الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الحرب ضد الحرب
ساطع هاشم
2023 / 10 / 18الارهاب, الحرب والسلام
تروّج الدعاية الإعلامية الأميركية دائما الى فكرة ان الدمار الذي تحدثه الحرب ليس في حد ذاته حجة ضد شن الحرب، لان التدمير يستهدف أولئك العصاة عن طاعة أمريكا وحلفاؤها ومصالحها الحيوية، فالحرب اذن ضمن هذا المنطق في العالم المنقسم حاليا الى دول رأسمالية وإمبريالية متعددة ومتقاتلة فيما بينها حتمية، وامراً عادياً لامفر منه، وحتى عادلة عند مشعليها وينبغي علينا توقعها والتأقلم معها، بعد ان اختفت البلدان الاشتراكية وقلعة السلام السوفياتية.
وهذا يقودنا الى السؤال القديم التالي:
اذن كيف يمكننا المساهمة على أفضل وجه في الدفاع عن السلام ضد قوى الفاشية العسكرية والدينية؟
وكيف ستكون ردود أفعالنا على هذين النقيضين، اقصد حروب المصالح الامبريالية الامريكيه وحلفائها، وحروب النضال العادل ضد الفاشيات المنتشرة حول العالم وفي سبيل الحرية والسلام؟
لفترة طويلة اعتقد بعض الفنانين والمثقفين اليساريين والثوريين بالعالم (الغربي خاصة) أنه إذا أمكن جعل الرعب مرئيا وحيويا بما فيه الكفاية عن طريق الصور الفوتوغرافية والادب والفن والثقافة بشكل عام، فإن معظم الناس سيستوعبون أخيرًا فظاعة الحرب وجنونها، ويناضلون ضد مشعليها وإيقافهم.
وهكذا انتشرت ظاهرة الحرب ضد الحرب في الثقافة الأوروبية وانتشرت بعدهم الى كافة انحاء العالم، فامتلات معارض الفن والسينمات والصحف والكتب والروايات بلوحات وصور وافلام واقعية وتعبيرية تصور الحروب وجرائمها طوال الفترة مابين الحربين العالمية الأولى والثانية.
وبعد ان عجزت الفنون على إيقاف الحروب واشتعلت حرب أخرى اكثر همجية، ودب اليأس بالنفوس، تم طرح الأسئلة بشكل اخر:
هل صحيح أن هذه الصور والاعمال الفنية، التي توثق المذابح والهمجية، لا تحفز على نبذ الحرب؟
هل نتألم من هذه الصور؟
هل سيسعى بني البشر جاهدين حقا لإلغاء أسباب هذا الخراب، وهذه المذابح، بعد اطلاعهم على هذه الاعمال الفنية؟
وهل هذه هي مهام الفنانين ؟
من المؤكد أن صور الجثث المشوهة يمكن استخدامها للتحفيز على إدانة الحرب، ويمكن أن تعيد إلى العقل المرتاب، ولأولئك الذين ليس لديهم خبرة بالحرب على الإطلاق، ولو لفترة قصيرة جزءًا من واقعها، لكن الصور لا تظهر في الواقع ما تفعله الحرب في حد ذاتها، لإنها تظهر على الاغلب طريقة شن الحرب، خاصة عندما يكون المدنيون هم الهدف, حيث تعكس الأحداث الكارثية وأهوال الرأسمالية في المناطق التي مزقتها الإمبريالية, والتي لم تقدم لها سوى مستقبل من البؤس والفقر والقمع والحرب.
لنقرأ في الصور اذن ونرفض السياسة
قد تجيب آلاف الصور المنتشرة في وسائل الاعلام والأفلام التلفزيونية هذه الأيام بان ليس هناك تقدم ابداً او دليل، لا شيء على الإطلاق، على نبذ الحرب والتخلص منها، فرؤية صور الحروب يوميا قد تجعلك تبكي, مصحوبة بالشفقة والاشمئزاز والتساؤل عن حقيقة الصور الاخرى التي لم يتم عرض وحشيتها ووفياتها وكيف ستكون، ثم تتوقف هناك في هذه المحطة وانت مسلوب الإرادة، وغير قادر على فعل شيء او الاستمرار.
يقوم المشاهد في عالم وسائل الاتصال الحديثة في عصرنا المرتبك هذا، بجولة يومية تصويرية مؤلمة وهو يشاهد ساعات الخراب والذبح والانحطاط من صور المباني والأماكن العامة المدمرة والقرى المسلوبة، والمزارع المطموسة، وحافلات الركاب وسيارات الإسعاف التي تم نسفها، والمركبات المحطمة، والمعترضين المشنوقين، وبيوت الدعارة العسكرية، وجنود في سكرات الموت بعد هجوم، وأطفال موتى بالمئات واخرين مثل هياكل عظمية.
وكالعادة فبعد كل جولة حرب هناك صور المجاعة وبعد المجاعة هجمة الامراض والحمى والقيء الأسود, وتقريبا جميع الصور والأفلام من الصعب النظر إليها، ولا سيما صور المدنيين القتلى المنتمين إلى مختلف الأعراق وهم يتعفنون أكواماً في الحقول والطرق وفي ساحات قتال الخطوط الأمامية.
كل هذه الصور التي تفطر القلب وتثير الغثيان انما تتحدث ببساطة عن نفسها، وعن شر الأيديولوجية العسكرية الرأسمالية ومقابرها الجديدة، ليس فقط لتذكيرنا عن عدد الملايين من الشباب الذين تم ذبحهم والتضحية بهم من أجل هذه النزعات العسكرية البربرية المنتشرة, ولكن أيضا لتعزيز الحكم الذي سيجلبه هؤلاء الموتى يوما ما ضد السياسيين والجنرالات في أمريكا وأوروبا وغيرها من الاماكن عندما يأتي وقت للسلام والقصاص.
اما الان فالضحايا ينتشرون بيننا كجيش من الأشباح المتهالكة التي ترتدي زيًا متعفنًا ووجوه مشوهة، ينهضون من قبورهم وينطلقون في كل الاتجاهات مما يتسبب في حالة من الذعر الجماعي بين سكان العالم الذين يتم حشدهم وتهيئتهم نفسيًا هذه الأوقات في دولهم استعدادا لحرب عالمية جديدة قادمة لا محال، ويتم الهتاف من الان لهذه الاستعدادات كالعادة كما تقول دعايات المتحاربين على أنها (الحرب الأخيرة لإنهاء كل الحروب).
لنتذكر ان الجنرال فرانكو كان يستخدم أساليب القصف والمذابح والتعذيب وقتل وتشويه السجناء، عندما كان ضابطاً يقود فرقة تعذيب في المغرب في عشرينيات القرن العشرين، وكان ضحاياه آنذاك من العرب المغاربة والافارقة، قبل ان يصبح ضحاياه من مواطنيه في اسبانيا، ومثال هذا المجرم ظل يتكرر الى الان.
"لقد قررت البدء في الرسم مرة أخرى، لقد فات الأوان بالنسبة لي للقتال على المتاريس، لكن لا يزال بإمكاني إطلاق النار من فوق."
شيمودانوف – طبيب اسنان ورسام كاريكاتير سياسي روسي، مات في سجون القيصر سنة 1908
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. بعد تأكيد مقتل هاشم صفي الدين.. ما تأثير ذلك على حزب الله؟
.. الجيش الإسرائيلي يرصد صاروخين في منطقة حيفا
.. سقوط عدد من الصواريخ أطلقت من جنوب لبنان على منطقة روش بينا
.. استشهاد طفل إثر إطلاق الاحتلال صاروخا على مدرسة لنازحين بدير
.. كولومبيا وإسبانيا تجليان رعاياهما من لبنان