الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يعني أن تكون شيوعيًا اليوم؟

مرتضى العبيدي

2023 / 10 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في عالم مبني على ركائز استغلال عمل الآخرين، ويتميز بتفاوتات اقتصادية واجتماعية هائلة، والحواجز التي لا يمكن تخطّيها والتي تفصل المليارديرات عن الفقراء، ومالكي وسائل الإنتاج عن أولئك الذين لا يملكون سوى قوّة عملهم، فإن النضال من أجل العدالة الاجتماعية، أي من أجل الشيوعية، هو أمر شرعي تماما ولا محيد عنه.
فمنذ بعض الوقت، ردّدت الدعاية البرجوازية أن التشبث بالهوية الشيوعية ليس مجرد حلم عديم الفائدة فقط، بل إنه خطأ تاريخي. يقولون ذلك، لأنه طالما أن الناس يجتمعون بعيدًا عن الأفكار الشيوعية، فإن البورجوازيين يشعرون بمزيد من الأمان في وضعهم كطبقة مستغلة. ولكن مجرد ترديدهم هذا القول لا يجعل منه قولا صحيحًا.
إن المثل للشيوعية العليا صالحة اليوم كما كانت عندما كشف ماركس وإنجلز، في البيان الشيوعي (1848)، جوهر النظام الرأسمالي، والعناصر التي تسمح بالاستغلال البرجوازي للطبقة العاملة، والتركيبة الطبقية للمجتمع، وكذلك الإجراءات والتدابير التي يجب على الطبقة العاملة اعتمادها لتحقيق تحررها الاجتماعي النهائي.
فمنذ أن أطلق الشيوعيون صرخة الحرب ضد الرأسمالية، شهد هذا النظام تغييرات، ليس فقط في توسّعه، وهو الأقل أهمية هنا، ولكن قبل كل شيء في تركيبته ذاتها. في زمن ماركس وإنجلز، لم تكن الرأسمالية قد وصلت بعد إلى مستويات المركزة الاحتكارية للإنتاج التي تميزها اليوم ــ والتي أدت إلى صعود الإمبريالية ــ ولكنهما وحذرا من أن هذا الاتجاه كان حاضرا في طبيعة التنظيم الرأسمالي للإنتاج ذاته. وهذا يعني أن العناصر والخصائص الأساسية أي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، واستغلال العمل المأجور، والميل نحو تركيز ومركزة الثروة في أيدي عدد قليل من الناس، كلها أمور موجودة اليوم وعلى مستويات أعلى. ويمكن قول الشيء نفسه عن تشكيل الطبقات وحركتها في ظل الرأسمالية كما وصفها ماركس وإنجلز، أو عن الدور الذي يلعبه الصراع الطبقي في تطور المجتمع.
ويمكن الاستشهاد بعناصر أخرى كثيرة ذكرها مؤسسو الاشتراكية العلمية ولا تزال موجودة حتى اليوم، مما يؤدي إلى استنتاج مفاده أن الأفكار الشيوعية، كتعبير نظري، صالحة لأنها تستجيب لواقع قائم، لأن الظروف المادية التي أدت إلى ظهورها وتطورها لا تزال حاضرة. ما هي الجوانب التي نتحدث عنها؟ باختصار، إننا نتحدث عن الاستغلال الذي تمارسه البرجوازية على الطبقة العاملة، وأشكال الاضطهاد المختلفة: الطبقي، والجنسي، والعرقي، وغيرها.
ويشهد العالم اليوم أحد أكثر تعبيراتها بشاعة: حرب النهب، حرب بين الإمبريالات، مواجهة محلية في منطقة (أوكرانيا) تفتح فيها أسلحة القوى الإمبريالية النار ويدفع الشعب العواقب، لأن المصالح العظمى لرأس المال العابر للحدود الوطنية، سواء مصالح القوى الإمبريالية أو مجموعاتها الاحتكارية، هي المهدّدة.
إن الخطاب القائل بأن القوى "الديمقراطية" تواجه مواقف سياسية تسلّطية ليس أكثر من دعاية من الجانبين لتبرير مشاركتهما. فقد نفذوا باسم الديمقراطية ذاتها غزوات وحروبًا دامية في العراق وليبيا وأفغانستان وسوريا، على سبيل المثال لا الحصر. إذ أنه عندما لا تكفي «لعبة المنافسة الحرة» في السوق الرأسمالية العالمية لتجاوز المنافس واحتلال فضاءاته، يأتي دور المدافع. وهذا هو الأساس المادي لخطر الحرب الذي يثقل كاهل العالم في هذا النظام. لكن الناس يريدون العيش في سلام، دون حروب، دون سيطرة أجنبية من أي نوع، وممارسة حق تقرير المصير، والتقارب بين الشعوب، هو أمر ممكن فقط في النظام الشيوعي.
دعونا نتفحص جانبًا آخر: حالة الاضطهاد التي تعاني منها المرأة في الرأسمالية. فالعنف المسلط على النساء هو نتاج تاريخي. يرى إنجلز أن الهزيمة التاريخية للمرأة حدثت مع الإطاحة بالقانون الأمومي، أي مع ظهور الانقسام الطبقي، في الرأسمالية. فيجب البحث عن العنف في عملية الإنتاج وإعادة الإنتاج الرأسمالي.
من يُخضع المرأة للعمل الإنتاجي والعمل المنزلي؟ إنها الرأسمالية التي تستغل عملها وتستخرج فائض القيمة الذي، مع هذا الشكل من تنظيم العمل والأسرة، يضمن إعادة إنتاج قوة العمل، وهو شرط ضروري لزيادة استغلال الطبقة العاملة. ولما كانت هذه هي الظاهرة، فإن تحرير المرأة غير ممكن في إطار الرأسمالية، ولكن من خلال وضع حد للعناصر التي أدت إلى "الهزيمة التاريخية للمرأة".
وبوسعنا أن نؤكد على مسؤولية الرأسمالية في تدمير البيئة وأزمة المناخ، مع ما يترتب على ذلك من عواقب اجتماعية خطيرة؛ كما يمكن الإشارة الى التناقض الذي يتجلى في التقدم التكنولوجي والعلمي الهائل الذي حققته البشرية والذي يمكن ماديا أن يضمن حياة سكان العالم، ومع ذلك، فإن مناطق بأكملها تعاني من المجاعة، والظروف غير الصحية، والأمية، وغيرها من الآفات.
في مثل هذا العالم، لا يمكن للمثل الشيوعية أن تختفي، لأن الإنسانية تعيش في وضع يتسم بتفاوتات اقتصادية واجتماعية هائلة، وحواجز لا يمكن التغلب عليها تفصل بين أصحاب المليارات والفقراء، ومالكي وسائل الإنتاج وأولئك الذين لا يملكون سوى قوّة عملهم. إن الشيوعية تسعى إلى وضع حد لهذه التفاوتات، وليس هناك ما هو أكثر منها راهنية وضرورة.
صحيفة "الى الأمام" العدد 1994 من 23 إلى 29 مارس 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القلب و العقل!
عامر سليم ( 2023 / 10 / 10 - 03:25 )

هناك قول مأثور :
اذا لم تكن شيوعياً في سن العشرين فأنت بلا قلب , واذا بقيت شيوعياً في سن الاربعين فأنت بلا عقل!.
ويقال ان السياسي الفرنسي جورج كليمنصو قال عندما قيل له إن ابنه انضم إلى الحزب الشيوعي:
ابني عمره 22 عام ولو لم يكن شيوعياً الان لتبرأت منه , ولكنه لو استمر شيوعياً حتى الاربعين فسأتبرأ منه حينها!.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استفاد من هذه الفكرة أيضًا. ففي مقابلة أجراها معه التلفزيون الألماني في عام 2005 قال: -من لا يشتاق إلى الاتحاد السوفييتي لا قلب له. ومن يريد استعادتها لا عقل له”! , ويبدو انه هو من فقد عقله بعد سنوات حين اجتاح اوكرانيا ليعيد الاتحاد السوفيتي!.
في النهاية محاربة الظلم والفقر والتمييز والاستغلال بكل اشكاله والسعي الى العدالة الاجتماعية والحقوق المتساويه والمتكافئة بين البشروانصاف المرأة وغيرها لاتحتاج ان تكون شيوعياً بالضرورة لأنها شأن اخلاقي وانساني يسعى له الانسان السوي . الشيوعي يرى حلولاً لهذه المسائل وغيره يرى حلولاً اخرى , اما الاصرارعلى الحلول الشيوعية فهذه تسمى دوغمائية! ولينين كان ديمقراطياً وليس دوغمائياً ! فأين المفر!؟.
تحية تقدير واحترام لكم


2 - ماذا يعني أن تكون شيوعيًا اليوم؟
طلال بغدادي ( 2023 / 10 / 10 - 21:58 )
يعني ان وعيك لم يتطور بما يكفي لحد الان

اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام