الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدالرزاق الدواى .. الفلسفة ستستعيد دورها التنويري

فهد المضحكي

2023 / 10 / 7
سيرة ذاتية


عبدالرزاق الدواى أكاديمي مغربي ولد سنة 1943، حصل على دكتوراه الدولة في الفلسفة سنة 1992، انتظم في العمل بسلك التدريس الجامعي ليدرّس الفكر الفلسفي والاجتماعي المعاصر في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس المغربيه. في عددٍ من أعداد مجلة «الفكر المعاصر» كتب أستاذ الفلسفة الحديثة بآداب بني سويف د. غيضان السيد علي، ينشغل الدواى اليوم بصورة لافتة للنظر بمستقبل الفلسفة في القرن الحادي والعشرين في ظل ما تحقق من تقدم غير مسبوق في المجالات كافة وعلى مستويات جميع المعارف والعلوم، ولاسيما التقدم التقني الذي أخذ يقتحم عالم الوجود الإنساني بكل تفاصيله وينال في بعض الأحيان من قدسيته البشرية. منطلقًا من فرضية أساسية تحكم توجهه الفلسفي بصفة عامة ألا وهي: إن الفلسفة التي لا تكترث بمجرى التحولات الكبرى في عصرها والتي تتجاهل الحركة العلمية ولا تتفاعل معها مقضى عليها بالجمود التدريجي وبالتالي بالتلاشي. وعلى ضوء هذا التوجه يعتقد أن الفلسفة ما هي إلا حكمة مؤسسة على المعرفة، أي حكمة تستلهم من علوم ومعارف عصرها وتستند إليها. كما ينشغل الدواى انطلاقًا من رؤيته هذه بمستقبل الفكر الفلسفي العربي وموقف المشتغلين بالفكر الفلسفي العربي من الفكر الغربي في ضوء ازدواجية فقدان الهوية وتأكيد الخصوصية. ينظر إلى الفلسفة في العصر الراهن من منظور خاص جدًا، حيث يرى أن الفلسفة في الآونة الأخيرة قد فقدت ازدهارها النسبي عن ذي قبل حتى منتصف العقد السابع من القرن الماضي. فلقد كانت المذاهب والمدارس والتيارات الفلسفية في عنفوان حيويتها وعطائها، تتناظر وتتساجل وتتصارع، وتبرم تحالفات وتؤسس جبهات ضد بعضها البعض: الوجودية والشخصانية في مواجهة الماركسية، والماركسية في مواجهة الوضعية المنطقية والوجودية والبنيوية، والوضعية المنطقية في مواجهة المذاهب الميتافيزيقية… الخ. أما اليوم فقد صرنا نلاحظ الفلسفة وهي تنكمش على نفسها ويطغى عليها جانب الحذر، والفلاسفة الكبار يختفون واحدًا تلو الآخر دون أن يُعوضوا، وانفصمت العرى التي كانت تربط الفلسفة بالحياة. كما أن المسائل الفلسفية الكبرى التي ظلت حتى الأمس المنبع الذي يمد الفكر الفلسفي بالحيوية منذ العصر اليوناني، أصبحت موضع تشكيك من طرف عدد كبير من الفلاسفة أنفسهم، حتى أنه لم يعد مما يثير الاستغراب اليوم أن نسمع الطالب في قسم الفلسفة في جُل جامعات العالم يؤكد أن مهمة الفلسفة ليست هي إيجاد حلول للمشاكل «الميتافيزيقية» الكبرى المطروحة منذ أفلاطون، بل أن دورها أضحى بالأحرى هو تفكيك وهدم وتقويض جميع الأوهام التي تصدر عنها.
إذا كان -كما يقول- هذا هو الحال الراهن للفلسفة على الصعيد العالمي، فإن حالها على الصعيد العربي لم يكن الأحسن حالاً فقد تعالت بعض الأصوات التي تنادي في الآونة الأخيرة بضرورة التوجه إلى «الأبداع التأسيسي». إبداع ثقافة جديدة وتوجه جديد نحو الإنسانية والعالمية الحقتين ينأى عن الاستمرار في طريق فناء الهوية التي وقعت أسيرة لدعوى العالمية الغربية الزائفة، مُنبهة ومحذرة من الاستمرار في التبعية الغربية، وداعية إلى قيام ذاتيتنا الجديدة. وكما يقول، ولاشك أن هذا المطلب ليس بجديد، ولكنه يعد حلمًا قديمًا نسبيًا بدأ مع بداية النهضة العربية في النصف الأول من القرن العشرين، وتراءى لجيل الرواد، وظهرت إرهاصاته عند شبلي شميل، وفرح أنطون، وقاسم أمين، وأحمد لطفي السيد، وعباس محمود العقاد، وسلامة موسى، ويوسف كرمل، وعثمان أمين، وتوفيق الطويل. وإذا كان ذلك في المشرق العربي، فإننا نرى في المغرب العربي من يرفع الشعار نفسه، ويرى في أعمال محمد عابد الجابري، ومالك بن نبي، وعبدالله العروي، وطه عبدالرحمن، وعلي أومليل، وفتحي التريكي أرضية خصبة لانطلاق التأسيس الذاتي للفلسفة العربية. كما يرى البعض أن هناك محاولات عربية كادت أن تنجح في إنشاء فلسفة ذاتية أو مذاهب فلسفية أصيلة، تمكنت بالفعل من الإفلات من تلك النزعة السائدة والمنقادة تحت أسر الفلسفة الغربية. كالمدرحية عند أنطون سعادة، والجوانية عند عثمان أمين، وطريقة الاستقلال الفلسفي عند ناصيف نصار، والتراث والتجديد عند حسن حنفي… إلى آخر هذه المحاولات العربية التي تظهر في المشرق أو المغرب العربي.
يخالف الدواى بعض المفكرين المعاصرين الذين يعتبرون أن الرؤية الحقة والجديرة بهذا الاسم هي التي تطلب الجرأة والقدرة على التحرر من الآراء المتحكمة في نظرتنا الحالية إلى الأمور، وبصفة خاصة التحرر من التبعية المطلقة للماضي وقيمه، وأن ذلك لن يتأتى إلا بإحداث قطيعة مع الرؤى التقليدية التي لا تطمح إلى أكثر من أن يتخذ المستقبل شكل الماضي البعيد بحجة أن عطاء الماضي كاف وحده لبناء المستقبل.ومن منظور هؤلاء، يرى الدواى، إننا إذا كنا نتطع حقًا أن يكون فكرنا المعاصر فكرًا مستقبليًا فلا مناص اليوم من الدخول في معركة داخلية مع الذات وتصفية الحسابات نهائيًا مع تلك الرؤى التي تنظر إلى المستقبل كامتداد للماضي وتفكير فيه وكأن مسار التاريخ قد توقف. ولسنا في حاجة إلى التأكيد أن قطيعة من هذا القبيل لم تتحقق بعد في أي مجال، لأنه ما من قضية من قضايا الفكر العربي المعاصر إلا والماضي بثقله حاضر فيها كطرف. حتى ليبدو أن هذه المعركه تؤجل دائمًا خوفا من قتل الأب أو اغتيال التراث. وهنا ينشب الصراع في فكر الدواى بين فقدان الهوية وتأكيد الخصوصية من جهة أخرى، حيث يرى أن العوامل المفضية إلى فقدان الهوية- كما يقولون- التبعية للغرب في مجال الفكر والثقافة، الأمر الذي يكشف أنه ليست لدينا فلسفة أصيلة وأن فلسفتنا هي امتداد لمذهب فلسفية غربية وثقافتنا هي مجرد «وكالة حضارية للثقافة الغربية». فالداوى، يرى في الآخر مثال لاتستطيع التفكير في مستقبلنا بدون الارتباط به بكيفية ما، على الرغم من الشعور في الوقت ذاته بأنه يلغينا، فهو إذن، يرى في الغرب (الآخر) أحد المصادر الأساسية المباشرة لثقافتنا العلمية والسياسية والفلسفية، بل وواحدًا من الروافد الأساسية لوعينا، وأن الثقافة الغربية أضحت في حاضرنا واقعًا يفقأ الأعين، ومصدرًا لايمكن أن يجحده عاقل إلا ادعاءً أو جهلًا أو تجاهلًا وعنادًا. فهذه الثقافة الغربية المغايرة تساعدنا على تحديث الفكر بروح التحليل والفهم والنقد، وليس أمام الفكر العربي المعاصر إن هو أراد أن يكون حاضرًا وفاعلًا في زمانه إلا أن يفتح عينيه على هذه الحقيقة الصارخة، فالتبادل بين الثقافات غدا أمرًا موضوعيًا وظاهرة عالمية لا يمكن التغاضي عنها، بحيث لم يعد هناك أي حاجز قادرًا على الصمود أمام سرعة انتقال المعرفة والمعلومات والأفكار والقيم والمكتسبات الإنسانية الحالية. إذا مع فكرالدواى نخرج بنتيجة لازمة فحواها أن التحاور مع الآخر ليس إلغاء الهوية ولايمكن أن يطمس المعالم والخصوصية طالما تحلينا بروح التحليل والفهم والنقد، بل على العكس، يكون الانطواء على الذات والتقوقع داخلها بزعم الحفاظ على الهوية والخصوصية هو الإلغاء الحقيقي لهما.
في حين أنه يعطي اهتمامًا لمستقبل الفكر الفلسفي العربي، لا بدافع الفضول وحب الاستطلاع، ولكن مبعثه الحقيقي هو وعيه الحاد بالواقع الراهن المفعم بالتناقضات: تناقض بين المعتقد والسلوك، تناقض بين مطالب العدالة والحرية ومظاهر القمع والقهر، فضلًا عن الشعور المقلق بوطأة الفارق الكبير، الذي لا يزال يفصلنا عن المستوى الحالي للأمم المتقدمة. ولعل معاناتنا لهذه التناقضات، هي التي تثير فينا رغبة ملحة في التحرر من الواقع الراهن والهروب منه نشدانًا للتغيير في غدٍ أفضل مأمول، وتطلعا إلى بديل ما هو قائم. ولاشك أن كلمة بديل جذابة، وذات وقع خاص، وهي لذلك ما فتئت تتردد في خطابنا الفكري والسياسي منذ الخمسينات وكأنها طوق للنجاة نسعف به دائما في حالات التأزم، فنشحن كل مرة مضمونها شحنًا بطموحاتنا. وانطلاقًا من موقف الدواى من بعض المغاربه الذين دعوا إلى القطيعة مع الفكر الغربي رغبة في التحرر وحفاظا على الهوية والخصوصية، ومن وقوفه على مستقبل الفلسفة العربية التي لايمكن أن ترى المستقبل في العودة إلى الماضي فقط أو في التحديث الشامل والقطيعة مع الماضي، وإنما يراهن على إمكانية التوفيق بين الموقفين. فبدت الهوية عنده كما أشار الكاتب، مشروعًا مستقبليًا أكثر منه مشروع للاسترداد والتملك من جديد.
وحول مستقبل الفلسفة في عصر طفرت التقنيات العلمية وثورة الاتصالات في القرن الحادي والعشرين يعتقد أن مهمة الفلسفة ستكون شبيهة بمهمتها في عصر الأنوار. وأنها ستستعيد في هذا القرن دورها التنويري، إذ إنه يرى أن الصراع الفكري قد عاد كما كان عليه في عصر الأنوار: العقل ضد النزاعات الظلامية واللاعقلانية، مع ما يقتضيه الحال من تجديد وتحيين وترهين لمعاني العقل واللاعقلانية. وبعد ذلك، رأى الكثيرون من المهتمين بمستقبل الفلسفة. وفي تقديره أن نهاية القرن العشرين قد شهدت انبعاثا جديدًا لعلاقة الفلسفة بالسياسة في المستقبل القريب، على الأقل على مستوى برامج التعليم، ولعل أكثرها تجليا هذا الانتعاش الكبير للخطاب عن حقوق الإنسان، فإذا كان تعليم الفلسفة قد زودنا إلى حد الآن بمجموعة من الرؤى العامة التي كونها البشر عن الحياة وعن العالم وعن العلاقات فيما بينهما، كما أمدنا بمعلومات ثقافية غنية وكذلك بمعطيات تاريخية، فإن كثيرًا من المهتمين بالفكر الفلسفي في عصرنا غدوا أكثر طموحًا وصاروا ميالين إلى الاقتناع بأن من الممكن أن يكون لتعليم الفلسفة علاقة وثيقة بقضية الديموقراطية بحيث يمكن أن يدعمها ويدافع عنها. كما يؤكد شأنه شأن الكثيرين من المهتمين بالبحث في الفلسفة السياسية أن ثمة تغيرات وشيكة يمكن أن تطرأ على مبدأ الديمقراطية نفسه، وأن هذه التغييرات يمكن أن تمس جوهر ومسلسل تطبيقه، وبصفة خاصة في الدول ذات التقاليد الديموقراطية العريقة التي قد تكتشف مثلا أهمية الديموقراطية المباشرة بعدما فضلت إلى حد الآن الديموقراطية التمثيلية. أما في مناطق العالم التي لا تزال تهيمن فيها الثقافة المقدسة للسلطة، أو التي لم تعرف الإرهاصات الأولى للديموقراطية إلا في فترة متأخرة، فمن المرجح أن انتشار قيم الديموقراطية فيها سيتحقق ببطء، ولكن الدلائل الحالية تجيز القول بأن معطيات القرن لن تسمح أبدا بالتقوقع أو بالتراجع إلى الوراء.
وعلى صعيد مؤلفاته، بدأ نشر كتاباته الإبداعية في سن مبكرة، حيث ظهرت له إبداعات قصصية في مجلة «الشاهد» المغربية سنة 1959. كما صدرت له بعد ذلك كتابات قصصية وأبحاث فلسفية تنبئ عن مولد كاتب وباحث جاد، بجرائد ومجلات عدة. صدرت له كتب عدة نجحت في لفت أنظار الباحثين إليه، منها: موت الإنسان في الخطاب الفلسفي، وحوار الفلسفة والعلم والأخلاق في مطلع الألفية الثالثة، وحوار الهوية الوطنية في زمن العولمة. كما شارك في تأليف العديد من الكتب الأخرى، من أبرزها: الفلسفة في الوطن العربي في مائة عام، والدين والفلسفة من منظور فلسفي، وساهم أيضًا في تقرير المعرفة العربي لعام (2009).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس