الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باريس، عاصمة إسرائيل

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 10 / 9
القضية الفلسطينية


أكتشفت إسرائيل اليوم أنها في حالة حرب، بعد أن وصلت النار في أقدامها وأحرقت بيوتها، حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم السبت 7 أكتوبر في رسالة بالفيديو، يحذر فيها من أن حماس ستدفع "ثمناً غير مسبوق" بعد شن هجوم عسكري مفاجئ من قبل الحركة الإسلامية : "نحن في حالة حرب". وتابع رئيس الحكومة الإسرائيلية: “هذه ليست عملية بسيطة أو دورة من العنف، بل هي حرب”، قبل أن يحدد: “نحن في حرب وسننتصر”. بعد أن فوجئت بمئات الصواريخ التي تم إطلاقها من قطاع غزة صباح يوم السبت والتسلل “باستخدام الطائرات الشراعية الآلية” لمقاتلي حماس، و كالعادة أطلقت إسرائيل عملية سمتها “السيف الحديدي” هذه المرة ردا على ذلك.
وأعربت العديد من الدول عن إدانتها الشديدة للهجمات التي سمتها بالـ "الإرهابية" وقدمت دعمها لإسرائيل بدون تردد. مثل إيمانويل ماكرون الذي أعرب صباحاً عن " تضامنه الكامل مع الضحايا وعائلاتهم وأحبائهم وإنه يدين بشدة الهجمات الإرهابية التي تضرب إسرائيل حاليا. كما أدانت الولايات المتحدة، الحليف التقليدي لإسرائيل، "الهجمات المروعة الجارية" و"حذرت أي جهة معادية لإسرائيل قد تسعى إلى استغلال الوضع" وأعرب السياسيون بدون إستثناء عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وقنبلة غزة.
ففي ألمانيا تمت إضاءة بوابة براندنبورغ وهي رمز ألمانيا الموحدة، بألوان العلم الإسرائيلي، مساء السبت “تضامنا مع إسرائيل” بعد هجمات حماس، حسبما قال المستشار أولاف شولتز. كما ستتم أيضا إضاءة برج إيفل في باريس ليلة الإثنين ٩ أكتوبر بألوان العلم الإسرائيلي.
إن الذي يجب التركيز عليه في هذه الأحداث هو الإجماع الغربي الكامل والشامل وعلى جميع المستويات على مساندة إسرائيل وإعتبار العملية العسكرية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية مجرد عملية إرهابية. وفي فرنسا بالذات هناك إجماع كلي وشامل على هذه النظرة المساندة للإحتلال بدون أي نوع من الإنتقاد لسياسة إسرائيل الإجرامية أو حتى التظاهر بلإنتقاد، رغم المعلومات والتقارير المتوفرة والتي تدين إسرائيل وعمليتها المتكررة لإذلال الفلسطينيين والإستحواذ على أراضيهم يوميا..
وها هو خلاصة تقرير للأمم المتحدة حول أسباب الصراع في هذه المنطقة والتي تشير أغلبها إلى مسؤولية إسرائل عن تدهور الوضع السياسي والذي قد يهدد المنطقة بأسرها، والذي لم يلاقي أي إهتمام من قبل الصحافة أو الإعلام الغربي.
تقول هذه الوثيقة التي تم إعدادها من قبل لجنة تحقيق مفوضة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وتم نشرها في ٧ يونيو ٢٠٢٢: إن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والتمييز ضد السكان الفلسطينيين هما "الأسباب الرئيسية" للتوترات المتكررة وعدم الاستقرار. "إن الاستنتاجات والتوصيات المرتبطة بالأسباب الجذرية [للصراع] تشير بأغلبية ساحقة نحو إسرائيل، وهو ما نحلله كمؤشر على الطبيعة غير المتكافئة للصراع وواقع احتلال دولة لدولة أخرى"
"إن إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي، مع الامتثال الكامل لقرارات مجلس الأمن، يظل حاسما لوضع حد لدوامة العنف المستمرة". وهذه ليست المرة الأولى التي ينشر فيها هذا النوع من التقارير، غير أن هذه التوصيات السابقة "تم تجاهلها إلى حد كبير، بما في ذلك الدعوات إلى محاسبة إسرائيل على انتهاكات القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وكذلك الهجمات الصاروخية العشوائية على إسرائيل من قبل الجماعات الفلسطينية المسلحة. "إن هذا النقص في التنفيذ، إلى جانب الشعور بالإفلات من العقاب، فضلاً عن الدليل الواضح على أن إسرائيل ليس لديها أي نية لإنهاء الاحتلال والتمييز المستمر ضد الفلسطينيين، هما السبب وراء هذه الانتهاكات المتكررة في الأراضي الفلسطينية المحتلة،" بما في ذلك القدس الشرقية، وفي إسرائيل"
واعتبرت إسرائيل، التي رفضت التعاون مع اللجنة عن طريق وزارة الخارجية الإسرائيلية أن هذا التقرير متحيز، وغير مؤهل بسبب كراهيته لدولة إسرائيل، ويستند إلى سلسلة طويلة من التقارير المتحيزة ”
وتم إنشاء اللجنة في أعقاب "حرب الـ 11 يومًا" بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في مايو 2021، والتي قُتل خلالها 260 فلسطينيًا في غارات إسرائيلية على غزة، وفقًا للسلطات المحلية. وفي إسرائيل، أدى إطلاق الصواريخ من غزة إلى مقتل 13 شخصا، من بينهم جندي، وفقا للشرطة والجيش.
القليل جدا من الصحف الغربية وأدوات الإعلام تتجرأ على وصف ما تقوم به إسرائيل تجاه سكان غزة وفلسطين عموما بالمجزرة أو بالمذبحة، والقليل من أدان الإستعمال "الغير متكافيء" للسلاح من قبل الجيش الإسرائيلي، وكأنه هناك إمكانية للتكافؤ بين جيش الإحتلال بمدرعاته وفيالقه وطائراته وأدواته الجهنمية، وبين شعب أعزل جائع محاصر مهان محتل مهزوم ممزق ضائع مراقب من السماء والأرض والبحر .. ولكن هذه الصحف وأدوات الإعلام - القليلة - التي تدين قصف غزة بالطائرات، لا تمارس سوى الإنشاء الركيك وإعادة نفس الإسطوانة القديمة في كل مرة، التنديد والإدانة للطرفين والدعوة للعمل من أجل السلام، وينسون ويتناسون أن المذبحة أو المجزرة أو القتل بالمئات أوأي من الصفات التي يمكن ذكرها واختراعها ليست مصطلحات " قانونية "، هم الذين يتغنون بالقانون والشرعية والديموقراطية ليل نهار، وإنهم يستعملون هذه الكلمات لمجرد التمويه والتعمية، مجرد كلمات بائسة عاجزة عن أن تقول شيئا له نتائج ملموسة، كلمات تظل ملقاة على الورق بلهاء خرساء صماء. إن ما قامت به وتقوم به إسرائيل يسمى في لغة القانون الدولي "جريمة حرب" ينفذها جيش إسرائيل الرسمي تحت سمع وبصر العالم بأسره، وهذا هو ما لا تريد الصحافة ولا الإعلام الغربي الإعتراف به ولا مجرد ذكره. لأن جريمة الحرب يعاقب عليها القانون الدولي بواسطة محكمة العدل الدولية والتي أخترعها الغرب ذاته لمحاكمة الأشرار الذين يرتكبون الجرائم في فترات الحروب .. ولكن من سيجرؤ على إتهام إسرائيل بارتكاب الجريمة، وهي الضحية التي تدافع عن حدودها، بايدن وماكرون وغيرهم من كبار ديموقراطي الغرب صرحوا بكل صفاقة : " إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها " فمن سيجازف بالمطالبة بمحاكمة الدولة الصهيونية ؟ وحتى إن وجدت هذه الدولة أو هذه الجهة الشجاعة، فهل تتجرأ محكمة العدل الدولية على قبول القضية المرفوعة ثم إدانة هذه الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة كما يرددون في كل يوم؟ وحتى لو حدثث المعجزة، وأدينت دولة إسرائيل أو المسؤول عن الجريمة، فمن سيجرؤ على تطبيق الحكم على إسرائيل؟ وربما لإستحالة العملية لرفع القضية ضد هذه الدولة المخيفة إن لم نقل المرعبة أدى في نهاية الأمر، إلى التخلي عن أية مطالبة بهذا الخصوص والإستسلام للأمر الواقع، لقناعة الجميع باستحالة التأثير على دولة إسرائيل، وعدم فعالية المؤسسات الدولية على كل حال لإنهاء الإحتلال وتوقيف الإستيطان والحد من المجازر.
إن الجريمة التي تقوم بها إسرائيل في هذه الساعات ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة. والعالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا يعرف هذه الحقيقة المروعة، العالم لديه كل التفاصيل، عدد الموتى وعدد الجرحى وكمية الدم المسفوح وكمية الدموع، ويعرف عمق المأساة ومرارة الظلم، ولكن، هناك شلل وعجز أصيب العالم بأسره، فلا أحد يستطيع أن يتحرك، فلماذا يخاف العالم من إسرائيل؟ أم أنهم يصدقون حقا بأنهم شعب الله المختار ؟
ولكن جريمة الجيش الإسرائيلي تلقي ضوءا ساطعا على المنطقة بأسرها وتمكننا من أن نرى بوضوح معنى أحداث السنوات الأخيرة، بطبيعة الحال نحن هنا لا نتذرع بوجود أية خطة أو مؤامرة تستهدف هذه المنطقة الموبوءة بالبترول والطغاة والأمراء والشيوخ والعسكر والأنبياء والآلهة، ذلك أن الظروف وحدها هي التي أدت إلى تحطيم العراق وتفجير سوريا وتفتيت السودان وتمزيق اليمن وأسلمة ليبيا وعسكرة مصر، والصدفة وحدها هي التي جعلت هذه الكوارث تسقط على هذه الدول والمجتمعات المختلفة في لحظة واحدة. فليس هناك مؤامرة ولا "بطيخ" كما يقول إخوة السودان الذي مزقته ضباع أخرى بدورها قبل الأوان، إن الظروف الإجتماعية والسياسية والإقتصادية، وكذلك الظروف الجوية والبيئية من الرياح والعواصف هي التي حطمت هذه الشعوب وجعلتها تهيم في مدنها وعواصمها القذرة المليئة بالأوساخ والغبار، كالأشباح تجري وراء قنينة الغاز ورغيف الخبز وعلبة الحليب والطماطم. وعندما نذكر غزة أمامهم، يقولون والدموع في عيونهم: الله يكون معاهم. ولكن للأسف، الله نفسه هاجر للجانب الآخر حيث الضوء والدولار والويسكي، الله يتواجد في الجانب الآخر للأسلاك الشائكة، حيث تحالف الله الإسرائيلي مع الله الأمريكي يساندهم الله القريشي لتحطيم إرادة الشعب الفلسطيني، هذا الشعب الغريب والذي يرفض بعناد أن يموت ويرفض أن يترك خشبة المسرح، هذا الشعب الغريب الذي يتحطم وينكسر وينفجر ويفقد كل مقومات الحياة ولكنه مع ذلك لا ينهزم، لم يبق معه سوى صدره وذراعيه وأحجار بيته المهدم، وربما قصيدة لمحمود درويش أو لشاعر آخر يخرج من تحت الأنقاض ليجفف دموع الأطفال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. باريس تسلم -بري- الورقة الفرنسية المتعلقة بوقف إطلاق النار ب


.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن| #أميركا_ال




.. الخارجية الأميركية: 5 وحدات في الجيش الإسرائيلي ارتكبت انتها


.. تراكم جثامين الشهداء في ساحة مستشفى أبو يوسف النجار برفح جنو




.. بلينكن: في غياب خطة لعدم إلحاق الأذى بالمدنيين لا يمكننا دعم