الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يستدرج الشاعر التونسي القدير د. طاهر مشي الشعرَ إلى جمال الحيرة..ووَجَع السؤال

محمد المحسن
كاتب

2023 / 10 / 19
الادب والفن


-"لا شيء يجعلنا عظماء مثل ألم عظيم"( الشاعر الفرنسي ألفريد دي موسي)

-الشاعر التونسي الكبير د-الطاهر-شق طريقه الوعرة بثبات فراشةٍ وصلابة فارس نوميدي ووصل متوجًا بإكليل من الإبداع الخلاق إلى حدائق الشعر،فتتالى النشر والانتشار..وانبهر القراء بإبداعاته المذهلة..هنا..وهناك..(الناقد)

-« الشعرهو النافذة التي أطل منها علی الحیاة وأشرف منها علی الأبد،وماوراء الأبد هو الهواء الذي أتنفسه والبلسم الذي دأویتُ بها جراح نفسي عندما نالت مني المواجع في زمن مفروش بالألم» (د-طاهر مشي)

منذ وجد الإنسان هو یعانی أزمة الحیاة ویدرک ما فيها من خیر وشّر وسرور وحزن .شعور الإنسان بالألم و الحزن ظلّ رفيقه في الحیاة،وهذه الآلام تکون لفقد عزیز أو أمنیّة أو نعمة أو تکون لحرمانٍ مما یحب ویرید في الحیاة.نحن نجد بیان هذه الإختلاجات في شعر الشعراء من العصر الجاهلي حتی شعراء العصر الحدیث،ونراه خاصة في أشعار المذهب الرومانسي کالشعور الحاد بالألم عند أبي القاسم الشابي..ود-الطاهر مشي في بعض قصائده
يقول شاعرنا د-طاهر مشي عن شعره «هو النافذة التي أطل منها علی الحیاة وأشرف منها علی الأبد،وماوراء الأبد هو الهواء الذي أتنفسه والبلسم الذي دأویتُ بها جراح نفسي عندما نالت مني المواجع في زمن مفروش بالألم»
النسيان هو الفناء الذي يترصد الذاكرة،بينما الذاكرة هي ذروة سنام النضال الإنساني تجاه الفناء الذي يترصد أنفاس الحياة فوق الأرض،قبل أن يودي بها الفناء الأخير إلى أرذل النسيان تحت الثرى،ولذا لا تتخلق الذاكرة إلا في رحم النسيان،ولا تولد إلا على مهد منه،بينما النسيان سياج أبدي مضروب حول كل جهات الذاكرة في متلازمة قدرية لا انفكاك لها ولا تراتبية تحكم طرفيها،إنما سجال أزلي بين سطوة المحو وأحلام البقاء !
وعليه نقول إن اجتراح ذاكرة للأشياء هو الحيلة الإنسانية الأقدم لمجابهة النسيان،وهو جزء من صراع الإنسان الأبدي مع الفناء بمختلف أشكاله وتجلياته،والتي يعد النسيان ضمن صورها الأقسى،حتى ليبلغ به الحال أن يكون معادلا للموت ذاته،بل ربما عد الموت فناء رحيما إذا ما قيس بمواجع النسيان وفادح خساراته في كثير من الأحيان
وحين يكون العمل الإبداعي هو الناهض بمهام الذاكرة فإنه حتما يتحرك ضمن إطارين اثنين: الإطار الفني،والإطار التوثيقي،ويراوح بينهما بحرفية لا تكتفي بالأول فتكون محض إبداع لا أثر فيه لمكنون الذاكرة،ولا تتماهى بالآخر فتكون مجرد وثائق متلبسة حللا فضفاضة من الإبداع لا تمنحها شرعية الانتماء لمفهوم العمل الإبداعي الحقيقي..
هذه اللوحة الشعرية النازفة تطرح قضية نفسية قد تكون نتاج تجربة شخصية للشاعر أو هي معالجة لقضية ما..ربما هزت مشاعر الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي.. :
ها أنا شارد..في تفاصيل الغياب

كل الأحلام رسمتها

في خارطة النسيان

يؤرقني ذلك الشرخ

مازال ينزف من ذاكرتي

وانشقت البسمة عن الشفاه

كما كنت ملقى جريحا

على ناصية الوجع

لا شيء ينقصني

فما تزال الأدران تسكن أوردتي

يقودني إلى حافة الجنون

شاردا في تفاصيل الغياب

من يقاسمني الوجع

كما الطوفان تجرفني غريبا

لا أعرف نفسي

ولا نفسي تعرفني

لا شيء ينقصني

كما أحلامي الموؤودة

إن الشعر الحقيقي،وهو يتجه نحو الحقائق ويقتحم اللحظات التاريخية،لا ينسى أنه في جوهر تكوينه الفني سياق من المجاز وفيض من اللغة الشعرية،وهذا ما تتبناه قصائد الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي.فهي شعر قبل أن تكون تبليغاً،وهي نص إبداعي يعكس شعريته الباذخة في ثرائها بمكونات العمل الفني الرفيع بامتياز لا من خلال اللغة والصورة فحسب وإنما من خلال الرموز أيضاً
لقد كسر الشاعر الفذ د-طاهر مشي الطوق الأسطوري لبعض مجموعات الشعراء التي كانت تحجب الأصوات الجديدة وتحتكر الحياة الثقافية التونسية،فكان شعاعًا وضّاءً مغايرًا بتشقيقات لغوية لم تعرفها أرض القصيدة التونسية من قبل.وهو-في تقديري-موجة مخاتلة،متفرّدة كصخرة تنبت في حديقة يابانية
-د-الطاهر-شق طريقه الوعرة بثبات فراشةٍ وصلابة فارس نوميدي ووصل متوجًا بإكليل من الإبداع الخلاق إلى حدائق الشعر،فتتالى النشر والانتشار..وانبهر القراء بإبداعاته المذهلة..هنا..وهناك..
وإذا كانت التقنيات الروائية تساعد المبدع علي الاختفاء وراء شخصياته أو رواته لكي لا نستطيع كشف تضاريس آلامه،فإن الشعر بإصراره علي تمثيل الذات الفردية يضاعف مهمة المبدع في التنصل من تورطه العاطفي.ومهما حاول الشاعر أن ينأي بنفسه عن التجارب التي يسجلها في قصائده،إلا أنها تظل تلقي بظلالها علي شخصيته.فالشعر مرآة عاكسة للتجربة الذاتية التي تنفصل عنه لتصبح تجربة موضوعية إنسانية.فإمساك اللحظات الهاربة المنفلتة، وتسجيلها في قصائد تسيل عذوبة ورقة لا يتم إلا لذات تسامت بألمها وتفاعلت معه تفاعلا إيجابيا خلاقا،لتنسحب هذه التجربة علي كل الذوات الأخرى المنفصلة عنها.لطالما كان الألم مصدرا للشعراء وينبوعا لا ينضب،فقد غصت بيانات الرومانسيين بعبارات الاحتفاء بالألم وتمجيده.ألم يقل ألفريد دي موسي : لا شيء يجعلنا عظماء مثل ألم عظيم وعلي هذا الوتر يعزف الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي ليوقع قصيدته-الموجعة-ها أنا شارد..في تفاصيل الغياب"
إن وعي الذات الشاعرة بخصوصية ألمها ومعاناتها،يجعلها تصر علي تفريد هذه المعاناة ورؤيتها من زوايا غير مألوفة أو مطروقة،ويكرس الشاعر الطاهر من خلال الأنا المتكلمة المصاحبة للشاعر،والمتخفية في ذات الآن في-ثنايا-القصيدة،تريد أن تنأى-في كثير من قصائده-عن أي التباس قد يحصل من خلال إقامة مسافة بين الذات وبين موضوع ألمها،وذلك باستخدام الشاعر لضمير المتكلم الذي يعني أن لحظة الكتابة هي لحظة استمرارية الألم،أو استعادة له علي الأقل..
لطالما كان الوجع تجربة فريدة لا تستعاد،لطالما عجزنا أن نعيشه،وأن نستعيده عبارات وألفاظ،لا نعيش الألم،أو الوجع بتعبير أدق،إلا مرة واحدة كما لا نستحم في النهر مرتين
استعارة الألم والوجع : شكلت المرأة على الدوام مصدرا ملهما للشعراء،بما يسببه فقدها من آلام،ووصالها من سعادة،لكن قلما انتبه الشعراء والمبدعون إلي لحظات السعادة،ففي هذه اللحظات يستجيب الشعراء لنداءات اللذة والمتعة.أما في لحظات الألم فالشعراء يهبون إلى الصفحات الصقيلة يخضبونها بمواجعهم،لحظات تعكس التفرد الإنساني،اللحظات التي يدرك فيها المبدع وجوده الإنساني باعتباره كائنا متألما،أو باعتبار أن الألم يدل علي الحياة.وتجليات البقاء على قيد البقاء
ربما يكون من اليسر بمكان أن نتبين مدى انسجام النص مع حقيقة كونه ذاكرة انطلاقا من بنيته الشكلية وإطاره الخارجي،على أن مقاربة تلك الحقيقة استنادا إلى حمولات النص ومضامينه،وانطلاقا من عمقه أمرا ليس باليسير،والتوصل إليه يتطلب إيغالا فيما يسيجه ذلك الإطار الخارجي بداخله من البنى اللغوية،وما تنطوي عليه من مضامين النص وطاقاته النفسية والعاطفية،وما استطاع أن يؤويه إلى عوالمه من دلالات،إيحاءات وأبعاد،وما تمليه عملية التذكر،ومدى حيوية تلك العملية إلى جانب الصهر الإبداعي لكل ذلك في قالب النص الذي اضطلع بمهمة شاقة توثق للإبداع وتبدع للتوثيق لتثمر ذاكرة تختزل بداخلها الشوارع ويمتزج فيها الزمان والمكان لتبقى شاهدا يتأبى على النسيان..
لم تخل القصيدة من بعض الانزياحات الدلالية والصور البلاغية التي تناثرت هادئة بين الأبيات التي هذبها الشاعر وأبدع في تطريزها..
كانت الصور تتسلسل طيعة غير مصطنعة وكأنها زبدة لمخيض الوجع الذي شكلها على مقاس معين ليستسيغها القارئ وهو يتتبع أبياتها بهدوء و..كأنه ينتظر مع الشاعر بصيصا من النور
ومن البيت الأول تستوقفنا الموسيقى بتأثيرها الفعال في بلورة الحس الجمالي لهذا النص معتمدة على تلك الأصوات اللغوية المتناغمة لتُخرجَ ما اكتنف الحالة الشعورية المكتنزة على وتيرة واحدة لم ينطفئ أوارها من أول حرف إلى آخر كلمة وهذا بطبيعة الحال لا يكون إلا بالإيقاع الداخلي والخارجي الذي تؤسسه الحروف والكلمات وتشيده الدلالات والإيحاءات
فطوبى للشعر بقلوب تعطي الأدب لوحات من جمال متفرد
ما قبل الخاتمة :
یختلف الشعراء في إحساسهم بالکون أو بأنفسهم وما حولها إختلافاً مبعثه العمق والحدّة في الإدراک والنفوذ إلی بواطنهم وبواطن ما یصوّرونه ونری الشعراء تارة یفيض شعرهم باللذة والفرح،وتارة یفيض بالحزن والألم العمیق
نری في الأدب العربي شعراء ممن نشدوا أشعاراً لبیان ما في حیاتهم من الألم والشعور بالحرمان طوال عصور مختلفة کما نلاحظ امرؤ القيس،في المجتمع الجاهلي یقول عن همومه:

ولیلٍ کموج البحر أرخی سُدوله علیّ بانواع الهمومِ لیبتلي
فقلتُ له لمّا تمطّی بصلبه وأردف أعجازاَ و ناء بکلکل
ألا أیّها اللیل الطویل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منک بامثل

الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي..شاعر باذخ الحرف..يعرف من أين يورد الشعر..يمتطي صهوة الحرف ويحلق بالقصيد بأجنحةٍ من تميز..
د-طاهر مشي أراه وأؤمن بأنه علامة فارقة في عالم الشعر الفصيح على صعيد الشعراء العرب بشكل عام،وعلى صعيد شعراء الفصيح في بلادنا (تونس التحرير)
له مني باقة من التحايا المفعَمَة بعطر الإبداع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا