الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للمجازر في فلسطين لغاها

سعيد مضيه

2023 / 10 / 21
القضية الفلسطينية


"إنها وطنهم ويودون البقاء مالكيه الوحيدين"، كلمات يقذف بها الكاتب الأميركي، ريزا بيهنام، بهتان إسرائيل وأنصارها، إذ يرجعون ما يجري على أرض فلسطين الى عداء تاريخي لليهود او لمعتقداتهم الدينية. فالكلمات تعود لداعية القوة لاجتثاث الفلسطينيين من وطنهم - فلاديمير جابوتينسكي ، مؤسس حزب حيروت سلف حزب الليكود الحالي- وذلك في سياق تبريره خيار سحق مقاومة الفلسطينيين بالقوة المسلحة، حيث أنهم لن يتخلوا طواعية عن وطنهم .

مفردات اللغة في زحمة الصراع

اللغة سلاح معبأ بالذخيرة القاتلة يستعمله الأقوياء كي يستدرجوا فرصهم المواتية ويحافظوا عليها أثناء النزاعات والحروب. لا أحد يدرك هذه العلاقة أفضل من جورج أورويل [ كاتب وروائي بريطاني متوفى]حين كتب عام 1946، "اللغة السياسية ... مصممة لفبركة أكاذيب تتمظهر بالحقائق، واغتيال من لا يقبلون، والظهور بمظهر التضامن مع الريح المجردة". تكتسب اهميتها "حرب الكلمات" كالمعركة ذاتها؛ والبروباغاندا تضم صفوف الوحدات المسلحة تدير تصورات الجمهور وتحشد المساعدة. القاعدة التي تقول "في الحرب، تسقط الحقيقة ضحية أولى" ، رفدت ميديا الشركات الكبرى بالدقة المتناهية الغطاء الوازن لهجوم 7 أكتوبر الذي شنته حماس ضد المحتل الإسرائيلي.

غرست إسرائيل في الحياة السياسية للولايات المتحدة، وبحزم خرافة انها دولة ديمقراطية ، شجاعة ومنيعة ؛ وفي حروبها الراهنة ضد الشعب الفلسطيني اكدت تل ابيب انها تتحكم في رواية الحرب وتسكت الأصوات المعارضة. ومع ميديا الشركات الكبرى ثبتت بالوعي العام من هو الهام- إسرائيل ، ومن هم عديمو الأهمية- الفلسطينيون.
أولى ضحايا حملة التلاعب بالوعي كانت استعمال كلمتي "الحرب" و"الصراع". . قاموس أكسفورد بالانجليزية يعرّف "الحرب " بأنها " حالة من الصراع المسلح بين دول او بلدان متباينة، او جماعات متباينة داخل بلد أو دولة "، تعريف الصراع " نضال او صدام بين قوتين متعارضتين".
إنه لتشويه للمعنى القول بان ما نشاهده في فلسطين حرب أو صراع؛ الكلمتان تنطويان على معركة اونضال بين متكافئين ، او يكادان يتكافئان، فئتين من البشر على مستوى واحد من حيث المصادر والادعاء.

بينما تدير إسرائيل عدوانها ضد الفلسطينيين في غزة ، تواصل الميديا صياغة غير صحيحة، قتل قوى الاستعمار للشعوب المستعمَرة حربا او صراعا. على سبيل المثال تستعمل محطات سي إن إن، إم إس إن بي سي و راديو ناشيونال بابليك مصطلح "إسرائيل في حرب" كي تخدع المشاهدين والمستمعين.
تل أبيب أعلنت الحرب على حماس ، الحزب السياسي؛ قطاع غزة الذي يؤوي2.3 مليون نسمة – تقدر مساحته بمساحة نيوجيرسي- ليس دولة ولا بلدا؛ يخضع القطاع لاحتلال إسرائيل وحصارها وأفضل تعريف له سجن مفتوح. الى أن يستطيعوا التغلب على الجدارالأمني المزود بتكنولوجيا متطورة ، الذي يفصل القطاع عن إسرائيل يظل المحاربون الفلسطينيون محاصرين خلف جدار يجعل من معركة أرضية ضد إسرائيل أمرا مستحيلا. فالجدار مبني من الفولاذ والإسمنت المسلح بارتفاع عشرين قدما ، مزود بجهاز استشعار ، ومزود بأسلحة تدار عن بعد وبانظمة رادار وكاميرات ومجسات تحت الأرض، هو "جدار حديدي" حول غزة. [يستعير تعبير جابوتينسكي عن جدار يستحيل على الفلسطينيين عبوره أو تجاوزه].
لا مقارنة بين القوة الكاسحة لآلة الحرب الإسرائيلية وسلاح حماس ؛ ليس لدى حماس جيش بحجم الجيش الإسرائيلي( يقدرون ب 40000 مقاتل) وليس لديها قوة جوية ، أو أسطول ؛ تعتمد حماس على صواريخ ومسيرات وطائرة شراعية؛ اما إسرائيل فلديها رابع جيش في العالم من حيث القوة (169000 بالخدمة و360000 احتياط )، اسطول طائرات أميركية إف -15 و إف 16 وإف 35 ، ولديها 2200 دبابة وكذلك صواريخ متطورة ومسيرات وتكنولوجيا المراقبة والتصنت قادرة على رصد وتدمير أهداف مفردة. رغم انسحاب إسرائيل من مستوطناتها بالقطاع عام 2005 إلا انها تحتفظ بسيطرة كاملة على الفضاء والمياه الإقليمية والحدود والكهرباء وعلى حركة الناس والسلع من وإلى القطاع. فرض النظام الإسرائيلي إغلاق قطاع غزة بعد ان فازت حماس بأغلبية مقاعد البرلمان في انتخابات ديمقراطية اجريت عام 2006.
تصدم المنطقَ والعقلَ والتاريخَ اللغةُ المستخدمة لوصف إسرائيل. تطلق صفة "محاربين" و "إرهابيين" على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية المحتلتين الذين يقاومون منذ 75 عاما أعمال سرقة الأرض والاغتيال والتعذيب والسجن بدون محاكمة لائقة ، والعقوبات الجماعية والتلاعب والإذلال وإبادة الجنس؛ بالمقابل يطلق على قوات الاحتلال الإسرائيلية قوات "د فاع" أو كوماندوز .

لا شيء يُنسى

بعد 7 أكتوبر وعد السياسيون الإسرائيليون ولوردات الحروب بعقوبات جماعية للشعب الفلسطيني سوف تظل راسخة في ذاكرتهم لأجيال قادمة. عضو الكنيست، أرييل كالنر، على سبيل المثال، دعا الى إنزال " نكبة أخرى تغطي على نكبة 1948"؛ يذكر بالمجازر وطرد ما يزيد على 750000 فلسطيني لدى إنشاء دولة إسرائيل؛ 73 بالمائة ممن يعيشون حاليا في غزة هم سلالات نكبة 1948، ولم ينسوها أبدا.
لإضفاء الشرعية على تأسيس دولة يهودية بفلسطين اخترعت إسرائيل منطقا ولغة سياستين جديدتين؛ حكاية تأسيس الدولة بالذات و" الاعتراف بها دولة "جاءا انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة .
عندما أعلنت إسرائيل استقلالها في 14 مايو / أيار 1948، بدون موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، اخترعت حقيقتها ؛ تلاعب زعماء الحركة الصهيونية بلغة قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 181، لكي يضفوا شرعية على دولة أعلنوها بانفسهم ولكي يقنعوا العالم انها تحظى بالدعم الدولي ، مستندين الى قرار التقسيم . القرار181 واحد من توصيات عديدة قدمتها الجمعية العمومية بصدد كيفية مواجهة مشكلة الانتداب البريطاني السابق . وبناء على المادتين 10 و12 – الفصل الرابع- من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 ، فإن الجمعية العمومية " قد توصي لمجلس الأمن بصدد قضايا"- لم يصوت مجلس الأمن أبدا على تشكيل دولة إسرائيل". [ مجلس الأمن قرر قبول دولة إسرائيل عضوا بالهيئة العامة للأمم المتحدة بعد تعهدها بإرجاع اللاجئين الى ديارهم]
شرعت إسرائيل ، إثر إعلان نفسها دولة ، نطبيق مخططها للتطهير العرقي في فلسطين والمعروفة ب خطة دالت، وصادق عليها رسميا زعماء الصهيوينة والجيش في 10 آذار/ مارس 1948. دعت الخطة، من أجل تشكيل أغلبية يهودية بفلسطين ، الى تهجير منهجي ، أو "ترانسفير " للفلسطينيين من وطنهم. وضعت خطة العمليات الحربية من اجل إجلاء الجمهور الفلسطيني بالقوة وتدمير مراكز المجتمع الفلسطيني وسحق مقاومته.
في العام 1982 تم دحض الرواية الإسرائيلية التي نسجتها بعناية ، من خلال قصف بيروت ذلك العام بضربات عشوائية وشرسة . ولكي يتصدى الكونغرس اليهودي الأميركي للنقد الدولي ويستعيد ثقة الراي العام العالمي ، أمر بعقد مؤتمر في القدس عام 1983 هدفه استنباط استراتيجية للترويج لدولة إسرائيل. تم تشكيل الهزبرة[ كلمة عبرية تفيد الخداع] الإسرائيلية؛ هدف المشروع ضمان الدعم الأميركي بلا تردد وإحالة نقد تصرفات إسرائيل امرا مستحيلا ؛ وكما نشهد اليوم في غزة فإن استراتيجية الهزبرة قد أثبتت نجاعتها.

فلاديمير جابوتيمسكي ونهج القوة

ما يجري في غزة ليس بالأمر الجديد من دولة إسرائيل ؛ دوما اعتمدت إسرائيل القوة، أقيمت بالقوة ؛ ونفذت أهدافها الكولنيالية طوال القرن الماضي التي طرحها رجال من شاكلة فلاديمير جابوتينسكي(19880-1940) مؤسس حركة المراجعة الصهيونية، سلف حزب الليكود الحالي. تشكلت سياسة إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني من أفكار جابوتينسكي في اوائل عقد العشرينات؛ في كتابه " الجدار الحديدي " أرسى الزعيم الضهيوني أسس الصهيونية لفرض دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية بالقوة. كتب يقول أن " الجدار الحديدي " من قوة عسكرية يهودية – التي يريدها الصهاينة جميعا- كانت الوسيلة لكسر تصميم الفلسطينيين ومقاومتهم للتوسع الاستيطاني . وأورد جابوتينسكي ايضا ان الأخلاق والضمير ليس بمقدورهما فرض السياسة ؛ وأن الصهاينة مضطرون لقبول حقيقة ان القوة والتطرف جزء لا يتجزأ من إنجاز الدولة اليهودية والحفاظ عليها .. لم ير جابوتينسكي الصهيونية عودة اليهود الى وطنهم الروحي، بل تفتح براعم الحضارة الأوروبية في الشرق؛ روح العصر، كما يراها في موالاة الغرب، فسّرها بإقامة دولة صهيونية تظل على الدوام حليفة للكولونيالية الأوروبية ضد العرب كافة شرقي المتوسط .
بعد ذلك بسنوات قليلة كتب اسحق رابين في مذكراته مستذكرا ما حدث عام 1948 بعد استيلاء القوات الإسرائيلية على مدينتي اللد والرملة ؛ استذكر محادثة له مع بن غوريون ، اول رئيس وزراء لدولة إسرائيل، تعلقت بمصير سكان المدينتين :"مشيْنا بالخارج يرافقنا بن غوريون ( ييغئال آلون) كرر السؤال ،’ ما العمل بالسكان الفلسطينيين‘؟ لوح بن غوريون بحركة يده، كانه يقول " اطردوهم خارجا"... بعد السيطرة على اللد وقع رابين امرا عسكريا يقضي إرغام الفلسطينيين على ترك بيوتهم فيما أطلق عليه لاحقا " مسيرة الموت لمدينة اللد..." لم توقف إسرائيل أبدا طرد الفلسطينيين من بيوتهم وقمع المقاومين . فتح هجوم حماس الباب لإسرائيل كي تسحق كل ما تبقى من مقاومة فلسطينية منظمة ذات شأن – والانتقال الى إنجاز الخطة التي تحدث تأييدا لها جابوتينسكي وبن غوريون وغيرهما من الصهاينة. تقتضي استراتيجية النظام الحالية إجبار أكثر من مليون فلسطيني يعيشون في القسم الشمالي من القطاع على ترك بيوتهم والهرب الى الجنوب. وحال "انتقالهم " فإن خطة دالت الصهيونية لعام 1948 للتطهير العرقي في فلسطين والسيطرة عليها جميعها تقترب من ان تغدو حقيقة واقعية.

حين تفشل الوسائل السلمية

يكافح الشعب الفلسطيني من أجل مستقبل يتحرر فيه من قبضة الكولنيالية الإسرائيلية والاحتلال العسكري. على الضد من هذا الهدف المشروع ترغب إسرائيل – آخر سلطة كولنيالية بقيت في التاريخ- بذل كل ما بمقدورها للاحتفاظ بمستعمراتها . والولايات المتحدة المهتمة بمستقبل قواعدها العسكرية في قلب الشرق الأوسط، منحت مباركتها للقصف العشوائي المتواصل واغتيال الفلسطينيين، مؤيدة تمرد إسرائيل على القانون، رغم ما تدعيه خلاف ذلك.
يقول أنصار إسرائيل ان العنف مبعثة كراهية لليهود متاصلة ، عداوة تاريخية ودينية . وعلى كل حال فمنطق وجود المقاومة الفلسطينية هو استعادة الأرض . ومنطق عداء الفلسطينيين يمكن العثور عليه في كلمات نطق بها جابوتينسكي "إنها وطنهم ويودون البقاء مالكيه الوحيدين".
تتالت السنين واحتل صهاينة متضاربون منصب رئيس الحكومة ، لكن اللغة والإيديولجيا لمؤسسي إسرائيل بقيت تواصل تشكيل التصرفات لكل نظام – " اطردوهم خارجا".
وعلى كل حال فالفلسطينيون ينذكرون كلمات الراحل نيلسون مانديلا ، رئيس جنوب إفريقيا الأسود وقائد حركة مناهضة الأربارتهايد ، وحياته تماثل حياتهم. أعترف مانديلا بأن انظمة معينة تمارس القسوة والظلم ، ولا بديل لضحاياها سوى المقاومة بالقوة .وفي زيارته للشرق الأوسط عام 1999 أعاد التذكير بنضالات الشعب الفلسطيني : " اختاروا السلام بدل المواجهة المسلحة، باستثناء حالات ... حين يتعذر التقدم ؛ وإذا كان العنف هو البديل الوحيد فإننا سنسلك درب العنف" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|