الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصرخة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 10 / 16
القضية الفلسطينية


صرخة غزة

أنه من سوء النية، وأنه من الكذب والتعمية الإعلامية وإخفاء الحقائق تقديم الحرب القائمة اليوم على غزة بأنها "حرب بين حماس وإسرائيل" كما تقدمها كل وسائل الإعلام الغربية، وبالذات الفرنسية. إن سكان غزة برمتهم هم الذين يعانون من المذبحة، كما أن سكان غزة برمتهم هم الذين يصرخون من أجل حقهم في الوجود، وحقهم في الحياة. وفي الوقت الذي يتكرر فيه الخطاب على كل موجات الأثير بأن التفجيرات والقنابل الإسرائيلية هدفها الدفاع عن النفس و«القضاء على حماس»، علينا أن ندرك أن المجتمع الغزاوي مجتمع تعددي ولا تمثله منظمة أو تيار سياسي واحد، منقسم سياسيا ككل المجتمعات، لكنه موحد، بالقوة والإرادة، في مجتمع واحد ذو هوية نضالية ومقاومة، لأن ذلك هي وسيلته الوحيدة للحياة. وأن القنابل لا تستطيع أن تختار هوية المغتال، إنها قنابل عشوائية لقتل كل من هب ودب هدفها العقاب الجماعي. وعملية "طوفانَ الأقصى" التي قادتها المقاومةُ الفلسطينيّةُ بجميعِ فصائِلِها، التي اتحدتْ وتكاتفتْ بصرفِ النَّظرِ عنْ انتماءاتِها الفكريّةِ، هي صرخة النضال من أجل حق الفلسطيني في الوجود، وإسرائيل تحاول إسكات هذه الصرخة وهذا الصوت الوحيد الذي يرفض الإذلال والإستعمار والإنبطاح أمام قياصرة وأباطرة وشيوخ وأمراء العالم، غير أنه سيكون من الضروري على إسرائيل لإسكات هذه الصرخة قتل معظم سكان غزة أو تهجيرهم إلى سيناء .. وهذا ما يحدث أمام أعيننا. ماذا سيحدث عندما يجد أكثر من 2 مليون شخص أنفسهم جنوب وادي غزة؟ نكبة جديدة تحدث أمام سمع وبصر العالم بأسره، بدون أية ردة فعل.. من الواضح أن الأمر الملح الآن، في هذه اللحظة ليست ممرًا إنسانيًا ولا تخفيفًا للقصف ولا تزويد الماء أو الأدوية أو أي شيء آخر من المساعدات الإنسانية، الأمر الملح هو وقف القصف على سكان غزة فورا. غير أنه ليست هناك قوة في العالم تستطيع أن تجبر إسؤائيل على ذلك كما قلنا في نصنا السابق بخصوص إسرائيل المرعبة. الوحش الذي يخاف منه العالم بأسره.
فإسرائيل هي دولة عنصرية فاشية وثيوقراطية، تمارس التمييز العنصري بين السكان. ومن المنطقي تمامًا أن الصهيونية أدت إلى وصول الفاشيين والعنصريين والمتعصبين والأصوليين إلى السلطة في إسرائيل، لينفذوا نفس البرنامج الذي ينادي به كل الصهاينة من اليمين كانوا أو من اليسار. وهو برنامج معلن وغير خفي أو سري، رأه الجميع حين جاء نيتانياهو وهو يحمل تحت إبطه خريطة لإسرائيل في مقر الأمم المتحدة تشمل الضفة الغربية بأكملها وقطاع غزة بأكمله والقدس بأكملها ومرتفعات الجولان، وأعلن ضم الأراضي المحتلة سنة 1967.
إن إنكار أن فلسطين كانت ضحية لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لعقود من الزمن هو إنكار للحقيقة وتزييف للتاريخ وتصريح لإسرائيل بمواصلة القتل والتهجير وتدمير البيوت وسرقة الأرض وسجن الفلسطينيين.. في هذه الحرب الاستعمارية، هناك شعب تحت الإحتلال وهناك دولة وجيش يحتل أرض فلسطين ويطرد سكانها ويطاردهم حتى الموت. ولا يمكن المساواة بين الجلاد والضحية، إلا باللجوء إلى الكذب وتزييف الواقع. الإسرائيليون ليسوا ضحايا، إنهم مواطنون في دولة استعمارية، وكما كان الحال في فرنسا أثناء حرب الجزائر، قلة قليلة منهم يرفضون الإستعمار ويساندون المقاومة. وقد أصبح هذا الوضع ممكنا بفضل عقود من الإفلات من العقاب، الأمر الذي تسبب في فقدان غالبية الإسرائيليين لكل حس أخلاقي وأصبحت الغالبية منهم تطالب بمسح غزة من الخريطة. ويتحمل "المجتمع الدولي" مسؤولية كبرى في التطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل. أمريكا، فرنسا، بريطانيا وبقية الدول الأوروبية دول تسلح وتمول وتساند وتتبنى وجهة نظر إسرائيل، وهي تدافع عن نظامها وأيديولوجيتها الصهيونية في كل الظروف، مهما كانت فظاعة الجرائم التي ترتكبها.
وربما من الخطأ الاعتقاد بأن إسرائيل تحظى بالدعم لهذه الدرجة لأن الغرب يشعر بالذنب إزاء معاداة السامية والإبادة الجماعية النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، فالغرب لا يشعر بالندم، إنه فقط يدافع عن مصالحه الحيوية، وإسرائيل قطعة مهمة من أسلحته المدمرة. فذكرى المحرقة تُستخدم لإستعباد اليهود وجعلهم ضحايا إلى الأبد وذلك لدعم الحكومات العنصرية وإعطائها نوع من الوطنية المزيفة. لكن تحظى إسرائيل بدعم الغرب لأن هذه الدولة أصبحت مثالاً ونموذجا على ميكانيكية الإستعمار الجديد، ومختبراً للتقنيات الحديثة للقمع ومراقبة السكان والتحكم في المجموعات البشرية المتمردة، الذين يُعتبرون "خطرين" على المجتمع الرأسمالي في دول الغرب. بالإضافة إلى أنه من أجل السيطرة على الشرق الأوسط، يحتاج الغرب إلى إسرائيل كما يحتاج للممالك والإمارات والمشايخ الإقطاعية والديكتاتورية والأبوية في المنطقة من أجل قمع شعوبها ومجتمعاتها التي ترفض التطبيع مع إسرائيل وأمريكا. فالمذبحة الحالية مهدت لها إسرائيل وأصبحت ممكنة بفضل "اتفاقيات إبراهيم"، حيث شجع الغرب كل زعماء العالم العربي الذين ينتمون إلى نفس المعسكر الرجعي الرأسمالي لكي "ينفتحوا" على العدو ويحسنوا علاقاتهم مع إسرائيل من خلال قبول استئصال ونسيان فلسطين والقضاء على المقاومة وعلى الشعب الفلسطيني برمته.

للحديث بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة: انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في ظل حراك دبلوماسي مكثف


.. كتاب --من إسطنبول إلى حيفا -- : كيف غير خمسة إخوة وجه التاري




.. سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس


.. مراسلنا: قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. القيادة الوسطى الأميركية: قواتنا اشتبكت ودمرت مسيرة تابعة لل