الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الله البردوني ...ما أصدق السيف!

عبدالرحمن محمد محمد

2023 / 10 / 19
الادب والفن


لا يذكر اليمن إلا ويكون اسم شاعرها حاضرا في البال، ولا يذكر الشعر أيضا إلا ويكون اسمه على لسان المتحدثين عن بلاغة الشعر وفصاحة المعاني، والجزالة الموشّاة بالأصالة والعمق الفلسفي والألم الذي يوجع القلب ويهز الكيان.
إنه الشّاعر اليمني والنّاقد والمؤلّف عبد الله بن صالح البردوني، الذي ولد في قرية البردون عام 1929م في محافظة ذمار في اليمن، وقد عاش وترعرع في بيئة ريفية، وكان البؤس والشقاء رفيقه منذ طفولته، إذ فقد بصره وهو في الخامسة، بعد إصابته بالجدري، ولكنه أبى إلا ان يتمرد على ما سلبته منه الحياة، والتعويض عن النقص الذي رآه فيه ممن يحيطون به، في مجتمع يتفاخر بالرجل السوي القوي والكامل في القوام والبدن، وهو الضرير الصغير.
كانت خطواته الأولى في تحدي كل ما يحيط به؛ العلم، اما الثانية فكانت التميز والنبوغ، وبدلاً من ان يعتكف وينعزل عن الناس لفقدانه البصر، تناغم وصادق علته وفاقته، فأبدع ولفت الأنظار، وطبعت صورته على عملة فضية من إصدار الأمم المتحدة عام 1982.
خاصم البردوني الاستبداد، ولم يكن راضيا عن حال البلاد، فاعتقلته السلطات البريطانية عام 1948، وقصد صنعاء بعدها، ليعمل مدرسا للآداب في اللغة العربية، في مدرسة دار العلوم، ومن ثم مشرفا على البرامج الثقافية الإذاعية، واعتقل مرة أخرى في عام 1960.
كان شعر البردوني حافلا بالألم والثورة على الواقع العربي المزري، ناضحا بالرفض والتحريض على التغيير، وكان ولا يزال رمزًا من رموز الأدب العربي الحديث، حيث كان بارعًا مجدّدًا في أشعاره، وتجلت براعته في مقدرته العظيمة على تطويع العناصر الأدبيّة والفنيّة المتنوّعة في أشعاره؛ إذ إنّ أشعاره غنيةٌ بالاستطرادات الجميلة التي استمدّها من مصادر مختلفة.
اما مضامين شعره فقد كانت متنوعة ثرية وغنية، استمدها من الميثيولوجيا الشعبية، والموروث الشعبي العريق، واجاد في التطويع والانتقال بذلك نحو الحداثة والتغيير، محافظا في الوقت ذاته على لغة شعرية اخاذه قلما استطاع المبصرون رؤية تلك الصور التي نقلها بحرفية واناقة في اللغة والصورة. توفي البردوني في صباح يوم الاثنين في الثلاثين من آب عام 1999م.
للبردوني قصة ما زالت تتناقلها الأوساط الأدبية رغم مرور قرابة أربعين عاما عليها، وهي قصته في ملتقي للشعر العربي في بغداد، وكان كبار الشعراء حاضرون، وبدأ بعض الحضور بالتململ والضجر بعد القاء بعض القصائد والمشاركات، وحان دور البردوني في القاء مشاركته، فأوصلة أحدهم إلى المنصة وسط اندهاش البعض من إنه ضرير، واستغراب من بعض الحضور، ألقى البردوني قصيدته الشهيرة "أبو تمام وعروبة اليوم"، والتي يعارض فيها الشاعر حبيب بن أوس التي يقول فيها:
"السيف أصدق إنباءً من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب"
وكان لقصيدته صدى وتقبلا مازال يحتذى به، وما زال ذلك الملتقى في نسخته تلك يعرف بملتقى البردوني، وكانت هذه رائعته التي شارك فيها:
"أبو تمام وعروبة اليوم"

ما أَصْدَقَ السَّيْفَ! إِنْ لَمْ يُنْضِهِ الكَذِبُ
وَأَكْذَبَ السَّيْفَ إِنْ لَمْ يَصْدُقِ الغَضَبُ
بِيضُ الصَّفَائِحِ أَهْدَى حِينَ تَحْمِلُهَـا
أَيْدٍ إِذَا غَلَبَتْ يَعْلُو بِهَا الغَلَبُ
وَأَقْبَحَ النَّصْرِ نَصْرُ الأَقْوِيَاءِ بِلاَ
فَهْمٍ سِوَى فَهْمِ كَمْ بَاعُوا وَكَمْ كَسَبُوا
أَدْهَى مِنَ الجَهْلِ عِلْمٌ يَطْمَئِنُّ إِلَـى
أَنْصَافِ نَاسٍ طَغَوا بِالعِلْمِ وَاغْتَصَبُوا
قَالُوا: هُمُ البَشَرُ الأَرْقَى وَمَا أَكَلُوا
شَيْئَاً كَمَا أَكَلُوا الإنْسَانَ أَوْ شَرِبُـوا
مَاذَا جَرَى يَـا أَبَا تَمَّـامَ تَسْأَلُنِي؟
عَفْوَاً سَأَرْوِي وَلا تَسْأَلْ وَمَا السَّبَبُ
يَدْمَى السُّـؤَالُ حَيَاءً حِينَ نَسْأَلُه
كَيْفَ احْتَفَتْ بِالعِدَى حَيْفَا أَوِ النَّقَـبُ
مَنْ ذَا يُلَبِّـي؟ أَمَـا إِصْـرَارُ مُعْتَصِـمٍ؟
كَلاَّ وَأَخْزَى مِنَ الأَفْشِينَ مَـا صُلِبُوا
اليَوْمَ عَادَتْ عُلُوجُ الـرُّومِ فَاتِحَـةً
وَمَوْطِنُ العَرَبِ المَسْلُوبُ وَالسَّلَبُ
مَاذَا فَعَلْنَـا؟ غَضِبْنَا كَالرِّجَالِ وَلَمْ
نصدُق وَقَدْ صَدَقَ التَّنْجِيمُ وَالكُتُبُ
وَقَاتَلَـتْ دُونَنَا الأَبْوَاقُ صَامِدَةً
أَمَّا الرِّجَالُ فَمَاتُوا ثَمَّ أَوْ هَرَبُوا
حُكَّامُنَا إِنْ تَصَدّوا لِلْحِمَى اقْتَحَمُوا
وَإِنْ تَصَدَّى لَهُ المُسْتَعْمِرُ انْسَحَبُوا
هُمْ يَفْرُشُونَ لِجَيْشِ الغَزْوِ أَعْيُنَهُمْ
وَيَدَّعُونَ وُثُـوبَاً قَبْلَ أَنْ يَثِبُوا
الحَاكِمُونَ ووَاشُنْـطُـنْ حُكُومَتُهُمْ
وَاللامِعُونَ وَمَا شَعَّوا وَلا غَرَبُوا
القَاتِلُـونَ نُبُوغَ الشَّـعْبِ تَرْضِيَةً
لِلْمُعْتَدِينَ وَمَا أَجْدَتْهُمُ القُرَبُ
لَهُمْ شُمُوخُ المُثَنَّى ظَاهِرَاً وَلَهُمْ
هَـوَىً إِلَـى بَابَك الخَرْمِيّ يُنْتَسَبُ
مَاذَا تَرَى يَا أَبَـا تَمَّـامَ هَلْ كَذَبَتْ
أَحْسَابُنَا؟ أَوْ تَنَاسَى عِرْقَهُ الذَّهَبُ؟
عُرُوبَةُ اليَوَمِ أُخْرَى لا يَنِمُّ عَلَى
وُجُودِهَـا اسْمٌ وَلا لَوْنٌ وَلا لَقَـبُ
تِسْعُونَ أَلْفَـاً لِعَمُّـورِيَّـة َاتَّقَدُوا
وَلِلْمُنَجِّمِ قَالُوا: إِنَّنَا الشُّهُبُ
قِيلَ: انْتِظَارَ قِطَافِ الكَرْمِ مَا انْتَظَرُوا
نُضْجَ العَنَاقِيدِ لَكِنْ قَبْلَهَا الْتَهَبُوا
وَاليَـوْمَ تِسْعُونَ مِلْيونَاً وَمَا بَلَغُوا
نُضْجَاً وَقَدْ عُصِرَ الزَّيْتُونُ وَالعِنَبُ
تَنْسَى الرُّؤُوسُ العَوَالِي نَارَ نَخْوَتِهَا
إِذَا امْتَطَاهَا إِلَى أَسْيَادِهِ الذَّنَبُ
حَبِيبُ وَافَيْتُ مِـنْ صَنْعَاءَ يَحْمِلُنِي
نَسْرٌ وَخَلْفَ ضُلُوعِي يَلْهَثُ العَرَبُ
مَاذَا أُحَدِّثُ عَـنْ صَنْعَاءَ يَا أَبَتِي؟
مَلِيحةٌ عَاشِقَاهَا: السِّلُّ وَالجَرَبُ
مَاتَتْ بِصُنْدُوقِ وَضَّاحٍ بِلاَ ثَمَنٍ
وَلَمْ يَمُتْ فِي حَشَاهَا العِشْقُ وَالطَّرَبُ
كَانَتْ تُرَاقِبُ صُبْحَ البَعْثِ فَانْبَعَثَتْ
فِي الحُلْمِ ثُمَّ ارْتَمَتْ تَغْفُو وَتَرْتَقِبُ
لَكِنَّهَا رُغْمَ بُخْلِ الغَيْثِ مَا بَرِحَتْ
حُبْلَى وَفِي بَطْنِهَـا قَحْطَـانُ أَوْ كَرَبُ
وَفِي أَسَى مُقْلَتَيْهَـا يَغْتَلِي يَمَـنٌ
ثَانٍ كَحُلْمِ الصِّبَا يَنْأَى وَيَقْتَرِبُ
حَبِيبُ تَسْأَلُ عَنْ حَالِي وَكَيْفَ أَنَـا؟
شُبَّابَةٌ فِي شِفَاهِ الرِّيحِ تَنْتَحِبُ
كَانَتْ بِلاَدُكَ رِحْلاً ظَهْـرَ نَاجِيَةٍ
أَمَّـا بِلاَدِي فَلاَ ظَهْـر ٌوَلاَ غَبَبُ
أَرْعَيْتَ كُلَّ جَدِيبٍ لَحْمَ رَاحِلَةٍ
كَانَتْ رَعَتْهُ وَمَاءُ الـرَّوْضِ يَنْسَكِبُ
وَرُحْتَ مِنْ سَفَرٍ مُضْنٍ إِلَـى سَفَرٍ
أَضْنَى لأَنَّ طَرِيقَ الرَّاحَةِ التَّعَبُ
لَكِنْ أَنَا رَاحِلٌ فِي غَيْرِ مَا سَفَرٍ
رَحْلِي دَمِي وَطَرِيقِي الجَمْرُ وَالحَطَبُ
إِذَا امْتَطَيْتَ رِكَابَاً لِلـنَّوَى فَأَنَا
فِي دَاخِلِي أَمْتَطِي نَارِي وَاغْتَرِبُ
قَبْرِي وَمَأْسَاةُ مِيلاَدِي عَلَى كَتِفِي
وَحَوْلِيَ العَدَمُ المَنْفُوخُ وَالصَّخَبُ
حَبِيبُ هَذَا صَدَاكَ اليَوْمَ أَنْشُدُهُ
لَكِنْ لِمَاذَا تَرَى وَجْهِي وَتَكْتَئِبُ؟
مَاذَا؟ أَتَعْجَبُ مِنْ شَيْبِي عَلَى صِغَرِي؟
إِنِّي وُلِدْتُ عَجُـوزَاً كَيْفَ تَعْتَجِبُ؟
وَاليَوْمَ أَذْوِي وَطَيْشُ الفَنِّ يَعْزِفُنِي
وَالأَرْبَعُونَ عَلَى خَدَّيَّ تَلْتَهِـبُ
كَذَا إِذَا ابْيَضَّ إِينَاعُ الحَيَاةِ عَلَى
وَجْـهِ الأَدِيبِ أَضَاءَ الفِكْرُ وَالأَدَبُ
وَأَنْتَ مَنْ شِبْتَ قَبْلَ الأَرْبَعِينَ عَلَى
نَارِ الحَمَاسَةَ تَجْلُوهَا وَتَنْتَحِبُ
وَتَجْتَدِي كُلَّ لِصٍّ مُتْرَفٍ هِبَةً
وَأَنْتَ تُعْطِيهِ شِعْرَاً فَوْقَ مَا يَهِبُ
شَرَّقْتَ غَرَّبْتَ مِنْ وَالٍ إِلَى مَلِكٍ
يَحُثُّكَ الفَقْرُ أَوْ يَقْتَادُكَ الطَّلَبُ
طَوَّفْتَ حَتَّى وَصَلْتَ الموصِلِ انْطَفَأَتْ
فِيكَ الأَمَانِي وَلَمْ يَشْبعْ لَهَا أَرَبُ"
................................................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي


.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء




.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان


.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي




.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء