الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإجتماع السنوي لصندوق النقد الدّولي والبنك العالمي

الطاهر المعز

2023 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تتحكم الدول الرأسمالية والامبريالية في إدارة وتسيير صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، وغيرهما من المنظمات والهيئات الدولية التي أدّى تطبيق تعليماتها وشروطها إلى ارتفاع حجم ونسبة البطالة والفقر والتخلف وتقويض قطاعات الفلاحة والصناعات التحويلية، وإلى زيادة تحكُّم الشركات العابرة للقارات والمصارف الأجنبية في ثروات البُلدان المُقْتَرِضَة، وأظهرت التجارب دَعْم الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدّولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية أنظمة الإستبداد والإستغلال الفاحش والإضطهاد وسياسات القمع والسجون والاغتيالات والتصفيات السياسية للمعارضين النقابيين والمُنْتَمِين للتنظيمات التقدّمية في أمريكا الجنوبية وفي آسيا وإفريقيا والوطن العربي، وبالمُقابل دعمت هذه المُؤسسات الدّولية الفساد وتواطؤ الأنظمة الحاكمة وفئة من البرجوازية الكُمْبْرادورية (التي تُمثل المصالح الأجنبية ) لسيطرة الشركات العابرة للقارات على الثروات الطّبيعية والمعادن والأراضي الصالحة للزراعة والأسواق الدّاخلية، ما يؤدّي إلى زيادة عدد النازحين من الأرياف نحو الضواحي الفقيرة للمُدُن الكبرى، وزيادة الهجرة غير النظامية، وإلى زيادة القمع...

تنعقد الإجتماعات السنوية للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي، بمراكش ( المغرب) من 9 إلى 15 تشرين الأول/اكتوبر 2023، وأَصْدَرَ الاتحاد المغربي للشغل ( أول اتحاد نقابي مغربي) بيانًا يوم السادس من تشرين الأول/اكتوبر 2023، يُعلن مشاركته في اشغال هذه الاجتماعات السنوية التي اعتبرها " تكريسًا لمكانة بلادنا وتشريفًا لها"، رغم الآثار المُدَمِّرَة لتطبيق السياسات النقدية لهاتَيْن المؤسَّسَتيْن المالية الدوليَّتَيْن، مع الإشارة إلى انتماء الإتحاد المغربي للشغل للإتحاد الدّولي للنقابات الذي دعم الإمبريالية الأمريكية طيلة فترة الحرب الباردة، ولا يزال يدعم الإتجاهات الرأسمالية الليبرالية في العالم...

ظروف اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بمراكش من 09 إلى 15/10/2023

تدور الاجتماعات السنوية لمؤسسات بريتون وودز في مراكش بعد فترة وجيزة من الزلزال المأساوي والأضرار الناجمة عنه في المغرب وعن الفيضانات في ليبيا، وتعكس هذه الحوادث المؤلمة الافتقار إلى البنية التحتية، وخاصة في ليبيا حيث دَمّر حلف شمال الأطلسي البلاد وأطاح بالنّظام القائم ونشَرَ "الفَوضى الهَدّامة" التي تُسميها الولايات المتحدة "الفوضى الخَلاّقة" ولذلك لم تتم صيانة سدود "درنة" في ليبيا التي كانت غنية، وأصبحت فقيرة بفعل التدمير والخراب، وتحتاج تمويلات هائلة لإعادة إعمار ما خربته جيوش حلف شمال الأطلسي والمليشيات الإرهابية.

كان الرئيس الجديد للبنك العالمي والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي، قبل تَوَلِّي منْصِبَيْهِما، موظفيْن كبيرَيْن بأكبر المؤسسات المالية الإحتكارية الخاصّة، ولما يتم تعيينهم من قِبَل الدّول الرأسمالية الإمبريالية على رأس المؤسسات الدّولية، ينتقل الموظفون من البنك العالمي إلى صندوق النقد الدّولي (مثل المُديرة الحالية للصندوق)، ويتميز معظم كبار مُوظّفي هاتَيْن المُؤَسَّسَتَيْن بضلوعهم في قضايا احتيال وفساد وسرقة ورشوة وتزييف البيانات، لكن لا أحد يجرؤُ على نقد المؤسَّسَتَيْن اللّتَيْن تُشكلان أداةً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة وللإتحاد الأوروبي، وتحتفظ واشنطن بحق النقض على سياسات ومشاريع البنك العالمي والصندوق وتدعم الأنظمة الدّكتاتورية الموالية لها مثلما حصل في حالة باكستان، حيث أمرت الولايات المتحدة بتسريع منح قرض بقيمة ملياري دولار، مقابل إرسال باكستان أسلحة إلى أوكرانيا بقيمة 900 مليون دولار.

أما الدّور الأهم لهاتَيْن المُؤسّسَتَيْن فهو العمل على هيمنة الأيديولوجية والسياسات الإقتصادية النيوليبرالية وعقد الصفقات المالية مع حكومات فاسدة ومُطَبِّعَة مع الكيان الصهيوني، مثل المغرب ومصر، وَيَفْرِض صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي على الدّول المُقْتَرِضَة تطبيق برنامج التَّكَيُّف الهيكلي الذي يتضمّن خفض الإنفاق الحكومي والخصخصة وإلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية وخفض قيمة العُمْلَة وخفض عدد الموظّفين وما إلى ذلك، غير إن البدائل المطروحة على مستوى دولي بقيت داخل المنظومة الرّأسمالية الليبرالية، مثل "بنك التنمية الجديد"، المؤسسة الخاصة بمجموعة البريكس، فيما لا يزال اتفاق احتياطي الطوارئ الذي أقرّتْه مجموعة بريكس نَظَريًّا أو حبرًا على ورق...

شكّلت انتفاضات الشعوب العربية، سنة 2011 انتكاسة للأنظمة الرجعية الدكتاتورية الفاسدة التي تدعمها الإمبريالية ومُؤسّساتها مثل البنك العالمي وصندوق النّقد الدّولي اللَّذَيْن ادّعيا إن السياسة الإقتصادية للنظام التونسي برئاسة زين العابدين بن علي "تمثل النموذج الأفضل للعديد من البلدان الناشئة... حيث أحرزت تونس تقدماً مثيراً للإعجاب في أجندتها الإصلاحية وآفاقها مواتية"، وفق المدير التنفيذي لصندوق النقد الدّولي آنذاك (شتراوس) وخبرائه الذين يُزيفون البيانات والحقائق، ومنهم جويل توغاس بيرنات ورينا بهاتاشاريا، ويُشيدون بسياسات بن علي وحسني مبارك ومحمد السّادس وعبداللة بن الحسين التي مكّنت من "الإدارة الحكيمة للإقتصاد الكُلِّي، وتنفيذ إصلاحات هيكلية واسعة النطاق تهدف إلى تحرير الإقتصاد وتعزيز بيئة الأعمال وتحسين القدرة التنافسية للإقتصاد من خلال دعم المنتجات المعدّة للتصدير، والإستفادة من مختلف اتفاقيات التجارة الحرة، لتُصبح (تلك البلدان) جاذبة للإستثمارات الخارجية ومراكز للخدمات المصرفية وأسواقًا مالية إقليمية..."، وأشاد خُبراء صندوق النقد الدّولي بالسياسة الاجتماعية وبالإصلاحات التي أدخلتها حكومات المغرب وتونس ومصر والأردن على "سوق العمل والنظام التعليمي وخدمات التوظيف العامة التي من شأنها تسهيل تنقل العمالة والحد من عدم التطابق بين الطلب والعرض في سوق العمل.، بدعم من صندوق النقد الدّولي"، فيما أشاد خبراء البنك العالمي ب"إصلاح نظام الضمان الاجتماعي ونظام التقاعد وخفض "دعم المنتجات الغذائية والوقود وتوسيع قاعدة النظام الضريبي بخفض معدلات الضرائب المفروضة على الشركات والتعويض عن هذه التخفيضات من خلال زيادة المعدل القياسي لضريبة القيمة المضافة"، أي تخفيف الضرائب على أرباح الشركات وخصوصًا الشركات العابرة للقارات، وتعميم ضريبة الإستهلاك التي يتضرّر منها الفقراء والأُجراء والكادحون...

كان صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي يدعمان الفساد، إذ كَشَفَ موقع ويكيليكس تقارير وزارة الخارجية الأميركية التي تُشير إلى سيطرة زين العابدين بن علي وزوجته والمُقَرّبين منهما "على نصف الاقتصاد الوطني (... ) وعلى عمليات الخصخصة التي يفرضها صندوق النقد الدولي لإحداث تغييرات هيكلية في اقتصاد البلاد"، وكانت هيئة "الحقيقة والكرامة" (تونس) قد أرسلت مُذَكِّرة، في تموز/يوليو 2019، إلى البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وكذلك إلى فرنسا، للمطالبة بتعويضات لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بتونس، واعتراف صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بنصيبهما من المسؤولية في النتائج السلبية التي تحملها الموطنون عند تطبيق سياسات التكيف الهيكلي.

