الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماركسية والليبرالية:هل هما غرفتان في بيت واحد؟.........

محمد سيد رصاص

2006 / 11 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


تنحو بعض الأبحاث(انظر مقالة الدكتور صالح ج.آغا:"اليساريون العرب والليبرالية:"ردَة"أم"عودة"؟",جريدة"الأخبار",5-9-2006)إلى ربط تحول يساريين عرب(اقرأ:ماركسيين)نحو الليبرالية بوجود"افتراضات مشتركة بين الفكر اليساري لهؤلاء من جهة,والليبرالية الأوروبية من جهة أخرى........-تتمثل في- العداء للفكر الديني الغيبي.............وينبع هذا العداء من جذور مشتركة لفكر الليبراليين واليساريين في فلسفة التنوير الأوروبية التي تدعو إلى رفض أي سلطة على الفكر غير سلطة العقل............-حيث-نشأ اليسار الأوروبي في هذه البيئة التنويرية الغربية...............",كما أن(الدكتور آغا)يفسر النزعة الأميركانية الموجودة الآن عند هؤلاء اليساريين السابقين بأن تحولهم نحو الليبرالية"ممزوج بحنين لماض استعماري من المفترض أنه متنور.......حتى إن بعض اليساريين العرب رأى في الغرب واستعماره قوة تقدم تدمر القوى التقليدية العربية وتفسح المجال أمام تطور عربي........".

كان هذا الرأي ,حول العلاقة بين الماركسية والليبرالية ووجود "نبع مشترك"لهما في (عصر الأنوار)الفرنسي بالقرن الثامن عشر,سائداً حتى جاء جورج لوكاتش عام1923,في كتابه"التاريخ والوعي الطبقي",برأي مغاير اعتبر فيه أن كارل ماركس قد قام بقطيعة نقدية,عبر الهيجلية,مع (المادية الفرنسية)التي أسماها ب"الشكل الايديولوجي للثورة البرجوازية",مشككاً بفهم انجلز ولينين وبوخارين للماركسية أثناء محاولتهم تأسيس ماأسموه ب"المادية الديالكتيكية"(لم يستعمل ماركس هذا المصطلح,ولامصطلح المادية التاريخية)على أسس مادية عصر الأنوار الفرنسي,ومتهماً إياهم بأنهم يريدون إعادة ماركس إلى ماقطعه مع تلك المادية(=ديدرو,دوهلباخ......إلخ),التي قامت على أسسها الفلسفة الوضعية(=أوغست كونت),التي استمد مؤسس الليبرالية جون ستيوارت ميل أسسه الفلسفية منها أثناء وضعه لمذهبه الليبرالي في السياسة والاقتصاد والاجتماع.

تشارك مع لوكاتش في هذا الرأي كلُ من المفكر الألماني الماركسي كارل كورش,ومؤسس الحزب الشيوعي الإيطالي أنطونيو غرامشي,وقد تعرض لوكاتش وكورش إلى هجوم مقذع وصريح من قبل بوخارين وزينوفييف بسبب ذلك في مؤتمر الكومنترن الخامس(حزيران-تموز1924),حيث اتهما ب"الإرتداد نحو الهيجلية القديمة",فيما نجد غرامشي,الذي تأثر بتأكيدات الفيلسوف الإيطالي بنديتو كروتشه على ربط ماركس بالفلسفة وهيجل,يعبر عن تشكيك بانجلز وعن رفضه لتصديق أن كل مانسبه انجلز لماركس"أصيل كلياً ولايحتاج إلى إعادة نظر",في رفض لمحاولة انجلز تحويل الماركسية إلى"علم",بدلاً من فلسفة ومنهج تحليلي,وهو ماتشارك فيه,مع انجلز,كلُ من لينين وبوخارين,حتى تتوجَ ذلك مع ستالين في كتابه"المادية الجدلية والمادية التاريخية"الصادر في عام1938.

في هذا الإطار,تشارك الستالينيون العرب,الذين سيطروا على الحركة الشيوعية والفكر الماركسي بالبلاد العربية,مع الوضعيين في رؤية انعكاسية ميكانيكية لعلاقة الفكر بالواقع, تقول أن الفكر والمشاعر وكل الظاهرات الذهنية والروحية يمكن إعادتها آلياً إلى سياق العمليات المادية,وأنها مجرد مرآة للأخيرة:من هذا المنطلق رأينا كاتباً,مثل سلامة موسى,يجمع بين المشاركة في تأسيس الحزب الشيوعي المصري بالعشرينيات وبين فكر وضعي يذهب في ماديته الميكانيكية إلى حدود قصوى وبين الإعجاب بالفابية وفكر حزب العمال البريطاني الذي كان ضمن (الأممية الثانية),المعاد تأسيسها بعد عام 1917على أفكار مؤسس(الإشتراكية الديموقراطية)إدوارد برنشتين الذي كان تلميذاً نجيباً لإنجلز,والذي لم يختلف في نظراته الفلسفية,بخلاف السياسية والاقتصادية,عن لينين وبوخارين وستالين.وقد حصل, في فترة1935-1945 بعد أن وضع ستالين سياسة(الجبهة الوطنية المتحدة)في مؤتمر الكومنترن السابع,أن وجد الشيوعيون العرب أنفسهم ليس فقط في تشارك بالنظرة الفلسفية مع الليبرالية والوضعية,كان يجعلهم أقرب إلى لطفي السيد وطه حسين,وإنما أيضاً في تشارك سياسي مع الغرب الاستعماري ضد الفاشية والنازية,ترجم نفسه في سكوت خالد بكداش على اتفاقية حكومة(الجبهة الشعبية)الفرنسية-التي كانت تضم الشيوعيين- مع الأتراك على سلخ لواء اسكندرون عام1937,وفي وقوف زعيم الحزب الشيوعي العراقي (فهد)ضد ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد البريطانيين عام1941,وفي تبعية الشيوعيين الجزائريين للفرنسيين,ثمَ في رؤية برنامجية تقربية من(البرجوازية الوطنية)كمانجد في برنامج الحزب الشيوعي السوري اللبناني الصادر عن مؤتمر(كانون أول1943),فيما نجد أن التفارق السياسي الذي استعرَ بين الشيوعيين العرب والليبراليين,في فترة الحرب الباردة,قد كان على أسس سياسية-اقتصادية-اجتماعية محضة,ولم يمتد إلى الجوانب الفلسفية,باستثناء محاولات قدمها ماركسيون عرب مستقلون عن الأحزاب الشيوعية,مثل عبدالله العروي,أومفكرون ماركسيون فصلوا من الحزب الشيوعي مثل الياس مرقص وبالذات في كتابه"المذهب الجدلي والمذهب الوضعي"-1982-,فيما لم يقدم ياسين الحافظ حدوداً فلسفية واضحة,في نظرته للماركسية,تحدد تخومها تجاه الليبرالية.

من هذا,لم يكن غريباً أن نجد الكثير من الشيوعيين والماركسيين العرب المتسفيتين,منذ بدايات الإنهيار السوفيتي في عام1989,وهم يقوموا بالترحال من ستالين إلى طه حسين,ثم يتلمسوا شيئاً من إدوارد برنشتين,حتى وصولهم إلى ليبرالية صريحة بعد عام2003ممزوجة مع مراهنة على الأميركي الذي أتى في تلك السنة بدباباته إلى بغداد,فيما لانجد ذلك عند الماركسيين العرب,المتشربين بفكر كارل ماركس ولوكاتش وغرامشي والقاطعين معرفياً مع اللينينية-الستالينية.

كان واضحاً,في فترة البيريسترويكا,بأن الخلاف, بين أمين عام الحزب الشيوعي السوفياتي ميخائيل غورباتشوف وبين مسؤول منظمة موسكو للحزب بوريس يلتسين,هو متمحور بين(اشتراكية ديموقراطية)و(ليبرالية):كان هذا انتقالاً من غرفة الستالينية إلى غرفتين موجودتين ضمن بيت واحد,وهو ماينطبق على انتقال الكثير من الشيوعيين الستالينيين في البلدان الصناعية المتقدمة إلى الإشتراكية الديموقراطية بعد عام 1989,وعلى انتقال العديد من نظرائهم في البلدان المتخلفة إلى الفكر الليبرالي.

الأمر:ليس"ردَة"أو"عودة"عند الشيوعيين والماركسيين العرب المتسفيتين المنتقلون بعد عام 1989إلى الليبرالية,بل هو انتقال ضمن البيت الواحد,فيما توجد حدود كتيمة بين كارل ماركس وجون ستيوارت ميل...................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -صانع قدور- و-بائع كمون-.. هل تساءلت يوماً عن معاني أسماء لا


.. حزب الله ينسق مع حماس وإسرائيل تتأهب -للحرب-!| #التاسعة




.. السِّنوار -مُحاصَر-؟ | #التاسعة


.. لماذا تحدى الإيرانيون خامنئي؟ | #التاسعة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | ما جديد جولة المفاوضات بين حماس وإسرائيل ف