الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إفساح الحرية والتعبير في الدول العربية للضغط على السياسة الأمريكية تجاه المسألة الفلسطينية

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

2023 / 10 / 20
القضية الفلسطينية


قصفت قوات الاحتلال (الإسرائيلية) مستشفى المعمداني في غزة يوم الثلاثاء الموافق 17 أكتوبر 2023م، مما أدى إلى استشهاد حوالي خمسمائة فلسطيني جلهم من الأطفال والشيوخ والنساء، فضلا عن مئات من الجرحى، وجاء الرد الأمريكي بزيارة عاجلة للرئيس بايدن إلى (إسرائيل) يوم الأربعاء الموافق 18 أكتوبر 2023م، حيث أبدى تأكيده - بناء على معلومات (إسرائيلية)- بأن القصف المستشفى جاء من قبل حركة حماس، وليس من قبل قوات الاحتلال (الإسرائيلية)، بالرغم من كون (إسرائيل) لا تهتم بالحقيقة إذا كانت تتعارض مع مصالحها، حيث تكون دائما على استعداد لقول مخالف، وبوصلتها في ذلك تحقيق تلك المصالح.
كما أن الأمر لم يتوقف على مجرد زيارة سياسية ودينية للرئيس الأمريكي، إنما شارك أيضًا في اجتماع فريق صنع القرار (الإسرائيلي) خلال الحرب، وخلال هذا الاجتماع تم التأكيد على الآتي :
1. أن الحرب في غزة ستكون طويلة وصعبة، وقد تستغرق جهود تفكيك حماس سنوات.
2. أنه من أجل الحفاظ على الدعم الدولي، يجب على (إسرائيل) التعامل مع الوضع الإنساني في قطاع غزة.
3. طلبت (إسرائيل) مساعدات عسكرية أمريكية بقيمة 10 مليارات دولار.
4. وجود حزمة مساعدات عسكرية أمريكية ضخمة وغير مسبوقة (لإسرائيل).
بناءً على نتائج هذا الاجتماع يمكن رصد عدد من المفارقات التي قد تكون ذات صلة بالفلسطينيين وحقوقهم الوطنية، فضلا عن الحرب في قطاع غزة، أهمها :
• استمرار السياسات (الإسرائيلية) التي تستهدف سكان غزة والتي سوف تؤدي إلى استمرار معاناتهم.
• استمرار حالة الحرب في غزة بدعم أمريكي، وهذا يعني مزيدًا من الدمار والخسائر للفلسطينيين في قطاع غزة.
• وجود تحديات إنسانية جسيمة يواجهها الفلسطينيون في غزة نتيجة القصف والتهجير القسري من قطاع غزة.
• أخيرًا تعزيز إمكانات قوات الاحتلال (الإسرائيلي) من خلال الدعم الأمريكي غير مسبوق.
عموما ، إن ما يعنينا الإشارة إليه في هذا الخصوص هو وجود مقدرة وتأثير (إسرائيلية) واضحة وقوية على صانع القرار السياسي في أمريكا، وهذا يكشف أيضًا عن وجود تمايز واضح في القدرة والتأثير بين الجانب الفلسطيني والعربي من جهة، والجانب (الإسرائيلي) من جهة أخرى على صانع القرار الأمريكي اتجاه الصراع الفلسطيني (الإسرائيلي). وهذا الأمر يدعونا إلى القول: بأن دعم أمريكا (لإسرائيل) يعكس التأكيد الأمريكي لاستمرار أحد أهدافها في المنطقة، وهو الحفاظ على الأمن والاستقرار في (إسرائيل). (فإسرائيل) لا تزال تعد حليفاً إستراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتشمل العلاقة بينهما العديد من الجوانب بما في ذلك الأمن والدفاع والتجارة والتعاون الاستخباراتي. كما تحظى (إسرائيل) بدعم عسكري وسياسي أمريكي قوي، وتتلقى منها تمويلًا ومساعدات عسكرية هامة. كما يتم تبرير هذا الدعم بالتزام أمريكا بأمن (إسرائيل) في المنطقة.
إن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو :
أنه بالرغم من وجود علاقات قوية وتاريخية بين الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول العربية مثل: السعودية ومصر والأردن، إلا أن العلاقات مع (إسرائيل) تمتاز بمستوى أعمق وأكثر تكثيفًا؟. وهذا يعني بالضرورة بأن الدعم الأمريكي (لإسرائيل) يُثير في كثير من الأحيان عدد من التساؤلات والانتقادات بشأن التوازن والعدالة في التعامل الأمريكي مع الصراع الفلسطيني- (الإسرائيلي) وتأثيره على حقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
في الحقيقة إن المتمعن في تاريخ العلاقات بين (إسرائيل) وأمريكا يمكن أن يرصد عدد من العوامل التي كان لها الدور في زيادة مستوى العلاقات بينهما، لعل أهمها :
• تاريخيًا، تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل) نفس مراحل التأسيس، فمثلما قامت إسرائيل على أرض فلسطين بعد خروج الانتداب البريطاني منها، تم تأسيس الولايات المتحدة الامريكية على أرض الهنود الحمر، بالتالي هناك تشابه تاريخي بين الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل) في مفهوم التأسيس والاستقلال. وهذا التشابه التاريخي قد يكون له تأثير في تعمق العلاقات بينهما، وهذه الجزئية غاية في الأهمية.
• تشترك أمريكا و(إسرائيل) في رؤية استقرار المنطقة ومكافحة التهديدات الأمنية المشتركة، مثل الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية. وبالتالي يعمل كلاهما معًا لتعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تعمق العلاقات بينهما.
• تحظى (إسرائيل) بدعم قوي من قبل اللوبي اليهودي في أمريكا، وهو عامل ثقافي وديني يسهم في تعمق العلاقات بينهما.
وأضف إلى ما سبق هناك حقيقة أخرى، وهي أن بروز اختلافات في مواقف وسياسات الدول العربية للدور الأمريكي تجاه المسألة الفلسطينية ساهم في التقارب (الإسرائيلي) الأمريكي، وهذا يعني ببساطة شديدة بأن تلك الاختلافات في المواقف والسياسات العربية تجاه المسألة الفلسطينية أثر على الحقوق الوطنية الفلسطينية بعدة طرق منها :
• تفتقر الدول العربية إلى وحدة وتنسيق قوي في مواجهة السياسة الأمريكية المتعلقة بالمسألة الفلسطينية، مما قلل من قوة تأثيرها وقدرتها على المطالبة بإحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية بشكل فعال.
• إن التباين في مواقف الدول العربية أدى في كثير من الأحيان إلى تضعيف الدعم العربي المتجانس للحقوق الوطنية الفلسطينية. فعندما يكون هناك تنافر أو تباين في المواقف، يمكن لأمريكا و(إسرائيل) استغلال هذا الانقسام والتلاعب به لتقويض جهود الدول العربية في دعم المسألة الفلسطينية.
• تمتلك الولايات المتحدة نفوذًا كبيرًا على الدول العربية من خلال العلاقات السياسية والاقتصادية. حيث تستخدم الولايات المتحدة قوتها الاقتصادية والسياسية لممارسة الضغوط على الدول العربية لتضييق نطاق دعمها للمسألة الفلسطينية.
• أدى الاختلاف في المواقف العربية إلى تشتت الجهود وفقدان التركيز على المسألة الفلسطينية. عوضًا عن توحيد الجهود والتركيز على إحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية، حيث يتم تبديد الجهود في الخلافات الداخلية والصراعات الإقليمية.
هذه الاختلافات في مواقف وسياسات العربية تجاه المسالة الفلسطينية أعاقت في كثير من الأحيان جهود إحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية، كما أثرت على قدرة الفلسطينيين على إحقاق حقوقهم الوطنية بالشكل المطلوب والمناسب.
إن السؤال البارز هنا هو :
كيف يتم ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية لتعديل سياستها تجاه الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني؟
في الحقيقة لا أدعي امتلاك إجابات لهذا السؤال المعقد والمتشابك، ولكني أعتقد بأن عدم وجود مساحات للحرية والتعبير في الدول العربية ساهم بطريق غير مباشرة في استمرار الضغوط الأمريكية على الأنظمة العربية، بالتالي أجزم بان أفساح مجال الحرية والتعبير في الدول العربية، سوف يؤثر على قدرة هذه الدول على ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية لتعديل سياساتها تجاه الحقوق الوطنية الفلسطينية. إن أبرز ما يلاحظ في هذا الصدد هو وجود عدد من القيود التي تفرضها بعض الأنظمة العربية مثل: حظر رفع العلم الفلسطيني، أو منع التظاهر، وهذه القيود بمجملها تدفع نحو تقويض الجهود المتعلقة بدعم المسألة الفلسطينية. ولمزيد من الإيضاح والتبسيط يمكن القول بأن الأصوات التي تدافع عن حقوق الفلسطينيين في الدول العربية قد تكون مقموعة وتعاني من قلة الرؤية والتأثير.
وفي هذا الصدد يشير العديد من المفكرين وعلماء الاجتماع إلى أهمية الوعي ودور المثقف في قضايا المجتمع. فمثلا : أكد ماكس فيبر على أهمية فهم الثقافة والتوعية الاجتماعية في تحليل الظواهر الاجتماعية. كما أشار ماركس إلى أهمية الوعي الاجتماعي والتحرر من الظلم الاجتماعي، في حين بين بيير بورديو إلى أهمية دور المثقف في إنتاج المعرفة وتشكيل الرأي العام.
وعموما، لعله من المفيد أن نذكر هنا بعض العوامل التي ساهمت في زيادة هذا التحدي (انعدام أو قلة مساحة الحرية والتعبير) في بعض الدول العربية، وهي :
• لا تزال في بعض الدول العربية، توجد بعض التشريعات والقوانين والقيود القوية على حرية الصحافة وحقوق الإنسان، ويتم قمع النشطاء والمثقفين الذين ينتقدون السلطة. وهذا يعني أن الأصوات التي ترفع شعارات متعلقة بالحقوق الوطنية الفلسطينية قد تكون مكبوتة ومقموعة.
• لا تزال في جل الدول العربية، تسيطر الحكومة بشكل واسع على وسائل الإعلام، وتتحكم في الرسالة والمعلومات التي يتم تبادلها. وهذا يقيد حرية الصحافة ويمنع وجود مناقشة حرة ومفتوحة حول المسألة الفلسطينية.
• لايزال يتعرض النشطاء والمعارضون في بعض الدول العربية للتضييق والاضطهاد، ويتعرضون للاعتقال التعسفي والتهديد والتشهير. وهذا يقلل من قدرتهم على العمل بحرية والضغط على الولايات المتحدة لتعديل سياساتها فيما يتعلق بالحقوق الوطنية الفلسطينية.
• تعتمد بعض الدول العربية بشكل كبير على الدعم الاقتصادي والمساعدات من قبل أمريكا،. وهنا في كثير من الأحيان تستغل الولايات المتحدة هذا الاعتماد لممارسة الضغط على هذه الدول لمصلحتها السياسية والاقتصادية، مما يقلل من قدرتها على ممارسة ضغوط لتعديل سياسات الولايات المتحدة تجاه المسألة الفلسطينية.
مع ذلك، لست بحاجة إلى التذكير مرة أخرى بأن هناك أيضًا عوامل أخرى تؤثر على سياسة الولايات المتحدة تجاه المسألة الفلسطينية. تشمل هذه العوامل التأثير (الإسرائيلي) في السياسة الأمريكية، والعلاقات الاقتصادية والعسكرية بينهما، والعوامل الجيوسياسية في المنطقة، وتأثير المصالح الاستراتيجية الأمريكية الأخرى في الشرق الأوسط، وعلى المستوى الدولي.
وخلاصة ما سبق، أنه من من المهم الإدراك بأن تعديل سياسة الأمريكية تجاه المسألة الفلسطينية ليست مسألة بسيطة، أو سهلة؛ إنما تعتمد على العديد من العوامل المعقدة والمتشابكة. إلا أن الحوار المفتوح والتوعية والعمل المستمر على تعزيز حقوق الشعب الفلسطيني من خلال أفساح مساحة الحرية والتعبير في الدول العربية سوف يوثر لا محالة على قدرتها على ممارسة ضغوط على أمريكا لتعديل سياساتها تجاه الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع