الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزميل الشعر للتحريض على فجاجة الواقع

كريم ناصر
(Karim Nasser)

2023 / 10 / 15
الادب والفن


فعل الكمون الشعري ومجرى جاذبيته:


واضح أنَّ كلَّ لهجة مواكبة للعصر تنبثق من ظواهر جمالية لسانية بنيوية، والشعر في حقيقته منتجٌ بنيوي أو قضيّةٌ جوهرية أو كينونة وجودية، وليس هناك شاعرٌ أكثر بنيويةً ودُربةً لتوليد الحروف من اللهجة العامية المنطوقة لإغناء اللغة الفصحى مثل الشاعر سامي عبد المنعم في تجسيده المضمون الجمالي المشحون بالرموز والدلالات والايحاءات، وهو يخوض تجربتَهُ منذ بواكيرها مكافحاً صنديداً في سبيل استبطان الفكر الثوري في إطاره العميق لاتّساع دلالته وديمومته:

"يبرحيّة البصرة وخلگ هندال
صوتك جان عالي ابعلو الجبال"

وإذا كان الشعرُ يسعى إلى استنباط الخصائص البنيوية، فإنَّ أشعار سامي عبد المنعم تقوم على كياناتٍ تستشفُّ تقنياتها من البنى الايقاعية الداخلية الزاخرة بالاستعارات والمجازات والدلالات، هكذا إذاً تتجلّى القيم الجمالية البنيوية بوجود مكوّناتها الدلالية يمدّها الشاعر برؤاه وخيالاته وفلسفته لاقتناص معاني أوسع عمقاً وبلاغةً مما يتصوّره عقل القارئ مهما كان متمرّساً في قضية التلقّي.
ربما يمكننا أن نستقري عاطفةَ الشاعر من ركام الواقع وتناقضاته الجدلية، وذلك ما دمنا نستطيع أن نثبت بالدلالة انحيازاً واضحاً يسوقنا إلى التجديد وهو وليد الرؤية الحداثية في حقل توظيف القضايا الفكرية المولّدة للسمات الشعرية، فالشاعرُ يحيلنا على أنساقٍ إيقاعية من مخزون ريفي يستند إلى حدث جوهري يعتمد في استدلاله على رؤيةٍ دلالية وخصوصية شعبية ووجدان صوفي بحت يحملُ شجناً:

"إنتِ عشگچ عشگ خرسه
احبیبه یا بغداد یمته ایرد عشگنه
ريته مسگوم ابحیاته الباگ ضحكات الزغار
وريته لاعاش الذبح فرحة أهلنه"


ولكن قد تصبحُ الرؤيةُ استاتيكيةَ المنحى إذا لم تخضع تماماً إلى صيرورة التطوّر، وقد يتعذّر انعتاقها من ربقَة التنميط وأغلاله كمسخ يستدعي تنويع مستوياته اللغوية، ولا يمكن التنبّؤ بالصيرورة الثورية ما لم يخاطر الشاعر بنشر بذور التطوّر ويعزّزها بالجمال الانساني المرهف ليسقي مداميك القصائد ببنيةٍ حداثية محوّلاً تلك الجدلية إلى طاقة للبوح العاطفي والانسراب من أسار التقليد والجمود الفكري والتنكّر له نهائياً للإنتقال إلى فضاء القصيدة المتحرّرة من سلطتها المعيارية كنهج للتحريض على كلّ أدب فـجّ مثبط في الثقافة التقليدية وفي الآداب والفنون، والمأثورات الشعبية والتراث (الفلكلور المبتذل) والغزل السوقي البورنوغرافي pornography)) لضخِّ الدم في كوكبه الشعري وفي مجرى جاذبيته وطبيعته الشاملة وحواره المستبطن داخل فعل الكمون الشعري في سياق حركةٍ جدليةٍ عميقة الدلالة:

"عبد يلمض اسنين السجن رمشة عين
او من شدة اعناده ايخاف سجّانه
عبد يعبر سواجي الخوف
وايدوس الانذال ابحافر احصانه"


وعي اللغة ومفهوم الثورة:


لو نحن تقصّينا تجربة الشاعر سامي عبد المنعم لمعاينتها لوجدنا أنفسنا في عالمٍ مرئيٍّ انمازَ شكلاً وجوهراً ورؤيةً وانفصل عن أنساق الشعر ومحمولاتها الطبيعية، ولأنَّ التصنيف ضرورةٌ حتميةٌ فاكتسبت تجربته صلابةً وتحدّياً وجرأةً ليبلغ قمّة تطوّره في التعبير توازياً لظاهرة شعرية أعمق دلالةً وتركيباً وتمثّلاً وتأصيلاً، ومن أبرز التجسيمات الفنية تلك النغمة الجمالية التي قادته إلى فتوحاته في مرحلةٍ مبكرةٍ أحالته على عائلة الشعراء الأوائل ليكون أكثرهم فنّاً وفراسةً في تجسيم الصورة الشعرية اللاذعة حيناً والساخرة طوراً من منظور يحيلُ على رؤيةٍ شاملةٍ مناهضةٍ وثوريّة تعلن عصيانها على واقع مزرٍ، مثلما كافح من قبله في سياق هذه الرؤية كبارُ الشعراء مثل: مظفر النواب، وذياب كزار، وعزيز السماوي، وعلي الشباني، وعبد السادة العلي، وكاظم لالة، وريسان الخزعلي.

ومعنى هذا أنَّ الوعي باللغة الشعرية وقضايا الانسان والوطن يضعُ الشاعر حيئنذ في إطار يمكّنه من الرصد والتغلغل في قضايا جوهرية، نظراً إلى شعوره الأصيل وتوقه إلى فكرة التحرّر من وهدة الديكتاتورية الفاشية وتجسّداتها الاستبدادية، وذلك لاستعادة كرامته في مناهضتها:

"الشهم ما توجعه الصدمات
يكبت جمرة احزانه
وينچ يم حسن
كل الشلب گام اعله حيله امتاني نيسانه
واجت سعده ابخشلها او ليلة الدخله
اتناطر دفگة حصانه"

ومثل هذا الحضور الصريح ما فتئ يوسّع التراكيب الشعرية المتداولة بين الناس بكيفية تمكّنه من التصدّي لظاهرةٍ دمويةٍ عمّقت في شعره لغة درامية لاذعة أضفت على مضمونه مزيّةً نضالية، وكأنّه يفجّرُ طاقةً شديدةً لإشاعة مفهومات استعارَ مفرداتها من مجسّاته الفكرية ومن لغته الثرّة لكسر الصورة الاستعادية، وكبح الغنائية الغزلية لتأصيل أشكالها لتعالج قضايا الانسان والوطن والتحرّر بمقاييس الحداثة لأنّها ظواهر يمكن الافصاح عنها لاستنطاقها لاستشرافها لانبعاث الحياة في الطبيعة وتوالدها، وكأنّها تستحثّه على البوح عنها لتشخيصها بوعي من إيمانه الكامل بقضيته، أو لتحقيق ما يرمي إليه في تمثيل الانسان والحياة والطبيعة من منطلق رؤيوي يستمدّ كينوناته من رؤية ذاتية تكون أحياناً وجدانيةً صوفيةً تفصحُ عن عواطف مكنونةٍ لا يسلّم قيادها كليّاً إلّا إلى سلطان عقله:

"بيَّ شي مثل الحزن ساكن ابروحي
مدري فد واحد ايودّع
مدري سولة حب قديم
حرت ياحسبه أسولفها لوحشتي
وآنه حته ابسر مفاتيحك غشيم"


إستعذاب التراجيديا وجماليات الكلمة:


قد تمثّلُ الكلمة قيمةً إنسانيةً قبل أن تكون رصاصةً، وانطلاقاً من هذا المعنى لا يمكن دراسة أعمال سامي عبد المنعم لاستقرائها ورصدها بمعزلٍ عن الاشارة إلى تاريخه العريق ومعجمه الذي يعتمدُ السخريةَ والتندّر في إطلاقها استناداً إلى قواعد خرق انتقائية، فلا يولدُ الاسلوب عموماً بناء على ظواهر مجرّدة من مظاهر الفكر إلّا للمراوغة والمغامرة والتعرية والاستنكار وهذا ما زاد قوى الشعر صلابةً في مناهضة الفكر الشوفيني والانتصار لقيم الانسان وقضيته الجوهرية..
ولم يجرؤ أحدٌ على إنكار هذا التوهّج الشعري الذي لا يعدو إلّا أن يكون صورةً مكثّفةً من محمولات الإبداع والتطوّر ومولّدات القصيدة الوطنية ومستواها التركيبي:

"خيال مهرة عرب ما يوم هدّ الرسن
إنت مسيح العصر شايل صليب الوطن"

ويمكن أن ينطبق مضمونُ هذه المقاربة على أشعار كلّ من عريان السيد خلف، وكاظم اسماعيل الكاطع، وزهير الدجيلي، وسفاح عبد الكريم، وشاكر السماوي، وناظم السماوي، وعلى العضب.

ولأنَّ موضوع الطبيعة الرومانسية الغنائية في شعر سامي عبد المنعم غائمٌ وجنيني، فإنَّ دليله في البحث عن كوّةِ نورٍ يرجع إلى كفاحه المرير لتوليد طاقة شعرية قويّة، لكي يصبح المفهومُ الثوريُّ إطاراً فكرياً ينطوي على جوهر رؤيته ويغطّي مساحات الحلم من منظور يقوّض الانفعالَ الشعريَّ، والوعيَ السطحيَّ الذاتي كبديل يحملُ في ثناياه نبراً إيقاعياً مجافياً للمقتضيات السائدة:

"دمنه ايحرّك الآله
يكتب للعصر تاريخ عماله".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