الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقدم الالي والتخلف النمطي المجتمعي؟ / 1

عبدالامير الركابي

2023 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


مع دخول الاله تضاعيف البنيه المجتمعية الاوربية، تحولت الى قمة والى نموذج وامثوله للتقدم، ولما يمكن ان تبلغه المجتمعات في سعيها المفترض للذهاب قدما وبحسب تصورها هي للتقدم، ولم يكن مثل هذا الاعتقاد من قبيل الافتراض، او وجهة النظر، فالالة من اهم مفاعيلها انها تفضي لتسريع الاليات المجتمعية، وترتفع بها مراحل غير مسبوقة، بحيث يصير ممكنا لجزيرة معزولة مثل "بريطانيا"، ان تتحول الى امبراطورية لاتغيب عن ممالكها الشمس، الامر الذي شمل اوربا بدرجات، وفي حال من هذا القبيل، لم يكن واردا التوقف عند مسالة من نوع، مااذا كان التقدم الحاصل والمشار الية"مجتمعيا"، ام "آليا"، وماالفرق بينهما؟
فهذا ممالم يكن قد وردت مقاربته على مستوى المعمورة، واذا كنت قادرا الان ومتاخرا نسبيا على فعل ذلك، فلانني ببساطه ابن ارض مابين النهرين، حيث النمطية المجتمعية الاعلى، بنوعها الاساس اللاارضوي، ومتعلقاته الازدواجية، وكيانيته الفوق ارضوية، الكونية الامبراطورية، حيث المقارنه بين هارون الرشيد، وحديثه مع الغيوم في حينه، لايمكن ان يقارن بالتوصيف البريطاني المتاخر، ليس هذا وحسب، ففي مابين 2334/2279 قبل الميلاد، ومن نقطة في اخر مابين النهرين جنوبا، لاتكاد ترى بالعين المجردة، ذهب سرجون الاكدي لاحتلال عيلام شرقا، وارض الشام والاناضول، وعبر البحر الى جزيرة كريت، ليعلن في حينه قائلا "انا حاكم زوايا الدنيا الاربع"، اي اول حاكم للمعمورة، ناهيك عن سلسلة الامبراطوريات، وصولا الى بابل عاصمة العالم القديم، وكل هذا تواليا، لم يحدث في حينه لان الالة اوجدته، بل كان بالاحرى فعلا مجتمعيا حصريا/ يدويا/، محركاته نوع مجتمعي بآليات استثنائية.
والمذكور لم يرد بقصد التباهي الذي هو صنعة الغرب الحديث، واساس متلازم مع ظاهرته ووجوده، لدرجه الابتذال احيانا، ولو كان المقصود ذلك، لذهبنا الى كوراجينا كمثال 2355 ق ـ م وشريعته حيث وردت لاول مرة في التاريخ، كلمة "حرية/ امارجي" وكل " حقوق الانسان" المعروفة اليوم، مع حقوق المضطهدين والمستضعفين، ذلك ان الامر الاهم لهذه الجهة، يخص ويتعلق بقضية اخرى جوهرية، تتعلق بالتحول الالي ومبتغياته، ومامترتب عليه فعلا لا افتراضا، ومن باب البناء على الظاهر، مع استهسال استعمال المتحقق الاني والمتغير الطاريء، بما قد اوجب الانتباه الى ضرورة عدم الانسياق وراء حمأة الانقلابيه الغربية الحديثة والخضوع لها، على حساب الحقيقة التي لم تسقط من الاعتبار والفعل بسبب الاله وحضورها، ومارافقها ونتج عنها من حالة نهوض اوربي غامر وشامل، كان الاحرى ان تكون من بين، لابل في مقدمة موضوعاته الحرية بالانتباه والاهتمام، التفريق بين " تقدم آلي" راهن متاخر و " تقدم مجتمعي" تكويني بدئي.
هذا والغرب وجد بحالته اليوم مصرا على الغاء اية احتمالات مجتمعية سابقه، وبالاخص متميزه على حالته الراهنه، او يمكن ان تكون مستحقة لاي توقف، سوى كونها متاخرة عنه، "متخلفة"، بحكم انها لم تعرف التحول الالي البرجوازي، وهو مالم يسلم منه العراق الحديث ابتداء من عام 1914 يوم نزلت الحملة البريطانيه في الفاو، اقصى جنوب العراق، وراحت تضطلع خلال ثلاث سنوات بازاله الوجود التركي العثماني، صعدا الى بغداد عاصمة الامبراطورية العباسية المنهاره، والباقبة رمزيا كموضع براني، تتناوب عليه الممالك والسلالات، ابتداء من هولاكو 1258 الى العثمانيين، ومن ثم واليوم، الانكليز الذين اعلنوا احتلالهم لها عام 1917.
ولم يكن يخطر للمحتلين الاليين، ان يكون الموضع الذي احتلوه قد عرف عملية تشكل تاريخي حديث، سابق على الظاهرة الالية الغربيه الحديثة، بدات مع القرن السادس عشر، ومن ارض سومر الاصل، مع تبلور "اتحاد قبائل المنتفك"، الحقبة التشكلية القبلية، قبل الحقبة التانية الانتظارية النجفية، فمثل هذا النوع من التلبث والوقوف لاجل التحري، ماكان واردا ولا هو باية حال، من اختصاص حملة عسكرية احتلالية، فضلا عن انها بالاجمال خارج حدود وممكنات الاحاطة والتصور الغربي والبريطاني منه، ماقد جعل الحملة المذكورة تميل للفبركه الكيانيه الافنائية، فتسقطها على المكان، مرتكزه الى توليفة ووصفة للعراق الحديث، اضطلع بتركيبها الضابط الملحق بالحملة "فيليب ويرلند"، معتبرا "العراق الحديث" نتاج التشكل المبتدء من 1831 عام الاحتلال التركي الثالث لبغداد.
ومن هنا تبدأ وبدات سياقات التفارقية الاصطراعية، بين طرف متقدم آليا، بمقابل مجتمعية متقدمة تكوينيا بنيويا تاريخيا، الثانية غير ناطقة، ذاتيتها مؤجله تعبيرا، لاسباب موضوعيه تخص علاقة الكائن البشري بالعموم، بالظاهرة المجتمعية، وقصوره عن ادراك منطوياتها، ماقد احال مسارات واتجاهات الاصطراعية الناشبه بمناسبة التصادمية الحاصلة بين الطرفين في جانب اساس منها، الى فعل الديناميات، من دون حضور نطقي، ومنح الجانب الالي الاستعماري ارجحية النطق والهيمنه النموذجية، برغم القصورية الفاضحه التي عاشها افي هذا الموضع، ابتداء من الثورة اللاارضوية الاولى غير المسبوقة، والتي لاشبيه لها، عام 1920 وماترتب عليها من اتجاه بريطاني للانسحاب من العراق، والذهاب لاعداد كل موجبات المغادرة عسكريا، لولا استدراكيه متاخرة، قالت باقامه حكم من اهل البلاد(1) يستعمل ستارا للنفوذ البريطاني بحدود الممكن، الامر الذي لم يغير شيئا من حال المحتل، مع انه منحه بعض الوقت المضطرب المحتدم الذي لم يهدا لحظة،(2) الى ان انتهى بسحقة وسحله في الطرقات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)لجأ الاحتلال الانكليزي هنا الى ما يضعنا عند ظاهرة ومرحلة "الاستعمار الجديد" قبل اوانها باربعين عاما، فكان ذلك بمثابة اعلان انتهاء ظاهرة الاستعمار القديم في حينه، فلقد "حدثت في نهاية 1919، ونهاية 1920 احداث جسيمه في العراق كادت تؤدي الى هزيمه محققه لقوات الاحتلال البريطاني. فلقد قامت الثورة في نهاية حزيران 1920، واشتعلت نيرانها في الفرات الاوسط، وسرعان ماانتشرت الى منطقة الغراف والعمارة وديالى، وبقية انحاء العراق، ولقد تكبد البريطانيون خسائر كبيرة مما اضطرهم للشروع بالانسحاب كليا من العراق، وبالفعل اعد الكولونيل ولسون مشروعا مفصلا بالانسحاب العسكري من العراق،، لكن السلطات البريطانيه في لندن رات انه مازالت هنالك فرصة لتدارك الهزيمه الكلية، فاستدعت السير برسي كوكس، واطلعته على الموضوع، فاشار الى ان هنالك املا" خمسين بالمائة" بالنجاح في انقاذ النفوذ البريطاني في العراق، ولكن بشرط تشكيل حكومه عراقية تستعمل كواجهه للحكم البريطاني في العراق"/ ابراهيم علاوي/ البترول العراقي والتحرر العراقي/ دار الطليعه/ بيروت ـ ص 56/ نقلا عن كتابي ولسن " الولاء" و"تعارض الولاء"، وكذلك رسالة جرترود بيل حيث تحتوي على فصل كتب من قبل السير بيرسي كوكس يشير بوضوح الى هذه القضية/ راجع الهامش ذات الصفحه.
(2)وتكتب "مس بيل" واصفة حال الجيش البريطاني اثناء ثورة 1920
فتقول : "ان نهاية الامبراطورية الرومانيه، تعتبر اقرب حدث تاريخي يقارن بوضعنا في الوقت الحاضر"/ من رساله لبيل مكتوبة في 5 ايلول 1920/ بيل ج2 ص 498/ راجع ل ـ ن كوتولوف ( ثورة العشرين الوطنيه التحررية في العراق) مكتبة النهضة/ بغداد/ دار الفارابي ـ بيروت/ تعريب عبد الواحد كرم/ مراجعة عبدالرزاق الحسني/ ص 130ـ
(3)عرف العراق مابين 1921 / 1958 بالتعاقب 59 وزارة، اي مايقرب من وزارة كل ست الى ثمانية اشهر، بعضها لم يتعد عمرها الايام، كما عرف 16 مجلسا نيابيا، لم يكمل دورته من بينها سوى مجلس واحد فقط، ( الدورة النيابيه العراقية في العهد الملكي تستغرق اربع سنوات) واعلنت الاحكام العرفية في البلاد خلال 38 سنه 16مرة،/ ثورة 14 تموز 1958 في العراق / ليث عبدالحسين جواد الزبيدي/ وزارة الثقافة والاعلام العراقية/ دار الرشيد للنشر/ 1979/ صص 20 ـ 21 .
وفي العراق قام عام 1936 اول انقلاب عسكري في العالم الثالث، هو الذي دشن ظاهرة الانقلابات العسكرية في هذا الجزء من العالم، كما عادت لتسقط فيه لاحقا ولم تعد مجدية، وسيلة الانقلابات العسكرية، وثبت ان الحركة المجتمعية المضادة تفوق طاقة العسكريين على السيطرة، ماجعل قضية الحزب العقائدي، ومعسكر "العمالة المفهومية" الحزبية الايديلوجيه، يتحول الى خيار دولي، حاسم، لايمكن التفكير بغيره، بالاخص بعد تجارب العسكريين وانقلاباتهم منذ ثورة تموز 1958، ماافضى لدخول النفط والريعيه وماتوفره من استقلالية الدولة عنصرا حاسما لضمان استمرارية الدولة من اعلى.
واذا عددنا الانتفاضات والاضرابات في الريف والمدينه، والكبرى منها في 1948/1952/ 1956مع مئات الوف ايام الاضرابات العمالية، وصولا الى انتفاضات الريف: التي لم تتوقف او تصبح خارج الاحتدامية الشعبيه المضادة للدولة، من اعلى، بل تواصلت محورة بحسب كحركة مطلبية مناهضة للافنائية كما مجسدة في تحوير ملكية الارض على الوجه التالي: " فقد استمر هذا النضال حتى سنه 1935 عندما انتفض فلاحو سوق الشيوخ واجبروا الحكومه الملكية على اطفاء الطابو اي دفع تعويضات باقساط لانهاء حي الطابو. وفي 1921 ـ 1922 ثار فلاحون من ال فتله في الشامية وابي صخير ضد شيوخهم من ال فرعون. وقد تدخلت السلطات الاقطاعيين وقمعت الانتفاضة. كما حدثت انتفاضة مسلحة قام بها فلاحو البو متيون ضد الاقطاعيين من ال الياور في عام 1خ946 في الموصل قمعتها الشرطة بوحشيه، وعصيان آل ازيرج على اقطاعييعهم في العماره سنة 1952، ونضال فلاحي دزه يي في 300 قرية في اربيل سنه 1953 لتخفيض بدل الملاكية واسترجاع الاراضي الاميرية من الاقطاعيين. وفي نفس السنه انتفض فلاحو هورين شيخان في لواء ديالى وفلاحو وارماوه( حلبجة ـ سليمانيه ) لاسترجاع الاراضي الاميرية من الاقطاعيين وقد قمعت الحكومة الملكية الرجعية كل هذه الانتفاضات بالقوة. وفي عام 1954 تمرد فلاحو الشاميه على الاقطاعيين ولم تستطع الحكومه قمع هذا التمرد لاتساعه وعمقه والتاييد الشعبي الذي اكتسبه مما اضطر الحكومه الى اصدار قانون المناصفه، اي ضمان نصف الغلة للفلاح وهو مطلب الفلاحين المتمردين، ولكنها لم تطبق القانون الا في عام 1958. وفي عام 1955 انتفض فلاحو بني ازيرج في الرميثة لايقاف نهب الاقطاعيين لاراضيهم فقمعت الحكومه الانتفاضة بالقوة المسلحه.
وفي عام 1956 شب صراع حاد بين الفلاحين من بني عارض والبو حسان وبين الاقطاعي سوادي الحسون حلته السلطة بالحديد والنار لصالح الاقطاعي. وكان اخر واقوى نضال فلاحي قبل 14 تموز 1958 هو انتفاضة الفلاحين المنظمه في الديوانيه( من الدغارة حتى الرميثه) في نيسان 1958 وقد لعبت الجمعيات الفلاحية السرية دور المنظم لهذه الانتفاضه، مما اضطر الحكومه الى التراجع امام هذه الحركة المنظمه وطبقت قانون المناصفة الذي كان مطلب الفلاحين المتمردين." المصدر اعلاه / صص 35 ـ 36 ـ 37. وليست هذه كل الانتفاضات الفلاحية ففي عام 1941 قامت انتفاضة ال عايد المسلحة في الغراف وكان لها صدى كبير ولا ننسى بالمناسبة انتفاضة الحي وتحرير المدينه من قبل اهلها.
وكل هذا يعني ببساطة ان الدولة التي افترض الانكليز انهم اقاموها، ماكانت بالاحرى سوى هيكلية برانيه فارغة، بلا سلطة، وان دولة من اسفل كانت قائمه كما المعتاد في تاريخ العراق المديد، حيث استحالة الدولة الكلية الاحادية من اعلى، كما هو الحال على مر التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة