الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقاومة المسلحة والطرق المسدود

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 10 / 12
القضية الفلسطينية


في التاريخ القديم وفي التاريخ الحديث والمعاصر، وربما في المستقبل القريب والبعيد، كل حركات المقاومة للإحتلال والإسستعمار من قِبل دولة لأخرى تسمى بالحركات الإرهابية. فليس جديدا أن تسمى حركات المقاومة الفلسطينية وتنعت بالإرهابية. غير أن هذا العمى السياسي والإعلامي كان في الغالب ينحصر في الدول المعنية، فجبهة التحرير الجزائري كانت حركة إرهابية في نظر الحكومة الإستعمارية الفرنسية، ولكنها كانت تعتبر حركة مقاومة للإستعمار الفرنسي لدى العديد من الدول الأخرى في العالم في ذلك الوقت. الذي تغير الآن بخصوص المقاومة الفلسطينية، هو العزلة الكاملة التي نجحت إسرائيل في فرضها على الشعب الفلسطيني عموما وعلى المقاومة بالذات. فقد تخلى كل العالم، من عرب وعجم، مسلمين ومسيحيين عن مساعدة هذا الشعب الضحية أو مساندته وتركوه وحيدا في مواجهة أكبر قوة عسكرية وإقتصادية في المنطقة، تساندها كل قوى العالم الرأسمالي عسكريا وإقتصاديا وإعلاميا، وهنا نتحدث عن الحكومات والدول وليس على المواطن الذي بالطبيعة يساند كل المظلومين والمهمشين بغض النظر عن الإنتماء الإثني أو الديني، كما يشير استطلاع للرأي نشره " معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى " في مارس من العام الماضي ، حيث أيّد اتفاقيات التطبيع في البحرين 25% وعارضها 71%، في حين أيدها 20% مقابل 76% من المعارضين في الإمارات، أما في المملكة العربية السعودية فقد أيدها 19% وعارضها 75%، وهنا نرى القطيعة الواضحة بين الملوك والأمراء والمشايخ وبين الشعب البسيط الذي يعرف بأن مصالحه ومستقبله ليس في التعاون أو التطبيع مع دولة إستعمارية وعنصرية تتبنى التنظيف العرقي والتفرقة بين المواطنين على أساس الدين والثقافة.
وعندما نحاول أن ننظر للأمور عقليا، يبدو من العبث ومن الجنون حتى مجرد فكرة المقاومة من قِبل شعب محاصر، جائع ويعيش منذ عشرات السنين في المخيمات. ومع ذلك فإن الشعوب لا تموت ولايمكن إخضاعها بالحديد والفولاذ والبارود. الشعوب تموت حين تستسلم للأمر الواقع وتخضع للتيار العام التي يجرفها نحو الهاوية، كما تفعل اليوم القيادات العربية التي قررت التعاون مع إسرائيل والإمبريالية الأمريكية، هذه القيادات هي التي تحفر قبر شعوبها وتعتقد بأنها تحفر قبر الشعب الفلسطيني في نفس الوقت لصالح الصهيونية العالمية. غير أن الشعب الفلسطيني لم يُهزم ولم يستسلم بعد، كما أن الشعوب "العربية" لم تتقبل سياسة حكوماتها المنبطحة أمام أمريكا وإسسرائيل. وهذه العملية الأخيرة "طوفانَ الأقصى" التي نفذها الجناح العسكري لحركة حماس الإسلامية، رغم ما يقال عن كونها عملية قادتها المقاومةُ الفلسطينيّةُ بجميعِ فصائِلِها، التي اتحدتْ وتكاتفتْ بصرفِ النَّظرِ عنْ انتماءاتِها الفكريّةِ، لا يجب النظر إليها كتعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني في الحياة الكريمة والحرية فقط، وإنما كعملية إنتحارية جماعية، للتعبير عن فقدان الأمل في أي طريق آخر للحياة الكريمة والحرية، بغض النظر عن النتائج والتداعيات المستقبلية على المجتمع الفلسطيني .. ذلك أن المقاومة الفلسطينية منذ البداية أتخذت طريقا خاطئا للوصول لتحرير الشعب الفلسطيني ليحيا حياة إنسانية كريمة تتمتع بالحرية والحقوق الإنسانية والمدنية مثل بقية البشر، وهذا الخيار الذي قاد إلى الهزائم المتكررة والطريق المسدود هو الخيار القومي العسكري والمسلح لإنشاء دولة مستحيلة على أنقاض الأرض الفلسطينية التاريخية، بدلا من النضال المدني وخيار الدولة الواحدة والنضال مع القوى التقدمية العالمية واليهودية والتي ترفض بدورها الصهيونية والإحتلال. وهذا الخيار الذي تسانده الرجعية العربية الإسلامية واليسار العربي المهلهل وإسرائيل وأمريكا والقوى الموالية لهما، رغم أن إسرائيل لا تنوي تحقيق هذا المشروع فعليا، إنما هو نوع من السراب الذي ترسمه هذه القوى الإمبريالية لتنويم الشعب الفلسطيني وإعطاءه الأمل في شيء لن يتحقق أبدا، وحتى لو تحقق فإنه لن ينهي حالة الحرب والتوتر والعدوان مع إسرائيل، كما أنه لن ينهي حالة الفساد والرشوة والخراب الإقتصادي والإداري للدولة المفترضة.
وهذه العملية الأخيرة تدخل في هذا النطاق وفي هذه الرؤية السياسية العمياء التي لا ترى المستقبل سوى بعيون الماضي والتاريخ والتراث، وهي نفس رؤية الدولة الصهيونية وحكوماتها المتعددة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. فرغم أن هذه العملية أثبتث وأظهرت للعالم بأسره عدة شقوق وتصدعات في الجهاز الأمني والإستخباراتي والعسكري الإسرائيلي، إلا أن ذلك لا يساوي الثمن الباهض الذي يدفعه الشعب الفلسطيني في غزة، ولهذا فنحن لا نستطيع إلا أن نكرر تحفظاتنا على مثل هذه العمليات والمغامرات العسكرية والسياسية، والتي لا تفيد القضية الفلسطينية، وتساهم في تزايد عدد الضحايا وفي السماح لإسرائيل بتدمير ما تبقى من البنية التحتية في غزة، رغم الإحساس بالفخر والنشوة التي أعقبت هذه العملية في اللخظات الأولى، وخلقت نوعا من الإحساس بالنصر المزيف والذي لم يدم طويلا.

وللحديث بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الرياض.. إلى أين وصل مسار التطبيع بين إسرائيل والس


.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين يرفضون إخلاء خيمهم في جامعة كولومبيا




.. واشنطن تحذر من -مذبحة- وشيكة في مدينة الفاشر السودانية


.. مصر: -خليها تعفن-.. حملة لمقاطعة شراء الأسماك في بور سعيد




.. مصر متفائلة وتنتظر الرد على النسخة المعدلة لاقتراح الهدنة في