الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إقليم كوردستان العراق، إفلاس السلطة وبديلان واقعيان

نادر عبدالحميد
(Nadir Abdulhameed)

2023 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


يعيش إقليم كوردستان العراق حالة من الإفلاس التام والشامل سياسيا واقتصاديا، نتيجة استراتيجية الحكم وإدارة الإقليم التي تبنتها واعتمدتها أحزاب الحركة القومية الكردية وحكومتها المشتركة خلال العقدين الماضيين (٢٠٠٣٢٠٢٣).

أولا: الإفلاس السياسي
فشلت الأحزاب الحاكمة في إنشاء إدارة وحكومة موحدة للإقليم. الحكومة الحالية التي تسمى (حكومة الإقليم) ليست سوى كيان فارغ، إذ لا توجد سلطة مركزية موحدة في كوردستان ولا قانون وقضاء مستقل عن الأحزاب الميليشية الحاكمة، ويدار الإقليم كمنطقتين منفصلتين إداريا وسياسيا؛ المنطقة "الصفراء" (أربيل ودهوك) تحت حكم (الحزب الديمقراطي) و"الخضراء" (السليمانية وحلبجة) تحت حكم (الإتحاد الوطني) عبر ميليشياتهما وأجهزتهما الأمنية القمعية. لم يقتصر الأمر على هذا الفشل، بل تلاشى الاتفاق الاستراتيجي المبرم بين الطرفين عام (٢٠٠٧)، وتصاعدت الخلافات بينهما إلى درجة بدأ كل طرف يعمل على إجراء تحالفات مع أطراف دينية وقومية في السلطة المركزية ضد الآخر، وكذلك إبرام اتفاقيات أحادية مع حكومة بغداد.

هذا وفيما يتعلق بارتباطهما بالجماهير الكادحة في الإقليم، فليس في جعبتهما سوى القمع والإرهاب تجاه احتجاجاتها الاجتماعية، الواسعة والمستمرة بصورة شبه يومية. لقد انفصلت هذه الجماهير عنهما منذ زمن، فإضافة إلى الاعتراضات اليومية، تكشف المشاركة الضئيلة لهذه الجماهير في مسرحية الانتخابات البرلمانية، مدى انفصالها عن هذه الأحزاب، التي "تفوز" عبر التزوير والتلاعب بالنتائج.

ثانيا: الإفلاس الاقتصادي
علاوة على الإيرادات الداخلية، حصل الإقليم على نسبة (١٧%) من الميزانية المركزية خلال السنوات العشرة الأولى (٢٠٠٣ - ٢٠١٣) من سقوط نظام البعث، ومجموعها (٤٢) مليار دولار. رغم كل هذه الموارد المالية، لم يتم إنشاء بنية تحتية اقتصادية في كوردستان، بل على العكس من ذلك نهبت معظم هذه الأموال من قبل الشركات التابعة لأحزاب السلطة وكبار المسؤولين الحزبيين والحكوميين القائمين على احتكار التجارة وبيع وشراء الأراضي لبناء العقارات في المدن والاستحواذ على الثروات الطبيعية في الإقليم، فظهر الآلاف من المليونيرات والمئات من أصحاب المليارات في فترة زمنية وجيزة، كما وانتشر الفساد بصورة لا مثيل له.

هذا وتم تبني استراتيجية الاستقلال الاقتصادي للإقليم سنة (٢٠١٤)، لإنتاج وبيع النفط والغاز في الأسواق الدولية عن طريق الشركات الأجنبية وعبر تركيا، مما أدى إلى قطع ميزانية الإقليم من قبل الحكومة المركزية، وهو ما أثر سلباً على قدرة حكومة الإقليم على سداد التزاماتها المالية تجاه الشركات المتعاقدة معها، ودفع رواتب الموظفين والعمال بشكل منتظم واستقطاع أجزاء منها، وهذا بدوره أدى إلى انكماش السوق، وإفلاس أكثر من (٣٠٠٠) شركة في الإقليم، وتفشي البطالة بشكل غير مسبوق.
ليس هذا فحسب، بل وتراكم دين ضخم على حكومة الإقليم ما يزيد على (٣٢) مليار دولار، وهذا يعني أنه ليس فقط الآباء والأمهات مع أطفالهم هم من يعانون الآن من الفقر والبطالة والحرمان من الخدمات، بل وسيطال هذا الوضع ليؤثر على مستقبل أحفادهم أيضا، إن لم يتم وضع حد له.

ثالثا: لا مكان للإصلاح داخل هذه السلطة
لسنوات ظلت أحزاب السلطة تصرخ بصوت عال عن الإصلاح، حتى أن رئيس الوزراء الحالي (مسرور بارزاني) أطلق على حكومته التاسعة، عند تشكيلها (تموز ٢٠١٩)، اسم "حكومة الإصلاح"، لكن حكومته فرضت على الشعب فقرا وبؤسا أكثر من سابقاتها، لذا أدركت الجماهير خلال التجربة السياسية اليومية أن لا معنى للإصلاح داخل الحكومة والأحزاب الحاكمة. فالمسألة المطروحة حاليا هي كيفية التخلص منها.

رابعا: التيارات الاجتماعية السياسية والبدائل
لا أحد في إقليم كوردستان يرضى بهذا الوضع السياسي والاقتصادي المزري، لذلك يفكر الجميع في إيجاد مخرج من هذا "الجحيم" الذي فرض على الجماهير.

من هنا، يتصارع القوميون الليبراليون والإسلاميون السياسيون وكذلك الثوريون الشعبويون وأخيرا الاشتراكيون الثوريون فيما بينهم؛ من أجل بسط هيمنة افقهم على المجتمع، وحشد الجماهير داخل اجنداتهم السياسية، ودفعها باتجاه تحقيق أهدافهم الخاصة بحركتهم. هذا عدا عن التنافسات الداخلية والمشاجرات "العائلية"، داخل كل تيار بين أحزابه وتنظيماته المختلفة والمتنوعة. ومن هنا تطرح مجموعة من اللوائح السياسية والبدائل المتنوعة، بهدف قولبة اعتراضات الجماهير المضطهدة والسيطرة على حركاتها الاحتجاجية وتوجيهها صوب تحقيق أجندات معينة.

وعلى الرغم من كثرة التيارات والمنظمات والأحزاب والكتل السياسية، والبدائل العديدة المطروحة، إلا أنها تصطف جميعها في جبهتين طبقيتين، وتندرج ضمن بديلين مضادين: الإصلاحي القومي النيو-الليبرالي البرجوازي والبديل الثوري الاشتراكي العمالي.

 بديل القوميين الليبراليين
بعد أن خاب آمال القوميين الليبراليين المعتمدين على الدول الغربية والولايات المتحدة، في الإصلاحات عن طريق البرلمان والضغط على أحزاب السلطة (الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني) لإيجاد دولة القانون والمؤسسات عن طريقهم، يعلنون الآن بأنهم عائق أمام هذا الهدف، ويطالبون بإزالة سلطتهم، إلا إنهم يخشون أن يجري ذلك عن طريق الانتفاضة الجماهيرية والثورة، ويفضلون طريقة ضغط الدول الغربية لإجبار أحزاب السلطة على الرحيل عن طريق إجراء انتخابات "نزيهة" تحت إشراف دولي لمنع التزوير والتلاعب بالنتائج.

ينتمي حزب (الجيل الجديد) إلى هذا البديل النيو-الليبرالي الذي يريد انتزاع السلطة وتشكيل حكومة جديدة بمشاركة أحزاب قومية وإسلامية اخرى من خلال البرلمان مع بقاء مؤسسات الحكم التي صنعها الحزبان، أي إحداث تغيير شكلي سياسي فوقي ليس إلا، وذلك بإزاحة رأس الدولة والبقاء علی نفس الكيان ونفس المؤسسات الحاكمة. الدول الديمقراطية الغربية والإمبريالية الأمريكية تدعم هذا التغير الهش، الفوقي والشكلي، لإنقاذ الوضع وعدم إفلاته عن السيطرة، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحها وأجنداتها الجيو-السياسية في منطقة شرق الأوسط.

 بديل الإسلام السياسي
الإسلام السياسي قوة منظمة، لدى أحزابه مقاعد في برلمان كوردستان ونفوذ في مؤسسات الدولة والمحاكم، وبالتعاون مع أحزاب السلطة يلجئون إلى فرض القوانين الرجعية، خاصة ضد المرأة وضد الشبيبة المتعطشة للحرية، وذلك لسد الطريق أمام الحريات المدنية والعلاقات التقدمية، ولكبح جماح الصراع الطبقي في المجتمع. هذه الأحزاب الإسلامية كانت شريكة للـ(اتحاد الوطني الكوردستاني) و(الحزب الديمقراطي الكوردستاني) في الكابينات المختلفة لحكومة الإقليم، ولديها فرصة أيضا بأن تكون شريكة مستقبلية لحكومة حزب (الجيل الجديد)، أو أن تكون جزءا من حكومة تحالف بين أحزاب قومية وإسلامية، لكن من المستبعد أن يصبح الإسلام السياسي بديلا مستقلا للوضع الراهن في كوردستان.

 بديل الشعبوية الثورية
إضافة إلى الاحتجاجات اليومية، يتراكم الاستياء الشعبي يوما بعد يوم ويؤدي بين حين وآخر إلى انفجارات جماهيرية غاضبة، تنشط فيها المجاميع اليسارية ونشطاء الحركات الاحتجاجية، حيث يطالبون على الدوام بنزول الجماهير إلى ساحة الاحتجاج والتظاهر والقيام بالانتفاضة حتى يسقط النظام، ويستبدل بسلطة الشعب عبر تشكيل المجالس والكومونات والكانتونات، وكل ذلك دون حساب لموازين القوى ودرجة التنظيم لدى الجماهير.

هؤلاء يرون الجماهير كجبهة موحدة مقابل حكومة الإقليم وسلطة الحزبين أصحاب الميليشيا وأجهزة الأمن والقمع ولا يرون النضال الطبقي، ومن وجهة نظرهم جدال التيارات الفكرية والسياسية الحزبية داخل الحراك الجماهيري تخلق الاختلافات وتؤدي إلی إضعاف صفوف النضال الجماهيري، لذا ينبذون النضال الفكري كأحد أوجه النضال الطبقي، ويثمنون وحدة العمل والعداء الجماعي ضد النظام.

الشعبوية الثورية تيار هلامي غير منسجم وغير منظم، رغم إنه نشط في الحركات الاحتجاجية والأحداث السياسية، لكن أفقه فوق الطبقي لن يسمح له بأن يكون بديلا في مجتمع رأسمالي من جانب الطبقات الأصلية في المجتمع، أي البرجوازية والطبقة العاملة، إلا إنه في أوضاع تأريخية معينة ومتأزمة بإمكانه أن يصبح جسرا مؤقتا لعبور بدائل إحدى الطبقات الأصلية.

 البديل الاشتراكي
ينطلق هذا البديل من حقيقة أن الجماهير في كوردستان تعيش في مجتمع رأسمالي طبقي، كجزء من نظام اقتصادي وسياسي عالمي، حيث تتمتع البرجوازية الكوردية بعلاقات اقتصادية وسياسية وحتى أمنية وعسكرية إستراتيجية راسخة مع برجوازية بلدان الشرق الأوسط والعالم الغربي، خاصة الإمبريالية الأمريكية. إن مظاهر علاقات ما قبل الرأسمالية والعشائرية المترافقة لسلطة الحزبين لا تغير من الجوهر الطبقي البرجوازي لهذه الأحزاب ولحكومة الإقليم.

وقعت السلطة السياسية في كوردستان في أزمة متفاقمة، وذلك نتيجة تبني أحزاب الحركة القومية الكوردية لنهج اقتصادي طبقي واضح وهو النيو-الليبرالية، المتماشية مع إرشادات مؤسسات الدول الإمبريالية الغربية أي (البنك الدولي) و(صندوق النقد الدولي)، اللذان يؤكدان على خصخصة القطاع العام وتملص الدولة من مسؤولية تأمين الخدمات الاجتماعية، وتخليها عن التشغيل المركزي.
أصبح الآن بقاء هذا النظام الرأسمالي وسلطة البرجوازية الكوردية في عداء سافر ومباشر مع الحياة اليومية للجماهير الكادحة. ما يعيق عملية تحول الاوضاع المتأزمة للرأسمال وسلطة البرجوازية وتراجيديا حياة الجماهير الى أزمة ثورية وثورة اشتراكية للعمال والكادحين وإقامة سلطتهم، هو عدم تنظيمهم وتسلّحهم بأفق اشتراكي أممي وانقطاع حركتهم عن مجرى حركة الطبقة العاملة في بقية أجزاء العراق. نحن كشيوعيين ثوريين في كوردستان العراق نواجه هذا التحدي التاريخي.

الخلاصة
أمام مجتمع رأسمالي متأزم، وسلطة برجوازية مفلسة في إقليم كوردستان العراق، ليس هناك سوى بديلين واقعيين وعمليين، إما الإصلاح النيو ليبرالي الهش أو ثورة الجماهير الكادحة وإقامة حكومة عمالية في الإقليم لبسط سلطتها المجالسة على المجتمع وتطبيق الاشتراكية‌، وذلك كجزء من حركة الطبقة العاملة في عموم العراق.
أواخر أيلول ٢٠٢٣








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة