الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرتقال يغادر لونه

حسين التميمي

2006 / 11 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قبل مجيء العيد هب الكثير من الآباء والامهات الى الاسواق تلبية لرغبات فلذات اكبادهم ، لم يكن أغلبهم يفضل ارتداء ثوب جديد وهو يعلم مسبقا أن لاعيد في ديالى او بعقوبة تحديدا !
لكنهم آثروا أن يهيموا في الأسواق متحدين كل المخاطر الأمنية ارضاء لأطفال لاعلاقة لهم بكل هذه المحاذير والمخاطر ، ومن يرى تلك الاسواق البعقوبية طوال ثلاثة ايام سبقت عيد الفطر المبارك يخيل له ان الوضع الأمني مستتب ، وأن الخير سيعم المدينة بعد ذلك ، حتى ان الكثير من الآباء والأمهات غادروا قناعاتهم ومشاعرهم التي كادت ان تقترب من اليأس ، فعاموا على عوم أطفالهم ، وصار الواحد او الواحدة منهم يطلب لنفسه هذه البزة اوذلك الفستان ، أملا في أن يكون اقتناء مثل هذه الثياب بشرى خير .
ولكن وقبل ان يخيم المساء الأخير فيما قبل صباح العيد اشتعلت النيران في الكثير من المحال التجارية ، وشوهدت سحب الدخان حتى صبيحة او ضحى اليوم الأول من العيد ، وسمعت أصوات طلقات نارية تبعتها انفجارات ، ولم يكن نهار اليوم الأول من العيد قد انتصف ، الأطفال داخل المنازل كانوا ينظرون في وجوه ابائهم وبدل القاء تحية العيد ، كانوا يلقون بالأسئلة فيما اذا كان هذا الوضع سيستمر ؟ وهل سيتم حبسهم خلف الجدران بينما هم يفترضون ان العيد (في الخارج ) وما عليهم سوى ان يفتحوا الابواب للقائه .. هم لم يكتفوا بالقاء الأسئلة بل القوا بنظرات لائمة الى اولياء امورهم ، تلك النظرات كانت تقول او تتساءل : أما كان على كبار مثلكم ان يجدوا لنا الحل في مناسبة كهذه؟!
أعياد مجتزءة اقيمت في المدينة هنا وهناك ، ارجوحة تشبه تلك التي اذكرها قبل اكثر من ثلاثين عاما نصبت هنا ، واخرى هناك ، غبار وأتربة ، ومشاهد بائسة لاتكاد تنتمي الى أفقر بقع الأرض ، ذلك هو العيد الذي حل ّ بين ظهراني أناس يمتلكون ثاني أكبر احتياطي للنفط ، وبهذه الطريقة تم تسويق العيد لهم !! ولم تكن الطامة الكبرى هنا بل الطامة الأكبر أن الكثير من الأطفال او مايشكل نسبة 90% تقريبا قد شعروا بالحسد تجاه هؤلاء الأطفال الذين استطاعوا أن يحظوا بنتف من العيد بينما هم قد اضطروا الى البقاء داخل منازلهم لأن مناطق سكناهم لم تكن تسمح لهم بالتحرك بعيدا خوفا من الخطر الذي أعلن عن وجوده في شكل اطلاقات نارية وانفجارات مدوية وصمت كان يعقبها دائما هو أشد رهبة وتاثيرا من كل تلك الأصوات !
ثمة هاجس كان يخيم على المدينة .. مايحدث هو أقل بكثير مما سيحدث لاحقا !! ثمة رعب خفي كان يستمد شروط تواجده من اجواء وطقوس العيد ، فالأطفال بحاجة الى الخروج الى مكان ما وحتى الأهل هم بحاجة الى زيارة المقابر ، للبكاء على شواهد قبور اهلهم او اقربائهم ، وهم بحاجة ايضا لزيارة اقاربهم من الأحياء ، لكن هذا لم يحدث ! .. اذن اين العيد ؟ حتى الكبار ورغم يأسهم وقتامة رؤاهم كانوا يظنون بأن ثمة أمر ما سيحدث كي تنفرج الأجواء ريثما يمارسون بعضا من الطقوس التي اعتادوها .. ياه كم يتألم الابن الذي يسكن في مكان آخر حين تحول مثل هذه الظروف بينه وبين والده ووالدته ، فلا يلثم جبينهم أو أيديهم ؟! وكم يتألم الأهل (في البيت الكبير) حين يتخلف الأبناء عن لقائهم في مثل هذه المناسبات ؟
بعقوبة .. مدينة البرتقال الذي فقد طعمه ولونه ، في حيرة من أمرها ، وهي تتسائل : ترى متى يجيء العيد الحقيقي ؟ متى ينعم أطفالنا بالأمان ؟ متى ننعم بأيام هادئة آمنة بلا خوف من الموت ، من القتل ، من العبوات الناسفة ، من الخطف ، من التهجير ؟ متى ، متى سنقوى على شراء ثياب عيد حقيقي ، عيد نتحدث عنه لأطفالنا بثقة ، متى ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