الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحرير العراق والبحث عن الأرواح

خالد يونس خالد

2003 / 6 / 12
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


                                                                
لا يمكن للإنسان أن يكون حرا وعبدا في الوقت نفسه، ولا يمكن له أن يكون نصف حر ونصف عبد، فهو إما حر وإما عبد ولا وسط بينهما ومَن لا يفهم هذا الأمر من التاريخ "فهو غبي لا علاج له". فلا تكتمل حرية العراق قبل أن تأخذ العدالة مجراها بالحكم على الطغاة الذين ظلموا العراق وشعب العراق منذ أن قبض البعث على السلطة. كما لا يمكن أن تكتمل حرية شعب العراق قبل جلاء القوات الأجنبية من أرض العراق، حتى يتحرر العقل العراقي من الهيمنة، وحتى تستكين الأنفس وتهدأ أرواح الشهداء.
   الشعب العراقي قدم آلاف الشهداء، وفقد من أبناء العراق آلاف الشباب والنساء والأطفال، ودُفن آلاف الأبرياء أحياءا في مقابر جماعية، والضمير العربي كان نائما، والضمير العالمي كان مريضا.
وصدق فضيلة  شيخ الأزهر الطنطاوي بهذا الصدد: "الجهاد من أجل إزالة النظام العراقي الظالم هو الذي يعتبر جهادا" وقال أيضا:. "ماقام به النظام العراقي تجاه دولة الكويت من غزو هو ظلم وغدر وأن مقاومة الظالمين واجب على كل مسلم". هنا يقر شيخ الأزهر بظلم النظام العراقي وعلى رأسه صدام. لكن كيف كان السبيل لإزالة نظام جائر يملك ماكنة عسكرية ضخمة، وجيش يعد بالملايين، وقوات خاصة، وأموال، وأجهزة أمنية ومخابراتية قوية؟ لقد نجح نظام صدام نسبيا بتصفية المعارضة الداخلية المسلحة، وهرب الملايين إلى الخارج، ولم يجد بعضهم بد من التعامل مع الأجنبي لإزالة حكم الطاغية. وأنا هنا لست بصدد الهجوم أو الدفاع عن التحرير/الإحتلال، فأنا من دعاة العراق للعراقيين ، وحكم العراق من قبل العراقيين ولكن بطريقة ديمقراطية نزيهة يساهم فيها جميع العراقيين، ولست من دعاة حكم حزب واحد أو طائفة واحدة أو عِرق واحد. أنا هنا بصدد الإشارة إلى تبريرات القوى العراقية المعارضة في الداخل والخارج، وتعاملها مع قوات الإحتلال. وقد قال الدكتور غسان عطية، في تصريح لقناة الجزيرة أثناء مؤتمر المعارضة في صلاح الدين هذا العام قبل الهجوم الأمريكي على العراق: ساعدونا في إزالة حكم صدام، نحن لا نستطيع إزالته لذلك لا بد من التعامل مع الحلفاء، لأنهم  سينسحبوا بعد إتمام مهمتهم".
   لم يكن أمام المعارضة العراقية من عرب وكرد وأقليات، سنة وشيعة، مسيحيين ووأيزيديين ومندائيين وغيرهم، وبكل إيجابياتهم وسلبياتهم من وسيلة لإسقاط نظام صدام بمفردهم، ولم يكن للشعب العراقي من طريقة لمقاومة العدوان الشرس بلا سلاح. كيف للجماهير أن تنتظر طويلا، وقد طالت المعاناة كثيرا، وأخت السجين تُغتصب أمام عينيه لإجباره على الإعترافات، وزوجة المتهم السياسي البرئ تُغتصب في السجن أمام عينيه ليعترف بالذنوب وهو لا ذنب له؟ أية نذالة هذه التي يقبل بها الإنسان، حين يفقد أعز ما عنده من شرف وعز وكرامة ويعجز أن يثأر؟ أليس النظام العراقي وصدام هو المسؤول لفتح الأبواب أمام المعارضة العراقية بالتعامل مع الأجنبي لينقذ ما بقي من شرف وكرامة من الوحوش التي لا تعرف الرحمة ولا تعترف بالمثل الإنسانية؟ أي إنحطاط لفرد أو حزب يقبل هتك الأعراض وتدنيس المقدسات وقتل الأبرياء، ودفن الآلاف أحياء في مقابر جماعية؟ مَن مِن أولئك الذين لازالوا يذرفون دموع التماسيح على نظام صدام المقبور يقبل أن تُغتصب زوجته أو بنته أو أخته من قبل القائد أو إبن القائد، حيث يوجب عليهما أولا وقبل كل شئ حماية كرامة وشرف المواطنين؟  
   اليوم نرى بأن أصنام صدام تتحطم في شوارع بغداد والمدن العراقية الأخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه على أولئك الذين يدافعون عن صدام وممارساته هو: كيف السبيل لإعادة أرواح الملايين من الذين ذُبحوا وشويت لحومهم في أفران البعث الصدامي؟ هل يمكن لهذه الأبواق التي نسمعها في الفضائيات المأجورة أن تعيد نفسا بريئة واحدة إلى الجسد الذي لا يعرف أصحابه أين يسكن؟ الأرواح التي زُهقت من قبل النظام المنهار، يبحث عنها الأهل من العراقيين والكويتيين ويريدون أن يعانقوها. الأم تريد قبلة الوداع وتتمنى أن ترجع الدموع إلى عينيها بعد أن جفت لفقدان وليدها وفلذة كبدها.
   إكتشاف المقابر الجماعية في المدن العراقية،  في البصرة وبغداد وكربلاء والموصل وكركوك والحلة والمحاويل شواهد ثابتة ودامغة على النفسية المريضة والعقلية السادية التي كان في أحشاء الحاكم وأبنائه ونظامه المنهار. كيف كان الطاغية يأكل لحوم كل هؤلاء الأدميين من الأبرياء دون أن يشبع؟ أي أحشاء هذه التي لا تتمزق؟ وأي قلب هذا الذي لا يموت من هذه الممارسات التي تقشعر لها الأبدان؟ أين ذهب الذئب وترك ورائه كل هذا الخراب والدمار والحيرة والعظام والرفات البشرية؟
   إنه لظلم كبير أن نصنف القادة من العهد البعثي الصدامي عراقيين وقد قتلوا مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء. وإنه إساءة للشعب العراقي أن نصف رئيس النظام البعثي المقبور وأبنائه من العراقيين وقد إغتصبوا مئات الفتيات العراقيات. وإنه إجحاف بحق كرامة الشعب العراقي أن نجعل المجرمين في كفة ميزان مع الوطنيين. يا مَن تدعون بالإنسانية والحرية لا تعتدوا على الشعب العراقي بدفاعكم عن ظلم صدام! أيها الرؤساء من العرب والكرد والأقليات لا تدافعوا عن الجرائم ولا تبيعوا العار بالدولار! إنه زمن اليأس العربي والكردي حين يقف بعض الفضائيات العربية والأنظمة العربية والمسلمة مع الإعتداءات البعثية الصدامية التي لم تشهد البشرية مثلها منذ الحرب العالمية الثانية. قولوا الحقيقة! واتركوا العراق للعراقيين ودعوهم أحرارا! ولا تظلموا الشعب العراقي! واذهبوا أنتم الذين لا زلتم تقتادون بقايا عظام الشهداء العراقيين، إلى البحار العميقة واغسلوا آثامكم!    
   كيف يمكن للأم العراقية أن تنسى المرارة التي لا تغيب عن شفتيها، وتعجز كل عسل الشرق وحلاوة الطبيعة أن تزيل العلقم من فمها وهي تبقى تبحث عن إبنها؟ كيف يمكن للأم العراقية  والأم الكويتية التي تريد أن تدفن وليدها، وقد ظلت تنتظر سنين طويلة يوم التحرير،  فإذا هي تبحث عن الروح الطاهرة، ولا تفكر إلا أن تلتقي بإبنها أو برفاته حتى تحتضنها، وتسكب كثير من الدموع على تلك النفس الأبية البريئة التي لم تعتد على عراقي، ثم يقول عُمى البصيرة والقلوب، وجنون العقل، بأن الأم العراقية والكويتية لا تملكان الحق أن تحاربا نظام صدام؟
   لك أيتها الأم أعظم آيات التبجيل، وستشعرين بالسعادة في محكمة السماء، ونحن نُحَول قضيتك كقضيتنا إلى ملك الملوك حيث الحاكم العدل، فصبرا، والنوى مؤلمة، والجرح عميق عميق، لكن الجزاء في الطريق. لقد سقط الطاغية وانهزم، وسوف يقبض عليه الشعب حتى تشرق الشمس في قلوبنا وقلبك الكبير، وتنقشع الغيوم من سماء بلدنا الحبيب.
   كيف يمكن للأب الذي أُختُطفت إبنته الباكرة الجميلة أن ينسى الماضي المؤلم في ليلة وضحاها؟ وإلى متى يظل الحبيب ينتظر حبيبته الغائبة، ويظل يبحث عنها في الأنفاق تحت الأرض؟ لقد فقدت الفتاة التي كانت تتمنى أن تتزوج بفتى أحلامها، ليحضر عرسها الأب والأم والعم والخال، وتحتفل الجميلة بكرامة وعز وتبني عش الزوجية. أين ذهبت بعد خطفها؟ ماذا فعل بها الطغاة؟ لماذا أصبحت ميتة بعد أن إختطفت وسلبت منها أعز ما تملك، وهي روحها وجسدها وطهارتها وبراءتها، وكل ذنبها أنها كانت جميلة؟ وكيف يصبح الجمال ذنبا والله جميل يحب الجمال؟
  أعيدوا إلى البائسين أرواح أبنائنم وآبائهم، وطهارة أخوتهم قبل أن تتهمونهم باللاوطنية. أنتم المأجورون الذين تخافون من عروشكم أيها الحكام الطغاة، ولا تفكروا بأوطانكم ولا بشعوبكم، وكل همومكم هي الكراسي الزائلة. أما نحن، الفقراء المعدمون، والعمال البائسون، فنريد أن نكون أحرارا، ولن تكون هناك حرية إلاُ بعد تحطيم كل أسوار سجون الظالمين في الشرق، وبعد أن نخرج من هذه الزنزانات المظلمة تحت الأرض، حيث السجان يراقب وينتظر أن يأكل لحومنا جميعا إذا بقي في السلطة، أو إذا رجع إلى السلطة. ولن تكتمل فرحتنا إلاُ بتحرير كامل التراب العراقي، وتحطيم الجيوب المأجورة، وفك خلايا جميع قوى الأمن والإغتيالات، وجلاء كافة القوات الأجنبية من العراق. والعراق للعراقيين، لا للبعث الصدامي، ولا لأمريكا، ولا لطائفة دينية أوعرقية واحدة. إنه عراقنا للعراقيين جميعا، من عرب وكرد وتركمان وكلدو آشوريين وسنة وشيعة ومسحيين  وأيزيديين وصابئة وغيرهم.
   ستبقى الشمس في كبد السماء مريضة حتى يثأر الشعب العراقي من قاتل أبنائه، وستظل تطالب هذه الشمس بدواء عفتها من إزالة جميع آثار العدوان. وقد عاهدت هذه الشمس أن تشرق من جديد بعد أن ينال الظالمون القصاص العادل.
 
                                                                          باحث وكاتب صحفي عراقي مستقل-السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن السيطرة على قريتين في منطقة دونيتس


.. دراسة: على الأهل تقليل استخدام الهواتف لحماية أطفالهم




.. أخبار الصباح | بعد محاولة استخدامه لعزل بايدن.. ماذا تعني ال


.. صباح العربية | علامات تدل على أن شريكك السابق يريد العودة بع




.. خلافات حول عملية استبدال بايدن.. وحملة الرئيس: الانسحاب يعني