الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاضرات في البلاغة مح4 (من أبواب علم المعاني الإنشاء- الأمر).

مديح الصادق

2023 / 10 / 17
الادب والفن


ذكرنا في المحاضرة السابقة أنَّ الكلام- عند البلاغيين- إمّا (خبر) أو (إنشاء)، وهما من أبواب (علم المعاني في البلاغة)، وتحدّثنا عن (الخبر)، ومحاضرتنا اليوم عن (الإنشاء).
الإنشاء لغةً: الإيجاد، وهو مصدر الفعل (أنشأَ).
الإنشاء (عند الأُدباء): فنّ يُعْلَم به جَمْع المعاني والتأْليف بينها وتنسيقها ثم التعبير عنها بعباراتٍ أَدبيّة بليغة.
واصطلاحاً عند البلاغيين: كلام لا يحتمل صدقاً ولا كذباً لذاته، نحو: (احضَرْ، لا تُهملْ)، فلا يُنسب إلى قائله الصدق أو الكذب.
بتعبير أدقّ: (إنَّ الإنشاء هو ما لا يحصل مضمونه ولا يتحقق إلا إذا تلفظت به)؛ فطلب الفعل في (احضرْ)، وطلب الكفّ في (لا تُهملْ)، وطلب المحبوب في (التمنِّي)، وطلب الفهم في (الاستفهام)، وطلب الإقبال في (النداء)؛ كلّ ذلك ما حصل إلا بنفس الصيغ المُتلفَّظ بها.
...................................
الإنشاء نوعان: أولاً- إنشاء طلبي. ثانياً- إنشاء غير طلبي.
أولاً- الإنشاء غير الطلبي: هو ما لا يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب، ويكون بالصيغ التالية:
أ- المدح. ب- الذم. ج- صيغ العقود. د- القسم ه- التعجب و- الرجاء.
الإنشاء غير الطلبي لا يبحث عنه علماء البلاغة؛ لأن أكثر صيغه في الأصل أخبار نقلت إلى الإنشاء.
أ- المدح والذم: ويكونان بالفعلين (نِعمَ وبِئسَ) وما جرى مجراهما، نحو: (حبَّذا، ولا حبَّذا)، والأفعال المُحوَّلة إلى (فَعلَ)، نحو: (طاب زيدٌ نفساً، وخبثَ سعدٌ أصلاً)، كما شرحنا في محاضرة (أسلوب المدح والذمّ) في النحو.
ب- العقود: وتكون بالماضي كثيراً، نحو: (بعتُ، اشتريتُ، وهَبتُ، وأعتقتُ)، وبغيره قليلًا نحو: (أنا بائعٌ، وعبدي حرٌّ لوجهِ الله تعالى).
ج- القَسَم: وحروف القسم هي: (الواو والباء والتاء واللام)، نحو: (لَعَمْرُكَ ما قلتُ سوى الحقِّ)، {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ}.
د- التعجّب: ويكون بصيغتين قياساً: 1- (ما أفعله!) 2- (أفْعِلْ به!)، وبغيرهما سماعاً، نحو: (للهِ درُّهُ عالماً!)، {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ؟}.
ه- الرجاء: ويكون بالأفعال: (عسى، حرى، اخلولق)، نحو: {فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ}، وبالحروف، نحو: (لعلَّ الغريبُ يعودُ).
........................................
ثانياً- الإنشاء الطلبي: هو الذي يستدعي مطلوباً غير حاصل في اعتقاد المتكلم وقت الطلب
وهو الإنشاء الذي يبحث عنه علماء البلاغة، وأنواعه خمسة
أولاً- الأمر. ثانياً- النهي. ثالثاً- الاستفهام. رابعاً- التمني. خامساً- النداء.
......................
أولاً- الأمر: هو طلب حصول الفعل من المُخاطَب على وجه الاستعلاء، مع الإلزام، وله أربع صيغ:
أ- فعل الأمر، نحو: {يَا يَحْيَى، خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}.
ب- الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر، نحو: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}.
ج- اسم فعل الأمر، نحو: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}.
د- المصدر النائب عن فعل الأمر، نحو: (سعياً في سبيلِ الخيرِ).
قد تخرج صيغ الأمر عن معناها الأصلي وهو (الإيجاب والإلزام) إلى معانٍ أخرى تُفهَم من سياق الكلام، وقرائن الأحوال:
أ- الدعاء: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ}. (عِشْ عزيزاً مُكرَّماً).
قال المتنبي: (تَرَفَّق أَيُّها المَولى عَلَيهِم... فَإِنَّ الرِفقَ بِالجاني عِتابُ).
{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}.
ب- الالتماس، كقولك لمن يساويك: (أعطِني الكتابَ، أيُّها الصَّديقُ).
من قصيدة لقسّ بن ساعدة:
"خَليلَيَّ هُبّا طالَما قَد رَقَدتُّما... أَجِدَّكُما لا تَقضِيانِ كَراكُما".
ج- الإرشاد: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ، وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ}.
من قصيدة للطغرائي:
"قد رشَّحوك لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ... فاربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهَمَلِ".
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}.
د- التهديد: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
ه- التعجيز: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ). {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
من قصيدة لحاتم الطائي: "
"أَريني جَواداً ماتَ هَزلاً لَعَلَّني... أَرى ما تَرَينَ أَو بَخيلاً مُخَلَّدا".
قال الفرزدق يهجو جريراً:
"أُولَئِكَ آبَائي، فَجِئْني بمِثْلِهِمْ... إذا جَمَعَتْنا يا جَرِيرُ المَجَامِعُ".
و- الإباحة: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}،
ونحو: (تصرَّف كما تشاءُ).
ز- التسوية: {اصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا}. {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
قال كثير: "أسيئِي بِنا أو أحسِني لا ملومةٌ... لدينا ولا مَقْلِيَّةٌ إنْ تَقَلَّتِ".
ح- الإكرام: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ}. (أقدِمْ، فنحنُ بك مُرحِّبون).
ط- الامتنان: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ}.
ي- الإهانة: {كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا}.
من قصيدة لأبي العلاء المعري:
" أرى العَنْقاءَ تَكْبُرُ أن تُصادا... فعانِدْ مَنْ تُطيقُ لهُ عِنادا".
ك- الدوام: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.
ل- التمني، قال امرؤ القيس:
"ألا أيُّها الليلُ الطويلُ ألا انْجلِ... بصبحٍ وما الإصباحُ منكَ بأمثلِ"
م- الاعتبار: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ}.
ن- الإذن، كقولك لمن طرق الباب: (ادخلْ).
س- التكوين: {كُنْ فَيَكُونُ}.
ع- التخيير: (خذْ روايةً أو ديواناً).
ف- التأديب: (كُلْ مِمّا بينَ يَدَيك)، (احترمْ مَن علَّمَكَ).
ص- التعجب: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ}.
..................
نلتقي في المحاضرة الخامسة القادمة (من أبواب علم المعاني الإنشاء- النهي).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا