الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جانب من تطور الحكومات والإمارات الكوردية المستقلة* (2/2)

آزاد أحمد علي

2023 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


3ـ ولادة الممالك الأيوبية وتكرار تجربة الاندثار العربي
أول سمة للممالك الأيوبية، أنها تأسست وتبلورت خارج بلاد الكورد في سياق الصراع مع الفرنجة، بمعنى من المعاني أنها ظاهرة عابرة للأثنيات والأقوام، وترجمة لصراع الشرق الإسلامي مع الغرب المسيحي. وظلت هذه الممالك تتوارث أخلاقيات المجتمعات الكوردية الدفاعية، فالمجتمعات الكوردية كانت عبر التاريخ دفاعية راسخة. ومن جانب آخر ترجمت ولادة واستمرار الممالك الأيوبية ظاهرة التحالف مع المجتمعات العربية التي أنهكتها الحروب، وتراجعت قوتها العسكرية، كما تفككت روابط النخب العربية الحاكمة إلى حد الضعف أو الانسحاب من المواجهة مع الغزاة الفرنجة.
لقد استفاد العالم الإسلامي من قوة وكثرة عدد الفرسان الكورد، وتعاونت جهات متعددة وتحالفت في ظل الحكم الزنكي لإحياء منهج عسكري جهادي جديد في مواجهة الفرنجة. وكان حامل هذا المنهج الدفاعي والجهادي الجديد هو المخزون البشري الكوردي المتركز في شمالي الجزيرة الفراتية، والقريب من ساحل البحر المتوسط وبلاد الشام.
وفي سياق مجريات الحروب والمعارك الدامية، وعبر شبكة من المحفزات والعوامل التي غيرت المعادلات السياسية، وأثر تراجع قوة الزنكيين، تصدر المشهد العسكري وقيادة عمليات الدفاع عدد من الفرسان والأمراء الكورد، حتى هيمنت الجماعات ذات الأصول اللغوية والثقافية الكوردية على منطقة واسعة، متمددة بصيغة ما، ومكررة لتجربة التوسع العربي في بدايات عهد الفتوحات. وربما ليس من المبالغة أن يتم توصيف الحالة: بأن الكورد قد ورثوا العرب مطلع الألف الثاني الميلادي في قيادة الممالك والامارات الإسلامية لمواجهة الحملات الصليبية، ومحاربة ما استطال عنها من ظواهر تمرد وتحركات للمجتمعات المسيحية الشرقية والبيزنطينية والأرمنية.
وبعد تفكك قيادة الامارات الكوردية في القرن الحادي عشر الميلادي، صبت قوتها العسكرية والاجتماعية في المجرى الذي ينظم المقاومة ضد غزوات الفرنجة. ويمكن الافتراض والاجابة على التساؤل الذي تكرر حول طبيعة ظروف قيادة ومن ثم حكم النخب الكوردية للعالم الإسلامي من المركز، أي من بلاد الشام ومصر؟
يمكن تبسيط الاجابة في أن الكورد حكموا لأنهم كانوا القوة الأساسية على الأرض في المناطق القريبة من خط التماس العسكري، واستمدوا قوتهم من رسوخ مجتمعاتهم، ومن فيضهم السكاني الكبير، الذي كان يغذي الجبهات والمدن والأرياف بالموجات البشرية من عهد إلى آخر. ولكن هذا التدفق البشري والاتساع الجغرافي أرهق في المحصلة المجتمعات الكوردية، وشتت نخبها الحاكمة، التي بدأت تفقد السيطرة على المجتمعات المحلية، وتضعف أمام القوى الغازية، سواء لصالح تقدم الفرنجة واستقرارهم، أم التراجع أمام القبائل الآسيوية التي عززت قوتها عاماً بعد آخر، وأزاحت الأيوبيين عبر التحالف مع الصليبيين والأرمن. فانفتح الطريق أمام خليط غير متجانس من النخب العسكرية والمجتمعية الإسلامية والتي تمخضت أخيراً عن حكم المماليك. وطويت صفحة الحكم الأيوبي الكوردي في دمشق وحلب والقاهرة، كما طويت قبلها صفحة الحكم العربي المركزي في بغداد بآليتين متشابهتين في خطوطها العامة.
وكخلاصة واستنتاج يمكن القول إن الممالك الأيوبية استمدت نسغها، وقيادتها من الأمارة الشدادية، وقوتها من الامارة الدوستكية الكوردية. كما ورثت جانب من قوتها ومنظومتها العسكرية إلى المماليك. الذين قاموا بدورهم بدعم نويات الامارات الكوردية المتبقية على الأرض في كوردستان، وخاصة مملكة حصن كيفا الأيوبية على نهر دجلة، وأولهوها التقدير والاحترام، وكذلك حسنوا علاقاتهم مع امارة هكاري، والامارة المازنجانية في الجزيرة الفراتية. بحيث شكلت نسيج هذه العلاقات في جانبه الاجتماعي والأثني الكوردي سلسلة ربطت بين النظام الإماراتي الكوردي الأول في القرن الحادي عشر، والنظام الاماراتي الكوردي الثاني في القرن الرابع عشر الميلاديين. كون هذه الدول والامارات لم تكن ظواهر فردية ولا سلاليه فحسب، وانما ظاهرة مجتمعية وأقوامية في العمق.
4 ـ تطور أنظمة الحكم المحلي الكوردي عبر الزمن المديد
كانت المجتمعات المحلية تدار من قبل سلطات محلية في أغلب مراحل حكم الامبراطوريات الواسعة، وذلك لمرونة ادارتها من المركز، والاعتماد على آليات الولاء والتبعية لتلك الامبراطوريات. ودون الخوض في تفاصيل الإدارة من قبل المركز، لذلك يمكن الافتراض أن أغلب المناطق ذات الغالبية السكانية الكوردية، ومنذ تبلور هذه الهوية الأثنية – الثقافية الكوردية في الألف الأول ق. م، كانت تدار من قبل سلطات محلية متوارثة، ومنبثقة من النظام الاقطاعي والعشائري المحلي بشكل عام.
يستنتج من المصادر التاريخية أن الامبراطورية الميدية ذات الجغرافيا الواسعة هي التي ساهمت في بلورة هوية المجتمعات الكوردية الموحدة، كما رسخت حالة الاتحادات الاجتماعية، وأضفت على الزعامات المحلية الشرعية، لدرجة أن كل ما قام به مؤسس هذه الامبراطورية دياكو هو أنه وفق بين هذه السلطات المحلية، ووحد القبائل والأثنيات الفرعية، وشكل لها سلطة مركزية تحت قيادته بحكمة بالغة. حيث كانت العاصمة اكباتان هي مركز حكمه، إلا أن الأطراف كانت تتمتع بالاستقلالية. لدرجة أن هذا النظام توارثته الامبراطوريات الايرانية عاماً بعد آخر، وامتدت من الامبراطورية الميدية الى الأخمينية، وكذلك ظلت سائدة في المناطق الكوردية الغربية التي خضعت لحكم اليونان والرومان، وظهرت بشكل أكثر وضوحاً ومرونة في عهد ملوك الطوائف، الذين كان أغلبهم كوردا من الناحية الثقافية. وصولاً الى العهد الساساني ذات السلطة المركزية الضعيفة. لذلك استمرت هذه التقاليد السياسية المحلية في صيغها المتباينة للحكم الذاتي، حتى ارتخى المركز في العهد الساساني المتأخر، لدرجة كانت الإمبراطورية الساسانية شبه مفككة عند قدوم طلائع الفرسان العرب.
فالتكوين والبنية الاتحادية المرافقة للاستقلال النسبي المحلي، تعد خاصية للدول والامبراطوريات الإيرانية، وخاصة ميديا: "الإمبراطورية الميديه بعد توسعها عام 612 ق.م كانت ما يشبه الاتحاد الفدرالي لحوالي سبع وعشرين قبيلة، بحسب ول ديوانت.." (خليل، 2011، ص105)
انتقلت عملياً هذه التقاليد السياسية، وتسربت نسبياً الى الدولة العربية الإسلامية، مع حواملها الاجتماعية والسياسية من أبناء المجتمعات المحلية. وترجمت في نظام الولايات فالإمارات.
بمعنى آخر، لم يكن صعود القوى السياسية الكوردية المحلية حالة مستجدة على المجتمعات الكوردية الراسخة، ولا على الامبراطوريات التاريخية الكبرى، وإنما كانت حلقات مترابطة ومتسلسلة ضمن سيرورة تاريخية موضوعية عبر الزمن المديد. كانت نزعة شبه فطرية تترجم رغبة المجتمعات في ادارة نفسها والتخلص من عبئ الحكام الغرباء.
وكتذكير بحقيقة الدرجة العالية من الاستقلالية التي تمتعت بها السلطات الكوردية الحاكمة سواء داخل كوردستان أو خارجها، فقد صنف المؤرخ شرفخان البدليسي الممالك الأيوبية وعدها كأول الدول الكوردية المستقلة، ومن بعدهم صنف حكومات وإمارات كل من: دياربكر والجزيرة وهم المروانيون، ولاة دينور وشهرزور (الحسنوية)، ثم ولاة الأسرة الفضلوية في لورستان، كدول وامارات كوردية مستقلة. ولا يمكن فهم معاييره لهذا التصنيف منذ خمسة قرون، حيث أن تصنيفه هذا قد شمل سلاطين مصر والشام من آل أيوب، وعدهم جميعاً من ضمن الحكام الكورد المستقلين. وسيظل هذا الموضوع اشكالياً في تقبله وتعميمه، لضعف معارفنا التاريخية، ولتدني مستوى معرفتنا بظروف وملابسات هذا التصنيف عند المؤرخ القدير، تحت العنوان العريض التالي: "في ذكر ولاة وحكام كردستان الذين رفعوا راية الاستقلال". (البدليسي، 1962، ص5)
وعلى الرغم من صعوبة فك (لغز الاستقلال) الذي نسبه شرفخان للأيوبيين، لكن تصنيفهم المنهجي – التاريخي بهذه الصيغة، يعد دليلاً على أهمية قيمة الاستقلال السياسي من جهة، وعلى آليات توارث الاستقلال الاجتماعي والسياسي في مناطق واسعة من كوردستان عبر الأجيال والطبقات الحاكمة خلال الزمن المديد. وأخيراً كان دور الملوك الأيوبيين في حماية هذا الاستقلال والمحافظة عليه مهماً. إلا أن السعي الى الاستقلال ظل هدف الزعامات الكوردية منذ تلك المراحل بصيغة أو أخرى.
×××
*فصل من كتاب سيصدر قريباً عن مركز رووداو للدراسات تحت عنوان: تقسيم كوردستان العثمانية إلى دولتي سوريا والعراق.
××××
المصادر والمراجع:
1- اسكندر، الدكتور سعد بشير (2008)، قيام النظام الاماراتي في كردستان وسقوطه ما بين منتصف القرن العاشر ومنتصف القرن التاسع عشر. السليمانية، ط2
2- بدليسي، شرفخان (1962). شرفنامه. ترجمة علي عوني بك. القاهرة
3- توفيق، الدكتور. زرار صديق (2022). كردستان في العهد الجلائري. (1336 – 1411) م. أربيل
4- - خليل، الدكتور. أحمد محمود (2011)، مملكة ميديا. أربيل
5- يوسف، عبد الرقيب (2001). الدولة الدوستكية في كوردستان الوسطى، الجزء الثاني – القسم الحضاري، ط2، أربيل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة