الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخليج .. فيما لو حدث - تشيرنوبل- إيراني

عبدالله المدني

2006 / 11 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


تداعيات البرنامج النووي الإيراني على منطقة الخليج موضوع متشعب يمكن للباحث أن يتناوله من محاور عدة أو من أكثر من منظور بحسب الاحتمالات و الفرضيات. بيد أن المحور الأهم هو ذلك المتعلق بالخسائر الاقتصادية التي ستتكبدها المنطقة جراء حدوث تسرب إشعاعي. إذ يظل هذا الأخير وحده أمرا واردا سواء كان البرنامج النووي الإيراني سلميا أو حربيا، و سواء فرضت عقوبات دولية على طهران أو لم تفرض، و سواء وقعت مواجهة بين الإيرانيين و الغرب بسبب هذا البرنامج أو لم تقع. ففي جميع الأحوال يبقى هذا الخطر محتملا كنتيجة لأخطاء فنية، أو أعمال إرهابية داخلية أو عمليات عسكرية خارجية، أو بفعل زلزال مدمر، لا سيما و أن مفاعل بوشهر النووي مثلا يقع فعلا على خط زلزال نشط.

إن حدوث مثل هذه التسربات الإشعاعية، سوف تكون له بطبيعة الحال آثار بيئية وديموغرافية وصحية و نفسية و إنتاجية مؤلمة، لكنها كلها ذات تداعيات اقتصادية خطيرة، لأنها ستفرض على الخزينة العامة في دول المنطقة اكلافا عالية، بمعنى أنها ستستنزف أموالا طائلة لسنوات طويلة للإنفاق على ما تدمره الإشعاعات النووية في البر و البحر و الجو، و الإنفاق على إعادة تأهيل المناطق المتضررة و عمليات التهجير و إعادة التوطين و علاج المصابين بالأمراض العضوية والنفسية أو تعويضهم. هذا ناهيك عن الخسائر الناجمة عما سيؤدي إليه مثل هذا التلوث النووي لا محالة من تعطل أو تجمد بعض الأنشطة الاقتصادية.

و تكفينا في معرض بيان عظم مخاطر التسربات النووية و ضخامة اكلاف معالجة تداعياتها، الإشارة إلى كارثة تشيرنوبل السوفياتية في ابريل 1986، و التي استخلص العالم منها دروسا كثيرة و متنوعة، لكن الدرس الابلغ و الأهم كان مفاده أنه ما من دولة نووية في العالم، مهما بلغت قوتها العلمية وقدراتها البشرية و احتياطاتها الأمنية و الفنية، مستثناة من وقوع مثل هذه الكارثة. و هكذا فإذا كان الاتحاد السوفياتي بجلال قدره و عظمته، وجيوشه الجرارة من العلماء و التقنيين، و خبرات مؤسساته العلمية الطويلة في المجال النووي، عجز عن تفادي وقوع مثل هذا الحدث الرهيب، فما بالك بدولة نووية ناشئة كإيران، كل تقنياتها وعلومها وإمكانياتها و خبراتها مستوردة أو في طور النشؤ! وإذا كان الاتحاد السوفياتي بإمكانياته الاقتصادية و اللوجستية الضخمة و ما كانت تتوفر عليه من بدائل كثيرة كنتيجة اتساع رقعة أراضيه و تنوع موارده، عجز عن معالجة أضرار حادثة تشرنوبل سريعا، بل أورثها لروسيا الاتحادية و أوكرانيا و بيلاروس اللواتي عجزن حتى الآن عن محو كامل آثار تلك الحادثة، فكيف سيكون الحال في إيران ودول الجوار الخليجي، التي مهما بالغنا في تقدير مواردها وإمكانياتها المالية و البشرية و قدراتها في التحكم و السيطرة فلن تصل إلى حدود ما كان متوفرا لدى السوفييت.

وهنا لا بد من الإشارة إلى مسألتين محددتين تمثلان جوهر الخطورة التي نتحدث عنها، و ستكون لهما آثار اقتصادية مؤلمة على الخليج، و بصورة أكثر بكثير مما شعرت به شعوب الاتحاد السوفياتي:

المسألة الأولى: إن مساحة دول الخليج مجتمعة صغيرة جدا قياسا بمساحة الاتحاد السوفياتي السابق، و بالتالي فان تهجير السكان إلى مناطق أكثر أمنا في حالة التسربات النووية ، على نحو ما قام به السوفييت، يبدو أمرا مستحيلا، وبالتالي فليس أمام شعوب الخليج من خيارات سوى البقاء في أماكنها و الاستسلام لما تحمله الإشعاعات النووية من أمراض، أو الهجرة إلى الخارج، و في كلتا الحالتين ستكون الآثار الاقتصادية مكلفة.

المسألة الثانية: إن دول الخليج العربية، على الأقل، تعتمد اعتمادا شبه كامل في مياه الشرب على تحلية مياه البحر، و بالتالي فان تسرب الإشعاعات النووية إلى هذه المياه يضعنا أمام خيارين كلاهما ذات اكلاف اقتصادية مدمرة هما، إما الموت عطشا أو استيراد المياه من الخارج. و هذا يختلف بطبيعة الحال عما حدث في الاتحاد السوفياتي الذي لئن تضررت مياه بعض أنهاره بفعل حادثة تشيرنوبل، فانه امتلك مصادر أخرى للمياه.

وفي هذا السياق لا بأس من الإشارة إلى بعض الحقائق من واقع حادثة تشيرنوبل كمثال لما قد ينتظرنا في الخليج إذا ما تعرضت المفاعلات النووية الإيرانية لحادث طاريء:

أولا - إن عدد ضحايا مثل هذه الحوادث النووية قد يكون صغيرا وقت وقوعها، لكنه كبير على المدى الطويل. فقد أوضح تقرير أممي حول حادثة تشيرنوبل نشر في عام 2005 ، انه لئن كان عدد من لقوا حتفهم فورا في عام 1986 هو 31 شخصا، فان عدد من اكتشف إصابتهم بأمراض اللوكيميا وسرطان الغدد مع مرور الوقت بلغ نحو 4000 شخص، و لا سيما في أوساط الأطفال و المراهقين، مع وفاة بعضهم و احتمال وفاة الباقين قريبا. هذا ناهيك عن ثبوت إصابة نحو 60 ألف إنسان بأمراض و مضاعفات صحية اقل خطورة من السرطان.

ثانيا - تسرب خلال كارثة تشيرنوبل نحو 50 مليون كوري من الإشعاعات النووية، الأمر الذي اضطرت السلطات السوفياتية معه إلى إجلاء نحو 125 ألف مواطن فورا من المنطقة المنكوبة إلى مناطق تبعد مسافة 30 كيلومترا، و إجلاء نحو ربع مليون نسمة آخر في وقت لاحق إلى أماكن ابعد.

ثالثا - كلفت حادثة تشيرنوبل جمهوريات روسيا و بيلاروس و أوكرانيا فقط عدة بلايين من الدولارات في صورة إعانات اجتماعية لنحو 7 ملايين من البشر ممن تأثرت مساكنهم وأعمالهم وأنشطتهم بالحادث بصورة من الصور.

رابعا - نسبة كبيرة ممن تم تهجيرهم من مناطقهم إلى مناطق جديدة بفعل الكارثة النووية لم يتمكنوا من التكيف مع أوضاعهم الجديدة، فتأثر إنتاجهم أو أصيبوا بأمراض نفسية أو قادهم الإحباط و اليأس والوساوس إلى الإدمان على الكحول و المخدرات.

خامسا - تحولت مناطق شاسعة من الأراضي إلى أماكن غير صالحة للسكن أو الزراعة أو الاستعمالات الأخرى لعقود طويلة من الزمن. بل صارت المحاصيل الزراعية المحصودة من المناطق القريبة لمنطقة الكارثة لا تجد من يشتريها أو يستوردها، و بما أدى إلى إفلاس مزارعين كثر و تزايد عدد العاطلين عن العمل.

سادسا - تلوثت مياه الأنهار و البحيرات القريبة بالإشعاعات النووية و صارت مياهها وثرواتها السمكية و أحياءها الأخرى غير صالحة للاستعمال الآدمي، الأمر الذي حدا بالسلطات المحلية إلى بذل جهود كبيرة و إنفاق أموال طائلة لتقييد استخدامات مياه وثروات تلك الأنهار و البحيرات و توفير البدائل. بل أن السلطات في دول مجاورة كفنلندا أو دول قريبة كالسويد عمدت إلى فعل الشيء نفسه فيما يخص أنهارها و بحيراتها من باب الاحتياط.

***

و أخيرا فانه حتى لو افترضنا جدلا أن إيران تتمتع بإمكانيات و خبرات لا نعرفها تحول دون وقوع حوادث على شاكلة تشرنوبل، فان مسألة التخلص من قمامة مفاعلاتها النووية أمر سيكبدها لا محالة بلايين الدولارات من المال العام التي لو أنفقت على تحسين معيشة شعبها لكان أجدى و انفع. وتكفينا في هذا السياق الإشارة إلى أن تكاليف التخلص من القمامة النووية في حالة دولة مثل بريطانيا تجاوزت 130 بليون دولار حتى الآن.

***

و خلاصة القول أن الخسائر المرتبطة بالمشاريع النووية كثيرة و جسيمة و تشمل المخاطر العسكرية و التكاليف الاقتصادية الخيالية و الأمراض السرطانية و النفسية و غير ذلك مما لا تذكر كحقائق للناس في معرض الدفاع عن الطموح النووي و الولع بالقوة و الشغف بالعنتريات و الاستسلام للعواطف وشعارات العداء للغرب من تلك التي تأسر بعض الساسة و المفكرين و الإعلاميين في عالمنا العربي فتعميهم عن قول كلمة حق و صدق حول أضرار و مخاطر البرنامج النووي الإيراني على حياة ومستقبل أشقائهم العرب في الخليج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية حرب غزة وإسرائيل: هل الإعلام محايد أم منحاز؟| الأخبار


.. جلال يخيف ماريانا بعد ا?ن خسرت التحدي ????




.. هل انتهت الحقبة -الماكرونية- في فرنسا؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. ما ردود الفعل في ألمانيا على نتائج الجولة الأولى من الانتخاب




.. ضجة في إسرائيل بعد إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة.. لماذ