لم يعترف خبراء صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بمسؤوليتهما في الإضطرابات الإقتصادية والإجتماعية التي سببتها سياساتهما المتمثلة بتنفيذ برامج التّقشف وتقليص عدد موظفي الحكومة والقطاع العام وخصخصته، وواصلت المؤسستان الماليتان تطبيق نفس السياسات النيو ليبرالية ودعم الأنظمة الفاسدة بشكل علني، وفرض نفس "الإصلاحات الإقتصادية و ضبط أوضاع المالية العامة " وتوسيع نطاق ضريبة القيمة المضافة، والإلغاء التدريجي لدعم الطاقة والغذاء وتسريع عمليات الخصخصة وزيادة دور الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أي تمويل الدّولة "إصلاحات" القطاع العام، قبل تسليمه للقطاع الخاص، وبعد الإنتفاضات وَعدت مجموعة الثماني (الدول الأكثر ثراء) "دعم الإصلاحات وتعزيز الشفافية والحكم الرشيد" في تونس ومصر والأردن، وتم ذكْر "منْح" مبالغ مالية، ولكن بقي الوعدُ مُعَلَّقًا ولم يتحوّل إلى فعل، حيث تواصلت شروط صندوق النقد الدّولي مع حكومات الإخوان المسلمين في المغرب وتونس ومصر، وحصلت حكومة محمد مرسي في مصر (2012-2013) على قرض من صندوق النقد الدّولي بقيمة 4,8 مليار دولارا وحصلت حكومة خليفته الجنرال عبد الفتاح السيسي على ثلاثة قروض إنقاذ فضلاً عن مبلغ ثلاثة مليارات دولارا، سنة 2023، شرط تطبيق الخصخصة وخفض قيمة الجُنَيْه، وحصلت الحكومات التي هيمن عليها الإخوان المسلمون في تونس على قُرُوض مشروطة بين 2012 و 2016، ولما عارض الإتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد نقابات الأُجَراء) سنة 2022، إعادة هيكلة مائة شركة حكومية، وخفض الدّعم الإجتماعي، فضلا عن رفض الرئيس قيس سعيد بعض الشروط المُجحفة لقرض بقيمة 1,9 مليار دولار، عَلَّق صندوق النقد الدّولي تسديد أقساط القرض، ولجأت الحكومة إلى "مساعدات" الإتحاد الأوروبي، مقابل محاولة مَنْع مرور المهاجرين التونسيين والإفريقيين نحو أوروبا عبر السواحل التونسية.

تتهيّأُ الجمعيات الأهلية والمناهضة للعولمة، منذ بداية سنة 2023، لتنظيم مُؤتمر مُوازي أو قِمّة مُضادّة للإجتماعات السنوية لصندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، في مدينة "مراكش"، وأعلنت المنظمات العربية في بياناتها أنها "تعتبر البنك العالمي وصندوق النقد الدولي مؤسسات مالية استعمارية، أنشأتها القوى الإمبريالية لفرض هيمنتها على الشعوب" وإن المنظمات والجمعيات الأهلية تهدف "كَشْفَ نتائج سياسات هاتين المؤسستين والأضرار التي لحقت شعوب منطقتنا" جَرّاء فَرْض السياسات الليبرالية والخصخصة وخفض الإنفاق على التعليم والصحة ومجمل الخدمات العمومية، ما أدّى إلى زيادة الدُّيُون والفقر ببلداننا، واعتبرت الجمعيات الأهلية العربية إن الدّيون وأعباءها وسيلة لتعميق التبعية الاقتصادية والقضاء على الإنتاج المحلي لقطاعات الفلاحة والصناعة ضمن مخططات التقسيم العالمي للعمل وللإنتاج، وتدعو القوى المناهضة للإمبريالية والعولمة النيوليبرالية "لتجاوز مؤسسات بريتون وودز ولإسقاط الديون ذات الطابع الاستعماري والديون الكريهة، ولتشكيل نظام عالمي جديد يقطع مع التبادل غير المتكافئ، ولإنشاء منظومة نقدية جنوب- جنوب تكون حلقة من شبكه دولية للتبادل المتكافئ بين البلدان والشعوب الواقعة تحت الإضطهاد...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية