الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة بطاقة هوية -10- الرؤيا العجيبة المنقذة

باسم المرعبي

2023 / 10 / 17
سيرة ذاتية


مع بطاقة هوية اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، التي جاءت في توقيت، بدا كما لو أنه مخطط له، أستطيع القول أن حياة جديدة قد كُتبت لي. إذ كم من المواقف الخطرة والحرجة لم يكن بالإمكان اجتيازها لولا هذه البطاقة ـ كما سيأتي تفصيل ذلك في قسم لاحق ـ وكأنها، أي البطاقة، كانت أداة من لدن مقدرة عليا شاءتها لي، لتمدّني بأوقات إضافية من الحياة والحرية، كما أنها في الوقت ذاته منحتني فرصة مديدة للتمرد والعصيان على النظام الذي كان يواصل عمله وخططه بإرسال الشباب إلى محرقة الحرب أو إلى ساحات الإعدام، بالنسبة للرافضين، وحتى أولئك الذين هم فعلياً في جبهات القتال لم ينج الكثير منهم، من الموت ببنادق فرق الإعدام، بدعوى التخاذل. وذات ليلة وفي مناخ القلق والضغط النفسي، والترقّب هذا، ولم يتبقّ سوى شهر وربما أقل على انتهاء تاريخ صلاحية بطاقة الهوية التي أحملها، كنت أفكر في كيفية الخلاص من مأزق كهذا، فإذا كانت الأمور حتى هذه اللحظة تسير بشكل آمن نسبياً، فإنه مع نفاد صلاحية الهوية تنتفي تماماً الإمكانية لأيّ فسحة أمان، إلّا ما شاء الله.
لم يكن أمامي سوى خيارين، إما الاستسلام لتنفيذ قرار الفصل الذي تنص التعليمات الداخلية له، على إلحاق الطلبة المشمولين به بالخطوط الأمامية لجبهات القتال، وبالفعل فقد قُتل بعض الطلبة جرّاء ذلك، وهو ما حدثني به أحد الأصدقاء معي في الكلية، ممن شملهم قرار الفصل وكان على درجة كبيرة من القلق، إذ كان ينوي مراجعة دائرة التجنيد الخاص به، تنفيذاً للقرار، بعد تردد استغرق شهوراً. وهو ما لم يخطر لي على بال، ولم أكن مستعداً لتنفيذه بأي حال، حتى مع العيش تحت ظل التهديد بحكم الإعدام، فبقيت على موقفي متجاهلاً قرار الفصل، وكأني لست معنياً به. وكان الموقف على الصعيد النفسي، بالنسبة لي، بالغ الحساسية، فلم أكن لأستوعب أو أريد التسليم بالأمر الواقع الذي يعني انتزاعي المباشر من مقاعد الدراسة، وزجّي في عالم مجهول لا أعرف عنه شيئاً ولا أريده، هو عالم العسكرية والحرب، وما يُفاقم من مشاعر السخط والإحباط لدي أنه لم يتبق لي، عملياً، سوى بضعة أشهر على التخرج. على أن السخط والتمرد ما كانا ليخفّفا من وقع وواقع الخسارة التي مُنيت بها في دراستي ومستقبلي المهني، خاصة وأني كنت شغوفاً باختصاصي، حدّ التقديس، فكنت كالراهب الذي يمارس بإخلاص، العبادة في صومعته. هذا ما كان يمثله لي قسم المسرح الذي اخترت دراسته عن حب ووعي وتصميم. لكل ذلك كان قراري البات هو عدم الامتثال لعقوبة الفصل، احتجاجاً ورفضاً للقرار ومصدر القرار وظروف القرار.

الرؤيا العجيبة المنقذة

في غمرة الهواجس وتلاطم الأفكار في رأسي، وأنا مستلقٍ على فراشي، غفوت تلك الليلة، وكنت لا أزال أسكن الشقة المستأجرة في مدينة الشعب، وإذا بي أرى رؤيا عجيبة، لا يمكن وصفها إلّا بالمعجزة، فقد حلمت أني كنت في المدينة المنورة، مدينة الرسول الكريم (ص)، وثمة إيحاء وتذكير بأحد أسمائها، وهو "طيبة". كان جو الرؤيا مغموراً بموسيقى على درجة من الجمال لا يمكن وصفه حقاً، وصوت يتردّد، لن أنساه ما حييت، وكيف يُنسى صوت كهذا وهو يتكرر أكثر من مرّة، مخاطباً إياي: "إنّ الله قريبٌ منك. إنّ الله قريبٌ منك". صحوت وأنا ممتلىء بالثقة والسرور والشكر لله على هذه الرسالة، وقد كانت بمثابة جواز مرور لي. وصرتُ، على هذا الأساس، أتصرّف باطمئنان، لكن دون نسيان الحذر. وأول شيء فعلته في صباح ذلك اليوم، هو أن عمدت إلى بطاقة الهوية التي بحوزتي ومدّدتُ تاريخ صلاحيتها سنتين إضافيتين، بشكل غير متقن وبدائي، وما أعقب ذلك من مغامرة، كما تم تفصيل ذلك في القسم الثاني من هذه السيرة. ورغم كل هذه المخاطرات والمجازفات في جو أمني ملتهب، إلا أن العناية الإلهية كانت هي التفسير للنجاة من تلك المواقف الخطرة التي مررت بها. وقد عرفت من تجربتي الشخصية والحديث هنا عن هذه الجزئية، بشكل خاص، من سيرتي الحياتية عموماً، أن ما من شيء خاضع للصدفة، وإنْ بدت الأمور أكثر الأحيان، وفي مسارها العام أنها كذلك. وهو ما ينطبق على الكون، كذلك، أي أنه محكوم بالقانون ذاته. ما أومن به أيضاً أن زمن المعجزات لم ينقض، بل أن في كل آن تقع معجزة. أتحدث هنا من منطلق من عايش وخبِر هذا الشيء، وحتى اللحظة.
15ـ10ـ2023
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو