الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جذور الصهيونية التي أخطأ العرب في فهمها: صدمة الوقائع الحالية

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2023 / 10 / 15
القضية الفلسطينية


في مراحل متعددة من رحلتي العلمية لدراسة الصهيونية وجذورها وبنيتها الثقافية العميقة؛ اصطدمت صداما شديدا مع معظم التيارت الفكرية والأيديولوجية المصرية والعربية دون استثناء، وذلك بسبب إما أن هذه التيارات حجب كل منها جانبا ما عن حقيقة الصهيونية، أو حاول التمركز حول جانب واحد من حقيقة الصهيونية، أو خلط في مقاربته للصهيونية بين الحجب والتمركز.

صدمة الواقع والبحث عن إجابات: عملية 7 أكتوبر

وما جعلني أستذكر ذلك الآن مع عملية 7 أكتوبر الفلسطينية العسكرية العظيمة عام 2023م وما تبعها من ممارسات صهيونية للقتل والاستهداف والإعلان عن طرد كافة سكان غزة وتهجيرهم إلى سيناء المصرية..، هو بعض الاتصالات التي وردتني تستغرب من بعض المعلومات التي بدأت في التسرب من "إسرائيل" وثقافتها، وكذلك بعض الذين كتبوا يستغربون من مواقف فرنسا بلد الحرية في دعم الصهيونية ورفض التظاهرات المؤيدة لفلسطين، وكذلك بعض من استغربوا على الذهنية الغربية ربطها بين معاداة السامية وبين معاداة الممارسات العنصرية التي تمارسها دولة الاحتلال في فلسطين وفي غزة تحديدا، وكيف أنهم اعتبروا رفض الممارسات العنصرية تجاوزا في حق اليهود عموما، وليس صهاينة دولة الاحتلال..!
كل هذا أعادني للوراء لأتذكر الصدامات الفكرية والأيديولوجية التي حدثت بيني وبين معظم التيارات الفكرية والأيديولوجية العربية، على مدار دراستي للصهيونية وجذورها، وكيف أن كل تيار حاول التغطية على مساحة ما من الصهيونية والتمركز حول مساحة ما، وأن هذا "الانتقاء المعرفي" ربما هو الذي أوصل الكثيرين للصدمة تجاه ما يحدث الآن في فلسطين وفهم جذوره الحقيقة.

الصهيونية الماركسية والصدام مع اليمين واليسار العربيين

بداية الأمر كانت مع كتاب "خرافة التقدمية في الأدب الإسرائيلي.. نقد أسطورة الاحتلال التقدمي" (في طبعته الثانية وطبعته الأولى بعنوان خرافة الأدب الصهيوني التقدمي) ، حينما كشفت عن تيار "الصهيونية الماركسية" ودوره التنظيمي المحوري في بناء "إسرائيل"، وموقف لينين من اعتبار الصهيونية "طليعة تقدمية" في الشرق الأوسط، وهو أول الأطروحات التي عملت عليها وسببت أزمة كبرى في "الاستقبال والتلقي" العربي ممن هم على ضفاف اليمين واليسار على السواء، كان الكتاب رسالتي للماجستير حيث فوجئت في أثناء مناقشة الرسالة بأحد الأساتذة الأٌقرب للرواية الدينية للصراع (التي يتشيع لها اليمين العربي وفرق الدين السياسي ومن على ضفافهما)، يتشدد جدا تجاه الطرح العلمي الذي قدمته الدراسة، وينكر وجود "الصهيونية الماركسية" ويطالبني بالتركيز على دور "الصهيونية الدينية" والرجوع لكتبهم في هذا الصدد!
ثم حدث الصدام الأبرز الذي سببه هذا الكتاب عند طباعته، والصدام مع اليسار المصري والفلسطيني، حيث رفض البعض فكرة الكشف عن وجود تيار صهيوني كامل يرجع للأصول الماركسية واليسارية، وحاول والشوشرة على الفكرة بكل السبل..، معتبرا أن الماركسية مقدسا ولا يمكن المساس به.
وكانت هنا المفارقة الكبرى حيث أن كل من اليمين واليسار العربيين رفضا الحقائق العلمية والأطروحة برمتها، لكن أحدهما يريد التمركز تماما حول الرواية الدينية فقط للصراع، والآخر يريد إنكار الرواية الماركسية للصراع تماما..!

الصهيونية الوجودية صدمة الوجوديين العرب

وحينما طرحت كتاب سارتر مترجما "تأملات في المسألة اليهودية" مصحوبا بدراسة نقدية بعنوان "سارتر بين الصهيونية وسلب الحق الوجودي للفلسطينيين"، معتبرا أن سارتر من أخطر دعاة الصهيونيةوفلاسفتها لأنه ربط بين الصهيونية ومعاداة السامية، واعتبر أن أعلى درجات الوعي اليهودي الجماعي الأوربي والعالمي هي الصهيونية..، سخر البعض معتبرا أن سارتر فيلسوف الحرية والوجودي الأعظم فكيف له أن يفعل ذلك، وحاول معظم المثقفين العرب تجاهل وجود الكتاب وتجاهل الكشف عن كتاب لجان بول سارتر لم يترجم للعربية أبدا طيلة سبعين عاما، وكأن الكتاب غير موجود تماما..
كانت العقلية الانتقائية العربية التي تقوم على الانتقاء المعرفي مدفوع كل قطاع أو تيار فيها بأوهامه الأيديولوجية واستقطاباته في صدمة كبرى، ترفض التعامل مع الحقائق العلمية الدامغة.. وتم استقبال الكتاب بنوع شديد من التجاهل وكأن سارتر لم يكتبه، خاصة وأن الدراسة النقدية التي سبقت بها كتاب سارتر كانت شديدة الوضوح في مصادرها وفي منهجا العلمي، لذا في المقابل تجاهلها المثقفون العرب تمام، وكأن الكتاب لم يكن، وذلك باستثناء معركة وحيدة حاول أحدهم الدخول فيها لكن ردي عليه كان مدعوما بالأدلة التي لا نقاش فيها، فانسحب دون نقاش أو موقف واضح منه من أطروحة سارتر التي قدمها حول اليهود والصهيونية، والتي تعد هي الجذر الأبرز الآن في الربط بين الصهيونية وبين معاداة السامية واليهود في أوربا وفرنسا والتي صدمت الكثير من المثقفين.

نبوءة خراب "إسرائيل" ورفض قدرة العربي على الثورة

وحينما طرحت كتاب "نبوءة خراب الصهيونية.. العدمية في الأدب الصهيوني بين الأزمة الوجودية وصحوة العربي"، الذي كان في الأصل رسالتي للدكتوراة، سخر البعض من فكرة "صحوة العربي" وأن الأزمة الوجودية ستدفع به للانفجار في وجه الصهيونية.. ومعظم من سخر من أطروحة الكتاب كان من المتأثرين بالاستقطاب التاريخي والعجز الذي وصل له مشروع القومية العربية في الفترة الناصرية والبعثية..!
كانوا يرفضون أي تصور للمستقبل توجد فيه كلمة تذكرهم بمرحلة الأزمة القومية العربية، والهزيمة التي تعرضت لها، فأنكروا فكرة أن "العربي" -هكذا مجردا- يمكن أن يثور وأن تؤدي ثورته هذه لخراب الصهيونية وعدميتها، كما يقول أدب المستوطنيين الصهاينة أنفسهم، كان هؤلاء يشعرون بدونية ما ربما، أو يشعرون بحساسية تجاه كل مفردة تذكرهم بالصدمة العربية وفشل الناصرية وتفككها في مصر والبعثية وتفككها في العراق.

"الصهيونية الإبراهيمية" وتيار الاستلاب العربي والليبرالية

وعندما طرحت كتاب "دفاعا عن القدس.. وهوية الذات العربية"، وكشفت عن وجود تيار عربي عريض يروج لصفقة القرن و"الاتفاقيات الإبراهيمية" ويدعو للانسلاخ عن الذات العربية، وفي القلب منه بعض النماذج الليبرالية / العلمانية، وحولها أيضا معظم فسيسفاء الثقافة العربية وتيارتها المأزومة، حاولت معظم التيارات العربية إنكار فكرة وجود تيار عربي يقوم على "الاستلاب للصهيونية" والترويج للاتفاقيات الإبراهمية وصفقة القرن، مع دعوته الصريحة للانسلاخ عن الذات العربية ومستودع هويتها وما يمثله!!
معظم التيارات الفكرية وممثليهم الذين تناقشت معهم ذهبوا للاستخفاف بالموضوع تمام، كانت المسئولية والصدمة عليهم أكبر فيما يبدو من تحملها والنظر إلى المسئولية الكامنة معها أي مواجهة هذا التيار الجديد، وكيفية التصدي لمثل هذا التيار المتشعب والمتعدد الأوجه، وحاول البعض ربط الأمر بالليبرالية والتخفف من التشدد في التعامل مع الليبراليين العرب!

أزمة التمثلات النخبوية للذات العربية
والفهم الجزئي الانتقائي للصراع وجذوره

الحقيقة أن التصورات والتمثلات النخبوية والفكرية والأيديولوجية العربية الجامدة إرث القرن العشرين هي جزء من المشكلة الراهنة في الفهم الجزئي والانتقائي للصراع الذي أوصلنا لما نحن فيه والتعجب من ممارسات الصهيونية ومسارات دعم الغرب لها، تحديدا في فكرة الانتقائية التي تقوم بها النخبة وفلسفتها الخاصة بالعلم، ونسقها الثقافي العميق الذي يجعلها تنتقي فتتمركز حول جانب وتحجب جانب، أو سياقها الاجتماعي المعرفي العام، سواء عند اليسار والليبراليين، أو عند فرق الدين السياسي التي أرادت التمحور حول البعد الديني الواحد للصراع..

لا اضمحلال حضاري
إلا باضمحلال فكري وثقافي

والحقيقة أنه لا يوجد اضمحلال حضاري، لا يصحبه اضمحلال فكري وثقافي وقع في فخ التناقضات، ولا نجاة للذات العربية إلا بمواجهة الواقع والحقيقة كاملة، وتجاوز الكوابح المكبلة إرث القرن العشرين بكل وضوح، والبداية من جديد تماما رغم صعوبة الأمر على الكثيرين.. إنما يبقى الأمل في "مستودع هوية" الشعوب ذلك المجرد الذي يتجاوز تمثلاته السياسية والثقافية، حينما تصل لمرحلة الانسداد والعجز ربما دون أن تدري أو تعترف.. ليشق سبيله ناحتا طريقا جديدا للمستقبل رغم كل شئ، فهكذا هي الحياة تجد طريقة لتستمر مهما كان الأمر.

من رحم الأزمة
يولد الأمل

وكنت أقولها وما زلت: "نجاة الذات العربية في قواعدها الشعبية التي رفضت كل التمثلات النخبوية العربية إرث القرن العشرين"، لا نجاة للذات العربية إلا ببزوغ تيار فكري جديد يتجاوز كافة استقطابات القرن العشرين وإرثها، ولكن أليس من أجل هذا تم تشويه فكرة الثورات العربية، وتوظيف اليمين واليسار على السواء حتى تتفكك لحظتها التاريخية، ولا تنتج مشروعا جديدا ولا نخبة جديدة تشق الطريق للمستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24