الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنفيذ خريطة الطريق الحقيقية

خالد عبدالله

2003 / 6 / 12
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



 

كاتب عربي يقيم في وارسو


حينما أقدمت إسرائيل على محاولة اغتيال عبد العزيز الرنتيسي القيادي في حركة حماس هرع الكثير إلى استنباط الحياة من عدم. فقد حامت التفسيرات والتأويلات للحدث على كونه ضربة قوية أو مميتة لشيء أصبح منذ اجتماع العقبة أمرا غير موجود. فخريطة الطريق كانت دمية بريطانية أمريكية اكتسبت بعض حياتها في الطريق حينما استضافا الأوروبيين والأمم المتحدة لمباركتها، ثم رمى الأمريكان الجميع على قارعة الطريق قبل التحرك إلى شرم الشيخ والعقبة.

وفي شرم الشيخ والعقبة لم يكن هناك حديث عن خريطة الطريق. ولم يستطع العمل المسرحي ذا الدقائق العلنية المعدودة أن يخفي أن الجمع لم يكن حول خريطة الطريق. فقد أعلن الجميع عربا وأمريكانا وإسرائيليين أنهم قد اتفقوا على إعلان الحرب على الإرهاب. ولم يكن خفيا أن المقصود لم يكن القاعدة. أولا، لأن الجميع يحاربها فعلا ، وثانيا، لأن هموما أخرى في المنطقة تثير قلق الأمريكان حاضرا ومستقبلا. وقد عبر عن ذلك تماما بوش في خطاب العقبة حيث أكد أن العرب في شرم الشيخ " وعدوا بقطع كل المساعدات وتدفق الأموال والأسلحة إلى المجموعات الإرهابية، وعلى مساعدة رئيس الوزراء عباس لتحرير الأراضي الفلسطينية من الإرهاب ". فلا الدول العربية المجتمعة في شرم الشيخ تقدم الدعم إلى القاعدة، ولا عباس معني بمحاربتها.

فأمريكا، ترى نفسها في ورطة في العراق. وهي أصبحت، أي الورطة، كالرمال المتحركة أية حركة فيها من الولايات المتحدة تغوص بها إلى أعماق أبعد. وهي تحتاج إلى كل المساعدات الممكنة لمنع انتشار الانتفاضة في العراق. وقد جاء بوش إلى المنطقة ليقول للعرب أن أمريكا لا تمزح. وأصبح على العرب واجبان. الأول، مساعدة شارون على إخماد الانتفاضة. الثاني، مساعدة أمريكا في العراق. أما الأول فقد كان واضحا في الإجماع العلني على تجفيف منابع الدعم للانتفاضة وقسر الحكومة الفلسطينية على تلاوة بيان إسرائيلي. أما الثاني، فستظهر علائمه في الأسابيع والأشهر القادمة. ولذلك، فقد كان واضحا أن خريطة الطريق أصبحت هي البيان الذي أدلى به شارون. وهذا باعتراف الجميع. إذ أن الكل يقول أن بوش طلب من الجانبين في الصراع أن يحدث كل واحد منهما العالم بما سيفعله لا بما يريده من الآخر.

وهكذا كان. فقد قال العرب أنهم سيحاربون الإرهاب والعنف. وقال الفلسطيني الديمقراطي أنه سيحارب الإرهاب. وقال شارون أنه سيحارب الإرهاب. ولم يكن هناك شك لدى سامع ما هو الإرهاب الذي حصل الإجماع من لدن تحالف الراغبين الجدد على محاربته.

ولذلك، فتسليط الاهتمام على خريطة الطريق في تفسير الإرهاب الإسرائيلي هو مد لها بنسغ الحياة التي نضب منها قبل انعقاد قمة العقبة. وتصبح الخريطة غير الموجودة هدفا للنضال من أجلها. فإذا كان شارون يريد تدمير خريطة الطريق فهي إذن شيء مهم. كما أن البعض الذي يرى أن خريطة الطريق قد قتلت بتحفظات شارون، يغيب عن بالهم أن تحفظات شارون لا تعادل صياغة بوش لنهاية الصراع. فقد كانت كلمة بوش محددة للحل النهائي وملغية لكل القضايا الرئيسية التي أجلتها أوسلو. فقد تبنى ما يريده شارون تماما. فقد ألغى حق العودة حينما قال في خطاب العقبة" أتعهد بقوة بأمن إسرائيل كدولة يهودية نابضة بالحياة ". بل أنه بذلك هدد الوجود الفلسطيني داخل الكيان الصهيوني. كما أنه وافق على الجسم الاستيطاني الأساسي في الضفة الغربية وقطاع غزة وبذلك حدد شكل وحجم الدولة الفلسطينية حينما شكر شارون في نفس الخطاب على " كلماته الصريحة حول الحاجة إلى الاتصال الجغرافي ". فهو يقول علنا أن فهمه للتواصل هو فهم شارون.

ولقد فهم شارون كما فهم العرب أن خريطة الطريق هي ورقة التوت للحكومات العربية لوأد الانتفاضة الجارية في فلسطين، وإجهاض الانتفاضة التي تتكون في رحم أرض العراق. لكن في لعبة التخفي يمتاز شارون عن رفقائه العرب بأنه لا يحتاج للتظاهر. فالعرب يحتاجون للتظاهر بوجود خريطة للطريق لتبرير ما سيقومون به من أعمال. كما أن شارون يحتاج لعدم التظاهر حتى يبرر ما يقوم من أعمال.

فالذي يحتاج إلى تفسير ليس قيام شارون بإرهابه، وإنما توقيت القيام به. فشارون يعرف أن الجميع أجمعوا في شرم الشيخ والعقبة على إنهاء الانتفاضة. وهو حينما قام في اليوم التالي على انعقاد قمة العقبة بمواصلة ما اعتاد عليه جيشه من اقتحام، وتدمير، واغتيال فإنما كان ينفذ مبدئيا ما تم الاتفاق عليه. وما تم الاتفاق عليه ينسجم عقائديا وسياسيا مع توجهات بوش وشارون. فبوش يرى أن القوة هي الوحيدة الكفيلة بحل القضايا. وهذا ما يراه شارون. فليس هناك خلاف مبدئي حول الموضوع. كما أن بوش يرى أنه لا بد من إنهاء الانتفاضة لأسباب أمريكية وإسرائيلية. كذلك يرى شارون أنه لا بد من إنهاء الانتفاضة لأسباب إسرائيلية. فكل الأسباب العقائدية والسياسية، إضافة إلى ما تم في قمتي شرم الشيخ والعقبة، تؤكد ضرورة إنهاء الانتفاضة. وكلنا يعرف أنه لا يمكن إنهائها إلا بالعنف. ولذلك فما قام به شارون لم يكن لتدمير خريطة الطريق لأنه بعد القمتين لم يعد وجود لها. كما أنه أمر طبيعي لأنه منسجم مع كل شيء التوجه العقائدي، والضرورات السياسية، والتوافق العربي الأمريكي الإسرائيلي. فقيام شارون باستعمال العنف لا يحتاج إلى تفسير، بل عدم قيامه به هو الذي يحتاج إلى تأويل لو لم يجر.

لكن الإشكالية الموجودة على الأقل ظاهريا هي في تفسير التوقيت. فمن حق المرء أن يسأل إذا كانت خريطة  الطريق ورقة توت فلم لم يعط بعض الوقت لها حتى تستر عورة من أعطيت لهم لحين معقول. وتتضمن الإجابة أسبابا موضوعية وأخرى ذاتية. فمن الناحية الموضوعية، يدرك شارون أن الديمقراطي الفلسطيني ليس لديه القوة الفعلية لتنفيذ ما تعهد به. وإذا طال الانتظار فقد تسقط حكومته بفعل تصاعد انكشافها. وربما كان التصور الإسرائيلي أن اغتيال الرنتيسي قد يخلق حالة من الاضطراب السياسي في المجتمع الفلسطيني قد تؤدي إلى الاقتتال الداخلي. ومثل هذا التصور الإسرائيلي لا ينبني على وقائع بل على أحكام أيضا. وإذا كان كذلك فلا بد من البحث عن الخلل في الأحكام الإسرائيلية على الواقع  الفلسطيني. وقد بدا واضحا ذلك في الاضطراب الإسرائيلي عشية فشل المحاولة. فقد أعدوا كل شيء على أساس نجاحها، ثم تأخروا لساعات قبل أن يستعيدوا صوابهم بعد فشلها. فنجاح العملية في ظنهم قد يقود إلى بدء مواجهة فلسطينية.

وتبقى مسألة الانزعاج الأمريكي. فهي قد تكون صورية لإبقاء مسافة ولو قليلة بينهم وبين العمل الإسرائيلي. وقد تكون حقيقية من حيث فشلها من ناحية، ومن حيث أنها بداية خاطئة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. وإذا كان الانزعاج الأمريكي حقيقيا، فهو عابر، لأن العملية تقع في نطاق المتفق عليه، والمعتقد به. بل أن هذا الفهم واضح من تصريح لرئيس دولة عربية انتقد توقيت العمل الإسرائيلي.

لقد بلغ التضليل السياسي والإعلامي درجة من التطور والتفنن أصبح السراب فيه واحات يستفيء الناس بظلالها. وهذا شأن خريطة الطريق، لم نقرأ ما قاله بوش، أو شارون، أو عباس أو العرب الآخرون، بل وقر في عقولنا مصطلح خريطة الطريق لكثرة ترداده. وقد كان بإمكاننا أن نحول السراب إلى حقيقة لو قيدناه بأهدافه. فشارون لم يعمل على تدمير خريطة الطريق التي حشيت بها أذهاننا لأنها لا توجد، لكنه ينفذ خريطة الطريق التي تم الاتفاق عليها في شرم الشيخ والعقبة.

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله