الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوفان الأقصى: تغيير معادلة فرض الأمر الواقع والسيطرة على القدس

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2023 / 10 / 7
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


إذا كان هناك من دافع ما للعملية العسكرية الواسعة (طوفان الأقصى) التي شنتها المقاومة الفلسطينية اليوم، انطلاقا من قطاع غزة المحتل، فإنها ستكون بلا شك كسر "الحائط السد" الذي وصلت له البدائل السياسية العربية، وتصديها للاتفاقيات الإبراهيمية وصفقة القرن المعدلة في عهد بايدن، ومخططات السيطرة على مدينة القدس والمسجد الأقصى تحديدا.
فلقد أدت تشابكات الأوضاع الإقليمية والدولية وعمليات إدارة التناقضات وتفجيرها، التي اتبعتها "إدارة ترامب" ومن بعده إدارة بايدن، إلى أن أصبحت السيناريوهات الصهيونية للسيطرة على مدينة القدس والمسجد الأقصى بلا أي رادع أو كابح فعال، خاصة بعد ارتباك البلدان العربية في مرحلة ما بعد الثورات الكبرى في العقد الماضي، وبعد تفجر التناقضات المحيطة بها لصالح مشاكل داخلية، أو ثنائية، أو مشاريع إقليمية أخرى متنافسة معها (التمدد الإيراني- المركزية العنصرية السوداء مع أثيوبيا- التمدد التركي).
من ثم يبدو أن المقاومة الفلسطينية -بغض النظر عن هويتها السياسية والاستقطابات المرتبطة بها- وجدت أنه لم يعد أمامها من خيار سوى "الخيار صفر"، والعودة للمواجهة المفتوحة، وإعادة تأسيس قواعد الاشتباك السياسي والعسكري مع التمدد الصهيوني شديد التبجح والتوحش.
نحن أمام عملية عسكرية نوعية شاملة تماثل إعلان الحرب على دولة الاحتلال ومستوطناتها القريبة من غزة، دفعت "إسرائيل" لتعلن حالة الحرب للمرة الأولى منذ مدة طويلة، عملية إبرار جوي وقصف صاروخي واستيلاء على معدات عسكرية وأسرى بالعشرات.
والدليل الأبرز هنا؛ هو حسن اختيار المقاومة الفلسطينية لموعد العملية العسكرية في اليوبيل الذهبي لذكرى حرب أكتوبر، وفي يوم سبت أيضا تماما كما كانت حرب عام 1973م، وللمفارقة فإن مصر وبالأمس في الذكرى العظيمة نفسها، أرسلت خطابها للأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن، بأن سد النهضة يهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي، في رسالة ذات دلالة خشنة أيضا، وفي يوم الانتصار التاريخي للعسكرية المصرية الحديثة.
ويبدو الأمر رغم أنه غير مخطط، إلا أنه فرصة ذهبية للجميع، ولكافة الدول العربية لدعم المحاولة الفلسطينية لاستعادة الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالقدس والمسجد الأقصى، وتغيير قواعد الاشتباك العسكري والسياسي مع دولة الاحتلال ودفع نفوذها المتصاعد للوراء، وتفكيك قدرتها المدعومة غربيا على تفجير التناقضات العربية وإدارتها لصالح مشروع الاتفاقيات الإبراهيمية، والهيمنة الناعمة الجديدة على العرب، وفرض الأمر الواقع وهدم المسجد الأقصى. لأن هذا بالفعل كان هو الخطوة المقبلة، إذ تبدو المغامرة الانتحارية الفلسطينية البطولية فرصة استراتيجية مهمة ومناسبة للغاية للتقدم للأمام ، وتجاوز التناقضات التي تفجرت على كافة مستويات "مستودع الهوية" العربي.
ومن جهة أخرى يجب أن تتحرك كافة الدول العربية لإنشاء مظلة سياسية صلبة وقوية لدعم محاولة كسر "حائط الانسداد" الذي وصل له صمود القضية الفلسطينية، وسفور وجه المخططات الصهيونية للاستيلاء على المسجد الأقصى، مظلة سياسية تتحرك بذكاء وسرعة ومرونة فائقة ودبلوماسية رفيعة وهادئة للغاية، تقودها مصر على مستوى كافة الأبنية الإقليمية والدولية، وتتجاوز برشاقة وخفة الفخاخ والتناقضات المنصوبة لها والحاضرة في كل زاوية وركن بالمنطقة، وتشابكاتها الجديدة مع مسارات الصراع الناشئ بين الغرب والشرق العائد مجددا مع الصين وروسيا.
لابد من أن تنتزع الدبلوماسية العربية والمصرية الفرصة، وتقدم خطابا سياسيا ودبلوماسيا شديد الاتزان والقوة، للاستحواذ على كافة المساحات الممكنة واستعادة الثوابت العربية وخطوطها الحمراء في القدس والمسجد الأقصى، وذلك صراحة يجب أن يكون هدف الدبلوماسية العربية والمصرية إذا تفوقا ووعيا للذات التاريخية التي تجمعهم، والمشترك الثقافي الجامع لهم حقيقة، وفرصة مواتية لاستعادة لُحمة كادت أن تنقطع مع شعوبهم الصامدة، والتي تحلم بمستقبل أفضل وأقوي رغم كل التناقضات التي تفجرت يمينا ويسارا، فنحن أمام فرصة استراتيجية ذهبية للتقدم للأمام، فرصة استراتيجية قد لا تتكرر بسهولة.
فرصة جاءت بها الصدفة والمبادرة الفلسطينية البطولية عندما شعرت أن ظهرها أصبح إلى "حائط سد"، لكنها فرصة ومصادفة خير من ألف ميعاد وترتيب، هي فرصة استراتيجية مناسبة للغاية للحركة للأمام، تشبه مثلا دبلوماسية التحرك عند الزلازل أو عند الحوادث الكبرى والكوارث المفاجئة، التي تفرض تغيرا استراتيجيا غير محسوب لكنه يصب في الصالح العام للذات العربية ومشتركها الجامع بلا شك، لأن الذات العربية بلا مشترك جامع سوف تتحول إلى ذوات أنانية متصارعة حائرة، لا رابط يجمعها سوى الهوى والتيه والتناقضات التي تفجرت في كل مكان.
المظلة السياسية العربية والمصرية المطلوبة لاستعادة الخطوط الحمراء في القصية الفلسطينية، يجب أن يكون هدفها إعادة تأسيس بعض الثوابت العربية بقدر المستطاع في مواجهة الاحتلال ومشاريعه في القدس تحديدا، وتخفيض سقف المخططات المرتبطة بصفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية، بنسختيها الجمهورية أو الديمقراطية مع بايدن.. يجب أن يكون هدفها إعادة الهيبة والاعتبار للخطوط الحمراء العربية المشتركة، والتأكيد عليها.. والانطلاق منها للأمام والبناء عليها، واعتبارها لحظة تاريخية ممكنة للتحول والصعود..
فعلى الصعيد الفلسطيني الداخلي قدمت عملية "طوفان الأقصى" مشتركا للحركة الوطنية وهدفا جامعا مرحليا، وربما هذا أقصى ما يمكن الحصول عليه حاليا في ظل الظرفية التاريخية الراهنة وتناقضاتها المتنوعة، إلى حين إعادة تأسيس مشتركات سياسية عربية جديدة تتجاوز استقطابات القرن العشرين، وإرثها الذي وصل لمرحلة اليأس من الإصلاح وفق تصورات البعض.
وعلى الصعيد العربي ربما تكون بادرة لتأسيس مشترك عام جديد بعد تناقضات صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية، وتضارب السياسات العربية في معظم الملفات الإقليمية لصالح الأجندات الدولية والمشاريع الإقليمية المتدافعة مع الذات العربية، مظلة يكون هدفها سياسي ودبلوماسي عام في المقام الأول، أما على باقي المستويات الأخرى فهي متروكة للتقدير ومساحة الحركة الممكنة والمتاحة لكل طرف، وفق الحدود المشتركة والدنيا وما يراه كل طرف مناسبا وفق تقديراته الخاصة.
يحتاج الأمر الآن؛ إلى إدارة دبلوماسية وسياسية رفيعة، في فهم اللحظة الدولية والإقليمية، وقدرتها على إدارة تلك التناقضات الإقليمية والدولية، لتؤكد على دفاعها عن الذات العربية ومشتركاتها وثوابتها، وتلك هي دبلوماسية إدارة التناقضات والتحرك للأمام والدفاع عن مستودع الهوية العربي، وفي القلب منه مواجهة التمدد الصهيوني وشبكة علاقاته الدولية والإقليمية المتصاعدة.. وكسر "حائط الانسداد" الذي وصلت له مقاربات التصدي للاتفاقيات الإبراهيمية، والاستيلاء على "بيت المقدس" والمسجد الأقصى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير