الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثمنٌ بخس

محمد عبد الحليم عليان
كاتب و مؤلف للقصة القصيرة

(Eng.mohamed Abdelhaleim Alyaan)

2023 / 10 / 10
الادب والفن


دقاتٌ متتابعة على باب شقتي كانت كافية لتضُج مَضْجَعِي لأنهض مُتثاقلاً نحو باب الشقة أنظر من تلك العين السحرية فلا أرى أحداً خلف الباب لكن دقات البابِ مستمرة لا تنقطع أفتح مستنكراً فإذا بذلك الكائن المزعج
الصغير الذي يعمل لدى جارتي بالشقة العلوية تلك الفتاة قصيرة القامة طويلة اللسان تصيح معلنةً أنهم سيغسلون نافذتهم فور صعودها مما يُمهلني بِضع دقائق لإلتقاط ملابسي المعلقة على الحبال تسابقنا أنا وهي فور أن نطقت بكلماتها أنا نحو نافذتي أُلملم ملابسي وهي نحو شقتهم لتبدأ في إطلاق المياه لغسيل تلك النافذة التي لا يحلو لهم غسلها إلا صبيحة ذلك اليوم الأسبوعي المسموح لي فيه بالقليل من ساعات النوم الإضافية مع آخر قطعة ملابس ألتقطها إنهمر الماء زخات زخات من نافذتهم ؛
حمدتُ الله أني إستطعت إنقاذ غسيلي فلا مُتسع لديَّ من الوقت لإعادة غسله ونشره إذا طاله شيء من ماءهم المتسخ ؛
عُدت لفراشي ولكن النوم ذهب بلا رجعة أخذت أتقلب في السرير محاولا إستجدائه ليعود ولو لنصف ساعة قبل أن يحين موعد عملي ولكن بلا فائدة
شعورٌ سيء بدأت به يومي فأنا طيلة الأسبوع أستيقظ من السادسة صباحاً لأكون في عملي الأول تمام الثامنة أقضي به ثمان ساعات وأنطلق مهرولاً بعدها لعملي الآخر وأستمر فيه حتى منتصف الليل وأعود منهكاً أرتمي في سريري حتي السادسة صباح اليوم التالي وهكذا ما عدا يوم الجمعة أمامي متسع للنوم حتى العاشرة ولكن أغلب أيام الجمع يكون لجيراني رأيٌّ آخر في موعد إستيقاظي كحالي اليوم معهم نهضتُ من فراشي وأعددت شطيرةً وكوباً من الشاي تناولتهم وإغتسلت وتأهبت للتوجه لعملي ذلك العمل الأضافي الذي أداوم فيه فترةمسائية طيلة الأسبوع وأعمل فيه يوم الجمعة بدوامٍ كامل
كان بالي مشغول طوال الطريق بالقرارات الإدارية التي أُعلنت في عملي الرئيسي
فرئيس مجلس الإدارة قرر خوض المعركة الإنتخابية للفوز بكرسي في البرلمان
رجل ذو نفوذ وثروة ضخمة وله تاريخ حزبي طويل فهو عضو بلجنة السياسات بالحزب الحاكم منذ زمن بعيد وله شبكة  علاقات ضخمة تضمن له الفوز المؤكد إذا نال دعم الحزب وترشيحه له لكن هناك أقاويل أنه يواجه مرشح آخر داخل الحزب ولم يحسم الاختيار على المرشح النهائي للحزب بينهما بعد
المهم أن الأوامر الإدارية صدرت بحشد جميع العاملين بالشركة وفروعها لإستصدار بطاقات إنتخابية بأسمائهم في الدائرة المقرر لسيادته
النزول مرشحا بها وذلك كنوع من الضغط على الحزب لاختياره وكذلك قررت الإدارة أنه في حالة إختيار سيادته سيكون على جميع الموظفين حضور كافة المؤتمرات الإنتخابية لسيادته وكافة الجولات بمناطق الدائرة ومَن يتخلف عن الحضور ستُطَبق  عليه لائحة الجزاءات ويتم حرمانه من الحوافز المُستحقة
الأمر بالنسبة ليَّ صعب جداً فأنا مرتبط بعمل آخر أي غياب أو تقصير تجاهه سيتم الإستغناء عني وإستبدالي بآخر فوراً فهكذا الحال في القطاع الخاص
إن لم يكن وجودك ذا جدوى فلا ضرورة له وإستبدالك أسهل ما يكون
عموماً لن أسبق الأحداث فربما يختار الحزب مرشحاً آخر وأنجو من تبعات الترشح وآثاره على عملي الإضافي ؛
أنهيت يومي وعُدت لمنزلي ومضت عدت أيام مُنتظم فيها في كلا العملين أنحت في الصخر لأرسم مستقبلاً يكاد يكون ضبابياً في ظل الظروف المعيشية التي تزداد سوءً يوماً بعد يوم
إستيقظت اليوم في موعدي وتوجهت لعملي لكن شيئاً ما يبدو مختلف في وجوه من قابلت من الزملاء يبدو عليهم الوجوم وعلامات الضيق مما دفعني للتساؤل عما حدث ليجيبني أحدهم... ألم تطالع صحف اليوم ؟ و قبل أن أجيبه بالنفي إسترسل بأن الحزب الحاكم أعلن أسماء مرشحيه في كل الدوائر وقد خلت القائمة من إسم رئيس مجلسنا الموقر فتنفست الصعداء حمداً لله فإذا بزميلي يكمل بأن سيادته فور إعلان الخبر قرر خوض المعركة مستقلاً وستكون حرب شرسة وراءها الحزب بأكمله خوفاً من نجاح سيادته فتكون سُنة تنتهج فيما بعد ،، و قد تم إعلان الطواريء بالشركة وكافة الفروع وأُلغيت الأجازات والأذون حتى إنتهاء المعركة الإنتخابية ،،
دخلت مكتبي مهموماً فمعنى ذلك خسارتي لعملي وبينما أرتشف رشفة من فنجان قهوة أعدهُ ليّ الساعي جاءتني الفكرة ......
لماذا لا أُحَوِل خسارتي لمكسب بما أني سأتواجد بعد مواعيد العمل رغماً عني
فلِما لا أنضم للفريق الإنتخابي لسيادته ذلك الفريق الذي يهتم بالدعاية وترتيب المؤتمرات وحشد الجماهير وترتيب الجولات وما إلى ذلك ، وفي يد ذلك الفريق ميزانية يصرف منها وعند تسوية المصروفات تزداد الأرقام بعض الأصفار التي لن يلتفت إليها سيادته ويكون بها بعض التعويض عن الوقت والجهد والعمل المفقود وقد كان وبما لدي من لباقة في الحديث وبعض العلاقات بمحلات الفراشة وأصحاب المقاهي في المنطقة إنضممت في الفريق وصرت أحد النشطاء البارزين به وطالما للجميع نصيب  فالكل للكل حبيب ،،
كانت التعليمات بتكثيف المؤتمرات والجولات بصفة يومية في شتى مناطق الدائرة وزيارات للمحال التجارية ولأصحاب الشركات والمصانع وكذلك زيارات للمساجد الكبرى في صلاة الجمعة وللكنائس في أيام الآحاد إضافة لبعض الأفراح والمآتم وتلميع سيادته في كلِ زيارةٍ يقوم بها.. كنا نبذل جهداً كبيراً وكلما زاد الجهد كلما زادت الأصفار التي نضيفها لأنفسنا
كلُ هذا ومرشح الحزب مكتفي ببعضِ اللافتات والإعلان عن مؤتمرٍ كبير سيحضره قادة الحزب ومرشحي الحزب من الدوائرِ الأخرى وكأنه يضمن الفوز بأقل نفقات ومجهود وتلك حقيقة فدائماً مرشح الحزب الحاكم هو الفائز حتى لو لم يضع لافتة واحدة
طرقت في ذهني فكرة شيطانية وشرعت في تنفيذها كانت الفكرة أنه في حالة فوز رئيس مجلس إدارتنا سيكون تحقيق أي مطلب لي سهل لما قدمته له من دعمٍ،،،
ولكن ماذا لو خَسِّرْ ؟؟؟
سأكون خَسرت عملي الإضافي للأبدولم أستفد سوى ببضعة آلاف من الجنيهات سريعا ما سيتم إنفاقها،،، فلماذا لا أعقد صفقة مع الخصم أُفشي له خطتنا للفوز مقابل أن يضمن لي عودتي لعملي أو يدبر لي عملاً إضافياً آخر ولا مانع لديَّ إن جاد ببعض الأموال وبالفعل تواصلت معه وقدمت عرضي فوافق عليه على أن أمده بأسماء فرق الدعم يوم الإنتخابات وأماكن تواجدهم وتفاصيل تحركاتهم بدقة وقد كان والليلة السابقة للتصويت كان معه كشف بالأسماء وأرقام الهواتف ومواقع التجمع وكل شيء يخص ذلك اليوم بل وأي اللجان سيزورها مرشحنا
ومتى وفي صبيحة اليوم المشهود إختفت الفرق من الشارع ولا أثر لأيٍّ منهم وهواتفهم جميعها مغلقة وحدثت بلبلة كبيرة فلا أحد يدل الناخبين لأيِ لجنة يتوجهوا ولا أحد يوجههم لإختيار مرشحنا ولا مندوبين لنا باللجان وكأن الأرضَ إِنشقت وبلعتهم جميعاً في آن واحد ،،
بلبلة وإرتباك كبير أصاب قيادات الشركةفلا جواب لديهم عما حدث ولا تفسير في ظل هذا الارتباك تواريتُ بعيداً أتابع دون أن يلحظني أحد وكأني من ضمن المختفين كيلا أثير حولي الشبهات أُغلقت اللجان أبوابها في موعدها وبدأ الفرز الذي لم يستغرق وقتاً طويلاً لإعلان فوز مرشح الحزب الحاكم بإكتساح وكنت صاحب أول إتصال بتهنئته قبل الإعلان بلحظات ودون أن أُذَكِرَه بإتفاقه معي بادرني بأن كل طلباتي مجابة وأكثر مما أتخيل ودعاني لمكتبه للإحتفال بعد أن يأخذ بضعة ساعات من الراحة
في صبيحة اليوم التالي خطوت خطوات متثاقلة نحو العمل فأنا لا أعلم مصير الزملاء المختفين هل عادوا أم لا ؟ و أين كانوا أصلا ؟
لكن بمجرد وصولي بادرني الساعي بالتفاصيل يُحادثني وكأني على عِلم وأني كنت مُعايش للمشهد والذي كان خياليّْ لكنه حدث وفق ما رواه الجميع من الزملاء فيما بعد كل منهم توجه لمكانه كما هو المخطط وإذا ببضعة أفراد تتأكد من إسمه فيؤكده لهم فيقتادوه لعربة تشبه عربة الترحيلات وبقطعة من ملابسه يعصبون عينيه ويربطون يديه للخلف وهكذا حتى صار الجميع مكدساً داخل تلك العربةوبعد إعلان النتيجة فكوا وثاقهم وتركوهم فُرادى في صحراءٍ قريبة من الطريق لينزع كل منهم عُصابة عينيه ويبحث عن وسيلة نقل توصله لمنزله ،،،
إدعيت أن ما أصابهم أصابني وطلبت إذناً للرحيل مبكراً لشعوري بالإرهاق النفسي والجسدي بعد ذلك اليوم العصيب فوافق مديري ،،،وإنصرفت متوجهاً لمكتب سيادة النائب وفي طريقي إشتريت باقة ورد فاخرة تليق بالعضو الموقر وبمجرد وصولي يأمر بدخولي فوراً ويطلب من سكرتيرته الإتصال بمالك المكان الذي كنت أعمل به عملاً إضافياً وتحويل المكالمة إليه،وبعدما إنتهى من مكالمته وجه كلامه لي أنا كلمتي كالسيف ومن يقدم لي جميلاً لابد من ردهِ  مضاعفاً... 
أنت تعلم أنَّ فوزي كان مفروغاً منه  لكنك سهلت لي المهمة وذلك جعلك واحد من رجالي وأي وقت تحتاجني ستجدني شكرتهُ وهممت بالإنصراف ومددت يدي للمصافحة فإذا به يضع فيها مظروفاً قائلاً تلك حلاوة الفوز  .... شكرتهُ ثانيةً وهنأتهُ وخرجتْ وأمام باب العمارة فتحت الظرف متلهفاً لأجد به مائتي جنيه فقط لاغير ،،
إنصرفتُ محاولاً العودة لحياتي كما كانت
لكن هيهات فهناك شيءٌ ما تغير و لن يعود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة