الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألفريد سمعان يكتب عن مظفر النواب

مظفر النواب

2023 / 10 / 20
الادب والفن


مظفر النواب .. الصوت العراقي المتألق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ا ـــــــ ألفريد سمعان






في كل العصور وعبر السنوات الطوال ومن خلال الوان العطاءات وعلى شتى الاصعدة، يبرز مبدعون لديهم من المزايا والاعمال ما يجعلهم في مقدمة الصفوف وعلى قمة الابداع الفني، علميا وثقافيا واخلاقيا ايضا.مظفر النواب الشاعر والصديق.. احد هؤلاء المبدعين الذين تركوا لهم بصمات واضحة وذات تأثير على الساحة الشعرية العراقية كما ان له انفاسه

في مروج الواقع السياسي العراقي منذ ما يقارب من النصف قرن.. وما زال مبدعا وما زال معطاء وما زال صوته يتردد… ونتمنى ان يظل يتردد، ينشد ونستمع، يقول ونتمعن فيما يقول، يتألق على الاغصان ثمرات يانعة.. وبين الاصوات صدى جميلا رائعا وفي افق الايمان بقضية تشغل البال والوجدان مناضلا وطنيا تجرد عن الصغائر وتحدى موائد المذلة والانحناء ليظل انسانا يفخر بماضيه وحاضره ويترك للمستقبل صفحة مترعة بالامجاد والعطاء.. ولد مظفر عام 1933 واكمل دراسته في بغداد حيث تخرج من كلية الآداب.. واصبح عضوا في اتحاد الادباء عام 1959 كما اصبح عضوا في جمعية الفنانين العراقيين.
عرفت مظفر في هذا المكان، عضوا في اتحاد الادباء وسط مجموعة من الشعراء والادباء الذين ارسوا دعائم هذا الاتحاد وانطلقوا منه ليشكلوا اساسا متينا وقفت وما زالت تقف عليه مجاميع من النمط الابداعي المتفرد… ما بين شاعر وروائي وناقد ادبي ومستمع عزيز يجيد فن الاستماع… وكانت المفاجأة.. حين نشرت مجلة المثقف التي كانت تصدر عن جمعية الخريجين وعلى رأسها علي الشوك، امجد حسين، الدكتور غانم حمدون ومجموعة من الشباب آنذاك حريصة على تبني ثقافة وتطعيم الادب العربي بالنبضات الحديثة التي تتسرب من مروج الثقافة الاجنبية واستيعاب تراث لم يحسن التراثيون استخدامه على الوجه الصحيح بل اخذوه نقلا جامدا لم يشكل اية اضافة جديدة ولم يكشف النقاب عن خصائص وانطباعات كانت ثقافتنا بحاجة اليها لا لتنويع العطاء وحسب بل للافادة منها في تطور مسيرتنا الثقافية وابراز معالمنا وطقوسنا القديمة للملأ… في العالم العربي والبلدان الاخرى.
كان للريل وحمد صدى عميق واكاد اقول كان لها دوي هائل آنذاك وتناولتها الاقلام بالثناء والاعتزاز فقد حلقت بالشعر الشعبي وانتزعته من الاطر القديمة المألوفة الى واقع معاصر، الى لغة غير مألوفة من القصائد القديمة لغة شعبية مهذبة تجردت من الشوائب والعبارات المتكررة… اضافة الى الصور الجميلة التي تخللها…
مرينه بيكم حمد واحنه بقطار الليل
وسمعنة دك كهوه وشمينه ريحه هيل
يا ريل صيح بقهر صيحة عشك يا ريل
هودر هواهم ولك حدر السنابل كطه
ارد اشري جنجل ولبس الليل خزامه
وارسم بدمع الضحك نجمة وهوى وشامه
ويا حلوة بين النجم المباركة الخزامة
هودر هواهم ولك حدر السنابل كطه
آنه ارد الوك لحمد مالوكن لغيره
يجفلني برد الصبح وتلجلج الليرة
يا ريل باول صغرنه لعبنه طفيرة
هودر هواهم ولك حدر السنابل كطه
انها صور تتراكم فوق بعضها انها تلملم انفاسها بصعوبة لتصبح لوحة لعاشق ينتظر قطار الليل ويغني له ويرسم حركاته ويتابع خطواته على القضبان الحديدية… من يقرأ وصف مظفر للقطار لا يصدق ان قطارا من الحديد اليابس.. يسير على قضبان يابسة وتعطي مثل هذه التراتيل الجميلة.. المتلاحقة.
يقول بلند الحيدري
"ان محاولات النواب سيكون لها بلا شك الشأن الكبير في خلق شعر شعبي جيد لما تمتاز به من شكل فني ناجح ومن صور غنية وموسيقى خلابة وصدق وبساطة… ان مظفرا شاعر حقا وشاعر كبير رغم هذا المجال الصغير الذي يقول فيه شعره".
ان ما تنبأ به بلند الشاعر قد تحقق فعلا وكانت نبوءة صادقة تدلل على تفهم عميق لبوادر جديدة في مجال معين، نحو ازدهار في واحة نائية بعيدة عن الانظار… وها هو الشاعر الكبير يحتل مكانة على الساحة ويمتد عطاؤه ولا يشمل العراق وحسب بل كافة ارجاء العالم ويتغنى بشعره الذين استمعوا اليه في كندا وانكلترا وبلدان اخرى عديدة في كرتنا الارضية وهو فخر لا لمظفر بل للوطن الذي انجب وغنى له ومنحه عصارة شبابه وبالتالي افضل هدية لأجيال حاضرة واخرى قادمة… لقد اعمتد مظفر مفاصل عديدة في الحركة الشعرية والفنية فهو ليس شاعرا فقط بل هو متعدد المواهب، شاعر، ورسام تشكيلي، ومغن ايضا يتمتع بصوت يشوبه بعض الغموض مع حلاوة مكتومة ومسحة من السمات الرجولية، واعتمد في شعره قواعد فنية حديثة مستفيدا من دراسته الجامعية اولا وتجويده للقرآن الكريم واطلاعه على معطيات الفكر التراثي بدءا بالشعر الجاهلي وانتهاء بالشعر الحر والانطلاقات الحديثة والتمرد الشبابي على الابواب المغلقة والافكار المتحجرة.. يضاف الى ذلك جديته في تعزيز معارفه والتجول في ميادين بعيدة المدى وجديدة الاطر، واكاد اقول مغامراته، فقد قصد الاهوار اكثر من مرة وتجول في ارجائها وتفقد معالمها وزار محافظات الجنوب والتقى بالعديد من الشعراء والمطربين كما تضوع انفاس الاساتذة الكبار كالمخزومي، علي جواد الطاهر، صلاح خالص وابراهيم السامرائي وتتلمذ على اياديهم وتعرف من خلالهم على خزانتهم وتوجهاتهم التي تنم على المسارب الحقيقية للمتابعة الفكرية واتساع الجوانب العديدة من الحياة.
