الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية للفتيان بدر البدور طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن

2023 / 10 / 13
الادب والفن


رواية للفتيان







بدر البدور






طلال حسن






" 1 "
ـــــــــــــــــــ

بعد يوم طويل متعب ، قضاه الملك في إدارة شؤون المملكة ، مع الوزير وقائد الجند وقاضي القضاة ، عاد متعباً إلى القصر .
وعلى غير العادة ، لم يرَ الملكة تسرع لاستقباله خارج جناحهما ، وخفق قلبه خشية أن تكون متعبة أو مريضة ، فهي منذ بضعة أيام ليست على ما يرام ، وكلما سألها : ما الأمر ؟
تطمئنه محاولة أن تبتسم : لا شيء ، يا مولاي .
وأقبلت عليه وصيفة الملكة ، عند باب الجناح ، وانحنت له ، وقالت : مولاي .
وتوقف الملك متسائلاً : أين الملكة ؟
فردت الوصيفة بصوت خافت : الملكة في جناحها ، يا مولاي .
وحدق الملك فيها ملياً ، ثم قال : كان عليك أن تكوني معها الآن .
فقالت الوصيفة بصوتها الخافت : الملكة صرفتني منذ قليل ، يا مولاي ، وأرادت أن تبقى وحدها .
وقبل أن تنتهي الوصيفة من كلامها ، مضى الملك عنها مسرعاً ، ودخل إلى الجناح ، واتجه مباشرة إلى غرفة الملكة .
وفوجىء الملك بالملكة تقف جامدة قرب النافذة ، تتطلع إلى حديقة القصر ، فأسرع إليه ، وهو يقول : لن أسألك ما الأمر ؟ لأني أعرف الردّ .
والتفتت الملكة إليه متنهدة ، دون أن تتفوه بكلم ، فقال الملك : من عادتك أن تستقبليني بباب القصر ، فتزيلي بحفاوتك وابتسامتك تعبي وهمومي .
وبدل أن تعتذر مازحة ، وتبتسم على عادتها ، قالت بصوت تخنقه الدموع : مولاي .
وسكتت مغالبة دموعها ، فأخذها بين ذراعيه ، وقال : حبيبتي ، أنت وحدك كلّ حياتي .
وانسلت برفق من بين ذراعيه ، وقالت : لن يكون لك مني .. ولي العهد .
ومال الملك عليها ، وقال : ولمَ العجلة ..؟
وقاطعته الملكة بصوت باكٍ : لقد مرّ على زواجنا حوالي خمس سنوات .
وقال الملك بصوت هادىء : لننتظر ، نحن مازلنا في مقتبل العمر .
وهزت الملكة رأسها ، وقالت : لقد حاولت كثيراً ، لكن لا فائدة ، مولاي ..
وقاطعها الملك قائلاً : هذا مستحيل .
وقالت الملكة من بين دموعها : لا ، يجب أن يكون لك ولي عهد ، ومادمت قد عجزت عن ..
ومرة أخرى ، أخذها الملك بين ذراعيه مربتاً على ظهرها ، فقالت الملكة بصوت تبلله الدموع : بل يجب أن .. تتزوج .


