الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 3

علي دريوسي

2023 / 10 / 17
الادب والفن


ينطلق الميكروباص في رحلته إلى المقام في السادسة صباحاً.
سيعود في السابعة مساء لإرجاع الناس إلى بيوتها في القرية بحسب الاتفاق.

المزار في قمة الجبل يبتعد عن الشارع الإسفلتي مسافة ليست بالقصيرة، الدرب الموصل من الشارع إلى المزار ترابي مغبر وعر وضيق. يحمل الآباء أطفالهم على الأكتاف، يحمل الشباب اليافعون جداتهم المعمرات أو أمهاتهم المريضات أو المقعدات على ظهورهم القوية. يحمل أحد أولاد أصحاب النذر الخروف المنذور. من النادر أن تجد شخصاً لا يحمل بين يديه شيئاً، فتراه يحمل على الأقل جبسة كبيرة. في الطريق يستريح المتعبون قرب جدول ماء، يغسلون وجوههم وأياديهم، يشربون الماء، بعضهم يتمكن من قطف ثمرة تين، أو رمّان أو إجاص أو تفاح من حقل مجاور وبعضهم يبحث عن التوت البري.

حين وصول المعزومين إلى قمة الجبل تنقسم أسرهم إلى قسمين، قسم منهم يتدفق إلى غرفة المقام والغرف المجاورة له لأخذ ما يمكن أخذه من حصر ومخدات وطرّاحات والقسم الآخر يبدأ بحثه عن مكان مناسب للجلوس وتمضية النهار فيه. بعض المدعوين ممن تعودوا على المشاركة السنوية في هذا الطقس يصل بسرعة إلى هدفه، فهم يعرفون تفاصيل الجبل والمزار، وأين هي الأماكن الرومانسية الهادئة والمخفية عن أنظار الفضوليين. أما أسرة أصحاب النذر فستكون إحدى حجرات المقام محجوزة لهم سلفاً.

في حوالي الساعة التاسعة صباحاً يكون قد استقر معظم المعزومين تحت أظلال الأشجار وبدأوا بإشعال نيراتهم الخفيفة لتحضير قهوة الصباح وأبريق الشاي، إلا قسم قليل منهم يكون قد جلب معه بوتوغاز صغير مخصّص للرحلات، تبدأ استعدادات الناس للفطور، ومن لديه طفل حديث الولادة يبني لطفله سريره المحمي من البرغش والحشرات والمعلّق بغصن الشجرة.

ها هو طفل يبكي طلباً للنوم وها هي أم تهدهده، تدمع عينيها وهي تترنم:
"سألت العين .. حبيبي فين .. أجاب الدمع راح راح منك .. حبيبك ما سأل عنك .. وخلا القلب في نارين".

رجل "حربوق" فطن انتشى تحت شجرة الصنوبر قبل أن يبدأ النهار، حجز خطيب ابنته تحت أنظاره وراح يسليه بأحاديث لا معنى لها والصهر الجديد يتحيّن فرصة الهروب مع خطيبته سلمى بعيداً عن أنظار عمه الأحمق الذي يقص عليه خرافات مُبّهرة ومحشوة بالخرافات:
"كان الشيخ الحاتمي الذي يتبعه والدي يمتطي في الليل حصانه الأبيض ويطير عالياً، يمر بطريقه على زميله الشيخ الغانمي الذي كان بدوره ينتظره على حصانه الطيّار ليطيران معاً إلى الشيخ المعلاوي، فيجدانه بانتظارهما على حصانه المبرقع، وبعد السلام والعناق يطير الثلاثة لمحاربة اليهود الصهاينة في إسرائيل ثم يرجعون إلى البيت قبل طلوع الشمس، يتوضؤون ويصلون الفجر ثم ينامون برفقة زوجاتهم الآمنات الحنونات".

وتحت شجرة في أسفل الوادي، شجرة غير صالحة لمكوث عائلة استند جعفر إلى جذعها وراح يقرأ مراراً رسالة كانت مديحة قد كتبتها له في فصل الشتاء دون أن تسنح لها فرصة اللقاء به قبل هذا اليوم، أن التقته قرب المقام ناولتها له وهربت إلى شجرة أمها وأبيها:
"أكتب لك اليوم يا جعفر والمطر ينهمر في الخارج، أكتب لك وأنا بجانب المدفأة وأشعر بالسعادة لأنني وحيدة في البيت في هذا المساء الرومانسي. كل يوم تخطر لي أفكار كثيرة وأقول لنفسي بأني سأكتبها لك. عندما أبدأ بالكتابة تهرب كل هذه الأفكار لتحل محلها أقمار جديدة .. وهكذا دائماً حتى أنتهي من كتابة الرسالة ولا أكون راضية عنها. لا أعرف فعلاً ماذا فعلت بي، أحسّ أن حياتي انقلبت كلياً رأساً على عقب منذ اِلتقيت بك على باب المدرسة. أشياء كثيرة وكلام أكثر أخبئه في داخلي لأقوله لك. حدث هذا منذ سمعت صوتك. لكنني الآن لا أعرف ماذا أقول لك لذا أرجو أن تعذرني فأنا لا أجيد التعبير كثيراً وأتمنى منك أن تقرأ ما بين السطور والكلمات. غريبة هي الحياة لأنها تجعلنا أحياناً لا نفهمها كما حصل لي معك. ما هذه الأقدار العجيبة التي جعلتني ألتقي بك ذاك اليوم. هذه المصادفة جعلتني أسمع اسمي بطريقة جديدة لم أعهدها في أحد من قبل. لا أعرف، أحسّ أن اسمي لم أسمعه بهذا الجمال من قبل إلا منك".

ها هو شيوعي جلس مع زوجته وأولاده في ظل شجرة بعيدة عن الأنظار، راح يُقلّب سفافيد اللحم فوق النار وبجانبه كأسه من حليب السباع ويحكي نكتة لشخص مثقف مرّ به لإلقاء التحية:

ذات مرة اِلتقى مختار قرية "س" مع مختار قرية "ع" مصادفة في أحد ممرات غرف التحقيق في مركز مخابرات العاصمة. ولأنهما كان يعرفان ويفهمان بعضهما جيداً ضحكا على حالهما ووضعهما المزري:
قال مختار قرية "ع": هل تعلم بأن طبيب الأسنان في قريتنا صار يقتلع الأسنان والأضراس عن طريق الأنف!
قال مختار قرية "س": لا والله. خير؟ ليش؟
أجاب مختار قرية "ع" هازئاً: لم يعد أحد يجرؤ على فتح فمه في قريتنا.


أحد الشباب يمر بمجلس الشيخ راضي يرفع كأسه عالياً ويقول له من باب المشاكسة والمزاح:
"قدحك يا شيخ".
يجيب الشيخ على الفور ودون ان يُتعب نفسه بالنظر إلى وجه الشاب:
"قدح أمك وأبوك".

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا