الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الآلهه في فلسطين

علا مجد الدين عبد النور
كاتبة

(Ola Magdeldeen)

2023 / 10 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


في طفولتي عندما كان والدي يتابع باهتمام تطورات الانتفاضة الفلسطينية بنشرة الأخبار ، وهو يمطر اليهود الصهاينة والعرب المتخاذلين بسيل من اللعنات ، وقتها لم افهم لم كل هذا الغضب .
وعندما درست عن القضية الفلسطينية بالمدرسة شعرت بنفس الغضب حتى أنني إشتركت في مسيرة مؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في أرضه المغتصبة وكتبت بعض المنشورات التي وزعناها على المارة بسذاجة من يعتقد أن هذه الكلمات سوف تغير العالم .
وعندما كبرت أكثر قرأت عن تاريخ القضية ، ووعد بلفور ، وإتفاقية كامبد ديفيد ، ايقنت وقتها أن حل هذه القضية شائك و يصل في تعقيده حد المستحيل .

واليوم أجد نفسي أتساءل معكم سؤالاً قد يبدو ساذجاً وإجابته قد تكون معروفه لدى الكثيرين ولكنها ببساطة ستكون كاشفة وصادمة إن جاز التعبير ، والسؤال هو لم تدور كل هذه النزاعات على أرض فلسطين ؟
و لن تكون الاجابة "وإن صحت" لانها تقع في قلب العالم القديم وانها مهد الأديان السماوية الثلاثة .

الحقيقة في الأمر أنها أرض الله ، في كل الكتب السماوية ، وكأنها الباب المؤدي إلى الجنة ،فهي أرض ميعاد اليهود وأرض ميلاد وموت وقيامة يسوع المسيح عند المسيحيون وهي أرض الإسراء والمعراج وأول قبلة توجه لها المسلمون .

والتنازع على هذه البقعة من الأرض هو تنازع على أحقية الأديان الثلاثة في الله نفسه ، وفي ملكوت سماوي لن يكون إلا لشعب الله المختار ، وكلاً من أصحاب الثلاث رسالات يؤمن إيماناً متجذراً بأنه هو هذا الشعب .

(وعد في كتاب مقدس)

يحتوي التناخ (العهد القديم من الكتاب المقدس) على ثلاثة تعاريف جغرافية لأرض إسرائيل.
يبدو أن التعريف الأول الموجود في سفر التكوين (15: 18-21) يحدد الأرض التي أعطيت لجميع أبناء إبراهيم، بما في ذلك إسماعيل وزمران ويقشان ومديان، إلخ. وهو يصف مساحة كبيرة
«من جدول مصر إلى نهر الفرات»، التي تضم كل من إسرائيل الحديثة والأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا والأردن والعراق، وكذلك الكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان واليمن ومعظم تركيا والأرض الواقعة شرق نهر النيل.

يقول الله لإبراهيم "وأعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكًا أبديًا"
(سفر التكوين 17: 8) ويُكرّر الله الوعد لإسحق "لأني لك ولنسلك أعطي جميع هذه البلاد وافي بالقسم الذي أقسمت لإبراهيم أبيك"
(التكوين 26: 3)
وكذلك ليعقوب "الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك" (التكوين 28: 13)
ويتمسك موسى النبي بنفس الوعد "اُذْكُرْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَإِسْرَائِيلَ عَبِيدَكَ الَّذِينَ حَلَفْتَ لَهُمْ بِنَفْسِكَ وَقُلْتَ لَهُمْ: أُكَثِّرُ نَسْلَكُمْ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكُمْ كُلَّ هذِهِ الأَرْضِ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَنْهَا فَيَمْلِكُونَهَا إِلَى الأَبَدِ» (سفر الخروج 32: 12)

كما أن أرض كنعان مجرد رمز لأورشليم السمائية، ولهذا اشتاق إبراهيم لسكنى تلك المدينة الخالدة
"بالإيمان تغرَّب في أرض الموعد كأنها غريبة ساكنًا في خيامٍ مع إسحق ويعقوب الوارثين معه لهذا الوعد عينه. لأنه كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله"
(رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 11: 9-10)

"وهكذا كل أبناء إبراهيم الذين لهم إيمان إبراهيم فإن عيونهم ترنو نحو أورشليم حيث السماء الجديدة والأرض الجديدة"،(سفر رؤيا يوحنا21: 1).

وعند ملاحظةأن كلمة "فلسطين" وردت في العهد القديم أربع مرات في كُل من سفر الخروج وسفر إشعيا، بينما ذُكر "الفلسطينيين" وهم سُكان فلسطين 287 مرة في مواضع متفرقة من أسفار العهد القديم، منها ما ورد في سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر يشوع، وسفر القضاة، وسفر أخبار الأيام ، فيمكن للمتأمل إستيعاب أهمية هذه الدولة لليهود.

و تحتضن فلسطين أيضاً حائط المبكى والذي يعتبره اليهود آخر أثر من هيكل النبي سليمان، الذي كان قائما في موقع الحرم القدسي.
و يؤمن حاخامات اليهود أن الهيكل ضم قدس الأقداس، بحسب النصوص الدينية، وكان يحتوي على تابوت العهد، ولوحة الوصايا العشر التي أعطاها الله لموسى ، كذلك يؤمنون أن الموقع كان يضم الحجر الذي خلق منه العالم، وحيث استعد النبي إبراهيم للتضحية بابنه إسحاق.

( أرض ميلاد الرب وقيامته)
بحسب المصادر التاريخيَّة ، عاش يسوع في فلسطين التاريخية؛ ولد في مدينة بيت لحم، عاش في مدينة الناصرة وبشّر في الجليل وصلب ودفن وقام بحسب المعتقد المسيحي في موقع كنيسة القيامة في القدس؛ مما يجعل الأراضي الفلسطينية أرضاً مقدسة جنبًا إلى جنب مع إسرائيل بالنسبة لأتباع الديانة المسيحية.

و من الناحيّة العرقيّة، فإن المسيحيون الفلسطينيون هم من أقدم الجماعات المسيحية في العالم وترتبط بعض الأسر المسيحية الفلسطينية بالنسب مع المسيحيين الأوائل، ولهذا السبب غالبًا ما يُطلق على المسيحيين الفلسطينيين اسم "الحجارة الحية"

وتحتضن القدس كنيسة القيامة و هي كنيسة داخل أسوار البلدة القديمة . بنيت الكنيسة فوق جلجثة أو الجلجثة, وهي مكان الصخرة التي يعتقد أن يسوع صلب عليها و تعتبرمن أقدس الكنائس المسيحية, وأكثرها أهمية في العالم المسيحي, وتحتوي الكنيسة وفق المعتقدات المسيحية على المكان الذي دفن فيه يسوع, واسمه القبر المقدس
كان موقع صلب يسوع ودفنه مكرّمين دون انقطاع منذ أوائل الزمان من قبل الجماعة المسيحية المقيمة في القدس. وكان اليهود من جهتهم يهتمون جدا بقبور الشخصيات الهامة.

كان موت يسوع موضوعا للتأمّلات منذ أوّل الأزمان، وسرعان مابرزت الكتابات التي حاولت إظهار كيف أن هذا الموت حقّق الفداء للعالم أجمع ، من هذه الكتابات «مغارة الكنوز» و«صراع آدم» و«إنجيل برتلماوس» وغيرها.
وجُعلت الجلجلة في مركز هذه القصص ووضعوا هناك آدم أيضا وحياة التوبة التي عاشها بعد إخراجه من الجنة ومن ثمّ موته ودفنه بمغارة هناك ، وأشير إليها أيضا على أنّها موضع الجحيم الذي نزل إليه يسوع بعد موته ليحرر الأنفس.

(الصعود إلى الخالق من القدس)

كان المسجد الأقصى ( بالقدس) وجهة النبي محمد في الرحلة المعجزة المعروفة باسم الإسراء والمعراج، وذلك ليلة 27 رجب بعد البعثة بعشر سنين (3 ق هـ)، إذ يؤمن المسلمون أن النبيَّ محمدًا خرج من المسجد الحرام بصحبة المَلَك جبريل راكبًا دابّة البراق، فنزل في المسجد الأقصى وربط البُراق بحلقة باب المسجد عند حائط البراق، وصلّى بجميع الأنبياء إمامًا، ثم عُرج به من الصخرة المشرّفة إلى فوق سبع سماوات مارًا بالأنبياء: آدم ويحيى بن زكريا وعيسى بن مريم ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم.
و لا يُعرف بدقة متى بُني المسجد الأقصى لأول مرة، ولكن ورد في أحاديث النبي محمد بأن بناءه كان بعد بناء الكعبة بأربعين عامًا، فعن أبي ذر أنه قال: «قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة». وقد اختلف المؤرخون في مسألة الباني الأول للمسجد الأقصى على عدة أقوال: أنهم الملائكة، أو النبي آدم أبو البشر، أو ابنه شيث، أو سام بن نوح، أو النبي إبراهيم، ويرجع الاختلاف في ذلك إلى الاختلاف في الباني الأول للكعبة، وقد رجّح الباحث عبد الله معروف بأن آدم هو من بنى المسجد الأقصى البناء الأول، لرواية عن ابن عباس، ولترجيح أن يكون آدم هو الباني للكعبة، كما رجّحه الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري. ويُرجّح عبد الله معروف أن يكون البناء الأول للمسجد الأقصى قد اقتصر على وضع حدوده وتحديد مساحته.

أما من بعد عهد آدم، فقد انقطعت أخبار المسجد لانعدام التأريخ في تلك الفترة، إلى أن سُجلت معلومات تاريخية عن أول مجموعة من البشر قدمت إلى مدينة القدس وسكنتها، وهم اليبوسيون (3000 - 1550 ق.م) قبيلة كنعانية، وهم الذين بنوا مدينة القدس وأسموها "اور شليم (مدينة السلام)، حتى أن بقايا الآثار اليبوسية ما تزال باقية في سور المسجد الأقصى بحسب رأي بعض الباحثين. وفي تلك الفترة، هاجر النبي إبراهيم إلى مدينة القدس، وعمّر المسجد وصلّى فيه، وكذلك ابنه إسحق وحفيده يعقوب من بعده.

(من يمتلك الحقيقة ؟)
إن اليهود يؤمنون إيماناً مطلقاً بأن القدس هي أرض ميعادهم إستناداً على ما جاء في الكتاب المقدس
كما يؤمن المسيحيون إيماناً حقاً بأن فلسطين هي أرض ميلاد الرب يسوع وموته وقيامته ، ولا يستقيم الايمان المسيحي بدون هذا الاعتقاد بأن الله ظهر في الجسد و جاء مخلصاً البشرية من خطيئتها الاولى بموته وقيامته .
أما المسلمون فاتخذوا من القدس قبلتهم الأولى و منها صعد رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم إلى لقاء الانبياء من قبله ومن ثم الله ، في حادثة معجزة كانت هي حجر الأساس للتأكيد على نبوة محمد و أنه آخر رسول مبعوث من الله .

ولهذا نجد من الصعب إثبات أحقية أي من أصحاب هذه الديانات بالمدينة العتيقة ، لأنه إثبات مبني على تكذيب الآخر ، فلكل دين قصته التي يؤمن بها معتنقيه إيماناً يمنعهم حتى من النظر في روايات الآخرين .
ولمحاولة الوصول إلى الحقيقة المطلقة يجب علينا أن نحول فلسطين إلى منطقة حفريات للبحث عن أصل القصة منذ البداية وهو حل من المستحيل تنفيذه لما تحويه هذه الأرض من أبنية مقدسة لأصحاب الديانات الثلاثة .

(وعد إلهي وتحقيق بشري )
الغريب في الأمر أن إسرائيل تحاول تنفيذ الوعد "الالهي" لليهود بالعودة إلى أرض الميعاد بإغتصاب حق السكان الاصليين في الارض وهو موقف رغم بشاعته يتشابه كثيراً مع موقف المسلمين في جزيرة العرب ، حيث نجد أن القرآن الكريم حرم على غير المسلمين التواجد في الحرم المكي : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة: ٢٨} ، وأن آخر وصية وصى بها النبي محمد كانت إخراج المشركين من جزيره العرب وقد جاءت عدة أحاديث ، تدل على المعنى نفسه :
- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ( لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً ) أخرجه مسلم (1767).
- عن أبي عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه قال : آخرُ ما تكلَّم به النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( أخرجوا يهودَ أهل الحجاز ، وأهل نجران من جزيرة العرب ، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) رواه أحمد (3/221) وصححه ابن عبد البر في "التمهيد"(1/169) ، ومحققو المسند ، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (1132)

سؤالي الاخير ... بما أنه من المستحيل إثبات واقناع الجميع بحق فريق دون الآخر في أرض فلسطين ، فهل من الممكن أن يأتي اليوم الذي تنالت فيه هذه الارض المباركة بعض الحظ من اسمها أورشليم ، وتكون مدينةً للسلام حاضنةً لكل البشر بكل ما يعتقدونه ويؤمنون به ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا