الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديناميات التشرينويه تنتظم تاريخ العالم؟(2/2)

عبدالامير الركابي

2023 / 10 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


تنشا المجتمعات باعتبارها بوتقه تحول بشري ـ خلافا للتوهمات التضليلية الغربيه المعممه ـ ، يتخلص بها و من خلالها الكائن البشري، من متبقيات الجسدية الحيوانيه العالقة به من الطور الحيواني، والباقية بعد بروز العقل، وحضوره بالصيغة التي حضر بها، مع الانتصاب على قائمتين، واستعمال اليدين، ليدخل من يومها طور الانتقالية الترقوية الثانيه، العقلية، المفضية الى تحرره الكلي، من متبقيات الجسدية، وصولا الى الاستقلال عنها .
خلال هذه المفازة الانتقالية، يكون هو في حال انتقالي وتوسطي، بين "الحيوان"، و "الانسان"، مع انه يصر اعتباطا وقصوراعلى تسمية نفسه ب"الانسان"، وهو "انسايوان"، ادنى قدرات وطاقة اعقاليةعلى وجه الخصوص، من ادراك مكنونات حالته المجتمعية التي ينغمر فيها، مشكلا ومترقيا عبر التفاعل والاصطراع، هذا والمجتمعية بناء عليه، تقوم اصلا "عقلية"، لاارضوية، في مابين النهرين، اسفل ارض الرافدين، تصنعها البيئة من اشتراطات الطرد والعيش على حافة الفناء، حيث الانتاج اصطراع اقصى مع بيئة مجافية عاتيه، على راسها نهران مدمران، يفيضان عكس الدورة الزراعية، ومناخ جهنمي قارص مغبر، عدا الجهات المجافية شرقا وغربا وشمالا، حيث الجبال الجرداء والصحاري تصب سلالات بشرية، باتجاه ارض الخصب، مايجعل الكائن البشري في ارض السواد جنوبا، في حال يقظة عظمى، مستحثة على ايقاع غدر النهرين العظيمين، ووطاة الحدود التي لاتهدأ، مايجعل التناغم البشري الارضي مستحيلا، بينما الحال ياخذ بالوجودالى مسري مفارق اعلى، سماوي، بحثا عن ملجا ومنفذ، البيئة اذ تصنعه وتوقعه على كاهل الكائن البشري هنا، تمتنع في الوقت نفسه عن توفير اسبابه اللازمه للتحقق الاني ومغادرة الارض، ارتقاء الى ماعداها، مايحول الوجود والحالة هذه الى اصطراعية فوق ارضوية، تبدا اولا بالصراع مع البيئة، لتصبح بعدها اصراعا ازدواجيا مع البيئة مضافا لها المجتمعية الاخرى الارضوية التي تنزل باتجاهها من الاعلى، تريد الهيمنه عليها، واخضاعها وفق للكينونه التسلطية الارضوية، وصولا الى الطور الاخير من الاصطراعية، حين تتوفر المجتمعية الارضوية العليا بعد سعي طويل ودائب، على اسبا ب الافنائية للحيز الاسفل، ومقاربتها، مايستثير ردة فعل مقابله، تعبيرية تنطق بها اللاارضوية.
وتعني الصورة اعلاه بداهة، حالة ازدواج مجتمعي، مغفله، وغير مؤشر عليها تاريخيا، فالمجتمعية الارضوية النازله من اعلى الى ارض السواد، وارض سومر تعيينا، بداية، بغرض السيطرة والاخضاع، ماتلبث ان تجد نفسها امام مهمة مستحيله، فاللاارضوية السفلى اعلى ديناميات، لايمكن اخضاعها، او فرض نمطية من غير جنسها عليها، الا اذا جرى افناؤها الامرغير المتاح بفعل الطبيعية الاحترابيه الاستثنائية، والتكوينيه البنيوية للمكان، مايضطر النازلين الى التراجع، مختارين اصطناع نوع "مدينة امبراطورية"، محصنه اشد التحصين وامنعه، مثالاها الابرز، (بابل وبغداد)، كاعلى صيغها، معسكرة من داخلها سلاليا، تستقر في اعلى المجتمعية اللاارضوية عند حوافها العليا، معزوله، تمارس حلب الريع ان استطاعت، بالغزو الداخلي المكلف، لتعود فتختبيء خلف اسوارها، ولاتجد الا الاتجاه المعاكس من حيث جاءت، اي التجلي الامبراطوري، تحت طائلة الفعالية الاصطراعية الاستثنائية الناشئة، مايضع البناء في اعلى حالات الدينامية الممكنه، ناهيك عن حكم قانون الدورات والانقطاعات المتولد عن الاصطراعية، ومسارات فعلها في الكيانيه الازدواجية بصورة عامه.
هكذا تكون الكيانيه هنا لاكيانيه كونية، هي المجتمعية المبتغى، بما هي صيغة انتقال بين الحيوانيه ومتبقياتها، الى العقلية الانسانيه، امبراطورية حكما، متجاوزة للكيانيه، لاتعرف التجلي "الوطني" اطلاقا، لانه دونها، ومن غير طبيعتها، هذا كصفة عامه اقرب للارضوية، اضافة الى التجلي المقابل اللاارضوي، سماويا كصيغة مجتمعية مقابله، تتجلى خارج ارضها، وخارج القواعد التي تحكم الكيانات الارضوية، فهي مجتمعية كتابية نبوية، مرتكزها ليس الارض وماعليها، بل كينونه الكائن البشري، الذي هو ازدواج هو الاخر ( عقل / جسدي)، يظل ينظر له قصورا، موحدا، مع تغليب الجسدية، وهكذا تتكرس الرؤية اللاارضوية بصيغتها الاكمل، تحت وطاة الافنائية، كونيا ابراهيما، كتعبيرية اولى شامله، عامه لغالبيه المجتمعات البشرية التي تكون احوج ماتكون لها حتى تكتمل بنيه، منتقلة من الاحادية الى الازدواج الموافق لكينونة مادته الانسايوانيه، العقل جسدية،بحسب ماممكن منه ومن صيغه .
على هذا تنقلب الرؤية الموضوعه والمكرسة عن المجتمعية البشرية، بفهاهة الارضوية القائلة ب ( التجمع + انتاج الغذاء)، كما يفترض اتفاقا مع الحقيقة الاساس، الضائعة بحكم القصور الادراكي، والفجاجة العقلية، بالاخص تلك التي ترى المجتمعية "واحدة"، مثلها مثل الكائن البشري، الجسدي، مع ملحق عقلي هو مجرد عضو مثله مثل، اليد والانف، كما الاكوانية التي هي الاخرى ازدواج غير مدرك انسايوانيا، مرئي، ولامرئي، نحن في حال انتقال وتحول من الاول منه، الى الثاني، مايترتب عليه نظر اخر الى المستهدفات والغاية من الظاهرة المجتمعية، ومنتهياتها المقررة، بالدرجة الاولى الاساس، كطار نقل الكائن البشري من "الجسدية"، الى "العقلية"، الامر الموافق فقط للانقلاب "الالي" بما هو بالاحرى انقلاب انتهائي في وسيلة الانتاج، ذاهب بها من "اليدوية"، الى "العقلية"، اخر تحورات الاله المنتقلة الى التكنولوجيا الانتاجية اولا، وصولا الى "التكنولوجيا العليا" المتفاعلة مع العقل.
مرت ارض الرافدين، ارض الازدواج المجتمعي الكوني، بثلاث دورات تاريخيه تحولية كونيه هي تحولات الناظمه للمجتمعية وتصيرهاعلى مستوى المعمورة، اولى سومرية بابلية ابراهيمه، وثانيه عباسيه قرمطية انتظارية، وثالثة راهنه، بدات في القرن السادس عشر من ارض سومر الاولى ذاتها، مع "اتحاد قبائل المنتفك"، لتمر بثلاث محطات من حينه: قبلية، وانتظارية نجفية، و افنائية ايديلوجيه، تختتم راهنا بالتحقق الكتابي اللاارضوي الثاني "العّلي" السببي، مابعد النبوي الحدسي، كتاب ساعته التحققية بعدما تهيات الاسباب التحولية المادية، بقرب انبثاق وسيلة الانتاج العقلية، اتفاقا مع فعل الاليات التفاعلية التصيّرية اللاارضوية، والقانون الناظم للمسار المجتمعي العقلي.
ومامشار له يخالف قطعا ماتراه وتعتقده الاحادية الارضوية من منظورات من نوعها وصنفها، سواء للتاريخ وحركته، او مستهدفاته المتفقه مع ايقاعيته المفترضة، من نوع تلك الطبقية، اواشكال التاريخانيات المختلفة، المعدودة"مادية" اعتباطا، بالاخص ماقد كرسه الغرب ابان نهضته القصورية المتاخرة، ومارافقها من توهميه كبرى، لم تفلح في افضل احوالها في اثبات صدقيتها او مقاربتها للحقيقة، فلا احتمالية "اشتراكية" وقد انهارت، ولا حتى (دولة امه) قومية ليبراليه، وقد غدت سائرة اليوم بفعل العولمه، للانهيار، ولاانتاجية كيانوية تستمر قائمه، بينما سادت مفاهيم ومقاييس وواقع آلي مرتهن للانتاجية العولميه مافوق الكيانيوية الوطنيه، ومع تجازوزها، ارتكازا لمحركات مجتمعية مفقسة خارج الرحم التاريخي، وصولا الى ماهو سائد من متاهه وعجز كلي عن اكتناه الحقيقة الكبرى.
لابد من ثورة اعقالية كونية راهنه تعيد النظر في القانون الناظم للتاريخ وللوجود البشري، بناء على حضور اللارضوية، وقانونها الناظم للوجود، بعدما اخذت التوهمية الغربية الالية مجالها، وانتهت لماهي عليه اليوم من ترد ذاهب الى التعاظم باطراد، في الوقت الذي تغدو فيه المفاعيل التحولية وقد عادت مجددا حاضرة، وذاهبة للتسيد، مع الاقتراب من نهاية الالية بصيغها الابتدائية، واقتراب امد التحقق العقلي التحولي، مع بدايات الافتراق، بين وسيلة الانتاج، والنوع المجتمعي الجسدوي الشائع.
لا تبدأ الظاهرة المجتمعية بالاكتمال، الا مع توفر الاسباب الاولية الموافقة لانتقالها الى مابعدها، ومع اشكال التبلورات الاولى المختلفة، لاتصير المجتمعية التحولية مجتمعية، الا بعد توفر اشتراطات تحولها لا ارضويا وازدواجيا، وتوزعا نمطيا جغرافيا، ضامنا للتفاعلية المفضية للتحول الاكبر، اي ان الامر لهذه الجهة ليس مجرد انتقال من الصيد واللقاط الى التجمع وانتاج الغذاء، كما هو مشاع ومكرس من توهمية بدائية، فالمجتمعية هي محطة التحولية الثانيه الكبرى الفاصلة، بعد الانتقال من الحيوان الى الانسايوان، وهي العتبه الاخيره، قبل انتهاء متبقيات الحيوانيه العالقة بالكائن البشري، لامجرد حاجاتيه جسدية، هي بالاحرى، المستهدف المطلوب التخلص من وطاته، بالمجتمعية وحضورها.
ـ يتبع ـ ملحق
(الديناميات التشرينوية وبشائر التحولية الكبرى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل