الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يَمَّا .. مَمِّي .. مَاااايْمِي

عبد الله خطوري

2023 / 10 / 14
حقوق الانسان


لم تك (فَاطْمَا تْسِيعْلِيتْ) لتصدق موت صغيرها "بُوكْرِينْ Bougrine" دون تعاين جثمانه .. لقد أخْطِرَتْ بالنبإ المشؤوم مشافهة من لدن الشِيخْ فلان والمْقَدَّمْ (١) علان من ممثلي سلطة الفرنسيس .. صدق الكثيرون الإخطارَ وظلت هي تكابد جراحتها إثر ما حصل لها في قمة بويبلان مصممة عزمها أن تظل على قيد الحياة إلى أن ترى وليدها أمامها، فهؤلاء الرومِيون (٢) لا يؤمن جانبهم، وأخبارهم الهوجاء كرصاصاتهم مجذومة لا أمل فيها لا رجاء غير مزيد من عذابات الويل والثبور .. فتى يافع وليدُها آحتجزته القوات الألمانية في ظروف قاسية جدا آستطاع بطريقة المغامرات والحكايات العجيبة المثيرة أن ينجُوَ من سجونهم بعد أن ذاق الويلات من فنون التعذيب الألماني رفقة سجناء آخرين بتهمة التجنيد في صفوف الفرنسيسْ .. ظل يعدو ملء قواه طيلة الليل والنهار تعبا وصل إلى أراضي الحلفاء، منها نقل إلى البلاد حاثا سعيه جهة بلدته الجبلية في الأطلس المتوسط "الفحص" في سفوح بويبلان ليلفيَ العائلة الصغيرة والكبيرة وكل الأهل قد أقاموا جنازته وقرؤوا على روحه الآيات وتلوا الدعوات، وكانت دقات ضربات يديه الصغيرتَيْن التعبتين على دفة الباب في عتمات أخريات تلك الليلة وقع المفاجأة وهو يفرد قامته الضئيلة الضامرة في وجه أمه الثكلى المكلومة الناحبة الباكية ...

_آآآيَتْييتْ آمَمِي ... (٣)

شهقت جأرت صاحت دون تزفرها زفرة تريح لواعجَها .. متعانقَيْن ظلااا يبكيان تختلط دموعهما الواجمة بهمهمات .. يَممَّماااا .. وعثرات .. مَمِّي .. ودَمْدَمَااات مَاااايْمِي .. (٤) لتنقلب المواجع إلى أفراح ملتبسة مشوشة متأثرة متعثرة مضطربة مرتبكة بعد أنْ عاين الأهل آثاااار جروح كثيرة غائرة على بدن الفتى الرجيف المثخون بآلرصاص، ولم تمر إلا أيام على عودة الابن الغائب حتى تعاود النكبات ضرباااتها من جديد ليسلم الفتى الصغير الروح إلى باريها متأثرا بمخلفات التعذيب وآثار الخرطوش في بدنه؛ مما عجل بآنهيار الأم التي سقطت هي الأخرى ضحية رصاص الفرنسيس الذي أثخن جسدها الضامر في إحدى رحلاتها الموسمية إلى أراضي "الفحص" في أعالي ذُرَا شماريخ بويبلان أين كانت تقيم ومجموعة من الفحصيين في خيام الرُّحَل "تيخمين" أجنّـا خْ ييشْ (٥)، وكان من عادة الطائرات الاستعمارية الفرنسية قيامها بطلعات عدائية تلقي فيها بغضبها الحانق على كل من يتحرك من حيوان وإنسان لا يفلت حميمها أحدا في حملات آنتقامية ترويعية ترهيبية تخويفية لآهالي (آيت وراينْ) كي يخضعوا ويحجموا عن الممانعة ويقدموا ما لديهم من أسرار ويستسلموا ويبلغوا عن المتمردين الثائرين على سلطتها الغاشمة "العازيين" (٦) ويمتنعوا عن مساندتهم؛ وما كان من المرأة السليمة الفطرة إلا أنْ عمدت في إحدى تلك الحملات المسعورة بنِية صادقة وتنفيذا لتعليمات العسكر الفرنسي الجاري بها العمل إلى إحدى الكتاتين البيضاء تنشرها تهزها تحركها فوق الخيمة إشارة سِلم منها كي تتجنب إلقاء الرصاص والقنابل على القاطنين المسالمين، الشيء الذي لم يجعلها تسلم من الهيجان الأعمى لطائرات الغازي المتوحش الذي أرسل قنابله وفوهات رشاشاته المحمومة ناحية الراية البيضاء وقتل مَن قتل وفتك بمَن فتك، وكان من بين الضحايا (فاطْما تْسيعليتْ) والدة الفتى بوكرين التي سقطت منذ لحظتها جريحة تعاني لمُدد مديدة من آثار القصف لتسلم روحها الشفيفة إلى باريها هي الأخرى بعد أن لم ينفع أي علاج في مداواتها من بثور رصاصات الطغيان .. وظل الأهالي في الأعالي يرددونها لازمة في مَرْوياتهم الشفهية .. الفرنسيس قصفوا الوالدة .. الألمان قصفوا الولدَ .. هذا مثال واحد فقط على الضرر الذي أصاب أصحاب البلد من سكان الجبل الأصليين من قِبَل أكبر المجموعات الدولية العالمية الامبرايلية الاستعمارية المتغطرسة في القرن العشرين، وغير هذا المثال كثير جَـلّ أن يُحْصَى أو يُعَدُّ، لكن حريٌّ بنا البحث فيه وعنه من أجل ضبط مسارنا التاريخي في البلدة والجوار ومن أجل رسم معالم جغرافية حاضرة جديرة بآلاستمرار قوية شامخة أبية تعرف ما لها وما عليها ولا تنتظر دروسا من أحد كي يلقنها معنى المسماة "حضارة"، خصوصا ممَنْ دأبَ آحتراف القتل وسفك الدماء بمقاصله ومحارقه ومعاقله ومشانقه وهدر الأرواح يمينا شمالا بشكل جماعي في بلاد الأفريق ولاندوشين بلا أدنى مراعاة للقيم والأخلاق وحقوق بني آدم وكرامتهم ومكانتهم وحقهم في الحياة في العيش الكريم على أرضهم تامُورْتْ (٧) آلجدود المعطاء التي لا ينقطع موردها ولا يمل واردها رغم صلف الصَّالفين وحنق الحانقين ...

☆إشارات وترجمات :
١_الشيخ والمقدم والقايد : ألقاب أعوان السلطة تابعو لوزارة الداخلية
٢_يطلق الأمازيغ لفظة (إيرُومِيينْ) على الأجانب النصارى من الفرنسيس وغيرهم
٣_آآآيَتْييتْ آمَمِي : آآآه ماذا فعلتَ بي يا ولدي ..
٤_يَمَّا : أمي
_مَمِّي : ولدي
_مَايْمِي : لماذا
٥_تيخامين : خيم من شعر الماعز
_أجنّـا خْ ييشْ : أعلا قمة الجبل
٦_العازيين : لفظة تطلق على المتمردين
٧_تامورت : أرض أو بلاد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع


.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة




.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون


.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر




.. كل يوم - خالد أبو بكر: الغذاء ينفد والوقود يتضاءل -المجاعة س