" 2 "
ــــــــــــــــــــ

في صباح اليوم التالي ، وبعد انصراف الملك إلى شؤون المُلك ، أرسلت الملكة الوصيفة إلى أختها ، لتذهبا معاً إلى الساحرة العجوز ، التي تعيش وحيدة ، في كوخ منعزل ، وسط الغابة .
وعادت الوصيفة وحدها بعد قليل ، وقبل أن تنطق بكلمة ، قالت الملكة متضايقة : يبدو أن أختي لا تريد أن تأتي معنا .
فقالت الوصيفة : مولاتي تعتذر ، وتقول إنها متعبة .
واتجهت الملكة إلى الخارج ، وهي تقول : هذا شأنها ، لنذهب أنا وأنت هيا .
وسارت الوصيفة في أثر الملكة ، وقالت : لقد أعدّ السائس لنا حصانين قويين ، وهو يقف الآن بانتظارنا بباب القصر .
وما إن رأى السائس الملكة مقبلة ، ومن ورائها الوصيفة ، تقدم بالحصانين ، وقال مخاطباً الملكة : مولاتي ، سأرافقكما إذا أردت .
وامتطت الملك الحصان ، وقالت : لا ، أشكرك ، سترافقني وصيفتي .
وانطلقت الملكة على حصانها ، والوصيفة على حصانها تنطلق في أثرها ، حتى عبرتا بوابة المدينة ، وانطلقتا بشيء من السرعة نحو الغابة .
وتباطأتا على حصانيها ، حين دخلتا الغابة ، وتوغلتا بين الأشجار المتكاثفة ، وأخيراً لاح لهما كوخ الساحرة العجوز ، يربض وسط أجمة كثيفة الأشجار .
وتوقفت الملكة أما باب الكوخ ، وترجلت عن الحصان ، وقالت لوصيفتها : أطرقي الباب .
وترجلت الوصيفة عن حصانها مسرعة ، وهي تقول : أم مولاتي .
وتقدمت من الكوخ ، وطرقت الباب ، و وقفت جانبا ، وهي تنصت ، ثم قالت : إنها قادمة .
وفتح باب الكوخ بهدوء ، وأطلت الساحرة العجوز ، أشبه بهيكل عظمي ، محنية الظهر ، تتوكأ على عكاز غريب الشكل ، فمالت عليها الوصيفة ، وقالت : أيتها الجدة ..
وأشارت لها الساحرة العجوز أن تسكت ، دون أن تنظر إليها ، فسكتت على الفور ، وتطلعت الساحرة العجوز إلى الملكة ، وقالت : عرفت أنك ستأتين .
وتنحت قليلاً ، وقالت : تفضلي ، يا جلالة الملكة .
ودخلت الملكة الكوخ متخوفة ، وهي تقول : أردت أن تأتي أختي معي ، لكنها ..
وقاطعتها الساحرة العجوز : أختك مثلك ، لكنها ليست مثلك ، إنها لا تصدق قدراتي .
ودخلت الوصيفة في أثر الملكة ، فأغلقت الساحرة العجوز الباب ، وقالت : الكوخ مظلم ، وهذا لا يهمني كثيراً ، فأنا أكاد لا أرى .
ونظرت الملكة إلى الساحرة العجوز ، وقالت : أيتها الجدة ، جئتك لأمر هام ، وأتمنى ..
وقاطعتها الساحرة العجوز ، وهي تغمض عينيها الكليلتين ، وقالت : أعرف لماذا جئتِ .. ورفعت رأسها ، دون أن تفتح عينيها ، وأضافت بصوت مرتعش : أختك .. التي لم تأتِ ..
وقالت الملكة : إنها مثلي .
وتابعت الساحرة العجوز قائلة بنفس الصوت المرتعش : سيكون لها طفل .
وقالت الملكة بصوت مضطرب : وأنا ؟
وأطرقت الساحرة العجوز رأسها ، وقالت : صبراً .. أيتها الملكة .. صبراً .. صبراً .. لن تبقي محرومة من الطفل .
وصاحت الملكة بنفاد صبر : متى .. متى ؟
وارتعشت الساحرة العجوز ، كأنه شجرة نفضية ، تضربها عاصفة ثلجية عنيفة ، ثم تراجعت ، وارتمت فوق سريرها ، كأنها جثة هامدة .
وانحت الملكة عليها ، وقالت : أيتها الجدة .
وردت الساحرة العجوز بصوت شبه ميت ، دون أن تتحرك : اذهبي أيتها الملكة ، أريد أن أنام .


