الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحامي ووسائل الاعلام

خالد خالص

2006 / 11 / 14
دراسات وابحاث قانونية


قرأت في بعض الصحف المغربية بان الضابطة القضائية استدعت محاميين ينتميان لهيئة المحامين بالرباط بعدما صرح الاول لاحدى القنوات التلفزية بان الملف الذي ينوب فيه عن احد الاضناء هو ملف "مفبرك" وبعدما ادلى الثاني بنفس التصريح لاحدى الصحف المكتوبة.
وبغض النظر عن محتوى الملف الذي لا اعرف عنه سوى ما تناقلته وسائل الاعلام ونظرا لارتباط القضية بجانب من الجوانب المهنية للمحاماة فانني ارتأيت ان اتطرق لموضوع "المحامي ووسائل الاعلام" بصفة عامة خصوصا وان هذا الاسبوع فجرت قضية من نوع آخر عبر وسائل الاعلام تتعلق بارتباط مسؤولين بقضية المخدرات او ما اصبح يعرف بالشريف بين الويدان وتم ذكر اسماء جميع من يتم التحقيق معهم بل وحتى صور البعض منهم ( ليكونوميست ليوم 14 شتنبر 2006 ).
اعتقد بان احدا يجهل اليوم بان وسائل الاعلام تعتبر المرآة الحقيقية التي تعكس وضعية المجتمع من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولا احد ينكر الدور الهام الذي يلعبه الاعلام – المرئي او المسموع او المكتوب (...) – في تنوير الرأي العام وبث الوعي وتدعيم الثقافة وتكريس الحياة الديموقراطية وفضح التجاوزات وغرس المواطنة ونقل الرأي والرأي الآخر.
الا ان الملاحظ هو شهية وسائل الاعلام التي اصبحت في السنين الاخيرة مفتوحة بشكل كبير وكبير جدا بالنسبة لبعض القضايا التي تعرض او ستعرض على المحاكم. ويكفي للمواطن فتح اي صحيفة او مجلة او اية قناة اداعية او تلفزية وطنية او اقليمية او دولية للتأكد من ذلك دون الحديث عن باقي وسائل الاعلام الرقمية او غيرها.
فالرأي العام اصبح يطالب بحقه في معرفة تفاصيل وجزئيات ما يدور في المجتمع واصبحت محكمة الرأي العام تحدث وقعا ربما اكبر مما تحدثه المحاكم نفسها بحيث اصبحث وسائل الاعلام في بعض الدول تشكل "السلطة الاولى" لا السلطة الرابعة.
ولم يكن في السابق بمقدرة الوكيل العام للملك ان يقوم بتصريحات لوسائل الاعلام حول قضية معروضة او ستعرض على المحاكم. كما لم يكن بوسع وزير للداخلية ان يعقد ندوة صحفية حول قضية لا زال التحقيق فيها جاريا. ففي السابق كان مبدأ السر واحترام الحياة الخاصة من المبادىء التي لا يمكن خرقه وكان المسموح به هو علانية الجلسات ( الا اذا كانت سرية ) رغم بعض الاستثناءات التي تتسرب من هذه القاعات لوسائل الاعلام كقضية الكوميسير ثابث التي شغلت الرأي العام طيلة شهر رمضان بكامله من سنة 1993 او قضايا المحاولات الانقلابية لسنة 1970 او 1971 او قضية التهريب سنة 1996 او قضية الرماش مثلا.
الا ان الامر تغير اليوم بالمغرب منذ بضع سنوات مثلما تغير في الدول النامية منذ عقدين من الزمن تقريبا بحيث اصبح البعض يدافع عن قاعدة الشفاقية التي تسهل التغطية الاعلامية لقضية قضائية واصبح حق الرأي العام في الخبر يقدم على الحق في احترام الحياة الخاصة في بعض القضايا التي لها ارتباط مباشر اما بامن الدولة او بفساد اداري او بتورط شخصية عمومية في قضية من القضايا. واصبح المواطن يتابع عن قرب الكثير من القضايا المعروضة على المحاكم اما عبر الصحف او عبر وسائل الاعلام الاخرى المرئية او المسموعة بحيث اصبحت الاخبار اليومية المنقولة تخصص حيزا وافرا منها لهذه القضايا. بل اصبحت تعقد الندوات الصحافية من قبل الجهاز التنفيذي وكذا من قبل الوكلاء العامين للملك الذين يقومون بتنوير الرأي العام الوطني والدولي حول القضايا التي يعتبرون بانها تشغل باله و"يلقون" التهم من خلالها على اطراف معينة ويقدموا وسائل الاثباث ويحللون الحجج بل اصبحت بعض التصريحات الصحفية لبعض المسؤولين تعتبر ادانة واحكاما مسبقة حتى قبل المحاكمة– ضدا على المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية ( الذي يتكلم عن سرية البحث والتحقيق – وكذا الفصل 446 من القانون الجنائي الذي يتطرق للسر المهني) من دون ان يتعرضوا لاية متابعة رغم ان "كل متهم او مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا الى ان تثبث ادانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية" حسب المادة الاولى من قانون المسطرة الجنائية.
كما اصبحت التغطية الاعلامية تشمل حتى القضايا الجنحية او الجنائية العادية كقضية" سفاح " تارودانت وقضية طفل مراكش وقضايا الجنس والتصوير البورنوغرافي في اكادير ومراكش والجديدة، الخ..
وهنا يطرح التسائل التالي : هل من حق الاطراف ومحاميهم اللجوء الى وسائل الاعلام هم ايضا امام الاتهامات التي توجه لهم والتحاليل التي تتم على الحجج بواسطة وسائل الاعلام اما مباشرة او من قبل المسؤولين عن الجهاز التنفيذي او من قبل الوكيل العام للملك ام ان من واجبهم التزام الصمت وقول آمين يا رب العالمين ؟.
ثم هل من حق المحامي ان ينصح موكله بعدم التعليق عبر وسائل الاعلام على القضية التي يكون هو محورها او ان يحجم هذا المحامي شخصيا على ذلك امام استعمال الجهات الاخرى لهذه الوسائل ؟.
حقيقة ان التسائل مشروع من جهة ومحرج من جهة اخرى اذ كيف للمحامي ان يدافع عن براءة وكرامة موكله لكي لا تمس حريته وتشوه سمعته ويتحامل عليه الرأي العام بالتزامه للصمت؟. ففي السابق لم يكن يخطر ببال احد ان تخرج تفاصيل قضية الا عن طريق ما راج علانية في الجلسة. ولم يكن من حق الضابطة القضائية ولا النيابة العامة ولا القاضي ولا المحامي التعليق على قضية معروضة على المحاكم ( قاعدة ) .
والمنع الذي كان يطول المحامي كان مبني على مبدئين اساسين : الاول يرتكز على السر المهني للمحامي اتجاه العلاقة التي تربطه بموكله والثاني يرتكز على الارادة المبنية على تفادي الثأثير على المحاكم بعناصر خارجية.
الا ان من واجب المحامي الا يضل صامتا امام الجهة التي ارتأت ان تدين موكله حتى قبل بدأ المحاكمة. فاذا كانت جهة معينة تعلق على الحجج وتدين من دون خوف فانه من المنطقي الا تظل الجهة الاخرى بكماء لان صمتها يمكن ان يفسر كاعتراف ضمني بالمنسوب.
فالقضية قضية توازن بين اطراف مختلفة لكل منها مهام تقوم بها والتعايش بين مختلف هذه الاطراف شييء بديهي ولا نقاش فيه باعتبار ان المجتمع برمته حدد مهام كل طرف على حدى عبر جهازه التشريعي.



الرباط في 16 شتنبر 2006

















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية