الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النخلة والعَلم العراقي

يوسف المحسن
كاتب، روائي

(Yousif Almouhsin)

2023 / 10 / 12
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


اقترنت بالثقافة الاجتماعيّة لأنسان وادي الرافدين منذ الالف الرابع قبل الميلاد، هي جزءً من التكوين المعرفي لذلك الانسان، كانت حاضرة في النقش الاوّل تمدّ جذورها في الارض متشبثة بالحياة، هي ايقونة النماء والشموخ والصبر، ومن الجميل المطالبة بإضافتها الى عَلَم البلاد، مرّت بهزّات وتناقصت اعدادها لكنّها تنهض مثل العنقاء، هي النخلة العراقيّة.
النخلة والشخصية العراقية في تراتبية مبهرة، كلاهما صقلتا برذاذ الايام وقحطها، هي بالنسبة للإنسان العراقي تتجاوز المعنى والدور الاقتصادي المتعارف عليه حيث تفقد المدن جماليتها ورونقها حين تفرط بنخيلها، والذات العراقيّة نمت بصفات تشبه صفات النخيل وربّما النخيل سحبت هذا السمو والصلابة والرفعة من الشخصيّة العراقيّة، حيث يقول احد الشغوفين بها "النخيل صار علامة فارقة تميزت بها هذه الرقعة من الأرض، حتى صارت شاغلاً للأدباء ومنهلاً للشعراء الذين تغنوا بجماله وحجم عطائه".
وبعد ان انخفضت اعدادها الى ثمانية ملايين في العام 2003 اعاد المزارعون العراقيون لها هيبتها ، اعدادها تجاوزت 22 مليون نخلة والرقم قابل للزيادة وبات مؤكداً بعد انطلاق مشروع المليون نخلة في بادية السماوة، الوزارة وعبر المتحدّث الرسمي محمد الخزعلي ذكرت ان تصدير العراق من التمور تجاوز في العام الماضي 600 الف طن، الخزعلي عزا الزيادة الى حزمة اجراءات حكوميّة ودخول الزراعة النسيجيّة لفسائل النخيل والتي اعطت نتائج جيدة.
ويقول الخبير الزراعي علي حسين فرحان إنَّ محطات امهات النخيل والزراعة النسيجيّة هي واحدة من الاجراءات المعتمدة لتحسين واكثار اعداد النخيل كمنتوج اقتصادي مهم تراجع في التسعينات ومطلع الالفية، وزارة الزراعة قدمت للمؤسسات والجامعات والفلاحين الراغبين فسائل أنواع نادرة من النخيل وبمواصفات قياسيّة، وثمة خطط وبرامج يجري تنفيذها لزيادة الاعداد واختيار الانواع الجيدة وتحقيق زيادة مماثلة في الكمّيّات، مشروع المليون نخلة في البادية الجنوبية عُدَّ طفرة حقيقيّة في القطاع الزراعي لما له من مردود اقتصادي واجتماعي وبيئي هائل، ويضاف الى ذلك المردود الروحي نتيجة الصلة الوطيدة لإنسان هذه الارض مع النخيل.
حجر الزاوية في تحقيق هذا التقدم بأعداد النخيل هي المكانة التي تحظى بها النخلة في نفوس العراقيين، حيث محطات اكثار النخيل والزراعة النسيجية، في قضاء الخضر الى الجنوب الشرقي من مدينة السماوة شيدت محطة امهات النخيل على مساحة واحد وتسعين دونما وضمت اكثر من الفي فسيلة ذوات الانواع النادرة والفاخرة من التمور، وانشئت محطة اكثار اخرى بالقرب من بحيرة ساوه الى الشمال الغربي من المحافظة، والمحطة التي انشئت في ايار من العام 2004 تحوّلت الى بنك وراثي للأنواع عالية الجودة من الفسائل والتي يتم تزويد المؤسسات والجامعات والفلاحين منها وبآليات ميسرة شجّعت على انشاء المزيد من بساتين التمور الممتازة مثل البرحي والبلكه والعمراني والشويثي وحلوة حجي عباس وغيرها حيث يجد الفرد العراقي نفسه امام رغبة الحصول على تمور عالية الجودة وزهيدة الثمن والاهم من ذلك هو ان تشرب النخلة من ماء الفرات ودجلة لتكتمل فرادة مذاقها وهو ما يصرُّ عليه كل عراقي كشرط أساسي لإعادة الرونق إلى النخلة العراقيّة.
في مدن النخيل زحفت الابنية الاسمنتية وتوالت عمليات قطع اشجار النخيل لبناء الوحدات السكنية والمشاريع الصناعية، وهي مشكلة اسهمت في تناقص الاعداد في مركز ومحيط مدينة السماوة، ظلم كبير لحق بها، فيما الملوحة وشح المياه والآفات حققت نصيبها من اسباب التراجع، والقوانين المرعية لم تفلح بمنع ارادات قص النخيل وهو ما يؤشر الحاجة الى تشريعات جديدة وعاجلة من اجل حماية المتبقي من البساتين، وتبرز اهمية العمل برؤية عاشقة شاملة لحماية النخيل واكثاره من خلال تجهيز الفسائل وزيادة متوسط انتاجها وتنشيط عمليات تسويق التمور اضافة الى بناء منظومة صناعية ملحقة لكبس التمور وتصنيعها، وبما يحيلها الى مصدر اقتصادي استراتيجي، ويعيدها إلى الواجهة كهوية ثقافيّة عراقيّة مميزة ووجه اخر للشخصيّة العراقيّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس الاتحاد الإفريقي - -أزمة القمصان-.. -الفاف- يتقدم بشكوى


.. نيكاراغوا تحاكم ألمانيا على خلفية تزويد إسرائيل بأسلحة استخد




.. سيارة -تيسلا- الكهربائية تحصل على ضوء أخضر في الصين


.. بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس • فران




.. زيلينسكي يدعو الغرب إلى تسريع إمدادات أوكرانيا بالأسلحة لصد