" 3 "
ـــــــــــــــــــ

في أعماقها ، شعرت الملكة ببذرة صغيرة تتخلق ، لكن في أعمق أعماقها ، التي جففها اليأس ، لم تشعر بتلك البذرة بتاتاً .
أما أختها ، الأميرة نور الزمان ، ورغم فتور مشاعرها تجاه الساحرة العجوز ، وما تتنبأ به ، شعرت بفرحة تدغدغ قلبها ، وتمنت من كلّ قلبها ، أن تتحقق نبوءة الساحرة العجوز .
ومرت أيام وأسابيع وشهور ، وكاد اليأس يستبد بالملكة وأختها نور الزمان ، وإذا بالأمل ينبثق فجأة ، فقد أفاقت الأميرة نور الزمان مبكرة ، ذات صباح ، وقالت لزوجها الأمير : إنني حامل .
وقهقه الأمير ضاحكاً من لهجتها ، وقال : يبدو أنك رأيتِ هذا في المنام .
فقالت الأميرة نور الزمان : لقد جاءتني في المنام .. الساحرة العجوز .
وكفّ الأمير عن الضحك ، وقال : أنتِ لم تري هذه الساحرة من قبل .
وردت الأميرة نور الزمان قائلة : هذا صحيح ، لكن حين جاءتني في المنام عرفتها على الفور .
ثم نظرت إلى الأمير ، وقالت : إنني حامل ، يا عزيزي ، وسترى .
وقد رأى الأمير ذلك ، وتأكد منه ، خلال أيام ، بعد أن زارت عدة نساء خبيرات بالحمل والولادة ، الأميرة نور الزمان وأكدن لها ، بأنها حامل فعلاً .
وبقدر ما فرحت الأميرة نور الزمان وزوجها الأمير بهذا الأمر ، فرح الملك والملكة ، فقد راود الملكة الأمل في أن تتحقق نبوءة الساحرة العجوز ، وتحمل الملكة كما حملت أختها نور الزمان .
ومرت الأيام والأسابيع والأشهر ، رخاء هذه المرة ، والنفوس مفعمة بالأمل ، وفي الموعد المحدد ، عمت الفرحة الجميع ، وفي مقدمتهم الملك والملكة ، فقد وضعت الأميرة نور الزمان طفلاً جميلاً ، أسموه .. محمد .
ولم تدم الفرحة طويلاً ، فقد ذهب الأمير ، على رأس جيش من الفرسان الشجعان ، لصد عدوان قام به الأعداء على إحدى الثغور ، ودحرهم وألحق بهم شرّ هزيمة ، لكن يد الغدر والانتقام طالته بسهم مسموم ، لم يمهله طويلاً ، فرحل دون أن يهنأ بطفله الصغير .. محمد .
وعمّ الحزن المملكة هذه المرة ، رغم ما تحقق من انتصار ساحق على الأعداء ، فقد كان ثمن هذا الانتصار غالياً جداً .
وانكب الملك والملكة على الأميرة نور الزمان وابنها الأمير الصغير .. محمد ، وراحا يرعيانه كما لو كان ابنهما فعلاً ، مما خفف من هموم وأحزان الأميرة نور الزمان



" 4 "
ـــــــــــــــــــ
لم يكد عمر الأمير الصغير محمد ، يقترب من السنوات الثلاث بشهر أو شهرين ، حتى شعرت الملكة بحياة جديدة تتخلق في أعماقها .
ورغم فرحها الغامر ، لم تخبر الملك بشعورها ذاك ، حتى أرسلت سراً ، إلى العديد من النساء الخبيرات المجربات ، أكدن لها جميعاً أن شعورها له ما يبرره ، وأن طفلها المنتظر لن يتأخر طويلاً .
وغمر الفرح الجميع ، وفي مقدمتهم الملك ، وكذلك أختها الأميرة نور الزمان ، وطالما همست لأختها الملكة : أريد ابن عم لابني الأمير محمد .
فكانت الملكة تجيبها فرحة : هذا ما أريده أنا أيضاً .
لكن بدل ابن العم ، جاء للأمير محمد ، بعد أشهر تسعة ، ابنة عم ، ففي ليلة ربيع دافئة ، القمر فيها سطع بدراً وسط السماء ، ولدت الملكة طفلة جميلة ، وما إن رأتها الأميرة نور ، حتى هتفت فرحة : يا لله ، إنها كالبدر .
وأقبل الملك فرحاً ، وأخذ الطفلة بين يديه ، وراح يتأملها ، وقال : حقاً إنها كالبدر .
فقالت الملكة : لنسمها إذن .. بدر البدور .
وضحك الملك فرحاً وقال : بدر البدور ، اسم جميل يليق بها ، هذا اسمها منذ الآن .
وبمجيء بدر البدور ، راحت الأيام والأسابيع والأشهر تمر رخاء ، لا يكاد أحد يشعر بمرورها ، وكما الزهرة ، أخذت بدر البدور تنمو ، وتتفتح ، وتنشر عطرها وجمالها على من حولها .
وبقدر تعلقها بأمها الملكة ، وأبيها الملك ، تعلقت بخالتها الأميرة نور الزمان ، وكذلك بابن عمها ، الأمير محمد ، الذي غدت مع الأيام لا تكاد تفارقه .
وكبر الأمير محمد ، وإلى جانبه كبرت الأميرة بدر البدور ، وبدل أن تنصرف الأميرة إلى اللعب مع الفتيات اللواتي في عمرها تقريباً ، راحت تلعب مع ابن عمها وحده ، الأمير محمد .
وحين كان الأمير محمد ، يتدرب وحده ، أو تحت إشراف مدرب متمرس ، على ركوب الخيل ، أو استعمال السيف أو القوس والسهام ، كانت الأميرة بدر البدور ترافقه ، بل وأحياناً تتدرب معه ، حتى تعلمت بعض ما كان يتدرب عليه .
بل ، وعلى سبيل المزاح ، كانت تتحداه ، فيبارزها ضاحكاً ، أو يسابقها باستخدام القوس والسهم ، أو ركوب الخيل ، داخل المدينة ، وأحياناً قليلة ، كانا يتجاوزان الأسوار ، عبر إحدى البوابات ، لكنهما كانا دائماً يتوقفان عند حد معين ، ولا يمضيان بعيداً عن أسوار المدينة .
وذات يوما ، خرجا بحصانيهما بعيداً عن أسوار المدينة ، حتى لاحت الغابة من بعيد ، وبدت للأمير محمد ، عالماً غامضاً مخيفاً ، وخاصة لأن الأميرة بدر البدور معه ، فتوقف بحصانه ، وقال : بدر البدور .
وتوقفت بدر البدور ، وعيناها متعلقتان بالغابة ، وقالت : محمد ، لنذهب إلى الغابة .
وردّ الأمير محمد قائلاً : لا يا بدر البدور ، لقد تأخر الوقت ، لنعد إلى المدينة .
ونظرت الأميرة بدر البدور إلى الأمير محمد ، وقالت : عدني أن تأخذني مرة إلى الغابة .
ولاذ الأمير محمد بالصمت ، فقالت الأميرة بدر البدور : لم نعد صغيرين ، يا محمد .
واستدار الأمير محمد بحصان ، وسار به نحو المدينة ، وهو يقول : أنا لم أعد صغيراً .
واستدارت الأميرة بحصانها أيضاً ، ولحقت بالأمير محمد ، وقالت : أنا أيضاً لم أعد صغيرة ، لقد تجاوزت الرابعة عشرة من عمري





" 5 "
ـــــــــــــــــــ
تحير الأمير محمد ..
ما العمل ؟
الأميرة بدر البدور تريده أن يأخذها إلى الغابة ، ويتجول بها في شتى أرجائها ، لكنه يخاف عليها من مجاهل تلك الغابة ووحوشها الخطرة .
ولم يمر عليهما يوم ، خرجا يلعبان فيه ، أو يمتطيان حصانيهما ، وينطلقان بهما متضاحكين ، داخل المدينة أو خارجها ، إلا وذكرته برغبتها في الذهاب إلى الغابة ، والتعرف على مجاهلها .
وذات يوم ، اجتازا بوابة المدينة بحصانيهما ، وانطلقت الأميرة بدر البدور بحصانها ، وكأنها تريد أن تصل إلى الغابة ، فانطلق الأمير محمد في أثرها ، حتى أدركها ، وقال لها ، وهو يحاول أن يعترض حصانها بحصانه : كفى ، يا بدر البدور ، توقفي .
وتوقفت الأميرة بدر البدور بحصانها ، وعيناها المسحورتان مازالتا متعلقتين بالغابة البعيدة ، وقالت : محمد ، خذني إلى الغابة .
فتوقف الأمير محمد بحصانه قرب حصانها ، وقال : لم أجنّ بعد .
فقالت الأميرة بدر البدور بنبرة تهديد مازحة : محمد .
واستدار الأمير محمد بحصانه ، وقال : هيا نعد من حيث أتينا .
واستدارت الأميرة بدر البدور بحصانها ، وسارت به إلى جانب حصانه ، وقالت : عِدني .
وانطلق الأمير محمد خبباً ، وهو يقول : سأجن ، ولكن ليس اليوم .
ولحقت الأميرة بدر البدور به ، وقالت : محمد ، لا تنسَ ، هذا وعد .
ويبدو أن الأمير محمد ، لم " يجن " بالسرعة التي تمنتها الأميرة بدر البدور ، فقالت له ، وهي تقف معه خارج المدينة ، وعيناها مسمرتان بالغابة البعيدة : محمد ، لقد وعدتني .
ونظر إليها الأمير محمد صامتاً ، فقالت : إذا لم تأخذني إلى الغابة ، سأذهب إليها وحدي .
وفكر الأمير محمد ، أن بدر البدور هذه قد تقدم على ما تصرّ عليه ، وتمضي وحدها فعلاً إلى الغابة ، وقد يحدث ما لا تحمد عقباه ، فقرر أن يذهب هو أولاً إلى الغابة ، ويتجول فيها ، ويطمئن إلى خلوها من أي خطر ، قبل أن يأخذ بدر البدور ، ويحقق رغبتها فيخول الغابة ، والتجول فيها .
وذات أمسية ، وكانت الأميرة بدر البدور تتجول كالعادة مع الأمير محمد ، في حديقة القصر ، توقفت في مواجهته فجأة ، وقالت : إنذار أخير .
وتوقف الأمير محمد ، دون أن يتفوه بكلمة ، فقالت الأميرة بدر البدور : حسن ، سأذهب وحدي .
ونظر إليها الأمير محمد ، وقال : ستراك الدامية أو الديو أو ..
فقاطعته الأميرة بدر البدور قائلة : ليكن ..
وقال الأمير محمد : بدر البدور ..
وقالت بدر البدور : لن يخسرني أحد غيرك .
وصمت الأمير محمد ، فأضافت الأميرة بدر البدور : وهذا ما لن تتحمله .
فقال الأمير محمد : أمهليني يوم واحد فقط .
ونظرت الأميرة بدر البدور إليه مفكرة ، دون أن ترد عليه بكلمة واحدة .


" 6 "
ـــــــــــــــــــ
قبل شروق شمس اليوم التالي ، تسلل الأمير محمد من غرفه ، ثم اجتاز ممرات القصر ، على رؤوس أصابعه ، ومضى مسرعاً إلى الإسطبل .
وبهدوء هيأ حصانه ، وقاده إلى خارج الإسطبل ، وهو يربت برفق على عنقه ، ويداعب معرفته الجميلة ، ثم امتطاه ، وانطلق به نحو بوابة المدينة ، دون أن ينتبه ، إلى أن السائس العجوز ، كان يراقبه خفية .
واجتاز الأمير محمد شوارع المدينة ، شبه الخالية على حصانه ، ثم عبر بوابة المدينة ، وانطلق مسرعاً نحو الغابة ، وقد بدأت الشمس تطل بأشعتها الذهبية الدافئة ، من فوق أشجار الغابة .
وتوقف الأمير محمد بحصانه ، عند مشارف الغابة ، وتلفت حوله متيقظاً ، وكأنما يتوقع فعلاً أن يرى الدامية أو الديو أو الغول ، أو أي وحش آخر ، يمكن أن يشكل خطراً على بدر البدور .
وتقدم الأمير محمد بحذر شديد ، متوغلاً شيئاً فشيئاً في أعماق الغابة ، وتوقف بين الأشجار الكثيفة الأغصان ، فقد خيل إليه أنه سمع ما يشبه وقع أقدام حصان ، أم أنه غزال أو .. من يدري .
وتلفت حوله منصتاً ، لا شيء ، لعل حواسه المستوفزة خدعته ، نعم ، فهو متوتر بعض الشيء ، أم أنه خائف ؟ وهزّ رأسه ، إنه حذر ، وهذا أمر طبيعي ، لكنه ليس خائفاً ، فهو .. الأمير محمد .
وفكر الأمير محمد أن يعود من حيث أتى ، لكنه بدل أن يستدير بحصانه ، مضى به قدماً ، وراح يسير ببطء وحذر ، وعيناه اليقظتان تركضان أمامه ، مستطلعة الطريق ، متهيئة لكل طارىء .
وتوقف بحصانه فجأة ، حين وقعت عيناه على كوخ صغير ، بدا وكأنه مختبىء ، بين أجمة كثيفة من الأشجار ، وقبل أن يقرر ما ينبغي أن يفعله ، فتح باب الكوخ ببطء ، وأطلت منه الساحرة العجوز .
لم تبدر حركة من الأمير محمد ، فتطلعت الساحرة العجوز إليه ، ثم قالت : أهلاً بالأمير محمد .
وردّ الأمير محمد ، دون أن يتحرك بحصانه خطوة واحدة : أنت على ما يبدو تعرفينني .
فقالت الساحرة العجوز : وأعرف أمك نور الزمان ، وخالتك الملكة .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : وأنا من تنبأ بمولدك ومولد ابنة عمك بدر البدور ..
وهزت رأسها ، وقالت بصوت متشنج : آه من .. بدر البدور .
ومن بعيد ، ارتفع صت مختنق ، خائف ، مستغيث ، يصيح : محمد .
واشتعلت أعماق الأمير محمد ، بنيران كحمم البركان ، وقال : إنها بدر البدور .
واستدار بحصانه ، وانطلق بأقصى سرعته ، صوب مصدر الصوت ، وهو يصيح بأعلى صوته : بدر البدور .. بدر البدور .
لكن لا من مجيب ، وتوقف منهكاً منهاراً ، وسط أشجار الغابة ، أهي بدر البدور من صاحت باسمه ؟ عجباً ، وما الذي يمكن أن يأتي بها إلى الغابة .
وعند غروب الشمس ، عاد الأمير محمد إلى القصر في المدينة ، وكله أمل أن يكون ما سمعه في الغابة مجرد وهم ، أوحت له به تلك المرأة العجوز .


" 7 "
ـــــــــــــــــــ
عرف الأمير محمد ، حين عاد إلى القصر ، بعد غروب الشمس ، بأن الأميرة بدر البدور ، ليست في القصر ، وهذا ما أفقده رشده .
وسرعان ما عرف ، من أمه هذه المرة ، أن السائس العجوز ، اعترف للملك بأن الأميرة بدر البدور ، قد امتطت حصانها ، قبل شروق الشمس بقليل ، وانطلقت خارج القصر .
وعلى الفور ، انطلق الأمير محمد ، نحو الإسطبل ، وأمه تركض في أثره قائلة : بنيّ محمد ، إلى أين ؟ تمهل ، وأخبرني بما تريد أن تفعله .
لم يتمهل الأمير محمد ، ولم يخبرها شيئاً عما يريد أن يفعله ، ودخل الإسطبل ، وأمه الأميرة نور الزمان وراءه ، وصاح : أيها السائس .
وأقبل السائس العجوز لاهثاً ، وانحنى للأمير محمد ، وقال : مولاي .
وقال الأمير محمد للسائس العجوز : علمت أن الأميرة خرجت ممتطية حصانها .
فقال السائس العجوز : نعم ، يا مولاي ..
وسكت لحظة ، وقال بصوت مرتعش مذنب : بعد خروجك ، يا مولاي ، بنصف ساعة تقريباً .
وحدق الأمير محمد فيه مفكراً منفعلاً ، لكنه قبل أن يقول له أي شيء ، أقبل الملك والملكة مسرعين ، وقد استبد بهما الخوف والقلق .
والتفتت الأميرة نور الزمان ، وقالت : بنيً ، جاء الملك والملكة .
وقال الملك منفعلاً : أين بدر البدور ؟
ونظر الأمير محمد إليه متحيراً ، وقال : مولاي ، لم أرَ الأميرة اليوم ، ولا أعرف أين هي .
وقال الملك : لكنك ذهبت إلى الغابة .
وقال الأمير محمد : ذهبت وحدي ، يا مولاي .
وقالت الملكة بصوت تبلله الدموع : إنها معك دائماً ، طوال الوقت .
ونظر الأمير محمد إليها ، وقال : لم تأتٍ معي إلى الغابة ، والسائس يشهد بذلك .
ونظرت الملكة إلى السائس العجوز ، فتململ محرجاً ، ثم قال : نعم ، مولاتي بدر البدور لم تذهب مع الأمير محمد ، لكنها على ما يبدو لحقت به ، بعد حوالي نصف ساعة .
ونظرت الملكة والملك إلى الأمير محمد ، فلاذ بالصمت برهة ، ورمق أمه نور الزمان بنظرة سريعة ، ثم قال : لم أرَ بدر البدور في الغابة ، لكن ..
وصمت الأمير محمد ، فقال الملك : لكن .. لكن ماذا ؟
فقال الأمير محمد ، وهو يقلب النظر بين الملك والملكة وأمه : عندما كنت مع الساحرة ، تناهى إليّ صوت من بعيد ، كأنه صوت الأميرة بدر البدور ..
وصمت لحظة ، وعيون الجميع متعلقة به ، فقل بصوت مرتعش : تصيح .. كأنها تستغيث .. محمد .
وعلى الفور ، استدار الملك ، ومضى خارج الإسطبل ، والجميع يسرعون وراءه ، وصاح : ادعوا قائد الحرس ، وجميع الحرس ، لنذهب إلى الغابة ، ونبحث عن بدر البدور .. الآن . 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش