الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربيع الثورة يعم أمريكا اللاتينية

سالم جبران

2006 / 11 / 13
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


جرت في الأسبوع الماضي انتخابات رئاسية في جمهورية نيكاراغوا، في أمريكا اللاتينية. هذه الانتخابات بقيت في الظل، لأن الإعلام العالمي اهتم اهتماماً شديداً بالانتخابات الأمريكية للكونغرس ومجلس الشيوخ، التي جرت في الوقت نفسه.
ولكن ما أن سطعت نتائج الانتخابات في نيكاراغوا، حتّى اهتّم العالم، بما فيه الولايات المتحدة نفسها، اهتماماً شديداً بانتخابات نيكاراغوا ونتائجها.
كما يتذكر كل الناس، فقد كان دانيئيل اورتيغا، القائد اليساري، رئيساً منتخباً لنيكاراغوا، قبل 16 عاماً. وجنَّدت أمريكا كل طاقاتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والمخابراتية، حتّى أسقطته من الحكم. ولكن اورتيغا قرر أنه خسر معركة ولم يخسر الحرب. ولذلك بدأ وقتها، بإعادة بناء الجبهة اليسارية موحِّداً النقابات والعمال والفلاحين وقطاعات واسعة من الإنتلجنسيا كما جنَّد مع الجبهة اليسارية الأكثرية الساحقة من المبدعين- المغنين والملحنين والشعراء والموسيقيين وقطاعات واسعة من أساتذة الجامعات وطلابها. "كل شعب نيكاراغوا معنا ،لا نكره، بل نحب، وحب نيكاراغوا والحرية والتقدم هو ما يوحدنا" قال البطل اورتيغا في آخر اجتماع شعبي ضخم له قبل الانتخابات الأخيرة. وفعلاً، انتصر اورتيغا والجبهة اليسارية ليس فقط على الطغمة الاوليغاركية المحلية، بل على الولايات المتحدة أساساً.
في السبعينات والثمانينات كان اورتيغا ورفاقه يتدفقون حماساً، ولكنهم كانوا أقل تجربة وقد لخصوا التجربة بصراحة واستقامة وشرف. وحددوا الأخطاء والنواقص التي كان أهمها، في الماضي، "النزق اليساري الذي أرعب البرجوازية الوطنية". الآن يعود العَلَم الأحمر والبرنامج الاجتماعي الثوري الديمقراطي إلى الصدارة، في نيكاراغوا.
وهكذا، بالإضافة إلى القلعة الأولى في أمريكا اللاتينية، كوبا، يوجد الآن عدد من الدول الأمريكية اللاتينية، تحت قيادات يسارية- اشتراكية: فنزويلا بقيادة شافيز، والبرازيل بقيادة لولو دي سيلفا، واوروغواي بقيادة طيبرا فاسكو، وبوليفيا بقيادة القائد اليساري(الهندي الأحمر!) اينو مورالس، وتشيلي بقيادة السيدة ميشيل نتلس.
كتَبَتْ إحدى الصحف الأمريكية الكبرى، "نيو يورك تايمز" تعقيباً على انتصارات اليسار في أمريكا اللاتينية :" إن كاسترو يرفض، بعناد وإصرار، أن يموت".
إننا نُطَمْئِن الصحيفة الأمريكية الرصينة، أن كاسترو الجسد، ذاهب إلى الموت. مثل كل إنسان. ولكن الثورة التي دشنها كاسترو ورفيقه تشي جيفارا، فوق قارة أمريكا اللاتينية، هي ثورة ضرورية للحياة والكرامة الوطنية وللتقدم الاجتماعي، ولذلك على الرغم من المخاض الصعب والمؤامرات الشرسة من الوحش الاستعماري الأمريكي الأبيض، فالثورة تتعزز، الثورة تتقدم في أمريكا اللاتينية، الثورة تزداد حُنكة وتجربة وصموداً وتصميماً على النضج والاستمرارية.
في اعتقادنا أن صعود المد اليساري الثوري في أمريكا اللاتينية بعد عقدين من انهيار النظام الاشتراكي-السوفييتي، في أوروبا هو دلالة تاريخية بالغة العمق، على أن النضال الطبقي والاجتماعي، النضال للعدل والحرية لا يمكن أن ينطفيء أو يموت، وأن الإنسانية في سعيها إلى التقدم تسعى موضوعياً إلى العدل الاجتماعي، إلى كسر العبودية الرأسمالية، وإلى بناء عالم جديد.
ولكن ما يجب أن نراه بعيون ثاقبة هو أن أسلوب وأدوات (ميكانزم) الثورة البلشفية الكلاسيكية قد انتهى، ولن يعود. كما أن النظام السوفييتي الذي قام على أن النخبة- الطليعة تعرف أكثر مما يعرف الشعب لأنها مجبولة من "طينة خاصة" قد سقط تماماً. إن النظام السوفييتي الذي بدأ شعبياً جماهيرياً تحول إلى "اقتصاد الثكنات" ومجتمع الثكنات، ونظام الحزب الواحد، والرأي الواحد، وقتل الملايين في معسكرات الاعتقال. عندما سقط النظام السوفييتي، بدون ثورة مضادة، وبترحيب واسع من الشعب، كان ذلك برهاناً على أن ما يسقط يجب أن يسقط، ولكن لم يسقط الحلم، لم يسقط مدّ النضال الاجتماعي – الطبقي – الثقافي، لخلق عالم جديد، يقف فيه الإنسان مرفوع القامة، موفور الكرامة، لا يخاف، سيداً فوق وطنه.
إذا كان سقوط النظام الاشتراكي- السوفييتي في البداية كارثة لليسار وللتقدم الاجتماعي وسببا لعرس هستيري في الأوساط الاستعمارية، فإننا نقول، بما يُشبه اليقين، إن المجتمع الإنساني استعاد توازنه واستعاد ثقته بنفسه، وبدأ بصياغة الأشكال الجديدة، غير المطروقة سابقاً، لتصعيد النضال الاجتماعي –الطبقي للعدل والحرية.
ولعل أمريكا اللاتينية، الآن، هي الأقدر والأوفر حظاً، على رسم الطريق الجديد الذي هو مزيج مدهش من الطموح إلى العمل والحلم والحرية، ثلاثياً غير قابل للانفصال، وكذلك ربط النضال بالتمسك الحار بالفولكلور والموسيقى والغناء والرقص وحب الحياة الطبيعية، ليس صدفة أنه عندما بهت بريق الاتحاد السوفييتي (قبل أن يسقط) اندفعت الأجيال الشابة العاملة والمثقفة في العالم تقتفي آثار البطل تشي جيفارا.
في أمريكا اللاتينية، قائد الثورة هو مقاتل بين المقاتلين ومغنٍ بين جوقات الشباب، ومشارك في المظاهرات لا كقائد بل كهتّاف من الشعب، وفي المهرجانات الراقصة في الشوارع، هو راقص مع الراقصين، إنسان عادي بلا أوسمة ، بين شعب كله معاً، جماعياً يحمل الوسام، ويتحمل المسؤولية.
أمريكا اللاتينية عاصفة. وأمريكا اللاتينية ملحمة شعرية. وأمريكا اللاتينية صدامات مع الاستعمار في الشارع. وأمريكا اللاتينية غناء جماعي. أمريكا اللاتينية هي ثورة جديدة، غير مقتبسة أو منقولة. قال كاتب من أصل هندي أحمر، في الأسبوع الماضي، في مقابلة مع صحيفة برازيلية:" الثورة، أي ثورة ليست ثورة طبقية فقط، بل ثورة شاملة تغير حياة الناس، تغير الناس. أنا مع الثوار فقط أحس بحقي الطبيعي في الاعتزاز إنني هندي أحمر، ويحس الناس معي بحقي أن أعتز بجذوري. الثورة عندنا في أمريكا اللاتينية هي ثورة الإنسان، ثورة الإنسانية على كل ما يُشوِّه أو يعيق الممارسة الإنسانية الكاملة".
إن هذا الكلام يقودنا إلى منطقتنا العربية. ننظر حولنا فنجد الانفصام: من يقاتلون لحقوق المرأة متخصصون بحقوق المرأة فقط ومن يحاربون التطرف الديني لا موضوع لهم غير هذا الموضوع. ومن يطالبون بالمساواة للأقليات القومية لا هَمَّ لهم غير ذلك. عندنا آلاف الحركات المتخصصة، بألف موضوع، ولكن كلها عاجزة عن أن تصير تياراً شعبياً، عاماً، جارفاً يحمل برنامجه العام جواباً عاماً على قضايا المجتمع كافة. إننا بحاجة إلى رؤية ثورية تقدم الجواب على مطالب المجتمع كافة. إننا بحاجة إلى رؤية ثورية تقدم الجواب على مطالب النساء، ومطالب العمال، ومطالب الأقليات القومية ومطالب الشباب ومطالب التعددية الدينية والثقافية ومطالب العمل والخبز والسكن، إننا بحاجة إلى مشروع شامل وبديل للنظام الوحشي الشرس السائد، بحاجة إلى مشروع- حلم يلهب خيال وطاقات الشعب. الدكتاتورية الإرهابية المجرمة لا تسقطها مجموعات صغيرة متفرقة، بل يسقطها طوفان شعبي موحّد تجاوز حاجز الخوف، قوته حلم وحلمه قوة.
إنني تعلمت أن حكمة الحِكم هي عدم النسخ الميكانيكي. كل تجربة ثورية، مثل كل تجربة أدبية أوثقافية هي اقتحام إلى المجهول، هي إبداع. وهل هناك تجربة أكبر وأهم من تجربة الثورة؟
أنا لا أقول تعالوا ننسخ التجربة الجارية الآن في أمريكا اللاتينية، بل أقول: تعالوا ندرس تجربة أمريكا اللاتينية. لنستلهم منها، لنحدد الحلم، ونصنع الثورة لشعوبنا الظامئة إلى الحرية والعدل والفرح المتحررمن الخوف...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة