 2019).
يشتري المواطنون المواد الأفيونية بشكل قانوني وعلني من خلال "سوق الوصفات الطبية" التي أصبحت تجارة مربحة لشركات الأدوية ولقطاع الطّبّ الخاص فالأطباء يصفون أدوية تحتوي على الفنتانيل، وهم على علم بعواقب الإدمان، وأصْدَرَ الأطباء، سنة 2021، في الولايات المتحدة، ما لا يقل عن 500 مليون وصفة طبية للأدوية القائمة على الفنتانيل للأفراد، لأنهم استفادوا من الرشاوى التي قدّمها المسؤولون التنفيذيون لشركة بوردو فارما لنحو 68 ألف طبيب، وتتمثل في الوجبات والرحلات والمؤتمرات والمال مقابل، وصف هذا المُسَكِّن للألم، وفق مجلة نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين ( آذار/مارس 2022) التي كتبت: "إن صناعة الفنتانيل غنية وقوية للغاية لدرجة أن لُوبِّيهَا يتمتع بنفوذ في الكونغرس وإدارة الأدوية الإتحادية وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (...) وهناك خمس جماعات ضغط خاصة بالنظام الصحي تعمل بشكل يومي للتّأثير على أعضاء الكونغرس ومُساعديهم..."
توصّلت مجموعات الضغط التابعة لشركات المختبرات والعقاقير إلى ترويج عقار "أديرال"، وهو دواء لعلاج اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD) وهو مزيج من اثنين من المنشطات، الأمفيتامينات والدكستروأمفيتامينات، يُحدث تأثيرًا مُهدِّئًا في البداية، على الأشخاص المشتبه في إصابتهم باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ولكنهُ يُسبّب الإدمان ( وهو أحد الآثار الجانبية الضارة الأولى لأديرال)، وتمكّنت الشركات المنتجة من استخدامه في علاج أطفال مؤسسات الحضانة والتعليم، من سن ثلاث سنوات، بموافقة، بل بتواطؤ العديد من مسؤولي التعليم الذي يُشاركون في مراقبة العواقب الناتجة عن هذا الدّواء الذي يتميز بنقص كبير للمعلومات الخاصة به.
من جهة أخرى، تُرَوّج شركات المختبرات والعقاقير مُنشّطات قد يُؤدّي استهلاكها إلى الوفاة، وحصلت حوادث توفي خلالها جنود (منها الحادثة الواردة بالفقرة المُوَالِيَة)، أما إذا تُوُفِّيَ مدنيون فُقراء، فلا أحد يُبالي بأسباب وفاتهم.
يستخدم الجيش الأمريكي المُنشّطات أو "العقاقير المعززة للأداء" (PEDs )، وفي شهر شباط/فبراير 2022، توفي أحد أفراد القوات الخاصة البحرية للولايات المتحدة (Navy Seal) خلال تدريبات "أسبوع الجحيم"، حيث يجب على المرشحين للبحرية أن يسافروا أكثر من 200 ميل خلال خمسة أيام، إما للسباحة أو الجري، وتعترضهم لعقبات متزايدة الصعوبة، ولا يتمكّن الجنود من الراحة سوى خمس ساعات للنوم، وعند تشريح جثة الجندي المُتَوَفِّي استنتج الطبيب الشرعي إنه توفي بسبب "التهاب رئوي بكتيري" لم يتم علاجه في الوقت المناسب، لكن المُتَوَفِّي كان يعاني من «تضخم القلب»، ربما بسبب تناول هرمون التستوستيرون وهرمون النمو، وهي مواد وجدت في أغراضه الشخصية، ولذلك تم حَظْرُ عقاقير (PEDs ) وإقرار ضوابط لمكافحة المنشطات، وحظر استخدام هرمون النمو ومراقبة نحو 15% من جنود قوات الكوماندوز البحرية، كل شهر، وإقرار عقوبات في حال ظهور نتيجة إيجابية جدية تُؤَكّد استخدام هذه المُنَشِّطات...
تُظْهِر هذه الأمثلة القليلة العلاقة الوثيقة بين العلم والنفوذ الاقتصادي، اللّذَيْن يتحالفان لإخضاع جزء هام من السّكّان وإبقاء الآخرين في حالة اغتراب وتبعية ومرض حدّ الموت، ليس للأغنياء، لكن للفئات الإجتماعية "الدُّنيا"، الواقعة في أسفل درجات السُّلّم الطّبقي، وتلك الفئات التي تعتبر "زائدة عن الحاجة"، على حدّ تعبير "فكتوريا نولند"، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية التي تدعو إلى تنفيذ خطة ل"تحسين النسل"، وفق نظرية "إعادة الضبط الكبرى"، وتتمثل هذه الخطة في تخدير "المُشاغبين" أو "غير المُنضَبِطِين"، لضمان هدوئهم، في حين تجني الشركات المنتجة للعقاقير المُخدّرة مبالغ ضخمة من المال مقابل إدمان هؤلاء المُشاغبين السابقين، حدّ الموت.
يتطلب الأمر ترويج المعلومات عن هذه الروابط بين أصحاب النفوذ الإقتصادي وأصحاب النفوذ السّياسي، للتعريف بالأضرار التي تُسبّبها شركات العقاقير والمختبرات، وخلق جبهة اجتماعية لمواجهة تجار المخدرات "السريين" وتجار المخدرات "العَلَنِيِّين القانونيّين" الذين يشكلون خطراً أكبر بسبب إفلاتهم من العقاب، ولكي لا نترك مستقبل الأجيال الحالية والقادمة في أيدي المجرمين المَحْمِيِّين من قِبَل أجهزة الدّولة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة