الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لَمَّنْ نَشْكِي حَالِي

عبد الله خطوري

2023 / 10 / 8
الادب والفن


ما نسمعه من أهازيج في مدرجات ملاعب المغرب في السنين الأخيرة وما نعاينه من تيفوهات (١) عملاقة تُعرض في المدرجات، يعكس طبيعة سلوكية لشباب مغربي حائر، طبيعة حاضرة بقوة في كل ما هو ثانوي للأسف، مُغَيبة من ساحة الإبداع والاِبتكار العلمي والعملي الرامي إلى التطور الإيجابي .. طاقة جبارة مرعبة توشك توقظَ شعبا بأكمله غارقا في سباته؛ لكنها لم تفعل، لأنه لم يتم تحويرها وتوجيهها بالاِشتغال بقضايا مصير الإنسان في معيشه اليومي ومشروعه المستقبلي؛ لو تم ذلك، لكان أجدى لنا جميعا وأنفع .. يبدو أن التعليم لعبَ يلعب دورا مهما فيما حدث ولم يحدث، فالمتتبع لشعارات جمهور الشباب يتفاجأ من منسوب الوعي المرتفع الْيَغرف مادته الإشهارية الاحتجاجية من مخزون معرفي راكمَه في المدرسة المغربية العمومية؛ إذ لا يمكن أن يصادف فتيان اليوم مصطلحات ومفاهيم من قبيل اليوتوبيا والديستوبيا وما ألِفَ في إطارهما من مؤلفات روائية عميقة من قبيل أعمال جورج أورويل وفرانز كافكا وماري شيللي إلا إذا كانوا تعرفوا عليها في مدارسهم العمومية بمعية مدرسين مازالوا يعضون بالنواجد على ما تبقى من حجارة وادي المعرفة بعد نضوب مائه الرقراق ...
أكيد، إن الرأسمال الموغل في وحشيته لا يخدمه مطلقا آرتفاع صبيب الإدراك العميق للظواهر والأشياء لدى الناشئة التي ترى فيها لوبيات الأسواق _ في أحسن الأحوال _ قطع آستبدال بشرية في مصانعها غير الآدمية .. (٢) ويبدو كذلك أن رهانها على تلهية الشباب بما لذ ولم يطب من ملهيات الرياضة والسهرات والمهرجانات (٣) لم يحقق بعد أهدافه المرجوة بشكل مطلق؛ بل يمكن آلقول آنقلب السحر على الساحر، وتحولت مجاميع الجماهير في كثير من المناسبات إلى تكتلات تنظيمية غير رسمية تفرض نفسها بشكل لافت في المواجهات الرياضية وتنسحب إلى الوراء في باقي الأوقات تاركة المجال لمتعاطفيها ومتحمسي الفرق الكروية تكمل مهمة ترديد الشعارات بمناسبة وغير مناسبة؛ مما يُصَعب على مَعْنيي ترخيصات التظاهرات والمظاهرات والاحتجاجات تطويق الظاهرة أو مقاربتها بطرقها التقليدية المتوارثة كما يحدث مع باقي الهيئات القطاعية والاجتماعية الواضحة المعالم والخلفيات والصيغ والأهداف .. لكن مدبري الشأن العام، يظلون متحكمين في زمام تسيير الشأن الجماعي للمواطنين، أو هكذا يعملون جهدهم ليعرضوا هذا المعطى يجعلوه مُسَلمة لا جدال فيه لا مراء، بتسخير قطاعات واسعة من شرائح المتضررين على بعضها البعض عَداءً وحنقا وعنفا وتعنيفا تارة وسخرية وآحتقارا أخرى، ضاربين الكل في مقتل موهمين إياهم بترقيات ومكانات سامية تذر الرماد على الأعين تزيد العمى على العَشى المكتسب (٤)؛ الشيء الذي يجعل المُفَقَّرين من أبناء الطبقة الواحدة المتضررين يصارعون بعضهم بعضا في معارك وهم دينكيشوتية تحت يافطات مزيفة المتحكم في دواليبها للأسف العوز والحاجة والافتقار إلى شدق الخبز اليومي .. هي حكاية مُصارعي غلادياتور الرومان نفسها مازالت تضرب أطنابها بصور وأساليب أكثر بشاعة غير إنسانية للأسف (٥) .. وفي آنتظار، تأهيل التعليم العمومي الوطني الصادق وتمكينه من إمكانات القيام بدوره المنوط به في ظروف تربوية وآجتماعية ونفسية ملائمة قصد قيادة الوعي الجمعي وتعميقه وتشذيبه وتنقيحه وفتح آفاقه ومداركه الحسية والعقلية والجسدية نحو آفااااق بلا ضفاف يُفعِل العقل فيها قواه كلها من أجل المضي قدما في البحث والتفكير والابتكار .. في آنتظار ذلك، سيظل الوضع التربوي الإنساني ملتبسا مشوبا بالضبايية والغموض إلى أن يقضي الله أمره ...
وفيما يلي مثال لهذه المقطوعات التي ذاع صيتها في المغرب وربوع الأقطار العربية والدولية، لمعاينة مباشرة وعن قرب ما يخالج هذه الشريحة المهمة كما ونوعا من الأجيال الصاعدة من مشاعر وطموحات وأحاسيس وخواطر وإحباطات لم تجد غير الملاعب فضاء لها لتجأر ملء حَناجرها .. لَمَّنْ نَشْكِي حَالِي .. فهل من صدى هل من مجيب ...

●المقطوعة :
فبلادي ظلموني
لَمَنْ نشكي حالي
الشكوى للرب العالي
غير هو للي داري
فهاد البلاد عايشين ف غمامة
طالبين السلامة انصرنا يا مولانا
خلّونا كاليتامى نتحاسبوا فالقيامة
مواهب ضيّعتوها
بالدُوخة هرستوها
كيف بغيتوا تشوفوها
فلوس البلاد گاعْ كليتوها
للبرّاني عطيتوها
جينيغاسيون قمعتوها
أوووه أووووه أووووه
وقتلتوا لابَّاصْيُون
بديتوا بْرُوفُوكَاسْيُون
زيرُو نُوفْ اللي اخترَعْتو
وعلينا طبّقتوا بيه بغيتوا تحكْموا
على فْلَامْ حكمتوا بالْوِي كْلُو
ومْنَعْتُو ليتيفُو
تْحَارْبو ليزولْتْرا
بالشغب شحال تهمتوا
نسيتو شحال صفقتوا
بشهور الحبس جازيتوا
رجاوي ضيعتوا حياتو
فخدمتو وقرايتو
حيث ما فهمتوا la passion
اوه اوه اوه اوه
ديزولي لافامييْ
عليا كثروا الهضاري
الهضرة طلعت فراسي
وا غير فَهْموني
كل نهار نفس الهضرة
فالدار ولا ف الزنقة
وشنو عطاتكم الخضرة
عمرك كلّو ضاع عليها
وشحال نفقتي عليها
وجَامي Jamais خليتيها
يا حبابي غير فهموني
علاش بغيتوا تفرقوني
على الرجاء اللي تواسيني
هادي آخر كلمة عندي
نكتبها من قلبي
والدمعة في عيني
اوه اوه اوه اوه
التوبة للرب العالي
اوه اوه اوه اوه
توب علينا يا ربي

●شروح ...
_الدوخة : المخدرات
_الأجيال Génération قمعتم أجيالا
_الشغف، La passion أي قتلتم شغفنا، أي شغف الشباب بالرياضة وحب الحياة
_الاستفزاز Provocation أي بدأتم في آستفزازنا
_زيرو موف Zero neuf ، أي قانون 09 المختص بعنف الملاعب
_بسبب شعلة Flamme حكمتم علينا بالوي كْلُو أي بمباريات بدون جمهور
_ تيفو Tifo الشعار
_الجمهور Les ultras
_لأنكم لم تفهموا معنى حب الفريق
_آسف عائلتي Desolé la famille
_الهضاري : لغو الكلام الذي لا يجدي ولا ينفع، جمع هضرة، من اللسان العربي من كلمة الهدر وقع تفخيم الدال فغدا المنطوق أقرب الى الضاد منه الى الدال المرققة
_سئمت من كثرة تأنيباتكم وآنتقاداتكم السلبية
_الخضرة : المقصود بها اللون الأخضر إشارة إلى لون فريق الرجاء البيضاوي الأخضر
_جامي : أبدًا، أي أبدا لم تتركها، هنا المقطوعة تتحدث بلسان فرد من الجمهور الذي يمثل الجماعة مبديا وفاءه لفرقته رغم العراقيل والمصاعب والمطبات

☆إشارات وإحالات :
١_تيفوهات جمع تيفو Tifo كلمة إيطالية تحيل على منشور به رسومات وكتابات تنجزها مجموعة جمهور الألتراس لتعبر عن فكرة ما، موجهة إلى اللاعبين أو جمهور الفريق المنافس أو غير ذلك ...

٢_إن الإنسان في شرق المتوسط هو أرخص الأشياء، أعقاب السجائر أغلى منه، فلو نظرنا لحظة واحدة في قعر سرداب من آلاف السراديب المنشورة على شاطئ المتوسط الشرقي وحتى الصحراء البعيدة، لرأينا بقايا بشر ولهاثاً وانتظاراً يائسا، وماذا أيضا : وجوه الجلادين الممتلئة عافية وثقة بالنفس.
_عبدالرحمن مُنيف/شرق المتوسط
صفحة : 146-147

٣_( المسارح والألعاب والمساخر والمشاهد ومصارعو الوحوش الغريبة والميداليات واللوحات هذه وغيرها من المخدرات كانت لدى الشعوب القديمة طعم عبوديتها وثمن حريتها وأدوات الاستبداد بها ) .
_كتاب (خطاب العبودية المختارة) لإتيان دو لابويسيه

٤_من هنا جاء خلق المناصب الجديدة وفتح باب التعيينات والترقيات على مصراعيه. كل هذا يقينا لا من أجل العدالة بل أولا وأخيرا من أجل أن تزيد سواعد الطاغية..
_كتاب : "العبودية المختارة" للفرنسي إتيان دو لابويسيه

٥_يصعب على المرء أن يصدق كيف أن الشعب متى تم إخضاعه يسارع إلى السقوط فجأة في هوة النسيان العميقة لحريته حتى ليمتنع أن يستيقظ لاستعادتها ويقبل على الخدمة بحرية وتلقائية حتى ليظن من يراه أنه لم يخسر حريته بل ربح عبوديته .. إن العيون التي يترصد بها السيد أتباعه، إنما هي التي يمنحونه إياها، والأيدي التي تنهال عليهم بالضرب لا يأخذها إلا من بين صفوفه… لا سلطة لسيّدهم عليهم إلا بهم، لذا يغدون بكل يسر شركاء اللص الذي يسرقهم والمجرم الذي يقتلهم، لم تُستعبد الشعوب إلا لأنها استسلمت للفساد وقبلت بالاستغباء.
_كتاب : "العبودية المختارة" للفرنسي إتيان دو لابويسيه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل


.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا