الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يجب التوقف عن استخدام المحرقة النازية لتبرير الأبارتهايد الإسرائيلي

سعيد مضيه

2023 / 10 / 7
القضية الفلسطينية


ماذا قال حاييم وايزمن عام 1943؟


تساءل المؤرخ والأكاديمي الأميركي لورنس دافيدسون: ما هو منطق إنزال المعاناة الجماعية بشعب آخر (الفلسطينيين) لإقامة " ملجأ آمن" لمجموعة أخرى عانت الاضطهاد ( يهود)؟ مجرد إهانة ذكرى النكبات التي لحقت بالضحايا اليهود وإهدارها. في ضوء هذا الخط المنطقي، يتوجب على للصهاينة ان يخجلوا، إذ يسخّرون الهولوكوست مبررا لإقامة ما بات يدعى الآن نظام أبارتهايد."

ورد هذا التنديد بسلوك الصهاينة في مقالة علق فيها الكاتب الأميركي على ما أسماه "هوجة ( أشبه بعاصفة في فنجان) انفجرت حول بيان صدر عن الرئيس محمود عباس، رئيس حركة فتح ، الحزب العلماني القومي الذي يقود السلطة الفلسطينية" .
دخل المؤرخ في تفاصيل الهوجة وطرفيها كي يوضح لقرائه مصدر عاصفته؛ اما بصدد قراء الترجمة من العرب فالمفضل البدء بأصل الحروب الدائرة فوق أرض فلسطين، والهوجة جزئية صغيرة من شرائيبها . يكتب المؤرخ:

العنصرية الصهيونية من قبل وحاليا

الصهاينة، بالطبع، يحبون اتهام الفلسطينيين باللاسامية المزعومة؛ غير ان سلوكهم عبر التاريخ شرس وعنصري. لذا فإن معرضهم الذي أقاموه في شادنفرويده ضايق اليهود لحد كبير، بصورة اعظم من أي إزعاج يسببه تنفيس محمود عباس عن إحباطه.
بالرجوع الى فبراير / شباط 1943، التقى حاييم وايزمن ، رئيس المؤتمر الصهيوني العالمي آنذاك، بقسم الشرق الأدنى لوزارة الخارجية الأميركية ، وأبلغهم بصراحة ان " فلسطين سوف لن تكون أرضا عربية من جديد".[ يضيف المترجم ان المؤتمر الصهيوني الذي عقد لأول مرة بنيويرك بالولايات المتحدة قبل ذلك بعام قرر أقامة دولة يهودية بفلسطين، وكانت الدولة مبهمة في نشاط بن غورريون طوال العقود الماضية.] لذلك الموقف تاريخ يبدا من زمن إعلان وعد بلفور( نوفمبر/ تشرين ثاني1917) ولم يجر التزحزح عنه من قبل النواة الصلبة من الحركة الصهيونية. بالنسبة لهم فإن هدف تحويل أرض عربية الى "دولة يهودية" ( لاحظوا من فضلكم ان عددا متناميا من اليهود لم يعودوا يؤيدون هذا الهدف) هو أهم من الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي او مجرد اللياقة الإنسانية البسيطة. يندفع هؤلاء الصهاينة بمزيج غريب من الميثولوجيا التوراتية وتاريخ العنصرية اللاسامية التي بلغت ذروتها في الهولوكوست؛ لكن بصراحة تامة فإن طريقة لعبهم بورقة العنصرية يتوجب التوقف عن استخدامها عذرا للصهاينة.
ان استخدام الصهاينة لفكرة العنصرية هي بحد ذاتها وحيدة في بابها؛ بمعنى ان العنصرية معروفة كتصرف لاإنساني فقط حين توجه ضد اليهود ؛ بذا فإن كثرة من الصهاينة ، بدل التنديد باللاسامية وبالرعب الذي لا يمكن إنكاره الناجم عن الهولوكوست ، يقدمون الدعم او يشاركون بنشاط في تهجير الشعب الفلسطيني ، وفي المجازر المتكررة التي أنزلوها به، ومعاملة الفلسطينيين بازدراء على طرفي الخط الأخضر. بمقدورهم القيام بهذا كله وينامو بهدوء في الليل ، نظرا للعمى الأخلاقي حيال التناقضات.
نعود بعد هذا العرض الى ما تمخض عن تصريح الرئيس الفلسطيني امام اجتماع فتح، فيقول: "ينبغي التذكر دوما ان فتح لاحول لها ولاقوة من الناحية العملية ، وغالبا ما تتصرف وكيلة للإسرائيليين، ونفس الأمر يمكن قوله عن السلطة؛ كما هو عباس ضعيف وغير محبوب ( من قبل معظم الفلسطينيين) فإنه لم يزل فلسطينيا ذا لقب، وكذلك ما يصدر عنه ، خاصة إن جاءت قاسية، لا تمر مرور الكرام.
هكذا في شهر آب الماضي ، بينما كان يخطب في اجتماع لفتح، أعلن عباس ان " اليهود الأوروبيين اضطهدهم هتلر بسبب ’سلوكهم الاجتماعي‘ و ’ممارساتهم القرصنية في الإقراض‘، وليس بسبب دينهم او عرقهم". لعباس تاريخ من هذا الصنف من التصريحات ، وبذا فالإسرائيليون وأنصارهم دوما يترقبونها، وجاهزين لاستغلال قيمتها الدعاوية. يجب أن يعرف عباس هذا الأمر ؛ لكن يبدو انه بين فينة واخرى لا تطيعه نفسه الامتناع عن التنفيس عن غضبه وانفعاله بهذا الأسلوب الذي يعود عليه بالضرر.
قبل التعمق في تحليل المشكلة ، اجد من الواجب ان أفسر ان اودولف هتلر والحزب النازي ، اضطهدا اليهود ، أثناء حكم ألمانيا ، لأنهم رأوا فيهم عرقا معاديا – مصدر فساد وانحطاط خلقي للعرق الألماني النقي. طبعا ، عدد كبير من الألمان ( ناهيك عن البولونيين ، الأكرانيين ، الروس وغيرهم من شعوب أوروبا ) اضطهدوا اليهود بسبب اعتقاد استقر فيهم انهم مرابون" و "استفزازيون اجتماعيا". جميع هذه الأمم لم يصْدُقوا في اتهاماتهم ، إنما ظلوا يرسفون في قرون من الخرافات والتلفيق وغير ذلك من الهذر. ذلك ما كان ضروريا للقيام بتمييزعرقي طويل الأمد يتمخض عن مجازر بين الحين والحين وأخيرا أسفر ذلك عن المحرقة (الهولوكوست).

"بعد زلة اللسان من جانب عباس اعلن عدد كبير من المثقفين الفلسطينيين ، معظمهم يعيشون في المهجر، معارضتهم لما صدر عنه؛ أصدروا كتابا مفتوحا في 11 أيلول / سبتمبرحمل تواقيع مائة مثقف فلسطيني يستنكرون ملاحظات عباس واعتبروها منافية للتاريخ " ومستهجنة سياسيا؛ نحن نرفض بحزم اي محاولة للتقليل من اللاسامية وتبريرها وعرضها بصورة محرّفة ، التقليل من جرائم النازية ضد الإنسانية او المراجعة التاريخية بصدد الهولوكوست". كما لاحظ الموقعون على البيان ان عباس قد تصرف بأسلوب يمعن في السلطوية والفظاظة خلال السنوات السبع عشرة من تسلمه السلطة . ان رغبته في التنسيق التكتيكي مع الجيش الإسرائيلي وإحجامه عن إجراء انتخابات حرة آن اوانها منذ زمن ، يعني انه "فقد كل ادعاء بتمثيل الشعب الفلسطيني".

"منتقدو عباس مصيبون في هذا الصدد؛ فالرجل بات مصدر إحراج للقضية الفلسطينية؛هدفه الأولي تسوية الدولتين مع إسرائيل ، لكن الهدف برهن انه صعب التحقيق، والآن علق عباس والسلطة – تضاءلوا الى دولة عميلة معتمدين على عدوهم ( سيطرة إسرائيل على الأموال تبقي السلطة واقفة على قدميها ولا تغرق ماليا) وبدون هدف جديد يكافح عباس من اجله. لذا أقدم عباس ، وقد استبد به الإحباط ولا يرغب في خوض الكفاح على الأرض ضد اسرائيل ، على التنفيس عن إحباطه ضد الهولوكوست، لأنها تسخّر من قبل الدولة الصهيونية متكأً لفظائعها . والآن يغضب عباس وأتباعه ضد الفلسطينيين الذين يطالبونه بسحب أقواله المدمرة عن الهولوكوست؛ ترد فتح على الكتاب المفتوح الصادر في 11 سبتمبر / أيلول ردا ميلو دراميا لم يكن من شانه سوى تعميق الشرخ المستشري حول القضية الفلسطينية. جاء في رد فتح ان الكتاب المفتوح ’ يتماهى مع الرواية الصهيونية والموقعون على البيان يعززون الثقة بأعداء الشعب الفلسطيني ... إنه بيان العار‘ ؛ ما يقوم به عباس وحزبه هو إلقاء تواطئهم مع الاحتلال على المنتقدين الفلسطينيين، عمل وضيع" يقول الكاتب الأميركي لورنس دافيدسون. نعود بعد هذ الى تفسير الكاتب لإحباط عباس وتلويم منتقديه:

السياق الصهيوني خلق محمود عباس

ونحن نتذكر هذا السياق نعود الى محمود عباس . لم يولد محمود عباس معاديا للسامية حتى المدى الذي يبديه حاليا ؛ فقد تعلم ان يكون لا ساميا عندما كبر – واجه العدوان الصهيوني المتواتر؛ وبالنتيجة يجب ان لا ينظر باستغراب لوجهة نظره . المثير للدهشة ان لا يتراكم العداء تجاه اليهود والصهاينة بشكل خاص- وان لا يغضب لتسخير الهولوكوست مبررا لطرد الشعب الفلسطيني من دياره. في ظل هذه الظروف فإن الدقة التاريخية بصدد الهولوكوست تعني بالنسبة لعباس بقدر ما تعنيه لحاييم وايزمن وأولئك الذين يتبعون نهجه.
يحاول منتقدو عباس من الفلسطينيين منذ مدة الابتعاد عن قضية الهولوكوست لسبب وجيه؛ لو سمح لمعاناة اليهود بالماضي ان تهيمن على الرواية بين الأطراف المتصارعة ، فإن معاناة اليهود تُغرِق ( في بلدان الغرب على أقل تقدير) معاناة الشعب الفلسطيني في الوقت الراهن. هكذا ، وكما يلاحظ مخيمر أبو سعدة ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بمدينة غزة،" لا تخدم مصالحنا السياسية مواصلة التذكير بالهولوكوست . نحن نكابد من الاحتلال ومن التوسع الاستيطاني ومن السياسات الإسرائيلية الفاشية، وذلك ما يتوجب علينا التركيز عليه". قول مصيب ومحمود عباس واتباعه يسيئون إذ يمضون المشوار الطويل بلا نهاية؛ والمقاربة الأفضل تكمن في الاعتراف ، شأن الموقعين على الكتاب المفتوح في 11 أيلول الماضي، باهوال الهولوكوست ، حيث كان يهود اوروبا الأكثر من بين ضحايا النازية ، لكنهم لم يكونوا الوحيدين. ثم يتساءلون : ما هو منطق إنزال المعاناة الجماعية بشعب آخر (الفلسطينيين) لإقامة " ملجأ آمن" لمجموعة أخرى عانت الاضطهاد ( يهود)؟ مجرد التشهير بذكرى النكبات التي لحقت بالضحايا اليهود وإهدارها ؛ في ضوء هذا الخط المنطقي، يوجب الخجل على الصهاينة إذ يسخرون الهولوكوست مبررا لإقامة ما بات يدعى الآن نظام أبارتهايد.

الخلاصة:

الإسرائيليون ، حتى الصهاينة في أوساطهم ليسوا نازيين . على كل حال يجب ان يقلق المرء بجد حيال ما سيقترفونه بحق الفلسطينيين إن لم يراقب العالم مجريات الأمور. ومرة ثانية لا يتوجب أن يكونوا نازيين لفعل ما يصدمنا وربما يتسببون في أن يتقلب أجدادهم في قبورهم، كما يقول المثل . تأملوا ما يلي : حاضرت حول النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني بكلية فرانكلين ومارشال في بنسلفانيا . سأل احد الحضور ، هل الاسرائيليون يتصرفون بنفس طريقة مضطهديهم السابقين، مثل النازيين. كان جوابي ان سلوك النازيين كان تشبيها خاطئا ؛ والتشبيه الادق هو أفعال الروس ، الذين تظموا المجازر ونفذوها [ يقصد بداية القرن الماضي في عهد القيصرية]. بعث جوابي ما يشبه التمرد من جانب الصهاينة الجالسين في الصفوف الخلفية. ومع هذا في الوقت الراهن ، ونحن نشهد الخراب الذي يحدثه المستوطنون بالضفة الغربية بدعم من الحكومة ، يغدو من الأسهل القول ان التشبيه صحيح.

ما من سؤال حول هذا ، فالمشروع الإسرائيلي بكامله كارثة تحولت لتكون " سيئة لليهود". لكنها أسوا بالنسبة للفلسطينيين والنكبة لم تصل النهاية بعد، كما قد يأمل العديد من الليبراليين اليهود،سوف تنشأ في المستقبل دولة ديمقراطية يعيش فيها اليهود والفلسطينيون بالتساوي . إذا صدق ظن الليبراليين اليهود فالأمر يستغرق زمنا مديدا. في هذه الأثناء على اليهود بالولايات المتحدة ان يتذكروا دوما انهم وقفوا في زمن مضى كنفا لكتف مع الأفارقة الأميركيين في النضال من اجل المساواة العرقية وتصدوا لسياسات نظام الأبرتهايد في جنوب إفريقيا. وحان الوقن كي يتحولوا الى المعيار الإنساني ويطبقونه على إسرائيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة