الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رغبات مكبوتة .. ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2023 / 10 / 16
الادب والفن


وثبت ( هبة ) الى عنق خالتها .. احتضنتا بعض .. رفعت ( ياسمين ) حاجبيها في استغراب ، وهي ترى بنت أختها ، وقد ذبلت ، وشحب لونها ، واحتقن وجهها .. همست ملتاعة :
— ماذا حدث .. ؟ .. هل لحقتي تتخاصمي مع ( زياد ) ، وأنتم في شهر العسل ؟
— أبداً خالتي .. أنا زعلانة عليه وعلى نفسي ..
— تعالي تعالي .. يبدو أن الموضوع يحتاج الى جلسة ..
انفردتا في الصالة بمعزل عن زوجيهما .. جلستا متقابلتين .. تحدقان في بعضهما .. زفرت ( ياسمين ) أنفاسها ، وهي تستعجل هبة :
— أسمعكِ ..
توقفت هبة قليلا كأنها تصارع خجلها ، ثم قالت بصوت شاكي تعلوه المرارة :
— زياد ، خالتي .. ( برهة صمت .. ) .. في خلوتنا يطلب مني أشياء محرجة لا أستطيع أن أفعلها .. تربيتي كما تعلمين لا تسمح لي بذلك ، وإن امتنعت يتهمني بأني جاهلة وباردة .. كلمة منه واحتجاج مني .. يدب الزعل والخلاف بيننا .. وخلاف يلد الآخر . ( تتوقف .. تمسح عينيها وتربت على أنفها ، ثم تُكمل .. ) .. كلما بدأنا علاقة حميمة نصطدم بنفس الجدار .. هو مصّر على إطلاق نزواته .. لا يكف عن الحاحه ، وأنا مصرة على تحديدها .. تتنازعني إرادتين .. كيف أُرضيه ، وكيف أُحافظ على قيمي ، ولا أخرج عنها .. حتى تحولت حياتنا الى ما يشبه الكابوس .. !
ترد ياسمين بشيء من الحدة ، وهي العارفة بهبة ، وبتربيتها المتزمتة :
— لم لا تستطيعين .. ؟ إفعلي عزيزتي كل ما يطلبه منكِ ، إلا اذا كان المانع صحي .. أنت زوجته .. حلاله ، واذا كنت ترمين الى مشاعرك الدينية ونواهيها ، ما أكثرها .. ! فهذا ليس مجالها .. من فضلك لا تزجي بالدين في أدق تفاصيل حياتك وإلا أفسدتيها .. بعدين .. مال الله والعلاقة الخاصة بين الزوجين .. أنتما لا تزنيان حتى يتدخل الله في الأمر .. لقد أوجد الله الغريزة فينا كي نتناسل ونتكاثر حتى نتمتع في حياتنا ، ونحفظ النوع .. لا أن نخضعها للمزاج .. هذا حرام وذاك حلال .. هذا نجس وذاك طاهر .. هذا يرضي الله وذاك يغضبه . ( ثم تتسائل بدهشة .. ) .. !
هو الله فارغ لكما .. ؟ ما هذا الهراء .. ؟ ( تتصاعد وتيرة صوتها وهي تواصل حديثها المتدفق .. ) لا تمشي الحياة هكذا .. ربما كانت تمشي مع جدك وجدتك ، لكن الأمر الآن اختلف .. صدقيني .. الجنس هو مفتاح السعادة ، وهو معيار تواصل الحياة الزوجية ونجاحها إن أحسنا الاداء فيه ، وانهيارها إن أسأنا الاداء .. متى ما أشبع كل طرف شريكه ، وأطفأ حاجته كانت الحياة أفضل وأكثر بهجةً وانتاجاً ، ومتى ما كان الزوج شبعاناً مكتفياً سيكون ( هراً ) هادئاً .. وديعاً .. ناعماً .. لا يخرمش ، ولا تشطح عينه الى امرأة أخرى .. ! أما إذا لم تشبعيه ، وتركتيه جائعاً ، أو نصف جائع ، فاقرأي الفاتحة على مستقبلك ، وهدوء بيتك واستقراره ، وستجدين في حياته حينذاك ثانية وثالثة وحتى عاشرة .. ( يبدو على وجه هبة الاستغراق في التفكير .. ) .. هكذا هم الرجال عزيزتي .. هذا رأيي ، وهذا كل الذي عندي .
تقول هبة في جزع :
— مع أحترامي خالتي لرأيك ، لكني لست مومساً حتى أطلق العنان لغريزتي .. هكذا .. ( ترفع يدها الى أعلى وترسلها بوجه الهواء .. ) حتى يشبع الأفندي زوجي .. لابد من محددات .. ؟
— عزيزتي .. أرجوك لا تستخدمي عبارات في غير موضعها .. لا وجه للشبه ولا للمقارنة .. المومس تتقاضى أجراً ، واذا جاء الفجر افترقا .. أرجوك لا تدنسي هذا بذاك .. ! .. ثم أنا لم أقل نطلقها هكذا .. أكيد فيه محددات .. نحن لسنا في غابة ، لكن لا ينبغي المبالغة فيها ، وتركها تقف حائلا بيننا ، وبين إسعاد أزواجنا وأنفسنا .. !
تعود هبة ، وكأن ظمأها لم يرتوي .. تتوه عيناها في وجه خالتها ، وتستجلي بصوت متردد خجول :
— وهل تفعلين أنت كل ما يطلبه منك ( منذر ) ، أم يداوي الناس وهو عليلُ .. ؟!
توميء ياسمين برأسها ، وتهتف في جذل كأن السؤال استفزها :
— طبعععاً .. ( تمط الكلمة .. ) .. لم لا .. ؟ منذر زوجي وحبيبي .. سعادته تهمني ، وهي من صلب واجباتي .. لماذا أُمسك عليه شيئاً يُسعده .. ؟ غباء مني وأنانية إن فعلت ، ثم الرجال يختلفون .. منذر مثلاً متواضع في طلباته ، ونحن على وفاق تام .. بصراحة بصراحة نحن نتبادل المنفعة .. !
تردد هبة بصوت مرتعد ، وهي تفشل في اخفاء دهشتها :
— تتبادلان ماذا .. ؟!
— المنفعة ، عزيزتي .. المنفعة .. مثلما للرجل طلبات أكيد للمرأة أيضاً طلبات ، وهنا لابد من الصراحة والتفاهم ..
— لكن الصراحة خالتي تحتاج الى جرأة .. أعتقد بأنها لا تتوفر عند كل النساء ..
— صحيح .. أتفق معكِ .. ( تسود لحظة من الصمت تلتقط فيها ياسمين أنفاسها .. ثم تكمل .. ) ..
عزيزتي هبة .. الجنس أصبح هذه الأيام علم وثقافة ، وليس مجرد غريزة بوهيمية مرسلة .. علينا نحن معشر النساء أن نتسلح بهما قبل الزواج ، ولا نقتحم عالمنا الجديد ، ونحن جاهلات .. عَزالى .. خاليات الوفاض ، فتفشل معظم زيجاتنا .. على أي حال .. ابدأي من اليوم .. اقرأي وتعلمي .. انه عالم واسع .. خذي منه ما ينفعك ، وأطرحي ما يضرك .. أما الخجل والتمنع المبالغ فيهما .. هما لب المشكلة .. انه زوجك .. لا خجل ، ولا محرمات بينكما .. !
تضرجت وجنتا هبة .. ظلت مسمرة في مقعدها .. مستكينة .. صامتة .. مستغرقة ، وعيناها مشدودتين الى الفراغ .. لكزتها خالتها بأطراف أصابعها على كتفها وقالت مازحة :
— هَي .. أختنا .. مالك .. إصحي .. !
رفعت هبة رأسها وتأملت خالتها كأنها اكتشفت وجودها لأول مرة أمامها .. أفاقت من شرودها ، واستعادت يقظتها وتوازنها .. لملمت أشتاتها .. وأعادت ترتيب الكلمات والأفكار المتزاحمة في ذهنها .. هدأت هواجسها ، وكل ما كان يضج في داخلها .. علت وجهها مسحة من رضى ، وفيض من بهجة .. تنهدت في ارتياح .. انتفضت واقفة .. ارتمت في أحضان خالتها .. عانقتها في إمتنان .. أمسكت يدها .. تشابكت الأيدي .. عادتا بلا صوت الى زوجيهما ..
وفي الطريق .. عدّلت هبة من هيئتها .. تحسست بأناملها الرشيقة خصلات من شعرها الفاحم كانت قد نفرت من وراء الحجاب في غمرة الحديث كأنها كانت تتلمس نفحةً من هواء نقي .. قطعت عليها هبة طريق الفكاك .. لملمتها بسرعة واحترافية ، وأعادت حشرها من جديد في محبسها داخل الحجاب المتقن ، وعندما تأكدت بأن كل شيء في مكانه ، واصلت المسير .. ثم همست في أذن خالتها :
— أظن أن لا حاجة ، خالتي .. لأن أسألك ألا تخبري منذر عن حديثنا .. ليبقى الأمر بيننا .. لا أريده أن يصل الى زياد ..
التفتت اليها ياسمين مبتسمة .. وضعت يدها على ظهرها .. ثم احتوت يدها الصغيرة بكلتا كفيها ، وربتت عليها بحنان وقالت :
— اطمئني .. عزيزتي .
تلاعبت كلمات ياسمين الصادمة والمباشرة في قلب هبة ، وعقلها تلاعب ريح مندفعة مجنونة بغصن شجرة رَهيف .. قلبت كيانها رأساً على عقب ، وأجبرتها على أن تُعيد كل حساباتها .. بحياتها ، وبعلاقتها الخاصة بزوجها زياد .
مرت الأيام خفيفةً سريعة ، ولما انتهى شهر العسل ..
رد زياد وهبة الزيارة الى منذر وزوجته ، وقد بدا مختلفين تماماً .. هبة : زينتها كاملة وابتسامتها واسعة .. عيناها أكثر اتساعاً ، وأشد بريقاً .. منطلقة .. ضاحكة .. صاخبة كأنها خارجة من الأسر ، وزياد يتردد وقع صوته رنيناً كرنين الذهب .. طائرين سعيدين .. كأنهما يدونان بداية تاريخ جديد لحياتهما .. !!

( تمت )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا