الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خذلناهم، لكنّهم سينتَصرون، وسيعيدون رسم خريطة العالَم.

ازهر عبدالله طوالبه

2023 / 10 / 19
القضية الفلسطينية


لا أدري مِن أينَ أبدأ، كما لا أدّري كيفَ سأنهي. فالخُذلان، والعجز، وقِلّة الحيلة، وأكثَر، كُلّها أمورٌ تنهشُ بقلوبنا، وتقطَع ما بقيَ بنا مِن أنفاس. لكن، ها نحنُ نُحاول أن نفقأ أعيُن الخُذلان، وأن نُعطّلَ رِأتا العَجز، ونُعقلِن قلّة الحيلة؛ علّنا نتمكَّن مِن تقديمِ شيءٍ لإشقائنا الذينَ يُقاومونَ في النّصف الآخر مِن جسدنا المُحتَل..ذاكَ النِّصف الذي ما زالَ يُلملِم آلامهُ، ويضمِّد جراحهُ، ويمضي، ويمضي.. يمضي نحو ما يجِب أن يكون، حيث الحُريّة والتحرُّر.

إنّها لحظةٌ مفصليّة في تاريخ الأمّة، ليسَ الأمّة العربيّة والاسلاميّة فحَسب، بل في تاريخ الأُمّة الإنسانيّة، التي يُفترض أنّها لا تُفرّق بينَ إنسانٍ وآخر، لا مِن حيثِ المُعتقَد ولا مِن حيث الجِنس، ولا مِن حيث القوميّة ولا مِن حيث لون البَشرة. وهذا ما تؤكِّدهُ القضيّة الفلسطينيّة، التي لا يُمكِن أن تكونَ محصورةً في إطارٍ مُعيّن، لا زمانيّ ولا ثقافيّ ولا أيديلوجيّ ولا عرقيّ. فهي، أي القضيّة الفلسطينيّة، "حِراسةٌ لقيمةِ العدالةِ مِن التّناقُض، دِفاع عن الإرادةِ الحُرّة ضدّ كُلّ سُلطةٍ مُغتَصِبة".

سيسأل البعضَ منكُم، ماذا بوسعِنا، كشعوبٍ عربيّة، أن نُقدِّم والكثيرَ مِن الأنظِمة العربيّة التي نقبَع تحتَ حُكمِها، تتردَّد في تقديم أيّ دعمٍ ماديّ لمَن يُقاومونَ على الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة؟!

نَعم، هناكَ تردٍّ في تعامُل الأنظِمة العربيّة، بل أنَّ هناكَ حالة مِن الخوف الغريب لديهم ؛ خوفٌ ليسَ مجبولًا بأيّ نكهةٍ سياسيّة، ولا عسكريّة، وإنّما هو خوفٌ مِن أيّ تُهمةٍ بالنَّصر. إنّهُم خائفونَ مِن إظهارِ انتمائهم للبُطولة، خائفونَ مِن تمثيلِ الحَدث -على ضخامته- بلغةٍ تُترجمه لوزنٍ سياسيّ.
وفضلًا عن ذلك، فإنَّهُم حتى في أحاديثهم التي يُطلّونَ على شُعوبهم بها، تجِدهم يتحدَّثونَ بارتِباك ؛ خشيةً مِن تأويلات الكيان المُحتَل لحديثهم، وما قَد يوحي به.
لقَد بلغَ فُقدانهم للقيمة الذاتيٍة حدّ استعدادهم التهرُّب مِن أيّ فخرٍ مُتَّصل بهم.

وبكُلّ أمانةٍ وصِدق، وبعيدًا عمّا تُحدِثهُ هذه الأنظِمة بشعوبها. فإنّ هذا الخَوف ليسَ خوفًا من الفشل، ليس تعبيرًا عن ضُعفٍ أمامً عدوٍّ مُتجبِّر، بل هو مستوىً صادم من انسحاق الذّات، وفزع من أن يراهم عدوّهم في لحظةِ تلبُّسٍ بأيِّ مسحة انتصار.
إنَّهُم لا يجتهِدون بشيءٍ بقدرِ اجتِهادهم في مُواراةِ أنفُسهم ؛ كأنَّهُم يحجُبون عن أنفُسهم فضيحةً ما.
مآساتُنا لم تَعُد عجز عن مواجهة العدو ؛ بل رغبة بالاحتفاظ بموقعِ المهزوم ونفي أيّ طموحٍ بالنَّصر.


أمّا عن الفلسطينينَ المُقاومين، العُزّل، الذينَ يقِف "العالم الإنسانيّ" اليوم مِن أجلِهم، بل مِن أجلنا جميعًا، فهُم نحنُ ونحنُ هُم.
إنّهُم قومٌ لديهِم مِن العُدّة والعِتاد ما يُعادل ما تمتَلِكهُ سريّة واحِدة مِن سرايا جيشِ الاحتلال...وعلى الرغم من ذلك، فإنّهُم يُقاومونَ جيشًا مُنظّمًا، لَم تستَطِع جيوشٌ مُنظّمة في المنطِقة أن تُواجِههُ، متذرِّعةً بفارقِ القوّة، والتقدُّم العسكريّ والتقنيّ.
إنّهُم يُقاومون، ويبعثونَ برسائلٍ شديدة اللّهجة للكيان الاستيطانيّ، مضامينها كثيرة، وكُلّها على درجةٍ عاليةٍ من الأهميّة، إلّا أنّ أهمّها : " أنّهُ لو أبادَ الاحتلال كُلّ الغزيّيين، بل كُلّ الفلسطينيين، فإنّه لن يستَطيع أن يمحو العارَ الذي ألحَقتهُ المُقاومة بجيشهِ الذي دبَّ الرُّعبَ في قلوبِ حُكام المنطقة، بل العالم، وفي حقيقة الأمر ما هو إلّا جيشٌ مُتهلهِل.
و وحشيّة ردّه، تُعزِّز المُقاومة، وتُثبت أخلاقيّة الفعل المُقاوِم بكلّ السُبل المُتاحة.
لهذا إخوَتي، علينا ألّا نتباكى، وألّا نهُن، وألّا نحزَن..كما علينا أن نُقدِّم للفلسطينينَ الذينَ يُقاومون، كُلّ ما بوسعِنا.
فلنسانِدهُم ؛ ليليحشّدوا مزيدًا من الثبات، وليُواصلوا الكَر، وليُشعِلوا بجراحِهِم مزيدًا مِن العُنفوان، ومُواصلة المُجابهة، وليظهِروا للعالم أنّ صاحب الحقّ لا يُفرّط بأرضه، وأنّ الأرضَ المُغتصَبة، لن توفّر فرصةً أتيحَت لها لتبتَلع كلّ كريهٍ مُغتَضبٍ لها، ساءَت مِن وجوده عليها..والأرض الفلسطينيّة المُحتلّة هي هكذا، وستلفظ كلّ نحسٍ وطأ أرضها، ودنّس تُرابها.

إنَّ ما أحدَثتهُ المُقاومة الفلسطينيّة، ما هو إلّا انقلابًا في العقائدِ القديمة حول سُلوك الجماهير الشعبية. كما يقول جيفارا في كتابه "مبادئ حرب الغوار". حيث أنَّ القِوى الشعبيّة، تستَطيع أن تكسبَ حربًا ضدّ الجيشِ النظاميّ. وبالفِعل، هذا ما أكّدتهُ المُقاومة الفلسطينيّة في حربها المُخاضة ضدّ جيش الاحتلال.

وهذا يدّفعنا دفعًا، لا مخاوفَ منهُ، إلى أن نقولَ بصوتٍ عالٍ: إنّ زوال إسرائيل، لَم يعُد حلمًا، داعبتهُ عُقول الأجيال العربيّة، ولا أُمنيةً تمنّاها عاشق تقطَّعت به السُّبل. فمنذُ السّبت، أصبحَ زوال جُرثومة إسرائيل مِن أحشاء جسدنا الشاميّ المُحتَل، أمرًا أقرَب للإمكان منهُ للاستِحالة. فكُلّ وجودٍ باطِل، مهما طال، يُمكِن تهميشه، ومِن ثمّ ليّ عُنقه".
وخِتامًا، أقول، بأنَّ الفلسطينيّ نزعَ عن عقله عباءةَ دراما "اللامعقول" وانتفضَ بوجهِ العالَم ؛ ليُعقّلِنَهُ. وها هو يُصحِّح انحراف التّاريخ، ومعهُ غدى المُستحيل، مُمكِنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: هل تنجح مفاوضات الهدنة تحت القصف؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. مراسل شبكتنا يفصّل ما نعرفه للآن عن موافقة حماس على اقتراح م




.. واشنطن تدرس رد حماس.. وتؤكد أن وقف إطلاق النار يمكن تحقيقه


.. كيربي: واشنطن لا تدعم أي عملية عسكرية في رفح|#عاجل




.. دون تدخل بشري.. الذكاء الاصطناعي يقود بنجاح مقاتلة F-16 | #م