الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط – 12

حسام علي

2023 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


وقد تمثلت المرحلة الأولى في الهيمنة العسكرية المباشرة والتي امتدت لفترة طويلة جدا، حيث ما زال التهديد بالقوة العسكرية من أبرز الوسائل التي يستعملها الاستكبار الفرنسي كما نلاحظ ذلك اليوم في أفريقيا. ذلك أن الغزو العسكري لا يلغي الأساليب الاستكبارية الأخرى، بل هو أحد الطرق والوسائل نحو أهداف استكبارية عديدة كالاستغلال الاقتصادي والبحث عن المواد الخام ونشر الاسواق، إضافة الى الغزو الفكري والتبشير لأجل تشويه الفكر الاسلامي من خلال نشر (بدعة) الفكر العلماني ونقل أساليب وأنماط الحياة الاوروبية الى العالم الاسلامي عن طريق الوسطاء الوعاظ.
وبذلك، أصبحت البلاد الاسلامية خاضعة لمخططات الاستكبار الفرنسي ومستجيبة لمتطلبات الاقتصاد الفرنسي، إذ أنهم يعتبرون هذه البلاد أسواقا لهم، إضافة الى انتشار الشركات الكبرى المسيطرة على الارض ومنابع الطاقة والصناعات الاساسية كاستخراج المعادن وتصنيعها، مقابل، بشكل غير مباشر، تدمير الصناعات التقليدية المحلية والصناعات الاخرى، والتشجيع بالتزامن على الهجرة لآلاف الشباب من خلال اختلاق أجواء سياسية وأمنية غير مستقرة تدفع الى الهجرة.
وأما المرحلة الثانية، فقد بدأت بعد الحرب العالمية الثانية مرتكزة على أساس المصالح المشتركة لدول معسكري الغرب والشرق، بعد أن تم تقسيم اوروبا الى مجموعتين: الاولى المظلة الاستكبارية البريطانية الامريكية، وبضمنها الاستكبار الفرنسي والدول الغربية التي تحتمي بتلك المظلة. والثانية المظلة الاستكبارية الشرقية والدول الخاضعة للنفوذ الاستكباري الروسي.
ويتميز الاستكبار الفرنسي في هذه المرحلة بأنه كان يعمل تحت المظلة الغربية كجزء منها مع اضمحلال الدور الذاتي الفرنسي المتميز والذي يمكن ملاحظته خلال فترات تاريخية متعاقبة بشكل صراع مرير بينه وبين الاستكبار البريطاني. ومع ذلك فأن هذا الاستكبار قد حافظ على مواقعه التقليدية التي حصل عليها في مراحل سابقة كما هو الحال في الجزائر قبل الاستقلال عام 1962 وفي تونس والسنغال وموريتانيا وبقية مناطق استكباره في أفريقيا.
لقد حصل اتفاق بين فرنسا وبريطانيا وأمريكا جاء كنتيجة منطقية لخوضهم حربا مشتركة ومن جهة أخرى لظهور روسيا كقوة جديدة ومنافسة في العالم. ثم الخروج منتصرين في الحرب العالمية الثانية، وقد تثبتت مواقع الاستكبار العالمي واتفق على حدوده ومناطقه، وبذلك تحول الصراع الانكليزي الفرنسي الى اتفاق يكاد أن يكون شاملا ومستمرا، بعد أن تكرست ثمرات حربين عالميتين لصالح الاستكبار العالمي واختفاء الدولة الاسلامية (العثمانية) وتقسيم أطرافها.
ثم تم أخيرا تبلور هذا الاستقطاب العالمي بظهور قوتين جديدتين هما: القوة الاستكبارية الامريكية والقوة الاستكبارية الروسية، وقد انعكست هذه الاوضاع السياسية الجديدة على البلاد الاسلامية الخاضعة للاستكبار الفرنسي.
وأما المرحلة الثالثة، فقد أظهرت بروز فرنسا كدولة استكبارية مستقلة قائمة بذاتها. وذلك حين بدأت هذه المرحلة بوصول الحزب الاشتراكي للحكم في فرنسا، وممثله لرئاسة الجمهورية الفرنسية، فرانسوا ميتران. فمنذ اللحظات الاولى من حكمه اتضحت وبرزت خطوط سياسية فرنسية جديدة، التي تمثلت بالتحرك بشكلين:
الشكل الاول، والذي عبر عن الرغبة في إعاد دور فرنسا كقوة فاعلة، ودولة ذات نفوذ وتصرف وتأثير على المنطقة الاسلامية بالذات. وخاصة ما يتعلق بقضية فلسطين ولبنان وأفريقيا وإدعاء تبنيها حماية دول المنطقة من أية أخطار، كما كان الحال مع النظام البعثي في العراق.
والشكل الثاني، وتمثل بالتحرك في المنطقة الاسلامية ضمن محور الاستكبار الغربي بقيادة أمريكا وذلك تحقيقا لمصالح استراتيجية مشتركة، خاصة فيما يتصل بدوام النفوذ الغربي في هذه المنطقة، ويتأكد هذا التحرك الفرنسي في حالة انحسار نفوذ غربي معين أو استقباح وجهه في بلد أو منطقة معينة.
// السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط، من إصدارات المركز الاسلامي للأبحاث السياسية/1986م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث تحت الأنقاض وسط دمار بمربع سكني بمخيم النصيرات في


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإعادة المحتجز




.. رغم المضايقات والترهيب.. حراك طلابي متصاعد في الجامعات الأمر


.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في حي النصر شمال مدينة




.. حزب الله يعلن قصف مستوطنات إسرائيلية بعشرات صواريخ الكاتيوشا