النواب… شاعرا محرضا
لقد كان النواب يساريا منتميا الى تنظيمه الشيوعي ولم يقع في قبضة البعث عندما قاموا بانقلابهم الاسود في شباط 1963 واستطاع ان يصل الى ايران حيث تلقفته مع معظم الهاربين اغلال الاسر وقيود الشرطة السرية الايرانية المعروفة بأسم (السافاك) وقد اعيد مع الذين اعيدوا للعراق وتسليمهم الى قيادة عبدالسلام عارف القومية، ولا ادري كيف التقت القومية العربية بالفارسية بعد عداء مستحكم وهي لا تعد وللحيرة فالعدو واحد وهم الثائرون وقد انتقل الى تنظيم عزيز الحاج الذي سحب عددا كبيرا من كوادر الحزب الشيوعي لاسيما الشباب منهم… وقد غادر مظفر العراق بعد القاء القبض عليه الى سوريا ولم يقف مكتوف الايدي بل اتصل بحركة المقاومة الفلسطينية والصومالية كم وصل الى الجبل الاخضر في عمان مؤيدا للحركة الثورية التي انتفضت على السلطة في سلطنة عمان، وبمعنى اخر فان روح النضال التي كان يمتلكها مظفر وقد ترسخت في اعماقه وملأت آفاق حياته لم تخمد ولم تعرف لها مكانا معينا، فهو مناضل اينما يكون واينما يتوجه، انه يذكرنا بالشاعر بايرون الذي قاتل في اليونان… وبجيفارا الذي لم يضع رأسه على وسادة الراحة بعد الانتصار الذي تحقق له في كوبا بل استمر مناضلا في كافة ارجاء امريكا اللاتينية… وهكذا كان مظفر مقاتلا ومناضلا اينما تستقر به قدماه.. وهو صاحب رسالة ثورية لا للعراق وحسب بل لكل الشعوب وهو داعية فكر متألق يحلم بالفكر الاجمل والمستقبل السعيد للشغيلة، وهو المنتصر دائما للمظلومين على الظالمين وهو حامل غضن الزيتون لمن يريد السلام والسيف لمن يرفع سياط التعسف والاضطهاد… انه صورة مشرقة للانسان… وقد خدمه في ذلك قدرته الرائعة من امتلاك زمام الللغة واحتواء الاحداث بقصائد وتصنيع اللعنات الجدية للطغاة… ولنستمع اليه في قصيدته عبدالله الارهابي وهي عن صدام والزعماء العرب:
عبدالله الارهابي عن صدام والزعماء العرب
الليل وعبدالله اقارب
العرق البارد والنار وحزن الايام
وعبدالله اقارب
يفهم من اللج
وافضل من يصنع مجد انين ولا يملك قارب
يدفع جفنيه يقاتل لولا الصف البطلي
يزيح الجدران
يصاهر نار الايام
واحبك… يا عبدالله لنفسك غاضب
وعلى نفسك غاضب
رشاشك يعقد فتحته منفردا ويكالك في قمتهم اصفههم يا عبدالله بأرض نعالك
يخرج تاريخ عقارب
ان تسحب سحاب السروال عليهم
نزلت للارض سراويلهم
تملك اسلحة الارض وتسأل كيف تحارب
يا عبدالله بساعات الضيقJJ
تحولت الدبابات ارانب
قتلت اسلحة الجيران شواربها ليلا وصباحا
وغدا الميثاق القومي بدون شوارب
نشكر علانا وفلانا وفلينا والفلن لاثاني وفهد
بالذات فهد
نشكر همة اعضائكم الجنسية
في صد هجوم الجيش الاسرائيلي
والقاء الصمت على المغتصبات
ولنستمع ايضا لقصيدته عن تل الزعتر انه يتحدث بلغة التحدي وتوجيه السهام للقتلة والمتآمرين على قضية الشعب الفلسطيني وعلى المصير المظلم الذي رسموه منذ نصف قرن بمساندة الحكام العرب الخونة الذين تعودوا ان يعالجوا الجراح بالدولارات والمساعدات وان يشتروا النصر بالكلمات الناعمة.
ان تراب العالم لا يغمض عيني جمجمة
تبحث عن وطن
منذ قليل سقطت عاصمة الفقراء
صنوج اللغة قد خرجت حتى البيت الابيض
خصيان العرب الحكم ارتجفت شرفا
ابناء الكلب هنا
طرح الكرش الاشقر اردى طفلا
اسمعتم عرب الصمت
اسمعتم عرب اللعنة
ها هو سعودي بالحقد اجمله
ها هي اقفاص صدور سبايا المسلخ تشتعل النيران فيها
ها نحن نمد سراطك بين ضحايا تل الزعتر والدافور
ونحضر كل القردة
قردة
واتحدى ان يرفع منكم احد عينيه
امام حذاء فدائي يا قردة
انار هنا لا تمزح يا قردة
مع مظفر في نقرة السلمان
بعد ان جمعتنا الظروف كأدباء اعضاء في اتحاد الادباء عام 1959 والاعوام التي تلته… اطلت علينا قافلة جديدة من السجناء طرقوا ابواب سجن نقرة السلمان… واستعد الجميع كما هي العادة للاستقبال هؤلاء الرفاق الجدد.. وكانت مثل المناسبات فرحة للتعرف على العالم من خلال ما يحملون من اخبار متعددة الجوانب فيما يخص الاجواء العامة والحركة الثورية والتطورات العالمية فقد كانت الصلة تكاد ان تكون مقطوعة والمواجهات محدودة ومرتبكة ومزعجة حيث كان الحرس ومدير السجن يفتعلون الازمات وعرقلة مسار المواجهات ويحاولون بشتى الوسائل منع العوائل من الالتقاء بأبنائها بشكل ميسر وسهل، ومن المضايقات هو التفتيش الدقيق ووضع العديد من الاغذية بشتى الحجج وافتعال الاذى فمثلا يخلط السكر بالملح وتنتهي فاعليته فهو ليس بالملح وليس بالسكر او تحطيم بعض الاواني بدواعي البحث عن اوراق مخبأة هنا وهناك، وتمنع البطاريات الصغيرة التي تستعمل في اجهزة الراديو.
اقول حل مظفر مع سعدي الحديثي… في قاعة رقم عشرة وكنت مسؤولا عنها… وكانت فرصة كبيرة حيث التقينا ثانية وكان معنا ايضا الشاعر فائز الزبيدي ومجموعة من الضباط الشباب الطيبين وعلى رأسهم العقيد الطبيب الجراح رافد صبحي اديب وخليط من العمال والفلاحين والمعلمين والجنود واصحاب مهن عديدة كانت القاعة تضم اكثر من مائة واربعين معتقلا وهي لا تستوعب اكثر من ستين فردا وقد اضطررنا الى تقليص عرض الدواشك ومنح كل سجين مسافة 50 سم عرضا لكي تستوعب القاعة اكبر عدد ممكن من السجناء الذين بلغ عددهم اكثر من الفي سجين تتجاوز سنوات احكامهم عشرات الآلاف من
السنين.
كان في السجن نشاطات مختلفة كانت هناك برامج ثقافية بدءا بتعليم الاميين وكذلك دراسة اللغة الانكليزية وتشكيل فرق لكرة القدم والسلة والطائرة والجمناستك الى اللجنة الثقافية التي كانت تقيم الفعاليات الادبية وكانت تضم فاضل ثامر، محمد الجزائري، الفريد سمعان وكان مظفر يشترك في القاء قصائده المتمردة ويحظى بأستقبال كبير، وكان لكلماته اصداء شتى في صدور السجناء الذين كانوا بحاجة الى كل كلمة طيبة او لحن جميل واستذكار لتاريخ مضى ومستقبل منتظر… وكفاح يتواصل ولعل من ابرز ما كان يجري لاسيما عندما تجتمع الايادي والاجساد حول طعام العشاء.. وكان سعدي الحديثي يصعد بمقام يشد الابصار والايدي ويخرج الاذان عن صمتها وتتوقف الحركة برهة.. واحيانا يستجيب مظفر له ويصبح العشاء غنائيا اذا صح التعبير.
وكان عدد كبير من السجناء يلتقون بمظفر في اوقات مختلفة لاسيما ليلة احياء ام كلثوم لحفلاتها الشهرية حيث كانت تنتظم سهرة ويعد الطعام مبتدئا السهرة مع ام كلثوم حتى الصباح في مشوارها الشهري الذي اصبح تقليدا قبل ان يعيق التعب والاجهاد سيدة الطرب، وكان مظفر يقود هذه الجلسات الجميلة رغم عذابات السجن.




مأخوذ عن مجلة المدى ــ13 ــ4ــ2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