الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخصخصة إختراق للأمن القومى و سيطرة للأجانب على الاقتصاد

عبد المجيد راشد

2006 / 11 / 13
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تحمل سياسة الخصخصة خطراً لا يجوز إطلاقاً التهوين من شأنه وهو عودة سيطرة رأس المال الأجنبي على مقدرات البلاد وقلاعها الصناعية والمالية والتجارية ، فمع تصاعد عمليات بيع القطاع العام للأجانب ، سوف يتصاعد معه نصيب الأجانب في الدخل القومي المصري ، الأمر الذي سيؤثر على مقدار الدخل الصافي المتاح للشعب المصرى وبالتالي على مستوي معيشتهم ، فضلاً عن أن شراء الأجانب لأصول القطاع العام ، ولو أنه سيخفف من العجز بميزان المدفوعات في الأجل القصير – حينما يكون الشراء بالنقد الأجنبي – إلا أن ذلك سيفاقم من هذا العجز في الأجل المتوسط والطويل ، حينما يقوم المستثمرون الأجانب بتحويل دخولهم وأرباحهم إلى الخارج ، ونظراً لأن المشتري سيكون في الغالب من الشركات العملاقة دولية النشاط (الشركات متعددة الجنسيات) والمعرف عن خطورتها وقدرتها الفائقة على المرواغة والتلاعب في الإفصاح عن حقيقة نتائج أعمالها " مثال ما حدث في شركة تعبئة الزجاجات المصرية – بيبسى كولا المصرية " ، فسوف يصعب على الحكومة محاسبتها عن حجم أرباحها واستيفاء حق الدولة في الضرائب ، بالإضافة إلى ذلك فإن التحويلات الكبيرة (بالنقد الأجنبي) لأرباح ودخول الملاك الأجانب إلى خارج مصر ، فسيؤدي ذلك إلى حدوث ضغط شديد على سعر صرف الجنيه المصرى .



وقد وضع برنامج الخصخصة المصري الأجانب في مواقع مسيطرة في الاقتصاد المصري وبالذات في قطاع الأسمنت والمشروبات ، فضلاً عن تدمير بعض القواعد المهمة في الاقتصاد المصري مثل شركة النصر للغلايات (المراجل البخارية) ... وتغطي الحكومة ببيعها للقطاع العام وبالذات البيع للأجانب كما حدث في الأسمنت والمشروبات على العجز الكبير في التعاملات الخارجية وبالذات في التجارة السلعية ، حيث بلغ العجز التجاري 12.5 مليار دولار في العام المالي 98/1999 و الذى تخطى حاجز ال 15 ملياردولار فى 2004 / 2005 طبقا لوثيقة رسمية صادرة من وزارة التجارة الخارجية و الصناعة عن المؤشرات الاقتصادية و المالية و ذلك بمقارنة سعر صرف الدولار ، وبلغ هذا فضلاً عن العجز التجاري غير المحسوب والمتمثل في الواردات السلعية المهربة التي تبلغ قيمتها السنوية أكثر من 4 مليارات دولار والتي تؤدي إضافتها إلى إظهار الرقم الحقيقي للعجز التجاري المصري الكبيرة .

ومن ناحية أخرى ، فإن سياسة الخصخصة ، تحمل خطراً آخر وهو أنه في ضوء حقوق الملكية التي ستترتب للأجانب على الأصول التي قاموا بشرائها ، فإن هناك خطراً في أن يتصرف المالك الجديد ببيع هذه الأصول لطرف ثالث معادٍ للأمن القومي والاستراتيجي لمصر .

وسواءً تم هذا البيع للطرف المعادي مباشرةً أو تم بطريق التحايل وذلك بالبيع لطرف آخر على علاقة قوية بالطرف المعادي وداعماً له ، فإن النتيجة واحدة . إننا نبيع مقدراتنا الوطنية وقلاعنا الصناعية والتجارية والمالية لأعدائنا .

وقد جاء بيع الشركة المصرية للزجاج المسطح معبراً عن منطق برنامج الخصخصة الذي تنفذه الحكومة المصرية بشكل دقيق ، هذا المنطق المتمثل في نزع ملكية الدولة والشعب للمشروعات العامة لصالح بيعها للقطاع الخاص المحلي والأجنبي ، لمجرد البيع وتقليص دور الدولة في الاقتصاد . وهو النموذج الذي تروج له الولايات المتحدة الأمريكية وصندوق النقد الدولي ، ويحاولان فرضه على الدولة المدينة التي تحتاج لإعادة جدولة ديونها أو للمزيد من الاقتراض . وهذا المنطق لا يراعي الطبيعة الاستراتيجية لبعض المشروعات ولا تحصل منه الدولة على مقابل عادل للشركات التي يتم بيعها ، ولا يأخذ في اعتباره عند بيع الشركات العالية الربحية أنها ممول دائم لمالية الدولة ، وأن بيعها سوف يؤثر سلبياً على الإيرادات العامة ، وبالتالي على قدرة الدولة على تمويل الإنفاق العام الضروري ، كما أن منطق الخصخصة لا يراعي مطلقاً أن مصر كدولة تواجه تحديات خارجية كبيرة متمثلة في وجود كيان استعماري استيطاني توسعي عنصري هو الكيان الصهيوني يجسد مشروع بقاءه على أنقاض وجودنا مصرياً وعربياً . سواء تعلق الأمر باستيعابنا في مشروع شرق أوسطي بقيادة صهيونية مدعمة أمريكياً وغربياً . أو بتفكيك أوصال اقتصادنا ليسهل اندماجنا في مشروع إمبراطوري أمريكي في القلب منه المشروع الشرق أوسطي بقيادة صهيونية .

... وإذا كانت وزارة قطاع الأعمال العام قد أهدرت العديد من الشركات الاستراتيجية وباعتها بأقل من سعرها ، وذهب العديد منها للأجانب ، فإن برنامجها المستمر للخصخصة يتضمن العديد من الشركات الاستراتيجية سواء في قطاع الأدوية أو غيره من القطاعات المهمة وصولاً إلى القطاع المالي والمصرفي ممثلاً في بنوك القطاع العام .

... وتعتبر الشركة المصرية للزجاج المسطح من أواخر الشركات العامة التي تم بيعها عن طريق عروض شراء من العديد من الشركات الأجنبية ، علماً بأن المالك الرئيس لهذه الشركة هو القطاع العام الذي يملك أكثر من 70% من أسهمها متمثلة في ملكيات شركة الصناعات المعدنية (12.5%) ، بنك الاستثمار القومي (11.4%) ، بنك التنمية الصناعية (10%) ، شركة التأمين الأهلية (8.8%) ، الهيئة المصرية العامة للبترول (8.6%) ، البنك الأهلي (7.4%) ، شركة الشرق للتأمين (6.4%) ، بنك الإسكندرية (5%) ، وتملك شركة " بلكنجتون انترناشيونال هولدنج بي في " الهولندية المملوكة بالكامل لشركة " بلكنجتون بي إل سي " البريطانية 10% من أسهم الشركة المصرية للزجاج المسطح . ويبلغ رأس مال الشركة المدفوع 150 مليون جنيه .

وقد بلغت قيمة الأرباح الإجمالية للشركة في سنة 2001 نحو 50.3 مليون جنيه بنسبة 33.5% من رأسمالها المدفوع . وتقوم الشركة بصناعة الزجاج المسطح الشفاف ، وهي واحدة من الشركات النادرة في الدول النامية ، وفي المنطقة بصفة خاصة ، ولها سمعة إقليمية ودولية جيدة ، وتدخل أعمالها ضمن أعمال العديد من القطاعات وعلى رأسها قطاع العقارات .

.. وخلال عملية المنافسة بين الشركات الراغبة في شراء الشركة المصرية للزجاج المسطح ، كانت شركة " جارديان " الأمريكية هي أول من تقدم بعرض للشراء ، وهذه الشركة مملوكة ليهودي " دافيدسون " وتقدم سنوياً تبرعات ضخمة " للكيان الصهيوني " ، أي أنها شركة معادية لمصر والعرب عموماً .

... وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن القروض التي قررت لمصر من الدول المانحة والتي عقدت مؤتمراً لها في شرم الشيخ في أوائل العام 2002 كانت مشروطة بالإسراع في برنامج الخصخصة وتوسيعه ليشمل بيع بنوك القطاع العام .

كما أن البنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية بما فيها البنوك دولية النشاط ومؤسسات التقييم وشركات وبنوك الاستثمار وغيرهم من المؤسسات المشتغلة بعمليات الخصخصة وأسواق المال الدولية يطالبون بالبدء فوراً بخصخصة أحد البنوك العامة على الأقل ، فالبنك الدولي يري أن الوقت ملائم لخصخصة البنوك العامة وأن هذه المسألة ملحة – نظراً لأهميتها في تطوير وتحديث القطاع المالي في مصر .

.. في هذا السياق فإن بعض الكتابات الغربية ، التي تصدر عن بعض مراكز رسم السياسة والتفكير الاستراتيجي بعيد المدى تصرح بأن هناك هدفاً " استراتيجياً " غير معلن في الوثائق المتداولة لبرامج التصحيح الهيكلي التي يعممها البنك الدولي والصندوق وهو " تفكيك أوصال الدولة " وقدراتها الاقتصادية .

... ولاشك في أن سيطرة رأس المال الأجنبي على بعض القطاعات الاقتصادية وخاصة الاستراتيجية منها سواء كانت صناعية أو مالية (القطاع المصرفي) سوف يؤدي بالضرورة إلى تجسيد هذا الهدف غير المعلن في تفكيك أوصال الدولة وقدراتها الاقتصادية ، خاصة وأن خطر الانقضاض الأجنبي على مقدراتنا الاقتصادية نتيجة ضعف سوق المال المحلي وتحفظ المدخرين التقليدي إزاء عمليات شراء أسهم الشركات ، مما يجعل الطرف الأقوى والمرشح لشراء حصة القطاع العام هو " القطاع الخاص الأجنبي " وهو ما أصبح واقعاً في الفترة السابقة وليس " القطاع الخاص المحلي " وخاصة إذا كانت أسعار البيع بخسة أو مغرية وبالتالي فإن خطر تسليم منشآت القطاع العام الكبرى إلى كارتل أجنبي " بالمشاركة مع كارتل محلي " هو خطر ماثل وقائم ومؤثر بشكل مباشر في الأمن القومي والاستراتيجي المصري .

... وعلينا أن نستوعب درس تاريخياً جيداً ، خاصة وأن تجربة الخديو إسماعيل ومن قبله الوالي " سعيد " ، لم تجف أحبار كتابتهما على صفحات التاريخ بعد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف