الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الواقع والمؤامرة

خالد صبيح

2023 / 10 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


كل ما قيل من كلام تناول زلزال غزة (طوفان (الأقصى) في التحليل، حتى بعض المتهافت والسطحي منه، يمكن قبوله والاقتناع به.

فالحدث كبير ويفتح الشهية على تأويلات كثيرة.

ومع أن التحليل المنطقي والرصين الذي تناول الحدث من زاوية فكرية وسياسية، مستعينا بالتاريخ والمنطق، قد رأى أن المعركة، رغم انها مفاجئة وغير متوقعة، لا بالشكل ولا بالعمق والتأثير، ولا بالنتائج المباشرة ميدانيا لها، هي نتيجة طبيعية واستمرارية لنضال شعب يقاوم احتلالا استيطانيا، إلا أن فكرة المؤامرة، بكل مشوقاتها المعهودة، قد حضرت وبشكل قوي إلى جانبه.

بحسب خبرات التاريخ والمنطق كان الحدث متوقعا. فالفلسطينيون وقضيتهم، لاسيما أهالي غزة، قد عانوا كثيرا، وبأشكال ومستويات متعددة، من القهر اليومي بإجراءات القمع والحصار والتعدي والقتل والاعتقال وقضم الحقوق المتواصل، إلى التجاهل المتعمد لقضيتهم عند الكلام عن امكانية الحل السياسي، رغم عبثية هذه الفكرة. وفي الوقت الذي بدا فيه أن "إسرائيل" قد حصرت بيديها كل مقدرات ومفاتيح القضية؛ بانفتاح أنظمة التطبيع عليها، ونجاحها النسبي في تجزيء القضية وتحويلها إلى مشاكل إجرائية تُعالج مرة بفتح معبر هنا ومنح تصريحات عمل هناك، جاءت العملية العسكرية النوعية لحركة حماس لتهز كل القناعات وتكسر الجمود الذي غلّف كل مجريات السياسة في المنطقة.

والملفت أن الحدث بدا وكأنه يكرر مفاجأة حرب أكتوبر 1973، بكل مقدماتها وتكتيكاتها، فقد حدث هجوم غزة النوعي المباغت في نفس يوم وشهر الحرب الأولى، التي كانت ذكراها الخمسون قد مرت قبل يوم واحد فقط من الهجوم.
والتناظر بين حربي 1973 و 2023 متعدد؛ فقد اتسم الهجومان، من الجانب العربي، بالسرية والمفاجأة والسرعة والإتقان، فيما تكرر المشهد عند "الإسرائيليين"، إذ كانوا في واقعة غزة على نفس حالة الترهل التي انتجتها الغطرسة والشعور المرضي بالتفوق الذي تناوموا عليه بعد هزيمة 1967.

مع ذلك كان الفارق بين وقائع المعركتين، غزة وسيناء، فارقا نوعيا. ففيما كانت الصدمة التي سببتها حرب أكتوبر للصهاينة جاءت من جيشين نظاميين قويين، كانت صدمة غزة أكثر إيلاما وإذلالا لأنها جاءت من مجموعة مسلحة صغيرة قليلة العدد والعدة. ولذا كانت ردة الفعل "الإسرائيلية"، الخطابية والسياسية والعسكرية، حادة وعنيفة وهستيرية.

على مستوى الخطاب تخطت لغتهم كل الاعتبارات التي غلفوا بها خطابهم القديم، رغم غطرسته المضمرة، وأخذوا يعلنون صراحة وبلغة فجة عن توصيفات تصف خصمهم بالدونية واللابشرية، ( حيوانات بشرية). ورغم أن هذه اللغة مألوفة تاريخيا، فقد استعملت بطرق ومستويات مختلفة في الخطاب الاستعماري بعمومه، مثلا عند المستعمرين الأوائل للقارة الامريكية الذين وصفوا السكان الأصليين بالبهائم، لكنها في زمننا المعاصر بدت نغمة شاذة وفضائحية كشفت زيف الخطاب الغربي، الذي تُشكل "إسرائيل" إحدى واجهاته، المتمسح بالديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من متبنيات هذا الخطاب، وزيف ونفاق مواقفه وسلوكه، لاسيما بعد الفضيحة الأوكرانية وازدواج وارتباك معاييره في التعامل معها.

أما على المستوى الميداني الدولي فقد اسرعت الولايات المتحدة إلى نجدة إسرائيل بسرعة فائقة أكثر بكثير من ما قدمته لها في حرب 1973، فقد جاءت مساعدتها في مد جسر جوها الجوي المشهور آنذاك بعد أسبوع من بدء المعارك، فيما هي أرسلت حاملة طائراتها خلال يوم واحد إلى المنطقة، ناهيك عن الدعم الدبلوماسي والسياسي والمالي، وبدأت في نشر التهديدات هنا وهناك لإشاعة الرعب أو لأشياء أخرى سترتبط بفكرة المؤامرة التي ستنتعش في مثل هذه الأجواء. فأينما يحل "اليانكي" وحلفاؤه الغربيون و"الإسرائيليون" ترافقهم، بمودة، هواجس المؤامرة ونظريتها العتيدة.

المفارقة إن أول من صرخ بهاجس المؤامرة هم "الإسرائيليون" أنفسهم. وللإنصاف، فهم محقون في ذلك، فالهجوم المباغت، النوعي والجريء، من الجو والبحر والبر، قد بلبل أفكارهم، فقد كانوا ولعقود طويلة منومين على وهم فكرة أنهم في مأمن وبحماية أقوى جيش في المنطقة، وكان ما حدث أمام أعينهم ولمسوا نتائجه لا يمكن، بحسب ذهنيتهم واعدادهم النفسي، تصديقه، لذا لم يجدوا في تفسير ما وقع، أو ادراكه، غير فكرة المؤامرة.

هم ظنوا أن هناك تواطئا من حكومتهم.

ولم يتأخر خصوم إيران باتهامها أنها كانت وراء تلك العملية من أجل احباط مساعي السعودية للتطبيع، الذي زخرفه إعلامها على أنه سوف يحمل بشائر حل يرضي الفلسطينيين، وهو حل لا يبتعد، في جوهره، عن مشروع الاتفاق الابراهيمي وصفقة القرن الذي هو، في حقيقته، محاولة لرشوة الفلسطينيين، الرافضين أصلا لفكرة هذا الحل، بمشاريع اقتصادية تهدف، كما يُزعم، إلى نشر الرفاه والاستقرار "كذا" بينهم، وكأن مشكلة الفلسطيني والعربي عموما تتعلق بأسباب الحياة المادية وحدها، وليس في الطموح الأوسع والأعمق للحرية والعدالة والكرامة، التي لا تحققها الرفاهية الاقتصادية، إن تحققت، بل العكس، فالرفاه والاستقرار يأتيان نتيجة لنيل الحرية وتحقيق العدالة، ولن يكونا سببا لهما.

ومجتمعات الخليج نموذج بارز لهذه المعادلة الركيكة.

وكان للطرف الآخر هواجسه هو أيضا حول حراك تآمري من نوع ثان، محوره أميركا وأتباعها، وهدفه ضرب إيران وإعادة ترتيب المنطقة بما يتناسب مع خططها، ليس فقط لما للمنطقة من مكانة حيوية للمصالح والهموم الأمريكية، التي يمكن حصرها بشكل جوهري بعاملين رئيسيين: هما الطاقة والأسواق، وأمن إسرائيل. وإنما أيضا، وبشكل لايقل أهمية وخطورة، للتهديد المقلق الذي تشكله الصين، أخطر منافس ومزاحم لأمريكا في كل الميادين والمجالات، لاسيما بعد سعي الصين لإحلال نفسها كبديل موازي للدور الأميركي، الاقتصادي والاستراتيجي، في منطقة الشرق الأوسط بأكملها من خلال عدة مشاريع أهمها الحزام والطريق. وكذلك للتصدي المبكر لمقدمات ولادة محور دولي مواجه وموازي للغرب في المنطقة والعالم (مجموعة بريكس)، يسعى لكسر الإحادية القطبية.

وليس الظن في تآمر أميركا هو من نسج الخيال، ولا نتيجة لذهن مسكون بفكرة المؤامرة، فسلوك أمريكا التآمري تزخر به حوادث تاريخها كله، فقد تورطت أميركا عبر تاريخها بالكثير من الممارسات التآمرية والخطط السرية والانقلابات وغيرها من صنوف التخطيط الخفي.

وما يستوقف النظر هنا، أن الكلام عن هكذا مشروع انقلابي شامل سيغير أحوال المنطقة بأكملها، والذي سيشمل إيران والأنظمة والجماعات التابعة لها، كنظام الحكم في العراق، ردده أحد الساسة العراقيين، (نائب في البرلمان)، وهو سياسي من المعارضة التي أفرزها نظام صدام حسين، وهي معارضة شبيهة بالنظام وصدى له. ومع أن هذا النائب مهرج ودعي، لكن إذا اخذنا كلامه بقدر من الانتباه، ولو على سبيل التسلية، فإن ما وقع في غزة، بحسب عقلية المؤامرة، يبدو وكأنه إشارة البدء في هذا المخطط.

لقد ادعى هذا السياسي بامتلاكه لمعلومات عن مشروع تغيير في المنطقة تقوم به جهة وصفها بأنها (هائلة القوة، عاصفة، مدمرة)، ومع أنه لم يسم تلك القوة، لكن ملامحها واضحة من سياق كلامه عنها، وكان يعني أميركا، وحدد كذلك مدى زمنيا لبدأ تنفيذ هذا المشروع. ومن الواضح أن لا هكذا كلام، عندما قيل في حينه، ولا الشخص الذي قاله، يمكن أخذهما على محمل الجد، لكن، مع ذلك فإن واقعة غزة توحي وكأنها بداية لتحقيق هذا الادعاء. وإذا قبلنا منطق هذه الادعاءات، يمكننا التصور أن غفلة الجيش "الإسرائيلي" وانهياره غير المتوقع، وغير القابل للتصديق، خصوصا لمن يؤمنون بأسطورة (الجيش الذي لا يقهر)، التي أكدت معركة غزة، بما لا يقبل الشك، بطلانها وتهافتها، سيظن أن الأمر كان متعمدا، وأن "الإسرائيليين" كانوا يعلمون أو يتوقعون هذا الهجوم ولكنهم، توافقا مع الخطة الكبرى، سمحوا به لكي يكون ذريعة وباعث على القيام بما ادعاه السياسي العراقي من مشروع تغيير كبير وشامل للمنطقة كلها.

لكن مع تطور الأحداث بعد يوم 7 أكتوبر التاريخي، وصلابة الوقائع على الأرض، وبروز حالة التخبط السياسي لدى الأمريكان و "الإسرائيليين"، وكذلك لدى حلفائهما واتباعهما، والتردد، إن لم أقل الخوف، من تطوير المعركة وشن هجوم بري على غزة، لا تبدو ادعاءات هذه المؤامرة مرجحة ولا قابلة للتصديق والاعتداد.

مع ذلك، لا يسع المتابع، مع غموض الموقف، المفتوح على كل الاحتمالات، وحالة الترقب الذي عليه الحال الآن، سوى القول:

ننتظر ونرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نص خال من اي انسانية ومنظلقاته التراكم الحقدي العن
المتابع- ( 2023 / 10 / 18 - 23:12 )
ومنطلقاته التراكم الحقدي العنصري الاسلاموعربجي ضد اليهود كشعب وافراد وهكذا افكار ومواقف لاتؤدي مطلقا ليس فقط لحل معضله وانما يفاقمها ويسوق للظاعة الخرقاء لكل اساطير الخازوق الفكري صلعم ودين البدو الوحوش وعبقريات الفاشست كناصر الذي كان يعيط ليل نهار سنرميهم -سنرمي اليهود في البحر التفكير وقبلها غسل العقل من كل السموم التي شحنت في ادمغتنا ضد اليهود من المهد الى المدرسة ثم الايديولوجيات الثلاث المقيته الخاليه من اي خلفيه انساني تدعو للتعامل مع الاخر كشريك في الحياة -

اخر الافلام

.. مستشرق إسرائيلي يرفع الكوفية: أنا فلسطيني والقدس لنا | #السؤ


.. رئيسة جامعة كولومبيا.. أكاديمية أميركية من أصول مصرية في عين




.. فخ أميركي جديد لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟ | #التاسعة


.. أين مقر حماس الجديد؟ الحركة ورحلة العواصم الثلاث.. القصة الك




.. مستشفى الأمل يعيد تشغيل قسم الطوارئ والولادة وأقسام العمليات